المرحوم أبو عبدالله جادو سلامة - الشيخ العادي والجليل
بقلم : غالب سيف
انتقل الى رحمته تعالى الشيخ الجليل أبو عبدالله جادو سلامة عن عمر ناهز ال – 85 عاماً في بلده العزيز والشامخ حرفيش, مخلفاً ورائه الخلف الصالح والسيرة الطيبة والذكرى العطرة.
شيخنا المرحوم رافق سيرة ومسيرة القوى الوطنية منذ زمن طويل , وفي الفترة الصعبة والتي كان فيها مجرد أن تحمل أو تقرأ جريدة الاتحاد أو تُظهِر أي تعاطف مع الحزب الشيوعي أو مؤيديه, أو تقرأ مناشير هذه الجهة الوطنية الأممية والنضالية, نشاط كهذا كان يُعرّض الفاعل لكل أنواع المضايقات : الاجتماعية, الدينية والاقتصادية وغيرها من الكم الهائل من المضايقات, مما لدى الأجهزة المكلفة بهذا الصنف من الملاحقات, اذ كان عمل كهذا يُحوِّل فاعله الى متحدي حقيقي والى مناضل ومقاوم, بكل ما تعنيه الكلمة من معنى, هكذا كان فقيدنا المرحوم أبا عبدالله.
سيرته غنية بالكثير من المواقف الوطنية الحقيقية والفاعلة, وعطائه في هذا الاتجاه كان سخياً ومتواصلاً وبكل السُبُل الممكنة وفوق طاقاته, وليس هنا المكان لذكر كامل أو جزء, كان واجب ذكره, منه, لكن وللدلالة أذكر واقعتان فيهما ومنهما ممكن ان نستشف حقيقة هذا الشيخ العادي والمتواضع في سلوكه والجليل في منهجه وفي سره وسيرته.
في سنوات الستين الأولى وعندما نظم الحزب الشيوعي اجتماع شعبي في الساحة العامة في قرية حرفيش, وبدون أن يكون للحزب ركيزة محلية علنية داعمة, وفر المرحوم للرفاق الشاعر نايف سليم والنقابي بنيامين غونين – خطيبي الاجتماع , الكهرباء وما كانوا له بحاجة للقيام بالمهمة, وايضاً وعندما حاول بعض الأولاد وبشكل اتضح لاحقاً أنه كان من نظمه, عرقلة سير الاجتماع, قام المرحوم بصد هؤلاء الفتية, مما مكّن الرفاق اكمال مهمتهم, ناهيك عن ضيافتهم بعدها بما يليق بأصول الضيافة العربية الاصيلة التي كانت احدى الصفات الحميدة الكثيرة التي تمتع بها فقيدنا المرحوم.
اما الواقعة الثانية كانت عام 2006 وبعد الحرب العدوانية على لبنان وبسببها, اذ سقط في هذه الحرب ابن الكاتب اليساري دافيد غروسمان من قضاء القدس, وتقديراً لمواقف هذا الاديب السلامية والجريئة بادر القيادي البارز في لجنة المبادرة العربية الدرزية الشيخ الكاتب نمر نمر, والذي كانت تربطه علاقة مميزة مع غروسمان, الى القيام بزيارة مواساة له إثر هذا المصاب الإنساني, وكاتب هذه السطور رافق الشيخ نمر مع مجموعة في هذه الزيارة, وفقيدنا أبو عبدالله كان منها, وعند وصولنا بيت الثاكل وبخلاف ما هو متبع لدى اليهود في هذه الحالات, قام غروسمان واستقبلنا بحفاوة خاصة , رغم تواجد الكثير من الوزراء والادباء والإعلاميين اللامعين عنده, واذكر مما قاله لنا أننا بهذه الزيارة نؤكد بأننا رُسل سلام وأننا ولكوننا فلسطينيين نؤكد بما قمنا به أن شعبنا الفلسطيني شعب سلام, وفي السياق كان لوجود المرحوم بزيه الديني وقع خاص لدى غروسمان والحضور عنده.
هذا هو فقيدنا , شيخ وانسان عادي ووطني ومناضل جليل, ومن الشريحة التي لا تسعي لا للشهرة ولا لجني مكاسب ولا لغير ذلك, بل لأنه كذلك, هذه الشريحة هي أساس وركيزة وجمل المحامل في العمل الوطني والاجتماعي, نشير الى هذا الأمر لكي تتحول هذه السيرة وهذا النموذج , وكما كان يرغب فقيدنا, لنموذج ولمنارة تُضيئ دربنا, الاجتماعية والقومية والوطنية والطبقية , المليئة بأكوام التحديات والصعوبات والتعقيدات والمآسي والتي لا يمكن حلها إلا بأمثال المرحوم.
( كاتب المقال رئيس لجنة المبادرة العربية الدرزية)