تحتلّ قضايا فساد الحكم في إسرائيل مساحات واسعة من وسائل الإعلام. وينشغل قسم مِن السياسيّين في الدفاع عن فساد بيبي نتنياهو وزوجته، وآخر عن فساد عضو الكنيست الليكوديّ دافيد بيتان، رئيس الاتلاف الحكوميّ، وآخر عن ...، وفي المقابل، يشنّ العديد من الكتّاب والمفكّرين والصحفيّين والسياسيّين و... الهجوم على حزب الليكود اليمينيّ المتطرّف، وعلى ائتلافه في الحكومة الإسرائيليّة ويتّهمونهم بانتشار الفساد والرشاوَى ... و في المدّة الأخيرة، تظهر تحرّكات شعبيّة ومؤسّساتيّة، وتجري المظاهرات في ساحات تل-أبيب وفي شوارع إسرائيل، تنادي بتغيير الحكم، وإسقاط قوانين بيبي وزوجته وشلّته، وآخرها مظاهرة عشرات آلاف الإسرائيليّين ضدّ سنّ قانون "التوصيات" الذي يحمي رئيس الحكومة من الاتّهام والتحقيق ... كانت مظاهرة (مسيرة العار) غير عاديّة، كباقي المظاهرات التي رفعت الشعارات نفسها وسبقتها زمنيّا وعدديّا. لقد شارك في التخطيط وفي المظاهرة الكثير من رجال ونساء الاستخبارات والمخابرات، "الشاباك" و"الموساد"، بالإضافة إلى قيادات عسكريّة وشرطيّة متقاعدة.
بعد هذه المظاهرة، ارتفع منسوب وكثافة وحدّة المقالات والخطابات والبيانات السياسيّة المنادية بإسقاط حكومة بيبي وعصابته. فانبرى أبراهام بورغ وكتب في صحيفة "هآرتس" مقالا ظاهره دفاع عن دافيد بيتان، رئيس الائتلاف الحكوميّ، المتّهم بالفساد، وارتكاب مخالفات جنائيّة، وخيانة الأمانة، وتبييض الأموال، والترويج لمصالح عنصر في منظّمة إجراميّة، مقابل جدولة ديونه (مليونا دولار أمريكيّ) وتسديدها.
أبراهام بورغ، عضو ورئيس الكنيست (البرلمان الإسرائيليّ) السابق عن حزب "العمل"، ورئيس الوكالة اليهوديّة. ويعتبره اليمين معاديا للمؤسّسات الدينيّة اليهوديّة وللاحتلال الإسرائيليّ. كتب قبل عقد كتاب "حتى ننتصر على هتلر" وأثار جدلا كبيرا في الشارع الإسرائيليّ ... فيه شرح المخاوف والمخاطر التي اعترضت وتهدّد وجود الشعب اليهوديّ، واستنتج أنّ الشعب اليهوديّ "لا يستطيع أن يكون شعبا عاديّا"، وأنّ الكارثة النازيّة ما زالت تشكّل "عقدة مركزيّة ومحوريّة حاسمة في الوعي اليهوديّ" وأنّ اليهود "ليسوا مرعوبين ممّا حدث فقط؛ بل مرعوبين، بحقّ أو بوهم، مِن الآتي".
ويكشف بورغ في مقاله الأخير حول الفساد: "هكذا فعل الجميع دائما" لقد وصل مرّة أحد دعاة الاشتراكيّة بسيّارة مرسيدس فاخرة إلى الكنيست، أوقفها خلف حاويات القمامة الضخمة، وأسرع لدخول الكنيست؛ كي يمثّل المضطهدين والمقموعين، وكان يكتب محاضر كلّ الجلسات بقلم رصاص حادّ، سألتُه مستغربا "لماذا" (بقلم رصاص)، أجاب: "أحيانا يتغيّر التاريخ"، وفعلا تغيّر الرجل ...
ويكشف بورغ بأنّ حكومة حزب "العمل" مرّرت وأسقطت قوانين تتضارب مع المصلحة العامّة، وتتناقض مع مبادئ الحزب، ويذكر أنّ يتسحاق رابين قد صرخ في وجهه وتهجّم عليه وأنّبه عندما حاول أن يفضح فساد رئيس اللجنة الماليّة من حزب "أجوداة يسرائيل" ... قال له رابين: "ماذا يهمّني؟ بدونه لا يوجد ائتلاف؛ لذلك ليسرق كما يشاء وأنت اصمت".
وانهالت التعليقات البذيئة على مقال بورغ... وحكموا عليه بأحكام قراقوشيّة.
فإلى بورغ الحكاية:
جاء رجل إلى قراقوش يشكو إليه مماطلة غريمه في دفع دينه له. أمر قراقوش بإحضار المتّهم ... سأله: لماذا؟ أجاب: أنا فقير، وكلّما وفّرت بعض المال، أذهب إلى بيت دائني لأعطيه ما توفّر من المال؛ فلا أجده ... فأصرفه ... فيأتيني بعد ذلك ويطالبني، فماذا أفعل؟ فأمر قراقوش بحبس صاحب الحق حتّى يجده المديون.