برقوقة بقلم: هدى أمون
-------
أروي لكم قصة من الزمن القديم، قصة فتاة صغيرة، أحبت العزلة والوحدة. كانت تجلس معظم وقتها تحت شجرة كبيرة بجانب بيتها في الحديقة الخلفية، تستمع الى زقزقة العصافير مبتعدة عن الصراخ والضجيج. تغني؛لكي لا تسمع ما يزعجها. كبرت تلك الفتاة مع مرور الأيام، وقضت السنوات تشغل نفسها في هواياتها، الكتابة، القراءة والرقص. لم تختر حياتها، ولم يكن يوما الخيار لها، لكنها كبرت، وتعلمت من دروس الحياة وتجاربها. وكبرت مخاوفها معها، مخاوف الصغر. فتلك الفجوة الصغيرة التي جعلتها تبدأ من الجلوس وحدها وحب الانفراد، أخذت بالتوسع مع مرور الأيام، فوصلتإلى ما هي عليه الآن، حذرة من كل شيء، لا تحب المخاطرة فيما قد يؤذيها. لم تكن تقضي الوقت الطويل مع أصدقائها، حتى أنها لم تكن تحب اللعب واللهو مع أطفال جيلها. وفي جيل المراهقة، لم تكن تحب التسكع مع الفتيان المراهقين من سنها. حاولت تجاهل الجميع، تجاهل الحب، الإعجاب والمشاعر، حتى هب النسيم، ولعب القدر لعبته، والتقت بفتى، أصبح من أعز أصدقائها. لكن ذلك الفتى لم يكتف فقط بصداقتها.وأعجب بها مع مرور الأيام. وفي إحدى الليالي، وهي تروي له عن أحد مخاوفها، قاطعها بالحديث معبّرًا عن مدى حبه وإعجابه بها، حتى سكتت الفتاة خجلا، واحمرت وجنتاها. فهي لم تكن مستعدة لسماع تلك الكلمات الجميلة. ساد القليل من الصمت بينهما، فأعاد الحديث قائلا، بأنه يريدها، ولا يستطيع التخلي عنها. وأكمل قائلا، بأنه سيصبر من أجل ما يتمناه، فإن أرادت الحصول على شيء تهواه، يجب أن تصبر، فالصبر مفتاح الفرج،والسبيل لتحقيق الأماني. ازداد حديثهما، وكبرت العلاقة بينهما. وإذ بالفتاة تمشي في سبيل الحب والسعادة والفرح من غير إرادتها، ولكنها تخاف من أن يتحقق أحد كوابيسها، وهو العيش في بيت واحد. فسبب لجوئها للحديقة الخلفية لسماع أصوات العصافير، هو شجار والديها على أبسط الأمور، وأصوات الصراخ وتحطيم الأثاث. كانت تخاف من أن يأتي يوم، وتصبح هي أيضا سيدة للمنزل. فرغم حب أبيها لأمها، إلا أنهما كانا يتشاجران باستمرار. بقيت مخاوفها مكبوتة داخلها، وبقيت تبني حاجزا بينها وبين العلاقات الأزلية. وما زلنا نقول: كانت هنالك فتاة، وكان لديها سر، وما زالت تلك الفتاة ترفض الإبهام من أجل سرها. فهذه المرة لم يختر لها القدر، بل ترك لها الخيار بين السبل التي ستسلكها. فإما أن تبقى منعزلة، وتجعل مخاوفها تسيطر عليها، وإما أن تجعل ذلك الشاب الوسيم يحطم جدار المخاوف خاصتها، ويسحبها من يدها إلى طريق السعادة والأمل!