هُدْنةُ عام 1272 م بينَ السُّلطانِ بَيْبَرْسَ والصَّليبيينَ: هلْ تَمَّ التَّوقيعُ عليها في يِرْكا ؟
2015-04-08 21:13:49
من أَرشيف البروفيسور علي صغيَّر
هُدْنةُ عام 1272 م بينَ السُّلطانِ بَيْبَرْسَ والصَّليبيينَ: هلْ تَمَّ التَّوقيعُ عليها في يِرْكا ؟
الهُدنةُ التي نتحدَّثُ عنها أُبرِمَتْ بينَ السُّلطانِ المَمْلُوكِيِّ بَيْبَرْسَ وبينَ الصَّليبيِّنَ، بعد أَنْ أَنْزَلَ بِهِم بَيْبَرْسُ ضرباتٍ عَدِيداتٍ مُوْجِعاتٍ، وبعدَ أَنِ انتَزَعَ منهُم مساحاتٍ كثيراتٍ واسعاتٍ مِنَ الأَراضِي التي كانوا قد حصلوا عليهِ في إطارِ هُدنةِ الرَّمْلَةِ عام 1192 م، تلكَ الهُدنة التي تَوَصَّلَ إليْها السُّلطانُ صلاحُ الدِّينِ الأَيُّوبيُّ وريكارْدُس قلبُ الأَسَدِ، في أَعقابِ الحملةِ الصَّليبيَّةِ الثَّالِثةَ (1189 – 1192 م).
تَمَّ التَّوقيعُ على هذِهِ الهُدنةِ بتاريخِ 21 أو 22 نيسانَ عام 1272 م، ووَقَّعَ عليْها السُّلطانُ بَيْبَرْسُ، من طَرَفِ المَمَاليك، والمَلِكُ هُوْ الثَّالث أو هُوْغ الثَّالثُّ أو هُوْغ دِي ﭙواتْيِيِه Hugues de Poitiers، أو هُوْ دِي لُوْزِيْنان Hugh de Lusignan، مَلِكُ قُبرُصَ، وملِكُ مَمْلَكَةِ أُورشليمَ الصَّليبيَّةِ، من طَرَفِ الصَّليبيِّينَ.
مُدَّةُ هذِهِ الهُدنةِ كانتْ عشرَ سنينٍ وعشرةَ أشهرٍ وعشرةَ أيَّامٍ وعشرَ ساعاتٍ. وطبقًا لها سلَّمَ بَيْبَرْسُ الصَّليبيِّينَ ثماني قُرًى في سَهْلِ عكَّا، بالإضافةِ إلى شَفاعَمْرُو، ونصفِ أراضي بلدةِ اسكندرُونَة، وهي حاليًّا قرية أثريَّةٌ بائدةٌ على ساحلِ لُبنان، إلى الجنوبِ من مدينة صُوْر، كانَ الاسكندرُ الكبيرُ قد بناها بعدَ احتلالِهِ لسُوريا ولبنانَ وفلسطينَ، واسمُها الأصليُّ هو Alexandrium، ولكنَّ الصَّليبيِّنَ حِرَّفُوهُ إلى Scandalion. وبموجبِ هذهِ الهُدنةِ أُعْطِيَ الصَّليبيُّون أَيضا الحقَّ في زيارةِ الأماكنِ المُقدَّسةِ للمَسِيحِيَّةِ في مدينةِ النَّاصِرةِ بحُرِّيَّةٍ تامَّةٍ، وفي الوُصُولِ إلى هُناكَ بأَمَانٍ.
هُدنة عام 1272 لم تكُنْ، في الواقعِ، سِوَى تجديدٍ لهُدنةِ عام 1268 م، التي اتُّفِقَ عليْها بينً السُّلطانِ بَيْبَرْسَ وبينَ الصَّليبيِّينَ، تلك الهُدنة التي انتُهِكَتْ عام 1269 م. ولم يتمّ الاتِّفاقُ على هُدنةِ عام 1272 م إلاَّ بعد أن تدخّلَ شَارْل دَانْجُو (Charles d'Anjou)، مَلِكُ ناﭙولِي وصِقِلِّيَةَ (6.1.1266 – 7.1.1285).
هكذا يقولُ تَقِيُ الدِّينِ المَقْريزيُّ (1364 م - 1442 م) في الصَّفحتينِ 77 و 78 من الجزءِ الثَّاني من كتابِهِ "كتابُ السُّلوكِ في معرفةِ دُوَلِ المُلوكِ" بشأنِ هذِهِ الهُدنةِ (ما هو بداخلِ أقواسٍ أُضيفَ من قِبَلِنا، إمَّا مِنْ أجلِ التَّوضيحِ، أو لأنَّهُ ناقصٌ في هذِهِ الطَّبعةِ):
"وفي رَجَبَ (من عام ستمائة وسبعين هجري، الموافق لشباط عام 1272 ميلادي):
خرج السُّلطانُ (بَيْبَرْسُ) مُتَصَيِّدًا بجهةِ الصَّالحيَّةِ، فَوَرَدَ الخبرُ بحركةِ التَّتارِ فعادَ إلى القلعةِ، وخرجَ في ثالثِ شعبانَ إلى الشَّامِ، وأَتَتْهُ رُسُلُ الفَرَنْجِ بعكَّا وهو بالسَّوادِ (موضِعٌ بناحيةِ البَلْقاءِ) تطلبُ الهُدنةَ، فَسارَ وبعثَ إليْهِمِ الأميرَ فخرَ الدِّينِ أغار القرى (يجب أَنْ يكُون: فخر الدِّين اياز المُقْرِيّ)، والصَّدرَ فتحَ الدِّينِ بنَ القيْسَرانِيِّ كاتبَ الدَّرْجِ في حادي عشرَ رمضانَ، ونزلَ السُّلطانُ (بَيْبَرْسُ) بِمُرُوجِ قيساريةَ فعقدَ الهُدنةَ مع الفَرَنْجِ لمدِّةِ عشرِ سنينٍ وعشرةِ أشهرٍ (وعشرةِ أيَّامٍ) وعشرِ ساعاتٍ مِنَ التَّاريخِ المذكورِ، وخرجَ أهلُ عكَّا لمشاهدةِ العسكرِ، فَرَكَبَ السُّلطانُ (بَيْبَرْسُ) ولَعِبَ هو وجميعُ العسكرِ بالرُّمْحِ".
أَمَّا مُحْيِي الدِّينِ بنُ عبدِ الظَّاهِرِ (1223 م – 1292 م)، الذي عاصَرَ السُّلطانَ بَيْبَرْسَ، والذي كانتْ لَهُ مكانَةٌ خاصَّةٌ لَدَيْهِ، فيقولُ في ذلكَ في الصَّفحة 398 مِن كتابِهِ "الرَّوضُ الزَّاهِرُ في سِيرَةِ المَلِكِ الظَّاهِرِ" ما يلي:
"كانَ رسولُ الفَرَنْجِ قد حضرَ، فصادفَ السُّلطانَ في السَّوَادَةِ (أَوِ السَّواد، وهو، كما ذكرنا، موقِعٌ بناحيةِ البَلْقاءِ)، فعادَ صحبته إلى العَوْجاءِ، وزادَهُم ثماني ضِياعٍ غيرَ الاثنتي عشرَةَ ضيعةً التي زادَهَا لهُم خارِجًا عَمَّا في الهُدنةِ، وجَهَّزَهُم مِنَ العَوْجَاءِ، فعادُوا وصُحبتُهُم فارِسٌ مِن جهةِ مَلِكِ عكَّا، ورَحَلَ السُّلطانُ إلى مَنْزِلَةِ الرُّوْحا، وتَرَدَّدَتِ الرُّسُلُ، وكانَ قصدُ الفَرَنْجِ شَفَرْعَم (أَي شَفَاعَمْرُو) وكابُوْل Le Saffran) و Cabor، عندَ الصَّليبيِّينَ) واسكندَرُونَة، فأَنْعَمَ عليهِم بِشَفَرْعَمَ بِكمالِها ونصفِ اسكندَرُونةَ ونصفِ ضيعةٍ مِن عَمَلِها، وبِرَدِّ فلاَّحِي البلادِ التي عُيِّنَتْ لهُمُ الهُدنةُ، وحَضَرَ أَكابِرُ الخَيَّالَةِ والإخوةِ، فَحَلَفَ السُّلطانُ على الهُدنةِ للمَلِكِ أُوْك دِلْزِنْيال (أَيِ الملك هُوْ الثَّالث، أو هُوْغ الثَّالث، او هُوْ دِي لُوْزِيْنان) مَلِكِ عكَّا وقبرُسَ، وحَلَفَ لِمُقَدَّمِي البُيُوتِ يمينًا مُفرَدَةً، وتَوَجَهَ رُسُلُ السُّلطانِ لِتَحْلِيفِ المَلِكِ، وهُم: أَلأَميرُ فخرُ الدِّينِ ايازُ المُقْرِيُّ، والصَّدْرُ فتحُ الدِّينِ بنُ القَيْسَرَانِيِّ كاتِبُ الدَّرْجِ الشَّريفِ، وذلكَ في الحادي والعشرينَ مِن شهرِ رمضانَ، وهو أَوَّلُ مدَّةِ الهُدنةِ، ومُدَّتُها عشرُ سنينٍ وعشرةُ شهورٍ وعشرةُ أَيَّامٍ وعشرُ ساعاتٍ. وخَرَجَ أَهلُ عكَّا لِيُشاهدُوا العساكِرَ، فَرَكِبَ السُّلطانُ، ورَكِبَتِ العساكِرُ، ولعبُوا بالرِّماحِ، وعادَ الرُّسُلُ بعْدَ تحليفِ الفَرَنْجِ".
