النّغْمَة معروفة مُسْبَقا: هكذا تصرّف جيش الدفاع الإسرائيلي مع موسيقيّ أثنى على العمليّة في حلميش
غدعون ليفي و أليكس ليبك
هآرتس،2017/9/15 ترجمة: أمين خير الدين
اقتحم عشرات الجنود على مدى ليلتين متتاليتين بيت نزّال أبو حرمه، اعتقلوه، وضربوا أخاه وصادروا أجهزة تابعة له. التهمة مشاركته في إنتاج أغنية يشيد بها بالعمليّة.
هذا ما فعله جيش الدفاع الإسرائيلي في الليلتين: اقتحم عشرات الجنود من كتيبة بنيامين على مدى ليلتين متتاليتين بيتا في كفر عين، حيث يسكن شاب فلسطيني مع جدّته وجدّه العاجزّيْن، وزوجته وطفله. أحدثوا أضرارا في البيت، ضربوا وقيّدوا أخَ المعتقل وصادروا أجهزة تابعة للمتهم بالإرهاب: أُرْغُنان كهربائيّان، حاسوب، مايكروفون وجهاز تلفزيون 48 إنش. ولم يكلِّفوا أنفسهم بتبرير اختطافهم لنزّال أبو حرمه من سريره، مع أنه لم يُعْتَقل في الماضي هو أو أيٌّ من أفراد عائلته.
لم يبرروا لماذا كان ينبغي القيام بالاعتقال بصورة وحشية كما فعلوا، في منتصف الليل، أمام عجوزيْن وطفل، ولماذا كان عليهم أن يعودوا في الليلة التالية بنفس الوحشية ليصادروا مايكروفون وأُرغُنَيْن. من المهم معرفة كيف أُرْشِد الجنود قبل خروجهم للمهمّة، وماذا قالوا لهم عن هدف الاقتحام. تحركوا على شكل ثلاثة رؤوس، في القريتين، بالاعتماد على معلومات زودتهم بها المخابرات العامّة (الشاباك) التي تعرف كل شيء، لاعتقال المتّهم بإنتاج أغنية تمجيد بعملية حلميش التي قُتِل بها ثلاثة من عائلة سلومون. صحيح أن الأغنية كانت مديحا للعملية ولمَنْ قام بها عمر عبد الجليل.
في نفس الليلة قبل أسبوعين اعتقل جنود جيش الدفاع الإسرائيلي أبا حرمه، المتهم بتسجيل الأغنية ونشرها، وملحّن الأغنية ومؤلّفها، محمد برغوثي والعازف المرافق، ناجي ريماوي، الأخيران من بيت ريما. على ما يبدو أن أبا حرمه متهم بتسجيل الأغنية في أستوديو الهواة في بيته. وربما أيضا بنشره في وسائل الاتصال الاجتماعي. ابو حرمه مُعتقل منذ أسبوعين ومعه برغوثي، وقد أُطْلِق سراح الملحن بعد أيّام، ليس من الصعب أن نتخيّل ماذا سيحدث لو كان أبو حرمه يهوديّا وسجّل أغنية تشيد بقتل العرب.
أبواب مُحطّمة
أبو حرمة يعزف على أورغن كهربائي وعاطل عن العمل، عمره 28 سنة. بيته في قرية عين بيت لكل العائلة: عند أحد المداخل تقيم جدّته صفيّه عمرها 75 سنة وجدّه أسعد عمره 85 سنة، مع ابنتهم أميره عمّتُه، وعند المدخل الثاني يقيم نزّال مع زوجته الأردنية أسماء وابنهم أليان، عمره سبعة أشهر. في الطابق العلوي يقيم أخوه ضياء، غادر والدهم قبل 12 سنة إلى تنسي في الولايات المتّحدة الأمريكية وهناك تزوّج من أمريكية والعلاقات معه غير متينة.
