لذكرى رحيل الدكتور سمير سلباق
من وحـي لقائنا الأخيـر
بقلم: مارون سامي عزّام
تبًّا، لا يستطيع أحد أن يوقف زحف الموت، الذي ألقى بشخصٍ مميّز مثل الدكتور سمير سلباق، من أعالي قمّة عطائه، في غور الفراق السّحيق. لقد أحببت بالماضي جلساته، وتسامرتُ معه لليالٍ طويلة، داعبت الضّحكات لحظاتنا، من خلال سهراته الطويلة في منزلنا مع صديقيه، الطبيبين زاهر وكميل عزّام، اللذين تأثّرَا لرحيله المبكر. عندما التقيت به صدفةً، لم أعلم أنه سيكون اللقاء الأخير، فذكّرته بتلك الفترة الشّبابيّة الذّهبيّة، ووجدتُ الذّكريات ما زالت حيّة في ذاكرته، لم ينفِها إلى منفى النسيان، رغم تداعي لوائح الأشهر والسنين فوقها.
خلال هذا اللقاء القصير، لم أصدّق أن يد ذلك المرض اللعين قد تجرّأت وطالته، لأنّي وجدته وهو في منتهى الحيويّة الاجتماعية التي اتّسم بها سابقًا، كانت الأُلفة طيِّعةً لإرادته القويّة، أذكُر طرافة حديثه، ولم تبدُ عليه إمارات التعب أو الاستسلام للمرض، كما تميّز لقاؤنا بالطيبة، ووجدته حافظًا لعلاقة الصداقة التي نشأت بيننا، رغم مرور العُمر على درب حياته المليئة بالمسئوليّات المهنيّة والالتزامات الشخصيّة.
تواضعه كان كنز نجاحه، الذي أبى أن يغتنمه الغُرور. هذه الصّفات ميّزت الدكتور سمير، ولم تختفِ من أصالته، لم يمحِها الزّمن من جدول مواعيده العامّة والخاصّة، بل بقيت متجمّعة في واحة إنسانيّته. ملامحه لم تتغيّر كثيرًا، وظلّ محتفظًا بطَلّته الأنيقة... لمحت بريق البشاشة يسطع في عينيه، ينتشر فوق سماحة وجهه، لم ينطفئ أبدًا حتّى خلال مرضه، فقاومه بدرع تفاؤله، الذي لم يتخلَّ عنه.
كان احترامه للآخَرين مبدًأ من مبادئه الأخلاقيّة، التي زيّن بها واجهتَي سلوكه وتصرّفاته، وامتدّت إلى شبكة علاقاته. كان لطفه مفتاح تواصله الدّائم مع مرضاه. في ذلك النهار، غطّى غمام الحُزن سماء شفاعمرو والمنطقة، لأنّ شمس السعادة غابت عنوةً عنها عامّةً وعن أسرته خاصّةً، خلف بحر الوداع. لم يكن رحيله خسارة لشفاعمرو والمجتمع فحَسب، بل خسارة لكل شخص عرفه، سواء من قريب أو من بعيد، فأمثاله من الأطباء، تبقى مكانتهم عالية، حتّى بعد انتقالهم إلى جوار ربهم، الذي شاء أن يختاره ليكون معه في الأخدار السّماويّة، قبل الأوان.