ويقولُ بدرُ الدِّينِ العَيْنِيُّ (1361 م – 1451 م) في هذِهِ الهُدنةِ في الصَّفحةِ 80 من الجزءِ الثَّاني مِن كتابِهِ "عِقدُ الجُمانِ في تاريخِ أهلِ الزَّمانِ"، ما يلي:
"وفي شهرِ شَعْبانَ (من عامِ ستمائةٍ وسبعينَ هجريٍّ، الموافق لشباط عام 1272 ميلادي): خرجَ السُّلطانُ (بَيْبَرْسُ) إلى أراضي عكَّا، فأَغارَ عليْها، فَسَاَلَهُ صاحبُها المُهادَنَةَ، فأجابَهُ إلى ذلكَ، فَهَادَنَهُ عشرَ سنينٍ وعشرةَ أشهرٍ وعشرةَ أيَّامٍ وعشرَ ساعاتٍ، ثمَّ عادَ إلى دمشقَ، فَقُرِئَ كتابُ الصُّلحِ بدارِ السَّعادةِ، فاستمرَّ الحالُ على ذلكَ.
"وقالَ بَيْبَرْسُ: وعادَ السُّلطانُ إلى الشَّامِ وخرجَ من قلعةِ الجبلِ في شهرِ شَوَّالَ ونزلَ على الرَّوْحَاءِ مُقابلَ عكَّا لأنَّهُ مكانٌ كثيرُ المياهِ والأعشابِ، فَحَضَرْتْ إليهِ رُسُلُ الفَرَنْجِ، فزادَهُم ثمانِي ضِيَاعٍ (أي ثماني قُرًى)، وأَنْعَمَ عليهِم بِشَفَرْعَمَ (أي شَفاعَمْرُو) ونصفِ اسكندرُونَةَ، وتقرَّرَتِ الهُدنةُ مَعَ صاحبِ قُبرُصَ (أي المَلِك هُوْ الثَّالثُ أو هُوْغ الثَّالثُ او هُوْ دِي لُوْزِيْنان Hugh de Lusignan):
ويُعلِّقُ البروفيسور يِهُشُوَّع ﭙرْاﭬر (פּרופ' יהושוע פּראוור)، وهو مِن كِبارِ باحِثِي تاريخِ الفترةِ الصَّليبيَّةِ في البلادِ، إِنْ لمْ يكُنْ أَكْبَرَهُمُ وأَشْهَرَهُمُ على الإطلاقِ، في الصَّفحةِ 491 من الجزءِ الثَّاني من كتابِهِ תולדות ממלכת הצלבנים בארץ ישראל (تاريخُ مَمْلَكَةِ الصَّليبيِّينَ في أرضِ إسرائيلَ) على ما يقولُهُ المؤرَّخُ بدرُ الدِّينِ العَيْنِيُّ بما يلي:
"לפי דברי הביוגרף של בּיבּרס, המובאים על ידי אלעיני נכרתה ברית השלום לא בקיסריה אלא בארוחא (אלרוחא) מול עכו. כפר בשם ארוחא נמצא צפונה-מערבה ללג'ון והוא מרוחק מדי. ואולי הכוונה לירחא (יִרְכּא), בפי הצלבנים: Arket, מזרחה מכפר יאסיף. לפי אותו מקור ניאות בּיבּרס להשאיר לנוצרים 8 כפרים (כנראה במישור עכו) ולהוסיף עליהם את שפרעם ואת מחצית אסכנדרונה (Scandalion) על הדרך מעכו לצור".
وترجمةُ ذلكَ هي كما يلي:
"طبقًا لأقوالِ كاتبِ سِيرةِ حياةِ بَيْبَرْسَ، الوارِدِ ذكرُها في كتابِ العَيْنِيِّ، لم يتمّ التَّوقيعُ على الهُدنةِ في قيساريةَ، وإنَّما في الرُّوْحَا قبالةَ عكَّا. قريةٌ باسمِ الرُّوْحَا موجودةٌ إلى الجهةِ الشِّماليَّةِ الغربيَّةِ مِنَ الَّلجُّونِ، وهي بعيدةٌ (عن عكَّا)، وربَّما كانَ القصدُ قرية يِرْحَا (يِرْكا)، التي كانت تُعرَفُ عندَ الصَّليبيِّينَ بالاسم Arket، إلى الشَّرق من كُفرياسيف. وطبقًا لنفسِ المصدرِ سَمَحَ بَيْبَرْسُ بأَنْ تبقى مَعَ الصَّليبيِّينَ ثماني قُرًى (على ما يبدُو في سهلِ عكَّا)، وأن تُضافَ اليها شَفاعَمْرُو ونصفُ اسكندرُونَةً (Scandalion) على طُولِ الطَّريقِ بينَ عكَّا وصُوْر".
وإذا كانَ ما قالَهُ ابنُ عبدِ الظَّاهِرِ والعَيْنِيُّ بشأنِ مكانِ التَّوقيعِ على هذِهِ الهُدنةِ هو الصَّحيحُ، فَمِنَ الجائِزِ جدًا أَن التَّوقيعَ عليها لم يحصلْ في قِيسارية البعيدةِ عنْ عكَّا، وإنَّما في يِرْكا، كما يقولُ البروفيسور ﭙرْاﭬر، وإذا كانَ الأمرُ كذلكَ فعلاً، فَمِنَ الجائِزِ أَن يكُونَ تحريفُ اسمِ القريةِ مِن يِرْكا إلى "يِرْحَا" أَوِ "الرُّوْحَة أَو الرُّوْحا" قد نتجَ عن خطأٍ وَقَعَ عندَ كتابةِ النَّصِّ الأَصليِّ لِكتابِ العَيْنِيِّ، أَو في نسخِهِ بعْدَ تألِيفِهِ، في فترةٍ لاحقةٍ. ومِمَّا يُعَزِّزُ رأَيَ البروفيسورِ ﭙرْاﭬر هو وُقُوعُ يِرْكا قبالةَ عكَّا، تمامًا كما يقولُ العَيْنِيُّ، ومشاهَدَةُ عكَّا وسهلِها وخليجِها مِن يِرْكا هي أَمرٌ سهلٌ، في حين تصْعُبُ مشاهَدَةُ عكَّا مِن غالبيَّة قُرى الرُّوْحا، والرُّوْحا هو اسمٌ لمنطقةٍ جغرافيَّةٍ كبيرةٍ، تقعُ بينَ جبلِ الكَرْمِلِ وجبالِ أُمِّ الفَحْمِ، في الماضي كانَ يُطْلَقُ عليها اسمُ "بلاد الرُّوْحا"، وهي لا تقعُ مُباشَرَةً قُبالةَ عكَّا. إحدى قُراها كانت قرية "دالِيَة الرَّوْحا"، وموقِعُها كانَ بالقُربِ من كِيبوتْس دالْيَه (קיבוץ דַּלְיָה) وكذلكَ بالقُربِ مِن كِيبوتْس عين هَشُوفيط (קיבוץ עֵין הַשּׁוֹפֵט) "بلاد الرُّوْحا" تُعْرَفُ حاليًا باسمِ רָמוׂת מְנַשֶּׁה. ومِنَ الجديرِ بالذِّكرِ أَنَّ يِرْكا كانت في مطلعِ العَقْدِ لتَّاسِعِ مِنَ القرنِ الثَّالثِ عشرَ قريةً حُدُودِيَّةً، فبِمُوجبِ اتِّفاقيَّةِ الهُدنةِ بينَ السُّلطانِ قلاوونَ والصَّليبيِّينَ، تلك الهُدنةُ التي وُقِّعَ عليْها عام 1283 م، كانَ الحدُّ بين الدَّولتَيْنِ المَمْلوكيَّةِ والصَّليبيَّةِ، كما سوفَ نرى فيما يلي، يمرُّ في الطَّرَفِ الغربي لأراضي يِرْكا، والقريةُ نفسُها كانتْ تابعةً للدّولةِ المَمْلوكيَّةِ، ورُبَّما كانَ الأَمرُ كذلكَ أيضا عام 1272 م، عندما تَمَّ التَّوقيعُ على الهُدنةِ التي نتحدَّثُ عنها، وإذا كانَ هذا الأَمرُ صحيحًا فعلاً، فيكُون بَيْبَرْسُ قَدِ اختارَها مكانًا لتوقيعِ هذِهِ الهُدنةِ لوُقُوعِها في أَراضيْهِ مِن جهةٍ، ولقُربِها مِن عكَّا، المدينةِ التي عَجَزَ عَنِ احتلالِها، وعاصمةِ الدَّولةِ الصَّليبيِّةِ، مِنَ الجهةِ الأُخرى. ونحنُ نعلمُ أَنَّ يِرْكا، وإِن لم يَرِدْ ذِكرُها في الوثائِق المَمْلوكيَّةِ، كانت قائِمةً ومأهُولةً خلالَ تلكَ الفترةِ، وتشهدُ على ذلكَ كُسُورُ الأَوانِي الخزفِيَّةِ المَمْلُوكِيَّةِ التي عُثِرَ عليْها في القريةِ القديمةِ وفي حَوَاكِيْرِها القريبةِ مِنها.