اشترى أبو حرمه أورغن قبل أربع سنوات، بعد ما فشل في إيجاد فرصة للعمل. بدأ في السنة الأخيرة في الظهور مرة أو مرتين في الشهر في الأعراس وفي حفلات أخرى مع الحاسوب والأورغن -- 400 --500 شيكل في الحفلة الواحدة. ليعيل زوجته وابنه. كان أحيانا ينضمّ لجوقات الأعراس. خطّط ليبني مسيرة حياته الموسيقيّة خطوة بعد الأخرى. كي يستطيع العيش. تعلم الموسيقى لوحده، بدون تدريب، وقد ساعده أخوه في إعالة العائلة.
في ليلة أل- 30 آب، الساعة 04:10 صباحا، استيقظت أميره، عمرها 36 سنة، على ضجّة آتية من ناحية المدخل. كانت في البيت تلك الساعة هي ووالداها، ظنت أن سبب الضجة أن أمّها قد وقعت مع جهاز المشي، وبعد برهة قصيرة رأت حوالي 20 جنديا يتجوّلون في البيت كما يطيب لهم. ارتعدت. بعضهم وقف مقابل باب غرفتها، سألها أحدهم أين الشباب، الصغار. أجابته ليس في هذا البيت شباب صغار، هي ووالديها في البيت فقط. وحسب أقوالها، طلب منها الجنود أن تصعد إلى الطابق الثاني من البيت وأن تفتح لهم باب الشقّة، قبل أن يفجِّروه. هذه شقّة أخيها عرفات التي كانت فارغة. طلبت أن يصحبها والدها ابن أل-85 سنة. تقول إنها خافت كثيرا من الجنود، ولم ترغب في البقاء معهم وحْدَها. رفض الجنود طلبها. وفي الخارج وقفت حسب أقوالها ثماني سيارات جيب عسكريّة.
تجوّل الجنود في البيت مع فوانيس على خِوّذِهم. فتحت لهم غرفة أخيها وعندما تأكّدوا أنها حقّا فارغة، سألوها عن أسماء إخوتها. وبعد ذلك طلبوا أن تريّهم أين يسكن أخوها عمر. عمر في تنسي، أجابت. أرادوا الدخول إلى شقّة عمر ابنه ضياء يسكن في شقّة في الطابق الثاني بالقرب من المدخل الثاني، وليس معها مفتاح لشقّته. حاول الجنود كسر الباب، استيقظ ضياء وفتح الباب أمامهم.
تقول أميره إنهم ضربوا ضياء وركلوه، حتى قيّدوا يديه خلف ظهره وأقفلوا باب الغرفة عليه. تقول إنه لم يتعامل مع الجنود بالعنف. اعتقدوا أنه نزّال، طَلَبُهم. في البداية قاموا بتفتيش غرفة ضياء، وبعد ذلك سألوه عن اسمه. "نحن لا نريدك أنت"، وتركوه مقيّدا. عندئذ أدركت أميره أنهم يبحثون عن نزّال، نزّال المقيم في الطابق الأرضي. حاولوا كسر باب شقّته، حاول ضياء أن يصرخ ليقول لهم إنه يوجد طفل في الشقّة، وطلب منهم أن لا يكسروا الباب لكن الجنود كانوا قد اقتحموا البيت بالقوّة.
استيقظت أسماء مرعوبة. كان الطفل ينام في أرجوحته المغطاة بالناموسيّة. ومن شدّة الخوف أقفلت الباب واعتصمت مع طفلها في الغرفة. كان نزّال في الغرفة المجاورة، المُسْتعملة استوديو للتسجيل. بعض الجنود كسروا باب غرفة أسماء، آخرون اقتحموا الغرفة التي بها نزّال، وكان بابها مفتوحا. طلبوا هوية نزّال وطلب منهم عدم دخول غرفة زوجته لأنها متديّنة ولا زالت بدون غطاء للرأس.
تقول أسماء إنه كان في البيت حوالي 15 جنديّا.أخرج الجنود نزال، كبّلوا يديه، غطوا عينيه وأخذوه معهم، انتهت العملية في الخامسة والنصف صباحا، وقد ترك الجنود وراءهم استمارة باللغة العربيّة وموقّعة توضح ان المكان مُغْلَق بسبب النشاط الإرهابي الذي جرى به، وطُلِب من السكان عدم الاقتراب من هذا المكان الخطير. ومن الواضح أنهم لم يُبْرِزوا أمر اعتقال أو ما شابه، من المضحك أن تتوقّع مثل هذا الأمر في الأراضي المحتلّة، تقول أسماء أنها لا تعرف لماذا اعتقل زوجها وخافت أن تسألهم عن ذلك. "ظننت أن هذا هو عملهم الروتيني، "اعتقال الأشخاص". ولم تعرف طوال يومين في أيّ مكان هو مُعْتَقَل.
