كلمة حقّ في شخص قدس الاب عطاالله مخولي
بقلم: الدكتور منير توما كفرياسيف
أتحفنا قدس الأب الايكونوموس عطا الله مخولي بكلماته العابقة بالبركات وبروح المحبة والايثار حين شرّفني بمشاركته في الأمسية الاحتفالية الخاصة بي التي نُظمّت في نادي حيفا الثقافي برئاسة الاستاذ المحامي فؤاد نقّاره، وبرعاية المجلس الملّي الارثوذكسي الوطني حيث برز في كلمات الأب الغالي عطا الله مخولي العمق الذي يلتقي عنده الانسان بالله في المسيح، في عالم من حبِّ، يحوِّل العطاء الى أخذ والموت الى حياة، والهدم الى بناء، والحزن الى فرح، والهلاك الى خلاص.
تمامًا كما قال الرب:
"كل من أهلكَ نفسهُ من أجلي ومن أجل الانجيل يخلص".
بهذهِ المعاني أفاضَ واستفاضَ الأب الكريم بنفخاتٍ ولمساتٍ من أخوّة الإنسان لأخيه الإنسان أفقيًا، ومحبة الله للإنسان رأسيًا ليلتقي الانساني بالإلهي وليشكّل هذا التقاطع صورةً لصليب المحبة والفداء والخلاص لكل الناس من بني البشر حين نضع المسيح في قلوبنا دون أن يكون ذلك حائلاً أو عائقًا بين حريّة الانسان واختياراته وقناعاته في هذه الحياة.
إنّ قدس الأب عطاالله مخولي كان وما يزال وسيبقى بمشيئة الرب ليس كاهنًا لرعية الروم الارثوذكس في كفرياسيف فحسب، بل إنّه رمز روحي واجتماعي وإنساني لكفرياسيف خاصةً وللمنطقة عامةً بكافة انتماءاتها وشرائحها بفضلِ مناقبة الخيّرة التي يكللّها التسامح والاخاء والدعوة الدائمة الدؤوبة للوحدة والوئام، وبالفعل هذا ما نلمسه دائمًا، ويعرفه الجميع عن هذا الأب الانسان رفيع الخلق، نبيل الخصال الذي لا يألو جهداً، أو يضنُّ بوقتٍ لخدمة رعيتهِ وبلدهِ وشعبه ووطنهِ والانسانية دون تمييز أو استثناء لأيَّ فئةٍ من فئات المجتمع بأسرهِ.
يُمثِّل الأب عطاالله مخولي قدوةً ونموذجًا للمسيحي الحقّ المدعو كالمسيح الى رفض كل ما يخرج بالانسان عن هذا المخطط الالهي القائم على الحب اولاً، وعلى الحب ثانيًا، وعلى الحب دائمًا لتلتقي وتجد هذه المباديء السامية صدىً لها في قول كبير المتصوفين الشيخ الأكبر محي الدين بن عربي:
أدينُ بدينِ الحُبٍّ أنّى توجَهَتْ
ركائبُهُ فالحبُّ ديني وإيماني
ولن نكون مبالغين اذا قلنا إنّ اكثر الناس غنىً بالوقت والعطاء، وأكثر الناس قدرة على البناء والخلق، أولئكَ الذين وجدوا السِّر في نسيان الذات كالأب عطاالله مخولي، ذلك الانسان الذي كرّس وقته وحياته ورسالته الكهنوتية للاهتمام بالآخرين، وفقط بالآخرين، لا يهتمون بذواتهم صحةً، ومالاً، وغذاءً، إلاّ بمقدار ما يغذّي هذا الاهتمام بالذات اندفاعهم صوب الآخرين والتزامهم بمشكلات الآخرين. وكل ذلك نابعٌ من ذاتٍ معطاءة تتجاوب مع قول السيد المسيح:
"ابن الانسان قد جاء لا ليُخْدَمَ، بل ليَخْدِم ويَبْذُلَ نفسَهُ فديةً عن كثيرين" (متى 20: 28).
نَعَمْ، هذا هو قدس الأب عطاالله مخولي بمحبّته الفائقة، بتسامحه الشّفاف وبألفاظه النّيرة وبتواضعه الجمّ الّذي ينطبق عليه قول الشّاعر:
تواضع تنل في النّاس رِفْعة
فإنّ رفيع القوم من يتواضعُ
فللأب الكريم كلّ الشّكر والتقدير والاحترام المصحوب بدوام الثناء والاطراء مع أطيب التمنيات بموفور الصحة والعطاء والتوفيق المستمر، وليكن سلام المسيح في قلبك.