على هذِهَ الهُدنةِ وَقَّعَ، كما ذكرْنا، السُّلطانُ بَيْبَرْسُ مِن طَرَفِ دولةِ المَمَاليكِ، والملِكُ هُوْ الثَّالث، ملِكُ مملكةِ قبرُصَ ومملكةِ أُورشليمَ الَّلاتينيَّةِ، عَنِ طَرَفِ الصَّليبيِّن، وسوفَ نذكُرُ فيما يلي الأَسبابَ الرَّئيسيَّةَ التي دَفَعَتْهُما للتَّوقيعِ عليْها. وسوفَ نذكُرُ أَيضا مواقِفَ الشَّخصيَّاتِ الكبيرةِ الأَرْبَعِ الأُخرى التي كانتْ لها أَدوارٌ في مَسْرَحِ الأَحداثِ السِّياسيَّةِ والعسكريَّة في فلسطينَ في ذلكَ الزَّمانِ، وهذه الشَّخصيَّاتُ هي ألأميرُ الاﻧﭼليزي الكبيرُ إدْواردُ الأوَّلُ (Prince Edward I)، الذي نُصِّبَ بعدَ أَن غادرَ فلسطينَ عام 1272 م، في أَعقابِ فشلِ الحملةِ الصَّليبيَّةِ التَّاسعةِ التي قادَهَا بنفسِهِ، ملِكًا على إﻧﭼلترا، وشَارْل دَانْجُو Charles d'Anjou))، ملِكُ ناﭙولِي وصِقِلِّيَة، والأميرةُ إيزابِيلاَّ دِي ايْبيلِين (Isabella d'Ibelin) (الَّلَفظ: إيزابِيلاَّ دِيْبيِلِين)، أميرةُ إمارةِ بيرُوتَ، وأَلأَميرُ بُوهِيمُونْد السَّادسِ (Bohemond VI of Antioch)، أَميرُ أَنطاكْيا ونبيلُ طرابلُسَ.
السُّلطانُ رُكْنُ الدِّينِ بَيْبَرْسُ: انتزَعَ مساحاتٍ واسعةً منَ الصَّليبيِّن، ولكنَّ عكَّا اسْتعْصَت عليْه
وكانَ السُّلطانُ المَلِك الظَّاهرُ أبو الفُتُوحِ رُكْنُ الدِّينِ بَيْبَرْسُ العلائِيُّ البُنْدُقْدارِيُّ الصَّالِحيُّ النّجمِيُّ، الذي بدأَ نجمُهُ بالسُّطُوعِ، حينَما كان لا يزالُ يعملُ تحتَ إمْرَة السُّلطانِ قُطُز، بعدَ النَّصرِ الباهرِ لجُيُوشِ المماليكِ على المَغُوْلِ في معركةِ عَيْنِ جالُوتَ الفاصِلةِ، عام 1260 م، واعتِلائِه العرشَ بعدَ أَنْ قَتَلَ السُّلطانَ قُطُزًا، قدِ انتزعَ قبلَ التَّوقيعِ على هذِهَ الهُدنةِ، مساحاتٍ ومُدُنًا وضِياعًا وقِلاعًا عديدةً منَ الصَّليبيِّينَ، في سُوريا ولُبنان وفلسطين، نذكرُ مْن بينِها ما يلي:
النَّاصِرَة: احتلَّها عام 1263 م.
أَرْصُوْف وعثْلِيث وحَيفا وصَفَد: احتلَّها عام 1263 م.
كِيلِيْكْيَا الأرمنيَّة (بتُركيّا): احتلَّها عام 1266 م.
أَنْطاكْيا: احتلَّها عام 1267 م.
عَسْقَلان ويافا وقيساريا (قَيْصَرِيَّة): احتلَّها عام 1267 م.
قلعةُ الشّقيف، أَوِ شقيف أَرنُوْن: (Beaufort) (بِلُبنان): احتلَّها عام 1268 م.
قلعةُ القُرَيْن (Montfort, Starkenberg) (مَعْقِل الفُرسانِ التُّيُوتُون الألْمانِ في الشَّرق): احتلَّها عام 1271 م. عندما غادَرَهَا الصَّليبيُّونَ طلبُوا مِن بَيْبَرْسَ أَنَ يسمحَ لهُم بأَن يأَخُذوا معهُم جميعَ وثائِقِهِم، وقد سَمَحَ ِلهُم بذلكَ، فنقلُوها إلى عكَّا، وبَقِيَتْ هناكَ إلى أَنْ سقطتْ عكَّا بأيدي المَلِكِ المَمْلوكيِّ الأَشرفِ خليلِ بنِ قلاوُونَ في شهرِ أَيَّارَ عام 1291 م، بعدَ ذلكَ نقلُوها إلى مدينةِ البُنْدُقِيَّةِ بإيطاليا، وبَقِيَتْ هناكَ حتَّى عام 1309 م، حينَما نقلُوها إلى مدينةِ مارِينْبُورْغ
(Marienburg) بأَلمانيا (حاليًّا مدينة مالْبُوْرْك ﺒِﭙﻮلَنْدا)، وبَقِيَتْ هناكَ حتَّى عام 1457 م، ثُمَّ نقلُوها إلى مدينةِ ﮐﻳﻧﻳﭼسْبِرغ Koenigsberg)) أيضًا بأَلمانيا، وبَقِيَتْ هناكَ حتَّى عام 1525 م، وهي لا تزالُ محفوظةً بألمانيا، وهي تُشَكِّلُ مصدرًا هامًا لدراسةِ تاريخِ الجليلِ الأَعلى الغربيِّ في تلكَ الحِقبةِ، لأَنَّ اَسماءَ غالبيَّةِ القُرى العربيَّةِ القائِمةِ والمهجورةِ الموجودةِ في هذِهِ المنطقةِ، مذكورةٌ بِها.
بُرْجُ صافِيْتا (Chastel Blanc): احتلَّهُ عام 1271 م.
حِصنُ الأكرادِ (Crac or Krak de Chevaliers): احتلَّهُ عام 1271 م.
طرابلُس (لُبنان): حاصَرَها عام 1271 م، ولكنَّهُ رَفَعَ الحصارَ عنْهَا عندَما وَرَدَهُ خبرُ وَصُولِ الأميرِ الإﻧﭼليزيِّ إدْواردُ الأوَّلُ في شهرِ أَيَّارَ مِن نفسِ العامِ إلى عكَّا، على رأسِ الحملةِ الصَّليبيَّةِ التَّاسعةِ.
عكَّا: حاصَرَها عام 1263 م، وكذلك عام 1267 م، ولكنَّها استعصَتْ عليهِ في كِلْتا المرَّتَينِ.
ونظرًا لأنَّ مدينةَ عكَّا استعصَت على بَيْبَرْس، مِن جهةٍ، ونظرًا لأنَّهُ كانَ يخشَى مِن تحالُفٍ جديدٍ بينَ الصَّليبيِّينَ والمغُولِ، مِن جهةٍ أُخرى، فقد كانتْ لهُ مصلحةٌ في التَّوقيعِ على هذهِ الهُدنةِ.
عكَّا لم تسقطْ في أَيدي المُسلمينَ إلاَّ بتاريخِ 18 أَيَّار عام 1291 م، عندما احتَلَّتْها جُيُوشُ المَمَاليكِ بقيادةِ السُّلطانِ الأَشرفِ خليلِ بنِ قلاوُونَ، ومَعَ سُقُوطِها زالَ الوُجُودُ الصَّليبيُّ نهائِيَّا مِن البلادِ.
