كان أحد مبررات القاضية لتمديد اعتقال شيخ الأقصى والمسرى الشيخ رائد صلاح يوم أمس الأربعاء 6.9.2017 هو أن الشيخ شخصية ذات تأثير كبير وأن الإفراج عنه حتى للحبس المنزلي لن يحد من تأثيره وتأثر الناس به ، ومبرر آخر كان تلاوته للآية القرآنية الكريمة :" ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون " .
إذا نحن أمام مشهد إسرائيلي يسعى الى تجريم مسألة الإعتقاد والدين وحرية الكلمة وحرية العبادة ، نحن أمام مشهد إسرائيلي غير مسبوق لتجريم المفاهيم الإسلامية والدينية والوطنية وتجريم قيادات العمل الوطني وقيادات العمل الإسلامي واعتبار تأثيرهم في الناس وتأثر الناس بهم جريمة يعاقب عليها السجان الإسرائيلي بإيداع صاحبها في غياهب السجون .
التأثير في الناس وتأثر الناس به ، وحب الناس أضحى في عرف القضاء الإسرائيلي تهمة توجب تمديد اعتقاله حتى نهاية الإجراءات القانونية ، ولا شك ان الشيخ رائد صلاح شخصية محبوبة في أوساط شعبه وأمته وله تأثيره عليهم ، بل انه يحظى على احترام كل من يعرفه لدماثة أخلاقه ولتواضعه للناس ولحبه الخير لكل البشر من حيث هم بشر ، ولتضحياته وبذله كل الجهد لتقديم كل معونة ومساعدة لأبناء شعبه ، وكل من يعرفه يعرف كم يحب هذا الإنسان أبناء شعبه وكم يبذل من أجلهم من جهد وكم يتقطع قلبه ألما عندما يرى أحدهم مهموما ولا يستطيع أن يقدم له المساعدة التي يريد ، وكم كان يحزن عندما يتعذر عليه مساعدة محتاج وكم كان يقول ماذا أفعل وهل يمكنني حمل هموم كل الوسط العربي جملة واحدة، وكم وكم وكم .... هي أخلاقه التي جعلت الناس يحبونه ويتأثرون به ويتسابقون للقائه .
هذه الأخلاق والشيم أضحت في عرف القضاء الإسرائيلي "المتنور" تهمة توجب اعتقال الشيخ رائد صلاح في زنزانة صغيرة هي مكان الصلاة والطعام والنوم والمرحاض . فهل نحن أمام مشهد إسرائيلي يسعى الى تجريم القيادات المؤثرة لمجرد ان الناس تحبهم وتتأثر بهم وبالتالي يصبح ذلك مبررا لاعتقالهم والزج بهم في غياهب السجون .
" ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون " إنها آية في القرآن الكريم ، وهي عقيدة ودين يتعبد المسلمون بتلاوتها ويؤجرون على ذلك ، ويأثم من يتنكر لها بل يخرج من ملة الإسلام من ينكرها لأنها دين وعقيدة لا يملك أي كان أن يلغيها من الماضي والحاضر والمستقيل الإسلامي الى ان تقوم الساعة . تلاوة هذه الآية القرآنية الكريمة كانت مبررا إضافيا لقاضية محكمة الصلح في حيفا من يوم الأربعاء 6.9.2017 من أجل إصدار قرارها باعتقال الشيخ رائد صلاح شيخ الأقصى والمسرى حتى نهاية الإجراءات القانونية ، وبنظرة بسيطة جدا لا تحتاج الى محللين سياسيين ولا محللين حقوقيين ولا محللين اعلاميين فإننا أمام قمع واضح لحرية الإعتقاد والعبادة والكلمة ، أي أن الفضاء الإسرائيلي يخالف بشكل واضح جدا لا لبس فيه الحقوق الأساسية التي كفلتها كافة المواثيق الدولية لبني البشر وقد اكد هذا المعنى "الإعلان العالمي لحقوق الانسان" الذي أقرته هيئة الأمم المتحدة في اجتماعها المنعقد في باريس يوم 10 كانون أول / ديسمبر 1948 .
المشهد الإسرائيلي الآن مشهد ينضح بالعنصرية وقمع الحريات بل وقمع كل من يغرد خارج الإجماع الصهيوني وليس أدل على ذلك من تقديم 132 مشروع قانون عنصري للكنيست خلال السنوات الأخيرة أقر منها حتى الآن 20 قانونا وعشرون أخرى في المراحل الأخيرة منها قانون منع إحياء النكبة وقانون منع الأذان وقانون يهودية الدولة ....
