كلمة المحضر في هذا السياق تعني بالتحديد وجود المرء في مجموعة من الناس , ان كان ذلك في البيت , في احتفال معين , في مناسبة خاصة او عامة , وما يقوم به هذا الانسان من خلال حديثه او مشاركته , نوعية هذا الحديث وطريقة هذا الحديث , وربما الغاية او القصد من هذا الحديث , وقد يكون هذا الحديث بكل حالاته مقصودا او هادفا لغرض معين وفي كثير من الاحيان يكون صادرا عن طيبة قلب وعن نية سليمة صادقة .
والمنظر في مثل هذه الحالات يقصد به شكل هذا الانسان المشارك في الامور الانفة الذكر , فقد يكون المرء جميلا ممشوق القامة , بهي الطلعة , جذابا في كلامه , وقد يكون ايضا قبيح المنظر , قصير القامة , نظراته غريبة غير سليمة وغير مقبولة ومرفوضة بكل اشكالها , وكثيرا ما يشهد الانسان من خلال اللقاءات والمناسبات كما اسلفت اناسا كثيرين من مختلف المحاضر والمناظر , الا ان الامر في اتخاذ موقف معين من هذا او ذاك منوطا به هو فقط وبناءا على ما يلمسه ويلاحظه ويستنتجه خلال هذا اللقاء او في هذه المناسبة .
وربما يأتيك انسان طويل القامة , انيقا , لبقا في كلامه , يدخل عراك الحديث في موضوع معين , ويظهر وكأنه ضليعا في التمييز ويتخذ موقفا ضد فلان او علان من الناس , ويأخذ طريقه في الذم والاغتياب والقدح والنعت بصفات غير مقبولة , وقد تكون نابعة عن ضغينة معينة او لتحقيق غاية ما , وكثيرا ما تكون هذه الغاية كسبا ماديا , او الحصول على ثروة ما مقابل موقفه هذا او حديثه هذا , ورغم منظره واناقته ولباقته في الحديث يكون عند هذه الحال بعيدا عن الانسانية , ويبرز على حقيقته بعد حين بانه مستأجر رخيص , ولا يؤثر في ذلك منظره ابدا حتى لو كانت عيناه زرقاوان والفاظه منمقه على اصول اللغة والحديث , امثال هذه الرجال لو تحلوا بجمال فتان وبطلعة بهية وبمظهر لائق جذاب , او انهم اكتسبوا ثقة بعض الناس لفترة ما , او تمكنوا من خداع الاخرين بنوعية لباسهم وبمظهرهم الخارجي المفصل على شاكلتهم , وقد يكون هؤلاء مثقفين وربما اصحاب رتب اجتماعية او مسؤوليات معينة , وبمثل هذه التصرفات تراهم يسيطرون في الديوان وفي مجالس الرجال في كثير من الاحيان لطلاقة لسانهم وطريقة حديثهم التي توحي بامور ايجابية , الا انه سرعان ما تنجلي الامور وتنقشع الغمامة عن عيون الحاضرين او السامعين , وتظهر حقيقة الامر في امثال هؤلاء بانها عكس مظهرهم تماما , وان كل ما رأيناه وسمعناه بعيدا جدا عن شاكلتهم الخارجية وعن منظرهم الذي قد يكون مزيفا بعيدا عن تجانس اقوالهم وافعالهم مع منظرهم الخارجي .
عندها يجب على المرء التفرس جيدا وعدم اصدار الحكم الشخصي او القرار الذاتي بشأن مثل هؤلاء الا بعد تفكير عميق , وبعد دراية جيدة كي لا ينخدع المرء بمثل هذه المناظر الزائفة .
وفي ناحية اخرى قد يرقب المرء انسانا بسيطا , عاقلا لا يمتلك من الحسن كثيرا , غير براق بملابسه او بطلعته , انسانا على قده , ثيابه متواضعة , كلامه موزون ولهجته لطيفة لينة , يدخل عراك الحديث باسلوب ادبي مؤثر , يتحدث بصدق وباستقامة وعلى السليقة , يتفوه بكلمات وبعبارات انسانية نابعة من القلب , وصادرة عن ايمان بما يقول , تراه يعبر بكل جوارحه عن صدق موقفه ويدافع بشكل صريح موضوعي وبصدق , دون التعرض للغير , يعرف حدود الحديث وادائه , نوعية حديثه وطريقته تنم عن استقامة وعن هدف سليم , لا يستغيب احدا ولا يحاول كيل القدح او المدح لفلان او لعلان , بل تراه مستقرا , قانعا , راضيا بما يقول وبلهجة مقبولة , يعرض رأيه بصدق دون هدف لكسب مادي او لخدمة غاية رخيصة , يقول الامور على اصولها من خلال مبدأ انساني , لا ينحرف في الحديث ارضاءا لاحد , انما يصور الامور تماما كما هي , وقد يعجب الكثيرين ويدعموه في رأيه رغم منظره ورغم تواضعه الا انه لا يمتلك امكانية السيطرة كهؤلاء المستأجرين الذين يؤدون دورهم غير الحقيقي لاهداف خاصة بهم , وفي النهاية تنجلي الامور وتظهر الحقيقة كما هي وقد يكون هذا المرء صاحب المنظر المتواضع الواقعي الانساني هو الصادق والحقيقة بجانبه , ويدرك ذلك الناس والحاضرون , ولكن ربما يكونون متأخرين في ذلك .
وعليه فينبغي على الانسان ايا كان وفي اي مكان الا ينخدع بالمناظر والمظاهر لانها كثيرا ما تكون مزيفة وحقيقتها عكس منظرها , لان في ذلك خطر على المرء نفسه وعلى من حوله , وقد تنعكس النتائج سلبيا على المجتمع فيما بعد , فيجب التروي والاتزان وعدم الاندفاع والتهور والتسرع وخاصة في مواقف الرجال , ففي كل حين وفي كل آن ومكان محاضر الرجال هي الاساس لا مناظرهم .