"مواقف لافتة في تاريخ طائفتنا العربيّة المعروفيّة"
...نحن شعب لا نعتدي على أحد،ولا نقبل أن يُعتَدى علينا!
بقلم:شريف صعب-أبوسنان
عزيزي القارئ:
تمرّ بحياة الأفراد والشّعوب أحداثٌ ومواقفُ كثيرة يتطلّب الأمر فيها تفعيل العقل السّليم مع قدرٍ كبيرٍ من الأخلاق والقِيَمِ مُدعّمةً بالإيمان والأمانةِ والأعراف والعادات الّتي تربّت عليها هذه الشّعوب وهؤلاء الأفرادِ.وقد حصل في تاريخ طائفتنا المعروفيّة أكثر من حَدَثٍ استوجب الإنتباه إليه وتقييمه والتّعامل معه حسب ما يستحق وما يستوجب...لتبقى ضمائرنا ونفوسنا مرتاحة وراضيةً.
وما من أحدٍ ينكِرُ أنّ الأخلاق تبدأ وتنمو في الحاضنة الأولى للإنسان، ألا وهي البيوت، فهناك يتلقّن الأفراد الحكمةَ والأصولَ فينمو العرف الإجتماعيّ، ولم يبخل علينا الشّاعر العراقيّ العظيم"معروف الرّصافيّ، عندما كتب بهذا الصّدَدِ فقال:
هي الأخلاقُ تنبتُ كالنّباتِ إذا سُقيَتْ بماءِ المَكرماتِ
تقومُ إذا تعهّدها المُربي على ساقِ الفضيلةِ مُثمِراتِ
حتّى يقول:
ولم أرَ في الخلائِقِ من محلٍّ يُهَذِّبُها كحضنِ الأُمّـــــهـــاتِ
فلا شكَّ أنّ الأخلاقَ والأعرافَ والتّربيةُ السّليمةُ قد سبَقت الدّياناتِ...وقُيودها بآلافِ السّنين!
وقال أميرُ الشُّعراء، شوقي:
وإذا أُصيبَ النّاسُ في أخلاقهم فأَقمْ عليهم مأتًمًا وعويلا
إذًا،عزيزي القارئ،إذا فقدت الأُممُ أخلاقها أصبحت جاهلةً غافلةً عاقره!
وهنا وددتُ أن أتطرّق إلى بعضِ الأحداثِ الهامّة والّلافتةِ في تاريخ طائفتنا المعروفيّةِ في شرقنا،في سوريا وفي لبنانَ وأنْ أُركّزَ على بعضها،هُنا،في دولة إسرائيل،فأقول:
لنفترض أنّ عضوَ الكنيست المُستقيل، السّابق، الدّكتور عبدالّله أبو معروف، المحترم، إبن قريةِ"يركا" العامرة، رفض التّنازل عن مقعدهِ البرلمانيّ، رغم تعهُّده بذلك قبل الإنتخاباتِ، بالطبعِ كانت الدّنيا قامت ولم تقعدُ ولكان أدخل ناخبيهِ ومجتمعهِ في دوّامةٍ من الجَدَلِ العقيمِ ولموجةٍ من القال والقيل، وربّما كان الأمرُ سيُولّدُ أشياءَ لا تُحمَدُ عُقباها، عندها كان سيُعلِّمُنا درسًا لن ننساهُ في مجالِ...خيانة الأمانة!
لقد اتَّخذَ أبو معروف موقفًا شُجاعًا أساسُهُ الوفاءُ بالوعود والإخلاصُ في التّعاملِ فاستقالَ، وعلى ذلك يجب أن نُحيّيه وأن نشُدَّ على أياديه وأن نتمنّى له النّجاح في مسيرةِ العطاء حيث لا أحد يستطيع أن يتجاهل فعاليّاتهِ ونشاطاتهِ البرلمانيّةِ الّلافتة خلالَ فترة عملهِ البرلمانيّ!
وإذا قارنا هذا الموقفِ التّاريخيّ بقرارِ المرحوم الشّيخ"حماد أبو ربيع"،قبل حوالي أربعين عامًا،بعدمِ الرُّضوخِ إلى الحقّ وعدم الوفاء بالأمانة وعدم الإستقالةِ، الّتي كان مُتَّفَقٌ عليها مُسبقًا،مع ما آلت إليه الأمور،حينها،حيثُ أدّتْ إلى حَدَثٍ مأساويٍّ مؤسفٍ هزّ المُجتمع العربيّ،خاصّةً،والإسرائيليّ،بشكلٍ عام،لو قارنّا هاتَينِ الحالتينِ لفهمنا فداحةَ الخَطَأ!
