أَبَدأْتَ تُحصي ضحاياك؟
زياد شليوط
" يأْتي الرَّصاصُ إِليْكَ
من كلِّ الرِّياَحِ الأَرْبَعُ
يأْتِي الرَّصاَصُ إِليْكَ
منْ كُلِّ الشَّباَبيكِ التّي فُتِحَتْ
...........................
أَبَدأْتَ تُحصي أضْلُعَكَ؟"
هذا مقطع من مطولة شعرية للشاعر الفلسطيني الراحل معين بسيسو، وأحمد الله أن الزمن لم يغضب عليه، ولم يصل به الى ما وصلنا اليه. فالرصاص الذي يتحدث عنه شاعرنا غير الرصاص الذي نسمع دويه يوميا. والرياح الأربع التي يأتي منها الرصاص في زمنه، ليست الرياح التي يأتي منها الرصاص في زمننا. تلك كانت مرحلة الستينات، وما أدراك ما الستينات؟ فالذي استهزأ منها قلعه شعبه ورمى به في غياهب التاريخ، وسينساه حتما وسيبقى يذكر الستينات.. الستينات بخيباتها وانكساراتها وتحدياتها، كانت تحمل الأمل والثقة والكبرياء.. الستينات ورغم الخسائر والتراجعات والطعنات، ظلت ترفع لواء المقاومة والتصدي والتحدي وتسجل الانتصارات.
واليوم ها نحن نعيش في زمن الرخاء والاشباع والرفاهية والنماء، لكننا نعيش حالات انفصام وانهزام وتراجع وانكسار داخلي.. اليوم ننعم بالمال والخيرات والقصور والسيارات، لكننا فقراء بقلوبنا وضحالى بمشاعرنا ومهزومين بانتمائنا، اليوم نحن فعالون ويقظون أمام الشاشات وفي أفكارنا خاملون نيام..فهل كانت ستوقظنا أشعار معين وسميح ومحمود وتوفيق؟!
" أَبَدأْتَ تُحصي أضْلُعَكَ؟" تذكرتها واستذكرتها في الفترة الأخيرة - ويا للأسف- بعدما طالعت عناوين في بعض الصحف والمواقع المحلية، تعلن عدد ضحايا الاجرام والعنف الضاربان في مجتمعنا وبين صفوفنا الداخلية، وهذه بعضها:
- الجريمة والعنف يستفحلان والمجتمع العربي ينزف: 20 جريمة قتل منذ بداية 2017 ( عنوان ظهر في 21 نيسان).
- المجتمع العربي ينزف: 25 جريمة قتل منذ بداية 2017 ( عنوان ظهر في 19 أيار).
-48 جريمة قتل منذ بداية عام 2017 من بينهم 9 نساء عربيات (عنوان ظهر في 15 أيلول).
- 48 جريمة منذ بداية 2017 من بينهم 9 نساء عربيات ( عنوان ظهر في 20 أيلول).
- جرائم القتل: 56 ضحية بالبلدات العربية منذ مطلع العام 2017 ( عنوان ظهر في 6 تشرين أول).
وهذا ما آل اليه حال صحافتنا ومواقعنا الاخبارية، أمست تحصي ضحايانا، ضحايا عمليات القتل والاجرام، ناهيك عن المصابين والجرحى والمشوهين، أما اصابات الطوش العمومية والاعتداءات اليومية في البيوت والشوارع والمدارس والمؤسسات، فلم تعد تلتفت اليها الوسائل الاخبارية لأنها فقدت من أهميتها وقيمتها الاعلامية.
" أبدأت تحصي ضحاياك؟" باتت الضحايا أرقام، فالأسماء تذكر على عجل وسرعان ما تنسى في لجة الحياة ولغط الكلام وفرملة السيارات ودوي المفرقعات. تسقط ضحية في الصباح، وفي المساء نرقص في قاعات الأفراح، رقم آخر يضاف الى قائمة الضحايا.. ماتت أحاسيسنا، شلّت مشاعرنا وبتنا أشبه بالآلات، أو بالرجال والنساء الآليين في جلود جعلت للبشر، هل اقتربنا من درجة التماسيح أم "تَمْسَحْنا"؟!
جميعنا نقف حيارى ملتفين بالاحباط، وفي الستينات وقفوا حيارى لكن متسلحين بالعزيمة. اليوم نحن عاجزون وفي الأمس كانوا منطلقين. أين نحن منهم، أين نحن من عصرهم، حيث كنا معهم ومنهم. كنا نعيش في تكاتف وانسجام، في تفاهم واتفاق والتحام، كانت لدينا طموحات وأحلام، كنا أصحاب هوية وانتماء وإقدام.. فأين نحن من مرحلة الستينات!
يا ليتنا توقفنا عند "احصاء أضلعنا" ولم نصل الى يوم نحصي فيه ضحايانا، ما أتعسنا ما أحقرنا!!
(شفاعمرو)