المَلِكُ هُوْ الثَّالثُ (أو هُوْغ الثَّالثُ أو هُوْ دِي لُوْزِيْنان، Hugh de Lusignan) مَلِكُ قُبرُصَ، وملْكُ مَمْلَكَةِ أُورشليمَ: كانَ يخْشَى السُّلطانَ بَيْبَرْسَ كثيرًا
المَلِكُ هُوْ الثَّالثُ، الذي كانَ مَلِكًا على قبرُصَ بين الأعوامِ 1264 م و 1284 م، وعلى مَمْلَكةِ أُورشليمَ الصَّليبيَةِ بين الأعوام 1269 م و 1284 م، كانَ مُرْغَمًا على قبولِ هذِهِ الهُدنة والتَّوقيعِ عليْها، فهْوَ كانَ يعلمُ جيِّدًا مَدَى بأسِ بَيْبَرْسَ وكانَ يخشاهُ كثيرًا. وكانَ المَلِكُ هُوْ الثَّالثُ قد أَرسَلَ جُنُودًا قبرُصيِّينَ لنجدةِ الصَّليبيِّينَ في عكَّا في الأَعوامِ 1265 م و 1266 م و 1268 م و 1269 م، بعدَ أَنْ نُصِّبَ ملكًا على مَمْلَكَةِ أُورشليمَ الصَّليبيَّةِ. وعندَما أَغارَ الأميرُ الإنجليزيُّ إدْواردُ على قلعةِ قاقُونَ في شهرِ تشرينَ الثَّاني عام 1271 م، قَدَّم لهُ العَونَ العسكريَّ. ولكنَّ كلَّ هذه الأُمورِ لم تُجْدِ نفعًا، ولم يقدرِ المَلِكُ هُوْ الثَّالثُ على استرجاعِ أَيَّة قطعةِ أَرضٍ مِن بَيْبَرْس. عدا عن ذلكَ، فقد كانَ لهُ مُعارِضُونَ مِن فُرْسانِهِ، وكثيرًا ما كانوا يرفُضُونَ أَوامِرَهُ. أَضفْ إلى ذلكَ أَنَّ سيِّدةً صليبيَّةً مِن مدينةِ أَنطاكْيا، هي مَارِيَّا ابنةُ الأميرِ بُوهِيمُوند الرَّابعِ (Bohemond IV of Antioch) ، أَميرِ إمارةِ أَنطاكْيا الصَّليبيَّةِ، وابنةِ زوجَتِهِ مِلِسِنْدِه دِي لُوْزِينان (Melisende de Lusignan)، أَميرَةِ أَنْطاكْيا، قدَّمتْ ضدَّهُ شكوَى رسميَّةً بحُجَّةِ أَنَّها هي الأَحَقُّ في الجُلُوسِ على عرشِ مَمْلَكَةِ أُورشليمَ الصَّليبيَّةِ. كُلُّ هذِهِ الأُمورِ أَثبطتْ عزيمتَهُ على قتالِ بَيْبَرْس وأَرْغَمتْهُ على التَّوقيعِ على هذِهِ الهُدنةِ.
رسالةُ السُّلطانِ الملِكِ الظاهرِ بَيْبَرْسَ إلى ملِكِ قُبرُص
السُّلطانُ بَيْبَرْسُ يقولُ لملِكِ قبرُص: "أَنتم خُيُولُكُمُ المَرَاكِبُ ونحنُ مَرَاكِبُنا الخُيُولُ"
ومِن أَجلِ إعطاءِ فكرةٍ عن طبيعةِ العلاقاتِ بينَ بَيْبَرْسَ والملِكِ هُوْ الثَّالثِ نعرِضُ فيما يلي نَصَّ رسالةِ التَّهَكُّمِ التي أَرسَلَها بَيْبَرْسُ إلى الملِكِ هُوْ كَرَدٍّ على رسالةِ تَعْييرٍ كانَ قد أَرسَلَها هذا الأخيرُ إلى بَيْبَرْس يُخْبِرُهُ فيها عن تَحَطُّمِ إحدى عشرةَ سفينةً كانَ بَيْبَرْسُ قد وَجَّهَها مِن مِصْرَ نحوَ قبرُص مِن أَجْلِ غزوِها، وكانتِ الرِّيحُ قد حَطَّمَتْها في البحرِ بالقُربِ مِن مدينةِ لِيماسُولَ بجزيرةِ قبرُصَ:
"إلى حضرةِ المَلِكِ أُوْك (أيِ المَلِك هُوْ الثَّالث، أو هُوْغ الثَّالث، او هُوْ دي لُوْزِيْنان - Hugh de Lusignan):
ذكر ببالي، جعلَهُ اللهُ مِمَّنْ يُوفِي الحقَّ أهلَهُ، ولا يفتَخرُ بنصرٍ إلا إذا أَتى قبلَهُ أو بعدَه بخيرٍ منهُ أَو مثلَهُ. نُعْلِمُهُ أَنَّ اللهَ إذا أسعدَ إنساناً دفعَ عنهُ الكثيرَ من قضائِهِ باليسيرِ، وأحْسَنَ إليهِ بالتَّدبيرِ فيما جَرَتْ بِهِ المقاديرُ. وقدْ كُنْتَ عَرَّفْتَنَا أَنَّ الهواءَ كَسَرَ عِدَّةً من شَوانِيْنا (أي من سُفُنِنا)، وصارَ بذلكَ يتبجَّحُ وبِهِ يفرحُ. ونحنُ الآنَ نبشِّرُهُ بفتحِ القُرَيْن (أي بفتح قلعة القُرَيْن، أوِ القَرْن، Montfort, Starkenberg، عند الصَّليبيِّين)، وأين البِشارةُ بتملُّكِ القُرَيْنِ مِنَ البِشارةِ بما كَفَى اللهُ مُلْكَنا مَنَ العَيْنِ ؟ وما العجبُ أن يَفْخَرَ بالاستيلاءِ على حديدٍ وخشبٍ (أي على سُفُنٍ مُكَسَّرَة) ؟ الاستيلاءُ على الحُصُونِ الحَصِينةِ هُو العجبُ. وقد قالَ وقُلْنا، وعَلِمَ اللهُ أنَّ قولَنا هُو الصَّحيحُ. واتكلَ واتَّكَلْنَا، وليسَ مَنِ اتَّكلَ على اللهِ وسيفِهِ كَمَنِ اتَّكلَ على الرِّيحِ (أي الرِّيح التي كَسَرَتِ السُّفُنَ). وَمَا النَّصرُ بالهواءِ مَلِيحٌ، إنَّما النَّصرُ بالسَّيفِ هو المَلِيحُ. ونحنُ نُنْشِئُ في يومٍ واحدٍ عِدَّة قطايع، ولا يُنْشَأُ لكُم مِن حِصنٍ قطعةٌ، ونُجهِّزُ مائةَ قلعٍ (أي قِلاع)، ولا تُجَهِّزُ لكُم في مائةِ عامٍ قلعةٌ. وما كلُّ مَن أُعْطِيَ مقذافاً قَذَفَ، وما كلُّ من أُعْطِيَ سيفاً أحْسَنَ الضَّربَ بِهِ أو غَرَفَ. إِن عَدِمْت من بحريَّةِ المراكبِ آحادًا، فعندَنا مِن بحريَّةِ المراكبِ آلافٌ. وأينَ الذينَ يطعنُونَ بالمقاذيفِ في صَدْرِ البحرِ مِنَ الذين يطعنُونَ بالرِّماحِ في صَدْرِ الصُّفوفِ ؟ وانتُم خُيُولُكُمُ المراكِبُ ونحنُ مراكِبُنا الخُيُولُ، وفرقٌ بينَ مَنْ يُجْرِيْهَا كالِبحَارِ ومَنْ تقفُ بِهِ في الوُحُولِ. وفرقٌ بينَ مَنْ يَتَصَيَّدُ عَلَى الصُّقورِ مِنَ الخَيْلِ العِرَابِ، وبينَ مَنِ اذا افتخرَ قالَ تَصَيَّدتُ بِغُرابٍ. ولَئِن كُنتُم أخذتُم لنا قريةً مكسُورةً، فَكَم أخذنا لكُم مِنْ قريةٍ معمُورةٍ، وإِنِ اسْتَوْلَيْتُم على سكَّانٍ فَكَم أخْلَيْنا بلادَكُم مِنْ سكَّانٍ، وكَمْ كَسِبْتَ وكَسِبْنا، فَتَرَى أَيّنَا أَغْنَمُ. وَلَو أنَّ في المُلْكِ سُكُوتاً كانَ الواجبُ عليْهِ أنَّهُ سَكَتَ، وما تَكَلَّمَ".
