منذ الأزل يعمل بنو البشر بمختلف نحلهم ودياناتهم وانتماءاتهم الدينية, الاجتماعية والسياسية,
وفي كل مكان في مختلف الأقطار والدول من أقصى العالم الى أقصاه, نعم يعملون دائبين بشتى الوسائل وعن طريق مؤسسات أنسانية بناءة, يعملون جاهدين من أجل ترسيخ الآداب الأجتماعية والأنسانية في صفوف بني البشر, وكثيرون كذلك الذين يكتسبون هذه الآداب من خلال ممارساتهم اليومية, وسواهم من خلال دراستهم, وغيرهم من خلال تجاربهم الحياتية, وكثيرون طبعا وهذا الأهم ينهلونها من التربية البيتية الصالحة.
فالآداب لا يمكن أن تقف عند حدود, وأنما مجالاتها واسعة ومتعددة, وتكاد تتواجد في كل مكان, وتضفي على أصحابها الحقيقيين صبغة أنسانية خلاقة, أن كان ذلك في آداب المجتمع, آداب التعامل,آداب الكلام, آداب النقاش, آداب السماع والأسماع, آداب الجلوس, وآداب الطعام وغيرها من دروب الآداب التي بدون ريب تمنح صاحبها حلة خلاّقة وصفات إنسانية, وكذلك تمنحه مكانة مرموقة ومحترمة بين الناس, وكثيرا كذلك ما تمنح صاحبها الكرامة وترفع من شأنه بين ذويه, في محيطه وربما في مجتمعه بشكل عام.
وقد يكون الأنسان المؤدب كائنا من كان طفلا, شابا, يافعا, شيخا أو أي أنسان آخر من الجنسين, صاحب منزلة مرموقة ومحط أنظار الآخرين, يُثنى عليه من الأهل أولا ومن الأقارب ثانيا وربما من سائر المجتمع , لأن آدابه توحي له بالتواضع, وتوجهه بالسلوك الحسن والكلام اللطيف والعمل الطيّب الذي يضعه في قمة الأحترام, ويفرض كذلك على الآخرين احترامه ِلحُسن تصرّفه ونوعية تعامله ولإنسانيته.
ولا يغيب عن البال أبدا أيها القارىء العزيز أن الآداب كغيرها من الأمور المتعلقة بحياتنا اليومية, وبتعاملاتنا مع بعضنا البعض, ونهج ونوعية عاداتنا وتقاليدنا, نعم كغيرها ينبغي الحفاظ عليها وصيانتها, والحفاظ عليها يتطلب: دراية, ثقة بالنفس ومثابرة دون كلل أو ملل, ذلك من أجل الحفاظ على صرح الآداب هذا, والعمل على ترسيخ هذه الآداب وتوطيد أعماقها في صفوف الناشئة ليكون أصحابها قدوة للآخرين ومثلا يحتذى به بين الناس.
أمر كهذا بدون شك يتطلب من الانسان الرزانة والاتزان والتروي وأخذ الأمور بجدية من أجل العمل الجاد الحيوي والمثمر, وما يدعم الحفاظ على الآداب لدى كل امرء هو التسامح, وأن يكون الأنسان متسامحا وذا صدر رحب في هذه الدنيا أمر ليس سهلا, أذ أن المغريات وتقلبات الزمن والأحداث تتطلب تمعّنا وفراسة ونظرة ثاقبة وعدم التسرع, وخاصة عدم الأنفعال, لأنه أذا انفعل المرء وتسرع في تصرفاته أو في اتخاذ قرار معين, ربما يؤدي ذلك ألى الغضب, ألى العنف بأشكاله, وهذا أكبر مرض يمكن أن يؤثر على المرء, وقد يُخرجه في بعض الأحيان عن أمكانياته وعن أنماطه وعاداته وقد ينجرف في تيار غضبه, هذا الأمر قد يوصل به حتما ألى ما لا تحمد عقباه.
فمهما كان المرء عاقلا, ومهما كان خلوقا, ومهما تحلى بصفات وسِمات خلّاقة ومزايا حميدة, يمكنه أن يفقد منها الكثير الكثير أن لم يفقدها كلها , أذا سلك طريق الغضب, لأن الغضب في نظري آفة الآداب, فمن أطاع غضبه أضاع أدبه.
فمن كانت صفاته الأنسانية خلّاقة كالتي ذكرت حتى الآن, لا يليق به أن يكون عصبيا, لا يليق به أن يغضب ويثور بسرعة, بل عليه التحلي بالصبر وأدارة الأمور ومعالجتها بطيب قلب وبرحابة صدر وبوفاء وإنسانية, هذا يمكّنه من صيانة الآداب الشخصية, وبذلك يؤدي الأمر الى علو شأنه, ويجلب الثناء عليه من القاصي والداني, وقد يقوده ذلك الى السيادة وطبعا أعني بذلك السيادة الشخصية أولا وقبل كل شيىء, السيادة في التسامح, السيادة في التواضع, السيادة في حسن المعاملة, السيادة في محبة الناس وغيرها من هذه الِشيَم التي هي في الحقيقة ركائز الآداب الأجتماعية وعماد صيانة المجتمع وحفظه من الانحدار وربما الاندثار والضياع فيما بعد.
لذا ومن أجل هذا كله وبكل صدق وبكل شعور بالواجب الاجتماعي والإنساني, يجب صيانة صرح الآداب والابتعاد عن الغضب والمقت والمشاكل التي قد تخفي في طياتها أمورا يكون المرء ومَن حوله في غنى عنها, وكذلك يسلم من عواقبها الوخيمة كل إنسان صاحب ضمير حي تزيّنه آدابه, ونهجه الصراحة والأستقامة.
فمن أجل مستقبل أفضل, ومن أجل حياة أحلى وأطيب, ومن أجل ترسيخ الآداب الأجتماعية التي تخص كل ناحية من نواحي حياتنا اليومية, الكل مطالب من باب الشعور بالمسؤولية وبالواجب الأجتماعي, مطالب بالتوجيه والعمل قدر المستطاع في تربية النشىء الجديد على هذا المنوال, ونشر هذه المبادىء في صفوف المجتمع.