حقّ تقرير المصير ليس فرصة
راضي كريني
حقّ تقرير المصير، هو حقّ مشروع ومبدأ هامّ، ويمنح لكلّ أمّة/شعب، أو لأيّ مجموعة سكّانيّة إمكانيّة الانفصال الحرّ عن مجموعة/ات قوميّة أخرى، واختيار شكل السلطة، وسيرورة تحقيقها، بشكل حرّ وديمقراطيّ، وبدون ضغوطات وتدخّلات خارجيّة، وبدون تسرّع وانسلاخ عن الواقع المعيش.
منذ ماركس وإنجلس، يدافع الماركسيّون عن حقّ تقرير المصير للأمم ويؤيّدونه، ويردّدون مقولة: الشعب الذي يضطهد شعبًا (شعوبا) آخر (أخرى)، لا يمكن أن يكون حرّا. وكنّا نشرح: إنّ القوّة التي يحتاجها شعب ليقمع شعبًا آخر، هي قوّة عدوان وطغيان واستغلال، وسلاح ذو حدَّين، وسوف تنقلب (القوّة) على مستخدِمها، في نهاية المطاف.
يشبّه الكثير من الكتّاب و... ما يحدث في إقليم كردستان العراق، بما جرى في فلسطين، وهذا ظلم وجفاء للحقيقة. ففي فلسطين، لم تربط لغة مشتركة، وثقافة قوميّة مشتركة بين اليهود المقيمين فيها وخارجها، ولم تقم الأقليّة اليهوديّة في منطقة جغرافيّة محدّدة و... وكانت فلسطين تعيش تحت حكم استعماريّ لا يملكها، قام قبل انسحابه من المنطقة بمنحها هبة للحركة الصهيونيّة، بدون مراعاة لحقوق الأكثريّة العربيّة الفلسطينيّة!
في فلسطين، لم يكن اتّفاق فدراليّ، ولم تكن هناك منظّمات واتّحادات تعاون، و... وفلسطين دولة صغيرة لا تستوعب التقسيم إلى دويلات صغيرة، ولا تتحمّل المزيد من الحصار والحدود والإغلاق التي تحول دون التنقّل الحرّ، والعبور السهل للناس والبضائع!
طالبت الحركة الصهيونيّة بدولة للشعب اليهوديّ، بناء على تزييف حقّ تقرير المصير، في أرض لا تسكنها الغالبيّة اليهوديّة؛ بل تسكنها أقليّة من اليهود. وحتّى هذا اليوم لا تسكن الأغلبيّة اليهوديّة في إسرائيل، ولا ينعم اليهود الساكنون في إسرائيل بالأمن والأمان، وبالحريّة والانتعاش الاقتصاديّ، وبرغد الحياة و...، كما ينعم اليهود الآخرون الذين يشكّلون أكثريّة اليهود، ويعيشون في الأمريكيّتين (الشماليّة والجنوبيّة)، وأوروبا.
قامت إسرائيل على أساس احتلال وتآمر وقمع و...، وليس بناءً على قرارات دوليّة شرعيّة، فاحتلّت الحركة الصهيونيّة الأرض الفلسطينيّة بالتعاون مع الدول الاستعماريّة، وبالتآمر مع الرجعيّة العربيّة، واحتلّت العمل والإنتاج والسوق الاقتصاديّة فيها، وضربت حتّى الرأسمال والإقطاع الفلسطينيّ العربيّ الذي سايرها، ودمّرت المصانع والشركات العربيّة، وما زالت تصارع ليكون اليهود أكثريّة سكانيّة. لكنّنا نعرف أنّ الهجرة اليهوديّة من إسرائيل آخذة بالاتّساع على حساب الهجرة إليها، هذا عدا بقاء العديد من اليهود الإسرائيليّين خارجها، مع الحفاظ على جواز سفرها، وعدا وجود العديد من الإسرائيليّين المتواجدين فيها الذين يحملون جوازَي سفر!
لكن، هناك العديد من أوجه التشابه بين قيادة مسعود البرزانيّ وبن غوريون؛ فالقيادتان عملتا على استغلال وهن الشعوب العربيّة والإرهاب المنتشر في المنطقة، والصراعات القوميّة والطائفيّة والمذهبيّة، واعتمدتا على مخطّطات الاستعمار وأطماعه، ومؤامرات الرجعيّة العربيّة وتفريطها بمصالح شعوبها، وكلاهما دفعتا ثمنًا باهظًا من دم شعبَيهما، مقابل الحصول على دعم قوى الطغيان في المنطقة والعالم التي سوف تنقلب ضدّ مصالح كلّ شعوب المنطقة.
فحقّ تقرير المصير هو مبدأ ديمقراطيّ واستنهاض للهمم وللأمم، وليس انتهازًا لفرص مشبوهة!