(مِن كتاب "السُّلوكُ في معرفةِ دولِ المُلوكِ" للمقريزي، الجُزء الأوَّل).
ألأميرُ الاﻧﭼليزي إدْواردُ الأوَّلُّ (فيما بعد: المَلِك إدْوارد الأوَّل): بعدَ أَنْ جَرَّدَ حَمْلتَيْنِ عسكريتيّْنِ فاشِلَتَيْنِ، الأولى على قرية القِدِّيسِ جُورج البِعْنَاوِيِّ (قرية دير الأسد الحاليَّة)، والثّانيةَ على قلعةَ قَاقُوْنَ، اقتَنَعَ أَنَّهُ عاجزٌ عن قَهْرِ السُّلطانِ بَيْبَرْسَ
ألأميرُ الاﻧﭼليزيُّ إدْواردُ الأوَّلُّ وصلً إلى عكَّا بتاريخ 9 أَيَّار عام 1271 م، مَعَ قوَّةٍ عسكريَّةٍ صغيرةٍ وغيرِ كافيةٍ، فيما عُرِفَ فيما بعدُ بالحملةِ الصَّليبيَّةِ التَّاسعةِ. في شهرِ حزيرانَ من نفسِ العامِ جَرَّدَ حملةً عسكريَّةً على قريةِ القِدِّيسِ جُورج البِعْنَاوِيِّ المجاورةِ (Saint George De la Beyne, Saint Georges de Lebyene)، وهي قريةُ ديرِ الأسدِ الحاليَّةِ، التي كانت مركِزًا صليبيَّا هامًّا قبلَ أن ينتزعها السُّلطانانِ صلاحُ الدِّن الأَيُّوبي، بعدَ معركةِ حِطِّينَ عام 1187 م، وبَيْبَرْسُ بعْدَهُ، بعدَ انتزاعِ غالبيَّةِ الجليلِ من أَيدي الصَّليبيِّينَ. وقد تَعَرَّضَت هذه القريةُ إلى نهبٍ كثيرٍ من قِبَلِ جُنُودِ إدْوارد الأوَّلِّ، وأُتلِفتْ لها حُقُولٌ كثيرةٌ، وهُدِمَ عددٌ من بُيُوتِها، وقُتِلَ عددٌ من سُكَّانِها، أَمَّا جُنُودُ إدْوارد فقد عانَوْا مِنَ الحرَّ والجُوعِ والعطشِ، وهلكَ منهُم كثيرونَ.
ويقولُ مُحْيِي الدِّينِ بنُ عبدِ الظَّاهِرِ في غارَةِ الأَمير إدْوارد على قريةِ ديرِ الأسدِ (قرية البعنة في حينِهِ) في كتابِهِ "الرَّوضُ الزَّاهِرُ في سِيرَةِ المَلِكِ الظَّاهِرِ" ما يلي:
"في بُكْرَةِ يومِ العيدِ أَغارَ الفَرَنْجُ إلى جهةِ الشَّاغُورِ والبعنة، وكانوا أَكثرَ مِن أَلفٍ وخمسمائِةِ راكِبٍ ورِجَّالَةٍ كثيرةٍ، أَخذوا غِلَّةً وجُرُوبًا، وأَحرقوا غِلالاً، ورجعوا، وهلكَ مِنهُم بالحَرِّ والعطشِ جماعَةٌ".
هذِهِ الحملةُ الفاشِلةُ أَقنعَت ألأميرَ إدْوارد أَنَّهُ عاجزٌ عنِ الفوزِ بأَيِّ نصرٍ بدونِ أن يتلقَّى العونَ العسكريَّ، وبسببِ ذلكَ قضى عددًا منَ الأشهرِ بعدَ ذلكَ في مُحاولاتٍ لتلَقِّي النَّجدةَ، خُصوصًا من هُوْ دِي لُوْزِيْنان، مَلِكِ قبرُصَ وملْكِ مَمْلكةِ أُورشليمَ.
وفي شهرِ تشرينَ الثَّاني عام 1271 م جَرَّدَ ألأميرُ إدْواردُ حملةً عسكريَّةً فاشِلةً أُخرى على قلعةِ قَاقُونَ، الواقعةِ إلى الجهةِ الشِّماليَّةِ الغربيَّةِ من مدينةِ طُولكَرْم. هذِهِ المرَّةَ تلقَّى العونَ العسكريَّ مِنَ المَلِكِ هُوْ دِي لُوْزِيْنان، ومِنَ المغُولِ، أَعداءِ العربِ والمُسلمينَ وبَيْبَرْسَ، وكذلكَ منَ الأُخويَّتَيْنِ التُّيُوتُونِيَّةِ، والدَّاوِيَّةِ، وكذلكَ مِن أُخويَّة فُرسانِ الهيكلِ، وكُلُّها كانتْ أخويَّاتٍ دِينيَّةً عسكريَّةً صَليبيَّةً. وقد قُتِلَ كثيرونَ منَ الجُنُودِ الذينَ كانوا مُتواجِدينَ بالقلعةِ، وقُتِلَ أَميرُها أيضا، ولكنَّ القلعةَ نفسهَا استعصتْ على ألأميرِ إدْواردَ، فترَكَها وقَفَلَ عائدًا إلى عكَّا من دونِ إحرازِ أَيِّ نصرٍ عسكريٍّ.
هاتانِ الحَمْلَتانِ كانَتا أَشْبَهُ بِحَمْلَتَي تَخويفٍ وتخريبٍ وتدمِيرٍ وسَلبٍ ونَهبٍ، من حَمْلَتَيْنِ عسكريَّتَيْنِ.
وفي شهرِ حزيرانَ عام 1272 م تَعَرَّضَ ألأميرُ إدْواردُ بعكَّا لطعنةٍ بخَنجَرٍ مسمُومٍ، من قِبَلِ رجُلٍ هنالكَ مَن يقولُ أَنَّ السُّلطانَ بَيْبَرْسَ هُو الذي جَنَّدَهُ لهذِهِ المُهِمَّةِ، وهُنالكَ مَن يقولُ أَنَّ فِئةَ "الحَشَّاشِين" الإسماعيليَّةَ هي التي جَنَّدَتْهُ لذلكَ. وبصُعوبةٍ استطاعَ ألأميرُ إدْوارد أن يتخَلَّصَ مِنَ المُعتدِي، وأَن يقتُلَهُ في نهايةِ الأمرِ. وقد بقيَ الأميرُ إدْواردُ بعكَّا بعدَ هذه الطَّعنةِ إلى شهرِ أَيلُولَ عام 1272 م، بعدَ ذلكَ غادرَ عكَّا مُتَوَجِّهًا إلى إﻧﭼلترا، عن طريقِ إيطاليا وفرنسا، وخلال عودتِهِ عَلِمَ بوفاةِ والِدِهِ المَلِكِ هِنري الثَّالثِ، ولكنَّهُ لم يصلْ إلى وطنِهِ إلاَّ بتاريخِ 4 آب عام 1274 م، وبتاريخِ 19 آب من نفسِ العامِ تُوِّجَ ملْكًا على إﻧﭼلترا، وكانَ لهُ، كما هو معروفٌ، دورٌ كبيرٌ في تاريخِها.
وقد أَيَّد الأميرُ إدوارد هذِهِ الهُدنةَ، لأنَّه، من جهةٍ، كان يعلمُ جيِّدًا أَنَّهُ غيرُ قادرٍ على مُقاومةِ بَيْبَرْسَ، وبالتَّالي غيرُ قادرٍ على اسْتردادِ ما انتزعَهُ صلاحُ الدِّينِ الأَيُّوبيُّ وبَيْبَرْسُ مِنَ الصَّليبيِّين، وكانَ يأْمَلُ، من جهةٍ أُخرى، أن تُزوِّدَهُ هذه الهُدنةُ بمُهْلةٍ يستطيعُ خلالَها أن يُنظِّمَ وأَن يُجَرِّدَ، تحتَ قيادَتِهِ، فيما بعدُ، حملة صليبيَّةً جديدةً على فلسطينَ، ولكنَّ هذا الأمرَ لمْ يحصلْ مُطلقًا، كما هُو معروفٌ.