لا أحد ينسى،ومن ينسى فهو المسؤول عن قرارهِ،ما قام به أبناء الطّائفةِ الدّرزيّةِ في عام النّكبة عام ألفٍ وتسعمئةٍ وثمانيةٍ وأربعين حين هبّوا لاستضافةِ وإيواء ودعمِ النّازحين الّذين نزحوا عن قُراهم في الدّاخل الفلسطينيّ...كما يفعلُ، الآن، دروز الجبلِ الأشمّ مع الّذين نزحوا من مناطقِ القتال في سوريا حيث وفّروا لهم كلَّ أسبابِ العيش الكريمِ،ونقول ذلك دون مِنّةٍ لأنّ هذا التّصرُّفِ صادرٌ عن أمانةٍ وعهدٍ صادقٍ من الإنسان لأخيه الإنسان...وما نحنُ بمنّانينَ!
وللأسف يُفاجُئُنا موقفٌ محلّيٌّ ساقطٌ آخر على صعيدٍ إجتماعيٍّ وأخلاقيّ،حين هبّ نفرٌ من أبناء كفر قرع "الأبيّة" يُعارضون بشدّةٍ أن يُديرَ مدرستهم الثّانويّة شابٌّ درزيٌّ،هو الدّكتور "أيال عيسمي"،من"داليةِ الكرمل"،جذورُ عائلتهِ الكريمةِ مُتأصِّلةً في جبلِ الدُّروز الأشمّ!
إنّهُ لموقفٌ يُؤسَفُ عليهِ،خصوصًا أنَّ على رأسِ الّذين تبنَّوهُ،يقفُ إمامُ جامعِ البلدةِ...وانظروا ماذا حصلَ،فمن شرفِ أخلاقِ الدكتور المحترم أنّه تنازلَ عن المنصبِ،رغمَ أنّه إختيرَ له بمناقصَةٍ قانونيّةٍ لا غُبارَ عليها!
أعتقدُ أنّ القرارَ الجريء،المُشَرّف الّذي اتّخذهُ العيسميّ يرفعُ رؤوسّنا عاليًا،ويدلُّ على أصالةٍ حقيقيّةٍ،لأنَّ...زواجًا من دونِ محبَّةٍ،لا خيرَ فيهِ!
إنَّ قُرانا الدُّرزيّةِ تعِجُّ بمئاتِ وآلافِ العاملين والمُعلّمينَ من جميعِ أطيافِ المُجتمعِ المّدّنيّ،خصوصًا من إخواننا المُسلمين،ونحن، لا ولن نسمحَ لأحدٍ أن يمُسّ شعورَ أيٍّ منهم،مهما كان من أمرٍ...فكلُنا أبناءُ ربٍّ واحدٍ أحد!
وهُنا لا بُدَّ من التّنويه إلى أنَّهُ حتّى في سنواتِ الأربعين،عندما كانت بلادُنا ترزحُ تحت نير الإستعمارِ اليريطانيّ،جلبتِ السُّلطاتُ الإنجليزيّةُ مُديرًا ليُديرَ مدرسةَ"عكا"الثّانويّة،يُدعى"سامي عيد"من قريةِ"بعقلين"الّلبنانيّةِ،وذلك لعدَمِ وجودِ مُديرٍ يليق بالمنصبِ في عكا وضواحيها،عندها،أيضًا"،هبَّ عددٌ كبيرٌ من العكّيينَ، مُعارضينَ بشدّةٍ تعيينَ هذا الرّجل في مدينتهم مُديرًا...كونهُ درزيًّا،مع أنّه كان قويًّا، كريزماطيًّا،يشهدُ له كل من عرفهُ في ذلك الوقت ،وقد قاد المدرسةِ...كالأسدِ الغضنفر!
ولا نستطيعُ أن نَمرّ مرَّ الكرامِ،أيضًا،عن موقفٍ مُشَرِّفٍ آخر حصلَ في المدّةِ الأخيرةِ،بعدَ قضيّةِ"العيسميّ" في قريةِ"يركا"،الشّامخة بأخلاقها وأصالتها،وذلك حين اختار مُدير مركز"عتيد"في يركا،السيّد وليد مُلّا مُديرًا للمدرسةِ الثّانويّةِ هناكَ،هو الأستاذ"أحمد حمزة"،إبن قريةِ"شعب"،الجليليّة،كونهُ مُسلمًا،دون أن يُعيرَ السيّد ملّا ذلك الأمر اهتمامًا!
حقًّا إنّ هذا الموقف لموقِفٌ مُشَرّف،يَدُلُّ على حُسنِ الاختيار وعلى أخلاقٍ ساميةٍ تقول:"الرّجلُ المُناسب في المكانِ المُناسبِ"دون الإلتفاتِ إلى الّلونِ أو الدّين أو الجنسِ.هكذا يجب أن تتِمّ الأُمور.فنحنُ شعبٌ يُسيِّرهُ"العقلُ الكُلّيُّ" وسوفَ لا يثنينا عن أُصولنا وأخلاقُنا وقِيَمِنا أيُّ شيءٍ فنحن لا نعتدي ولا نقبلُ أن يعتدي علينا أحدٌ...نأمرُ بالخيرِ وننهى عن المُنكرِ،ذلك ممّا اقتضى التّنويه!
مع تمنّياتي الحارّة للأمّةِ الإسلاميّةِ والعربيّةِ ولطائفتي المعروفيّةِ الأبيّةِ بحلولِ عيدِ الأضحى المُبارك!!