العنف الاجتماعيّ هو الأساس
راضي كريني
بعد ارتكاب "داعش" لمجزرة مسجد الروضة في شمال سيناء، انبرى الإعلام "الحرّ" المدعوم والتابع للرجعيّة العربيّة، في السعوديّة ودول الخليج ...، لإعفاء أنظمة الحكم في الدول العربيّة من مسؤوليتها في انتشار العنف والإرهاب وتواتره واطّراده في الشرق الأوسط والعالم. ويشرح كتّاب هذا الإعلام ليقنعوا القارئ العربيّ، بأنّ عصابات الإرهاب تستغلّ وتستثمر مشاعر الناس بالظلم والإحباط وفقدان الثقة بالنفس وبالآخرين، والغضب والنفور من الحياة المعيشة و... لتجذب وتورّط بعض الناس في الانتماء إلى صفوفها، وغسل أدمغتهم، والسيطرة عليهم، ومن ثمّ دفعهم إلى ارتكاب العمليّات الانتحاريّة والإرهابيّة، وبعد كلّ هذا الشرح، يستنتج هؤلاء الكتّاب أنّ هذه المشاعر لا تبرّر العنف، لأنّ الإرهاب لا يستطيع أن يكون مع حقوق الإنسان، ولم يطرح بديلا لمظالم القبضة الأمنيّة والسلطة الحاكمة؛ وكذلك القيادات الإرهابيّة أسوأ مِن حكّام الدول العربيّة والإسلاميّة في انتهاك العدل والحريّة وحقوق الإنسان و...
لذلك، يطالب هؤلاء الكتّاب المواطنين في الدول العربيّة والإسلاميّة (ما عدا في سوريّة والعراق واليمن) بدعم السلطات والجكّام في حربهم ضدّ الجماعات الإرهابيّة، ويطالبون السلطات بشنّ حرب عسكريّة وأمنيّة (بعيدة عن الفكريّة) ضدّ عصابات الإرهاب، وبتشديد الإجراءات الأمنيّة، طبعًا مع مراعاة القوانين والمبادئ الديمقراطيّة والتنمويّة (المنتشرة بوفرة في العالم العربيّ)!
هل حقًّا ستجفّف هذه الإجراءات المنابع: البشريّة، والتسليحيّة، واللوجستيّة، والماليّة، والتنظيميّة، و... للإرهاب؟
هل مثل هذه الإجراءات تعطّل تحالف دولة استعماريّة ومحتلّة مع "داعش" في سوريّة ولبنان؛ لمحاربة حزب الله، وإيران، و... ؟! أم تبرّر ارتماء الرجعيّة العربيّة في أحضان اليمين الفاشيّ الإسرائيليّ والأمريكيّ؟
لنخشّ في الموضوع دوز دوغري، كما يقول إخواننا المصريّون. خيانات ومؤامرات وفساد و... وعداء الرجعيّة العربيّة لشعوبها، وللقضيّة الفلسطينيّة، هي مشجّعة للعنف الاجتماعيّ (العاطفيّ واللفظيّ والبدنيّ والنفسيّ) المنتشر في دنيا العرب،؛ لأنّ هذه الخيانات و... ، والعداء مثيرة للقلق والاضطراب في الإنسان العربيّ، بشكل خاصّ، وفي كلّ إنسان، بشكل عامّ، وهذا الاضطراب لا يجعل الإنسان عدوًّا لمجتمعه ومحيطه فقط؛ بل يجعله عدوّا لنفسه، ويشجّعه للقيام بالعمليّات الانتحاريّة.
لا تستطيع الحركات المتطرّفة و... والإرهابيّة أن تستميل، أو تجنّد، أو ...، إنسانا يعيش في وئام وانسجام مع نفسه، ويتكامل بذاته ومع الآخر المختلف ... حتّى الحيوان المفترس لا يهاجم مَن لا يشكّل تهديدًا له ولبقائه.
وباختصار: "يا عمّي، المبسوط بحياته، مش ممكن يِؤذي أو يضرّ غيره أو نفسه" ... حتّى لو تمّ الاعتداء على هادئ البال، والسعيد، والقنوع؛ فيدافع عن نفسه بهدوء واتّزان، ولا ينجرّ للهوج ولمشاعر الانتقام.
لكن، يسير الإنسان العربيّ وعلى رأسه "فتيل كاز"، من السهل إشعاله؛ فهو إذا نظر حوله وجد فقرا وقمعا واحتلالا وغطرسة و...، وإذا عمل استغَلّ، وإذا تخرّج من المعاهد الأكاديميّة، لا يستطيع أن يحقّق ذاته وطموحاته، وأن يعمل في مجال تخصّصاته في بلاده؛ فكيف له أن لا يشعل الفتيل الموجود على رأسه؟
قبل حرب أكتوبر، أثناء دراستي الجامعيّة، كنّا نشعر برياح الحرب، وكان التوتّر باديًا على وجوه زملائنا اليهود؛ فكنت أقول لأحدهم: لا تشعل حربا عالميّة في داخلك؛ لتشنّها حرب إبادة علي!