شَارْل دَانْجُو Charles d'Anjou))، مَلِكُ ناﭙولِي وصِقِلِّيَة: سَعَى مِن أجلِ الاتِّفاقِ على الهُدنةِ بينَ السُّلطانِ بَيْبَرْسَ والصِّليبيِّينَ عام 1272 م ، لأّنَّهُ كانَ يعرِفُ الوضعَ البائِسَ للدَّولةِ الصَّليبيَّةِ
شَارْل دَانْجُو Charles d'Anjou))، ملِكُ ناﭙولِي وصِقِلِّيَة (فترة الحُكم: 6.1.1266 – 7.1.1285)، وشقيقُ لويس التَّاسعِ (Louis IX) مَلِكِ فرنسا خلالَ الفترةِ 1226 م - 1270 م، شارَكَ إلى جانبِ الأمير إدْوارد في الحملةِ الصَّليبيِّةِ التَّاسِعةِ، فقد وَصَلَ مَعَهُ إلى عكَّا عام 1271 م، عندما كانَ بَيْبَرْسُ ضارِبًا الحِصارَ على مدينةِ طرابلُسَ، واشتركَ معَهُ في المُناوَشاتِ العسكريَّةِ القصيرةِ التي قامَ بها ضَدَّ بَيْبَرْسَ. ولكنْ بسببِ فشلِ محاولاتِهِما في كسرِ بَيْبَرْسَ، مِن جهةٍ، وبسببِ عَوْدَةِ الأميرِ إدْوارد إلى بلادِهِ، مِن جهةٍ أُخرى، فَقَدْ رأَى شَارْل دَانْجُو أَنَّهُ مِنَ الأَفضلِ للدَّولةِ الصَّليبيَّةِ أَن تَتَّفِقَ على هُدنةٍ مَعَ بَيْبَرْسَ إلى أَن تُتاحَ لَها الفُرصةُ بالقِيام بحملةٍ عسكريَّةٍ صليبيِّةٍ جديدةٍ كبيرةٍ، ولذا سَعَى إلى الوُصُولِ إلى الهُدنةِ التي نتحدَّثُ عنها، مَعَ أَنَّهُ لم يوقِّعْ عليْها. ومِنَ الجديرِ بالذِّكرِ أَنَّ البابا ﭼرﻳﭼﻮرِي العاشرَ نَصَّبَ شَارْل دَانْجُو مَلِكًا على مَمْلَكَةِ أُورشليمَ عام 1277 م، وبَقِيَ شَارْل دَانْجُو في هذا المنصبِ حتَّى عام 1285 م.
الأميرةُ إيزابِيلاَّ، أميرةُ بيرُوتَ: كانت مُعجَبَةً بالسُّلطانِ بَيْبَرْسَ، وكانتْ تُحِبُّهُ، وكانتْ عاجِزةً عن مُقاوَمَتِهِ، وما كانتْ تَرْغَبُ في ذلك
كانتْ تربطُ الأميرةَ إيزابِيلاَّ دِي ايْبيلِين (Isabella d'Ibelin) (الَّلَفظُ، كما ذكرنا، هُوَ: إيزابِيلاَّ دِيْبيِلِين)، أميرةَ بيرُوتَ (1252–1282)، مَعَ السُّلطانِ رُكْنِ الدِّينِ بَيْبَرْسَ علاقةُ وُدٍّ وتقديرٍ وإعجابٍ خاصَّة. وكان السُّلطانُ قد عَقَدَ معها هُدنةً عام 1269 م. هذه الأميرةُ كانتْ تستودِعُ بَيْبَرْسَ إمارَتَها عندما كانتْ تُغادِرُها لأيَّةِ مُهِمَّةٍ. في عام 1272 م تزوَّجتْ، بعد أن تُوُفِّيَ زوجُها الأوَّلُ، هُوْ الثَّاني (Hugh II) ملكُ قبرُصَ الطِّفلُ، من نبيلٍ صليبيٍّ من أتباعِ الأميرِ إدْوارد، وواحدٍ منَ الذينَ رافقُوهُ في حملتِهِ الصَّليبيَّة إلى عكَّا عام 1271 م، هذا الرَّجُلُ كانَ "هَامُو الغريب" (Hamo L'Estrange) . ولكنَّ بعد أن تُوُفِّيَ زوجُها هذا عام 1273 م، اخْتَطَفَهَا المَلِكُ هُوْ الثَّالثُّ إلى قبرُصَ، وأرادَ أن يُزَوِّجَهَا هناك عنوةً لرجُلٍ من أتباعِهِ، ولم يُرْجِعْهَا إلى بيرُوتَ إلاَّ بعدَ أنْ تهدَّدَهُ السُّلطانُ بَيْبَرْسُ. وتشهدُ افتتاحِيَّةُ الهُدنةِ التي عُقِدَتْ بينَها وبينَ السُّلطانِ بَيْبَرْسَ عام 1269 م على علاقاتِ المودَّةِ التي كانتْ قائِمةً بينَها وبينَهُ. وفيما يلي نصُّ افتِتاحِيَّةِ هذه الهُدنةِ، كما تَرِدُ في الجزءِ الرَّابعِ عشرَ من كتابِ "صُبحُ الأَعْشَى في صِناعَة الإنشا" للقَلْقَشَنْدِي (طبعةُ دارِ الكُتُبِ المِصريَّة):
"اسْتقرَّتِ الهُدنةُ المُباركةُ بينَ السُّلطانِ المَلِكِ الظَّاهِرِ رُكْنِ الدِّينِ بَيْبَرْسَ وبينَ المَلِكَةِ الجَلِيلةِ المَصُونةِ الفاخِرةِ فُلانةٍ ابنةِ فُلانٍ، مَالِكَةِ بَيْرُوتَ وجميعِ جبالِها وبلادِها التَّحْتِيَّةِ مُدَّةَ عشرَ سِنينٍ مُتَوَالِيَةٍ، أَوَّلُهَا يومُ الخميسِ سادِسِ رَمَضَانَ سنةَ سَبعٍ وسِتِّينَ وسِتِّمائةَ الموافقِ لتاسِعِ أَيَّارَ سنةَ أَلْفٍ وخمسِمائةٍ وثمانينَ يُونانيَّةٍ على بَيْرُوتَ وأَعمالِها ...".
أَلقَلْقَشَنْدِيُّ لا يَذْكُرُ اسمَ الأَميرةِ، ولكنَّ مُحْيِي الدِّينِ بن عبدِ الظَّاهِرِ (1223 م – 1292 م)، في كتابِهِ "الرَّوضُ الزَّاهِرُ في سِيرَةِ المَلِكِ الظَّاهِرِ"، يدْعُوها بالاسمِ "جِيزِين".
أَلأَمير ِبُوهِيمُونْد السَّادسِ أَميرُ أَنطاكْيا ونبيلُ طرابلُسَ (Bohemond VI of Antioch): كانَ يعلمُ أَنْ لا جَدْوَى مِنَ الحربِ مَعَ بَيْبَرْسَ
حينما ضَرَبَ بَيْبَرْسُ حِصارًا على مدينةِ طرابلُسَ عام 1271 م كانَ أَلأَميرُ بُوهِيمُونْد السَّادسُ نبيلاً (Count) عليْها، وكانَ يعلمُ أَنْ لا جَدْوَى مِنَ الحربِ مَعَ بَيْبَرْسَ، وذلكَ بالرَّغمِ مِن فَكِّ بَيْبَرْسَ الحِصارَ عَنِ المدينةِ عندما وَصَلتْهُ الأَنباءُ بقُدُومِ الأَميرِ الإﻧﭼليزي إدْوارد على رأسِ حملةٍ عسكريَّةٍ إلى فلسطينَ لقتالِ المَمَاليكِ، وبسببِ ذلكَ كانَ أَلأَميرُ بُوهِيمُونْد السَّادسُ سعيدًا لِتَجَنُّبِ الصِّراعِ، وَلَو بشكلٍ مُؤقَّتٍ، مَعَ بَيْبَرْسَ، وكانَ مُرْغَمًا على قَبُولِ الهُدنةَ مَعَهُ، بالرّغمِ مِنْ أَنَّهُ لم يُوقِّعْ علَيْها، مِن جهةٍ أُخرى، خصوصًا وأَنَّ بَيْبَرْسَ كانَ قَدِ انتَزَعَ منهُ إمارةَ أَنطاكْيا عنوَةً عام 1268 م، ومدينةَ طرابلُسَ عام 1271 م.
