كثيرة هي الأمثال الشعبية وغير الشعبية, وكثيرة أيضا الأقوال والعبارات التي قيلت واستحسنت في المجتمع الى أن أصبحت مضربا للمثل, أو قولا ينطوي على المزيد من النواهي الأجتماعية الخلاقة, ويقال بين الحين والآخر لغرض سامي هام, أما أن يعمل على توطيد العلاقات بين الاسرة الواحدة, وأما أن يعمل على النهوض بالمجتمع نحو الأفضل, ذلك عن طريق أتباع أنظمة وبرامج تتجانس والأنسانية الحقّة.
وهذا النوع من الكلام الرامي الى الأحسن وألى الأفضل دائما في حياتنا اليومية يعتبر وبكل صدق كلام حسن, حسن بالمعنى الصحيح, أذ أنه يرمي دائما الى حسن الجوار, حسن العلاقات وحسن المعاملة, هذا النوع من الكلام لا يمكنه أن يصدر ألا عن أناس كرام, لأنهم هم الذين يستطيعون التحدث بحسن وبلطافة, بأنسانية, بقناعة وبرغبة في المساهمة نحو الأحسن ونحو الأفضل.
فهؤلاء الناس(الكرام) في أية طائفة وجدوا أو في أي مجتمع نشأوا, همهم الوحيد دائما التوصل عن طريق الكلام الحسن واللطيف المقرون باحترام ذاتي, وكذلك باحترام الغير همهم أن تسود هذا المجتمع روح الأنسانية, روح التواضع, روح المساعدة والمبادرة والتطوع على سبيل تحسين الأوضاع بشكل قاطع في أتجاهات عدة في دروب حياتنا اليومية, ويتسمون كذلك بهذه الصفات الخلاقة, ولا تفارقهم مثل هذه الصفات يوما من الأيام, ومع توالي الأيام وتعاقب الليالي أصبحوا مرجعا وعنوانا لكل عمل خير, كأصلاح ذات البين, وتهدئة الأمور بشتى أنواع الكلام الحسن والأقتراحات البناءة التي تكمن في داخلها أمور نبيلة لا تشوبها شائبة, ألى أن أصبح نهجهم هذا بين الناس سنّة لا يمكنهم مفارقتها في كل آن وفي كل ظرف.
وأذا ألقينا بنظراتنا ألى المجتمع الصاخب الذي يحتضن في صفوفه الكثير الكثير من الآدميين, منهم من يثني على هؤلاء الكرام, ومنهم من يذود عنهم في كل مناسبة, ومنهم من يعترف بفضلهم ويعمل على تدعيم نهجهم الحياتي, ليس لهدف خاص وأنما من أجل أن تسود حياتنا روح المشاركة الفعّالة والأحترام المتبادل.
وفي ناحية أخرى نرى من خلال نظراتنا هذه أفرادا وربما جماعات يتصرفون عكس هذا التصرف, والأغرب من ذلك أنهم ينتقدون هؤلاء الكرام, وينعتوهم بنعوت لا تليق بهم ولا تليق بالسامعين أيضا, ذلك قد يكون من دافع الأنانية أو لغرض خبيث في نفوسهم لعدم تحقيق مبتغاهم من هذا النفر أو تلك الجماعة لأسباب حقيقية وموضوعية, ويرون بهذا التصرف أقصر الطرق للتنفيس والترويح عن ذاتهم وعن نفسهم حتى ولو كانت هذه الأقوال لا تستند الى الحقيقة ولا تمت لها بأية صلة مطلقا.
وقد يصادف فالمرء خلال حياته أمورا أقسى من ذلك, يمكن أن يصطدم بفرد أو بمجموعة بعيدين كل البعد عن حسن الكلام, ولا تنطق ببنت شفّة ألا واستشفت منها رائحة الكراهية, رائحة الحقد, رائحة الغضب والشراسة ولا حدود لأثباتها في المناسبات واللقاءات والأجتماعات الشعبية وغيرها, وقد يظن هؤلاء أن هذا التطاول والتمادي في نوعية الكلام الرخيصة, فقد يكون كلاما نابيا في بعض الأحيان, ويظنون طبعا حسب رأيهم أنه كلام موزون ويجب أن يقال, ومع الأيام لا شك أن كلاما كهذا سيوقعهم في متاهات لا يعلم بها وبقساوتها سوى رب العالمين, عندها يصعب عليهم الخروج منها, ويصعب كذلك على الآخرين مساعدتهم في الخروج منها.
فالكلام الحسن نابع بدون شك من الكرامة, كرامة النفس وكرامة الغير, فالذي يعرف معنى كرامته ويقف عندها, لا ريب في أنه يعرف ويعلم علم اليقين كيف يحافظ على كرامة الغير.
والكلام الحسن أيضا نابع من التواضع, فالأنسان المتواضع مهما كانت منزلته, ومهما علا شأنه, ومهما ترقى في سلم التقدم, فلا يمكنه أن يحيد عن طريق الصواب, وتراه دائما ينهى ويرشد ويوجه بكل مناسبة ومناسبة بكلام سلس وبلهجة متواضعة, الأمر الذي يزيده رفعة واحتراما وكرامة في المجتمع.
والكلام الحسن نابع من التسامح أيضا, فالأنسان المتسامح كائنا من كان والذي يعرف جيدا معنى التسامح لا يمكنه الا أن يتفوه بكلام طيب, بكلام حسن, هذا الكلام ينمي روح التسامح والتعامل الحسن والأحترام المتبادل, ويجعل طعما للحياة أطيب وأفضل.
وخلاصة القول أن سنّة الكرام, نهجهم في الحياة, نمط تعاملهم, وطريقة حياتهم مع القريبين منهم ومع البعيدين وهي حسن الكلام الذي ينبغي على كل امريء أن يتخذ هذا النمط نهجا في حياته لأنه في ذلك ليس حفاظا على الصفات الخلاقة والايجابية في المجتمع فحسب, وأنما تدعيمها وتقويتها وترسيخها بين أفراد البيت الواحد, الأسرة الواحدة وربما في المجتمع برمته.