وهذا يقود الى المشهد الذي بات يلاحق المقدسات والمصطلحات الدينية كمصطلح الشهادة والرباط ويصفها بالإرهاب وقد أكدت الهيئة الإسلامية العليا "ان الاحتلال الإسرائيلي" في إقدامه على إدانة هذه المصطلحات فهو إنما يفعل ذلك بسبب هزيمته في مسألة محاولة تغيير واقع المسجد الأقصى عندما ثبت المقدسيون والمرجعيات الدينية على رأسهم وهم يؤدون صلاتهم بشكل سلمي حضاري بعشرات الآلاف بل بمئاتها في شوارع وأزقة القدس الملاصقة للمسجد الأقصى المبارك فعمد الى محاولة إدانة المصطلحات والمسلمات الدينية وقد أحسنت الهيئة الإسلامية العليا في القدس يوم أصدرت بيانها يوم الثلاثاء الأخير والذي قالت فيه :" حاول الاحتلال التغطية على فشله بعد أن اضطر رغما عنه إلى تجرع كأس الهزيمة أمام جموع المقدسيين العزّل، إلا من سلاح الايمان وحبّ الأقصى المبارك، فبدأ بملاحقة النشطاء من أبناء شعبنا الفلسطيني في القدس والداخل والضفة الغربية، فاعتقل وأبعد ومنع العشرات من الوصول إلى الأقصى المبارك، وطارد هذا الاحتلال كل من اعتقد أن له صوتاً مؤثراً ظناً منه أنه سوف تسكت هذه الأنفاس المباركة. ولما تأكد ثانية أن هذا لم يحقق له مبتغاه، لجأ الى محاربة الأفكار والمعتقدات الإسلامية، وهذا يتضح في محاربة واعتقال الشيخ رائد صلاح الذي نعلم أنه لم يرتكب أي جرم ممكن أن يحاكم عليه. إزاء ذلك كله، فإننا في الهيئة الإسلامية العليا نؤكد على ما يأتي:
أولَّا: إن مصطلحات التكبير، والشهادة، والمرابطة، وشد الرحال، والاعتكاف... هي مصطلحات دينية إسلامية مرتبطة بعقيدة المسلمين.
ثانياً: إن اعتقال المسلمين ومحاكمتهم بسبب هذه المصطلحات هو ظلم فوق ظلم مما يؤدي إلى إشعال الفتنة وإلى الإعلان عن حرب دينية!!
ثالثاً: إن تصنيف الاحتلال للمرابطين بأنهم محظورون وارهابيون هو بحد ذاته اعتداء على الحرية الدينية التي يتبجح بها
الاحتلال، وإن ذلك يتنافى مع أبسط حقوق الانسان التي كفلتها الشرائع السماوية والأرضية جميعها، فمن حق كل مسلم أن يرابط في الأقصى المبارك، حيث إننا جميعاً مرابطون.
رابعاً: إننا نؤكد لأبناء شعبنا الفلسطيني إلى ضرورة الاستمرار في شد الرحال إلى المسجد الأقصى المبارك والرباط فيه،
والالتفاف حول حلقات العلم التي تعقد في رحابه، فالأقصى هو سفارة الله في الأرض، وهو موروثنا النبوي.
خامساً: إن الاقتحامات الاحتلالية للمسجد الأقصى المبارك لن تكسب اليهود أي حق في الأقصى المبارك فهو للمسلمين وحدهم بقرار رباني إلهي.
إن الهيئة الإسلامية العليا تؤكد رفضها للإجراءات الإسرائيلية الاحتلالية الظالمة بحق المواطنين في فلسطين، بالإعتقال والمحاكمة والإبعاد وغيرها من الإجراءات المرفوضة محلياً ودولياً "
وبقراءة متأنية لبيان الهيئة الإسلامية العليا في القدس يلاحظ أن الهيئة ترد ردا صارما على محاولات نتنياهو وحكومته إدانة وتجريم المصطلحات الدينية والعقدية وتعتبر اعتقال الشيخ رائد صلاح وإبعاد العشرات عن المسجد الأقصى أنه ملاحقة لكل من يعتقد الاحتلال الإسرائيلي أن له صوتاً مؤثراً ظناً منه أنه سوف تسكت هذه الأنفاس المباركة. ويضيف البيان :" ولما تأكد ثانية أن هذا لم يحقق له مبتغاه (أي المطاردة والاعتقال) ، لجأ الى محاربة الأفكار والمعتقدات الإسلامية، وهذا يتضح في محاربة واعتقال الشيخ رائد صلاح.
اذا من خلال ما تقدم فان الحكومة الإسرائيلية متجهة وبخطوات سريعة نحو إعلان حرب على الدين والوطن والمقدسات تلبس عباءة الحرب الدينية التي بدأتها بتجريم ومحاربة المفاهيم والمصطلحات والثوابت الدينية واعتقال من يؤكد عليها ويثبتها وليس أدل على ذلك من الإعتقال المتكرر للشيخ رائد صلاح