وبعدَ سُقُوطِ أَنطاكْيا أرْسلَ بَيْبَرْسُ رسالةً تَهَكُّمِيَّةً إلى بُوهِيمُونْدَ السَّادسِ، أَميرِها، واصفًا لَهُ ما حَصَلَ في المدينةِ ويُهَنِّئُهُ على حُسْنِ حَظِّهِ لِعدمِ تَوَاجُدِهِ فيها وقت احتلالِها. بَيْبَرْسُ يختَتِمُ رسالتَهُ هذِهِ بِما يلي:
"وكتابُنا هذا يَتَضَمَّنُ البُشرَى لَكَ بِما وَهَبَكَ اللهُ السَّلامةَ، وطُولَ العُمْرِ بِكَوْنِكَ لَمْ يَكُنْ لَكَ في أَنْطاكْيةَ في هذِهِ المُدَّةِ إِقامَةٌ، وكَوْنُكَ لو كُنْتَ بِها فتَكُونَ إِمَّا قتيلاً وإِمَّا أَسيرًا وإِمَّا جَريحًا وإِمَّا كَسيرًا، وسلامةُ النَّفْسِ هي التي يفرَحُ بِها الحَىُّ إذا شاهدَ الأَمواتَ، ولَعَلَّ اللهُ ما أَخَّرَكَ إِلاَّ لأَنْ تستدْرِكَ مِنَ الطَّاعةِ والخدمةِ ما فاتَ، ولَمَّا لمْ يَسْلمْ أَحَدٌ يُخْبِرُكَ بِما جَرَى خَبَّرْناكَ (أَخْبَرْناكَ)، ولمَّا لمْ يقدِرْ أَحَدٌ يباشِرُكَ بالبُشرَى بِسلامةِ نفسِكَ، وَهَلاكِ ما سِواها باشَرْناكَ بهذِهِ المُفاوَضةِ وَبَشَّرْناكَ، لِتُحَقِّقَ الأَمرَ على ما جَرَى، وبعدَ هذِهِ المُكاتَبةِ لا يَنْبَغِى لكَ أَنْ تُكَذِّبَ لنا خَبَراً، كَما أَنَّ بعدَ هذِهِ المُخاطَبَةِ يجبُ أَنْ لا تسأَلَ غَيْرَها مُخْبِراً".
(مِن كتاب "عِقدُ الجُمان في تاريخِ أَهلِ الزَّمانِ"، لِبَدرِ الدِّينِ العَيْنِي).
وفيما يلي افتتاحِيَّةُ رِسالةٍ تَهَكُّمِيَّةٍ أُخرى أَرْسَلَها بَيْبَرْسُ إلى بُوهِيمُونْد السَّادسِ بعدَ سُقُوطِ مدينةِ طرابلُس عام 1271 م:
"قَدْ عَلِمَ القُوْمِصُ Comes)، لفظة لاتينيَّة بمعنى زَميلٍ أَوِ رَفيقٍ) يمند (أَي بُوهِيمُونْد) جَعَلَهُ اللهُ مِمَّنْ ينظرُ لنفسِهِ ويفكِّرُ في عاقبةِ يومِهِ مِنْ أَمْسِهِ - نُزُولُنا بعدَ حِصْنِ الأَكْرادِ (أي قلعة حِصْنِ الأَكْرادِ، Krac de Chevaliers) على حِصْنِ عَكَّار (أي قلعة عَكَّار، في مُحيطِ مدينةِ طرابلُس بِلُبنان)، وكيفَ نَقلْنَا المَنْجَنِيقاتِ إِليْها في جِبالٍ تَسْتَصْعِبُها الطُّيُورُ لاختيارِ الأَوْكارِ، وكيفَ صَبَرْنَا في جَرِّها على مُناكَدَةِ الأَوْحالِ ومَكابَدَةِ الأَمطارِ، وكيفَ نَصَبْنا المَنْجَنِيقاتِ على أَمْكِنَةٍ يَزْلُقُ عليها النَّمْلُ إِذا مَشَى، وكيفَ هَبَطْنا تلكَ الأَودِيَةَ التي لو أنَّ الشَّمسَ مِنَ الغُيُومِ تَرَى بِها ما كانَ غيرُ جِبالِها رَشَا، وكيفَ صارَ رِجالُكَ الَّذينَ ما قَصَّرْتَ في انتِخابِهم، وحَسُنْتَ بِهِم استعانةَ نائِبِكَ الذي انتَحَى بِهِم".
(مِن كتابِ "نِهايةُ الأَرَبِ في فُنُونِ الأَدَبِ"، الجزء الثَّامن، لِشَهَابِ الدِّينِ النُّوَيْرِي، الصَّفحتانِ 271 و 272).
طبقًا للهُدْنةِ بين السَّلطانِ قلاوُونَ والصَّليبيِّينَ عام 1283 م أَصبحتْ يِرْكا وجُولِسُ في نطاقِ دولةِ المَمَاليكِ، أَمَّا كُفر ياسيف وأّبو سنان فَبَقِيَتَا في نطاق مَمْلكةِ أُورشليمَ الصَّليبيَّةِ الثَّانيةِ
بمُوجبِ الهُدنَةِ بينَ السَّلطانِ قلاوُونَ والصَّليبيِّينَ عام 1283 م تَمَّ الاتِّفاقُ أن يمُرَّ خطُّ الحدِّ بينَ دولةِ المَمَاليكِ والدَّولةِ الصَّليبيَّةِ قليلاً إلى الشَّرقِ مِنَ المواقعِ الآتيةِ: قرية المُنْيِير (حاليًّا موقعٌ خَرِبٌ، يُطْلَقُ عليهِ اسمُ "المَنْخِير"، بالقُربِ من مجرى وادي جَعْثُوْن، إلى الجهةِ الجنوبيَّةِ الشَّرقِيَّةِ من خربةِ "البَنَّا")، خربةِ جَعْثُوْن، قرية اكْلِيل، ثُمَّ قرية الحَنْبليَّةِ (إِكْلِيلُ والحَنْبليَّةُ حاليًّا مَوْقِعانِ خِرِبَانِ إلى الجهةِ الشِّماليَّةِ الغربيَّةِ مِن يِرْكا، وإلى الغربِ من جَث، ولكنْ في الماضي تَوَاجَدَتْ بِهِما اثْنَتَانِ مِنَ القُرى الدُّرزيَّةِ التي سَكَنَها الدُّرُوزُ خلالَ فترةِ تأسيسِ المذهبِ الدُّرزيِّ)، أبو سنان، كُفر ياسيف، قرية الدَّامُون، شَفاعَمْرُو، قرية الحارِثِيَّة. الحدُّ بين هاتيْنِ الدَّولتَيْنِ كان يَمُرُّ في الطَّرفِ الغربي لأراضي يِرْكا وجُولِس، وبالذَّاتِ عندَ الطَّرفِ الغربي لموقعِ الأرضِ المعروفِ باسمِ "درب أَبو سنان"، ثُمَّ الأقدام الشَّرقيَّة للتَلِّ الموجُودةِ عليهِ الخربةُ التي يدعُوها سكَّانُ يِرْكا بالاسمِ "الدَّيْدَبة"، وسكَّانُ كفر ياسيف بالاسمِ "خِرْبة اسكندر"، تُمَّ موقع الأرض المعروف باسم "كَعْب الخَشْنَا". موقِعا الأرضِ المعرُوفانِ بالاسْمَيْنِ "القَبَالة" و "مْرَاح زِيَّان"، والتَّابِعانِ حاليًّا لسكَّانِ يِرْكا، كانا في نطاقِ الدَّولةِ الصَّليبيَّة. ومعنى هذا أنَّ الانتقالَ مِن يِرْكا أَو جُولِس إلى كُفر يا سيف أَو إلى أَبو سنان، وبالطَّبعِ إلى عكَّا، كان يعني الانتقالَ مِن دولةٍ إلى أُخرى، أي مِنَ الدَّولةِ المملوكيَّةِ، حيثُ الُّلغةُ العربيَّةُ كانتِ الُّلغةَ الرَّسميَّةَ، إلى الدَّولةِ الصَّليبيَّةِ، التي كانتْ مدينةُ عكَّا عاصمَتَها، وحيثُ الُّلغاتُ اللاتينيَّةُ والفرنسيَّةُ والألمانيَّةُ والإيطاليَّةُ، كانتِ الُّلغاتِ الرَّسميَّةَ. ومعنى هذا أَنَّ بَيْبَرْسَ اَعْطَى الصَّليبيِّينَ تقريبًا كُلَّ السَّهلِ السَّاحليِّ الشِّماليِّ للبلادِ، مِنْ رأسِ النَّاقُورةِ حتَّى عكَّا، بالإضافةِ إلى سهلِ عكَّا نفسِهِ، وهذا يعني أَيضًا أَنَّ سكَّانَ يِرْكا وجُولِسَ كانُوا، خلالَ تلكَ الفترةِ، يدفعُون ضرائِبَهُم لدولةِ المَمَاليكِ، وبِها كانُوا يُجْرُونِ مُعامَلاتِهِم المدنِيَّةَ، أَمَّا سكَّانُ كفر ياسيف وأَبو سنان فكانُوا يقُومُونَ بِتلكَ الأُمُورِ في نِطاقِ الدَّولةِ الصَّليبيَّةِ.