في اليوم التالي، عاد الجنود مرة ثانية، حوالي الساعة الثانية ليلا. كان باب المدخل مُحطّما من الليلة السابقة ولهذا دخلوا بسهولة. حاول ضياء أن يسألهم في أي مُعْتَقَل موجود أخوه."أريد أن أعرف"، قال لهم، وحسب أقوال أميره، إنهم ضربوه. بعد ذلك توجّهوا إلى أستوديو التسجيل وبدؤوا بتفريغه من الأجهزة التي فيه. أخذوا كلّ ما فيه. بقي الأستوديو الآن نصف فارغ. فقط عُلْبة مملوءة بأعقاب السجائر التي دخنها نزّال، على ما يبدو في تلك الليلة، قبل أن يُعْتَقَل. رآه ضياء الأسبوع الماضي في المحكمة في معسكر عوفر، وبدون أيّة مفاجأة مُدِّدَ توقيفه.
وقد تباهى الناطق بلسان جيش الدفاع الإسرائيلي بعملية الاعتقال الليلي على صفحات موقعه الرسمي وقد عرض للمشاهدة فيلما يبين فيه عمليّة اعتقال المغنّي. ويظهر فيه جندي جيش الدفاع الإسرائيلي وهو يحمل مغانم العملية: شاشة تلفزيون. وقد صرّح الناطق بلسان جيش الدفاع الإسرائيلي لجريدة "هآرتس" إنه "بعكس ما يُقال لم يُمارس العنف مع أيٍّ من الحاضرين. وفي الأيام الأخيرة، بعد انتهاء التحقيق مع الثلاثة ، قُدّمَت ضدهم لائحة اتّهام تتضمن تهمة التحريض والحث على العمل، ونُسب لبرغوثي ولحُرْمَه في لائحة الاتهام تهمة التورط بأعمال أخرى من "التحريض، منها تسجيل ونشر أغنية تمجّد العمليّة التي قُتِلت بها الشاويش هداس مالكا".
أغنية العُرس
هل سمع الأغنية أفراد العائلة؟ ارتباك في الغرفة. "نحن لسنا سياسيين" تقول العمّة أميره، يتذمر الجد أسعد فيتمتم: يعتقد هؤلاء الشباب أنهم بأغان كهذه يمكنهم أن يغيروا الوضع".
نزال مُتّهم بنشر أغنية، والأغنية في الحقيقة منتشرة في شبكات التواصل. ثمّة شريط فيديو يعرض صور الاحتلال وصورا للمقاومة، والأغنية تتردد في أجواء ساحة الاحتفال، مع صورة لعمر العبد، منفذ العملية في حلميش. وهناك شريط آخر يظهر فيه المغني برغوثي وهو يغني أغنية العرس، الجمهور يرقص وملحن آخر يبعث بقُبْلة في الهواء مقابل الكاميرا، والمقصود هنا أغنية الدُحْيَة، وهي أغنية بدويّة يرددونها في حفلات الأفراح وفي حفلات التخريج في المدارس، وأحيانا يلائمون له كلمات جديدة كما فعل مؤلف الأغاني برغوثي. وفيما يلي كلمات الأغنية التي أدّت لاعتقال ثلاثة أشخاص في منتصف الليل: "سمعت صوت الرصاص/ في كوبر العربية/ وعمر تخطى المدينة/ ونفّذ العمليّة/ قالوا عنه أربك الجيش/ وحرق حيّا في حلميش/ يا مستوطن، نريد الحياة/ وارضي حرة/ خرج من الشُّبّاك/ على خصره سكّين/ ولما هدّد بالهجوم/ خدّر الصهاينة". كلمات: محمد برغوثي. لحنٌ شعبي.
2017/9/17