ونحنُ نَعْرِضُ فيما يلِي القطعةَ التي تَرِدُ بِها أَسماءُ القُرى والمَزَارعِ التي استَلَمَهَا الصَّليبيُّونَ طِبقًا لاتِّفاقِيَّةِ الهُدْنةِ بينَهُم وبينَ السَّلطانِ قلاوُونَ عام 1283 م، كما وَرَدَتْ في كتابِ "صُبحُ الأَعْشَى في صِناعَةِ الإنشا" للقَلْقَشَنْدِي (طبعةُ دارِ الكُتُبِ المِصريَّة) (أَضَفْنا علاماتِ التَّنوْينِ والتَّرقيمِ المطلوبةَ مِنْ أَجلِ التَّوضيحِ، وأَضفْنا أَيضًا توضِيحاتٍ لأسماءِ بعضِ المواقعِ):
"وكذلكَ جميعُ بلادِ الفَرَنْجِ التي استقرَّتِ الآنَ عليْها هذِهِ الهُدْنةُ مِنَ البِلادِ السَّاحليَّةِ، وهي مدينةُ عكَّا وبساتينُها وأَراضِيها وطواحِينُها وما يَخْتَصُّ بها مِنْ كُرُومِها، وَما لَها مِنْ حُقوقٍ حَوْلَها وَما تَقَرَّرَ لَها مِن بِلادٍ في هذِهِ الهُدْنةِ وعُدَّتِها، بِما فيها مِنْ مَزارِعَ ثلاثٌ وسبعُونَ ناحيةٍ خاصًّا لِلفَرَنْجِ، وهيَ البَصُّة ومزرعتُها، مَجْدَلُ، حِمْصينَ، رأْسُ عَبْدُه، أَلمَنَواث ومزرعتُها، الكابْرِة (حاليًّا موقعٌ خَرِبٌ بالقُربِ مِن مجرى وادي جُعْثُونَ، كان يتواجَدُ بِهِ مصنعٌ لِلسُّكَّرِ مُنذُ عام 1261 م، وكان يتبعُ لأُخُوِيَّةِ التُّيُوتُون الألمانِ)، ومزرعتُها، نصفُ وفيه (يجب أَن يكون: نصفُ اوْقِيَّة، Noseoquie، عند الصَّليبيِّين)، جبعون (يجب أَن يكون: جَعْثُون)، كَفر بَرَدَي (خربة بُوْدَا) ومزرعتُها، كَوْكَبُ، عَمْقا ومزرعتُها، المُوْنْيَة (خربة المُونِة، إلى الجهةِ الشِّماليَّةِ الغربيَّةِ من يِرْكا)، كُفر ياسِيف ومزرعتُها، توسيان (يجب أَن يكون: أَبو سنان)، مَكْر حَرْسِين (قرية المَكْر) ومزرعتُها، الحديدة (يجب أَن يكون: الجُدَيَّدة)، الغياضة (يجب أَن يكون: العياضِيَّة)، العطوانيَّة، مَرْتُوْقا (خربة مَرْفُوْقَا)، الحارِثِيَّة، ثَمْرا (يجب أَن يكون: طَمْرَة)، الطرَّة (خربة الطِّيْرَة، إلى الغرب من طَمْرَة)، الرنب (يجب أَن يكون: الزِّيْب)، البانوحيه (يجب أَن يكون: اليانُوحِيَّة) ومزرعتُها، العرج (يجب أَن يكون: أُمُّ الفَرَج، Le Fierge، عند الصَّليبيِّين، بَقِيَتْ قائِمةً حتَّى عام 1948) ومزرعتُها، المَزْرَعَة (القريةٌ العربيَّةٌ الوحيدةُ التي لا تزالُ قائِمَةً حتَّى الَيْومَ في السَّهلِ السَّاحِلِيِّ الشِّماليِّ لِلبِلادِ، La Mezera، عند الصَّليبيِّين)، السّميرِيَّة البَيْضاءُ (السّميرِيَّة كانت قائِمةً حتى عام 1948، حاليًّا موقعٌ خَرِبٌ)، دْعْوق (موقعٌ خَرِبٌ إلى الجهةِ الجنوبيَّةِ الغربيَّةِ من شَفاعَمْرُو) والطَّاحُون، كُرْدَانَه (אֲפֵק حاليًّا) والطَّاحُون، حدرول (يجب أَن يكون: جِدْرُوْل، أي جِدْرُو، وهي قريةٌ عربيَّةٌ مُنْدَثِرَةٌ كانتْ قائِمةً حتَّى مطلعِ سنواتِ الثَّلاثينَ مِنَ القرْنِ العشرينَ، وكانتْ تُعرفُ بالاسمِ "جِدْرُو الغَوَارِنة"، نسبةً لِبَدْوٍ كانُوا يُعرَفُونَ بنفسِ الاسمِ، حاليًّا في هذا الموقِعِ تُوجدُ مدينةُ كِرْيات بْيالِك "קריית ביאליק")، تَلُّ النَّحْلِ (حاليًّا موقعٌ غيرُ معروفٍ)، الغارُ (يجب أَن يكون: الفار، حاليَّا موقِع خَرِب يُطْلَقُ عليهِ اسمُ "تلّ الفار")، الرُّخ (خربة الرَّحْو)، المَجْدَلُ، تَلُّ كِيْسَان (تَلٌّ أَثريٌّ قديمٌ إلى الغربِ مِن طَمْرَة)، أَلبِرْوَة، الرامون (يجب أَن يكون: الدَّامُون)، سَاسَا السِّياسيَّة (خربة سَعْسَع، Sesset عند الصَّليبيِّين)، الشَّبيكَة (Le Sebeque عند الصَّليبيِّين)، المُشيرِفَة (Le Messerephe عند الصَّليبيِّين)، القَطْرانِيَّة (La Quatranye عند الصَّليبيِّين)، المنيير (خربة المَنْخِير)، هرياسيف العربيَّة (رُبَّما كان يجب أَن يكون: "كُفر ياسيف الغربيَّة"، وإذا كانَ الأَمرُ فعلاً كذلكَ، فلا يزالُ هذا الاسمُ محفوظًا حتّى اليوم في موقعِ الأَرضِ المعروفِ باسمِ "الدَّار الغربيَّة"، في الطَّرفِ الغربي من كُفر ياسيف)، هُوْشَة (في هذا الموقع يوجد حاليًّا كِيبوتْس أُوْشَا، קיבּוּץ אוּשָה)، الزَّرَّاعَةُ الجديدةُ الشِّماليَّةُ، الرحاحيَّه، قُسْطَه، كفر نَبْتل (خربة كفر نبيذ)، الدُّوَيْرات (Doueireth عند الصَّليبيِّين)، ماصُوْب (أَي مَعْصُوب، Missop، عند الصَّليبيِّين، يوجدُ في موقِعِها حاليًّا كيبُوتْس مَتْسُوْﭬﺎ، קיבוץ מָצובָה)، متماس (يجب أَن يكون: مِيْمَاس، Mimas، عند الصَّليبيِّين، واحدةٌ مِنَ القُرى الدُّرزيَّةِ التي ترجِعُ إلى فترةِ تأسيسِ المذهبِ الدُّرزي، حاليًّا موقعٌ خِرِبٌ إلى الجهةِ الشِّماليَّةِ الغربيَّةِ مِن يِرْكا، وإلى الغربِ من جَث)، العباسِيَّةُ (أي الغابِسِيَّة، La Gabasie عندَ الصَّليبيِّين)، سَيْعانَه (خربة شبعانة)، عَيْنُ المَلِكِ (رأسُ العَيْن)، المَنْصُورةُ، الرَّصيفة، جباتا (خربة الغبيْطَة)، سَرْطا (خربة شَرْطَا)، كُفْرَتَّا (في هذا الموقع توجد حاليَّا بلدةُ קריית אתא)، أَرضُ الزَّرَّاعةِ (أي سهل عكَّا، وبضمنِهِ سهلُ "مُرَّانَ"، التَّابِعةُ مُعظمُ أَراضيهِ لسكَّان يِرْكا)، رُويْس (خربة الرُّوَيْس)، صغد عدي (يجب أَن يكون: صَفَدُ عَدِي، موقعٌ خَرِبٌ إلى الجهةِ الشِّماليَّةِ الغربيَّة من شَفاعَمْرُو)، سفرعم (يجب أَن يكون: شَفَرْعَم، أَي شَفاعَمْرُو). هذِهِ البلادُ المذكورةُ تكونُ خاصًّا لِلْفَرَنْجِ".
فيما يلي مقطع من فيلم "معركة عَيْن جالُوْت، بَيْبَرْسُ والمَغُول".
– Baybars and the Mongols) The Battle of Ayn Jalut)
وفيما يلي مقاطع من الحلقاتِ الأربعِ الأُولى مِنَ المًسلسلِ السُّوري "السُّلطان بَيْبَرْس" (بالعربيَّة)
(المُسلسلُ كُلُّهُ في نحو 30 حلقة).
هُدْنةُ عام 1272 م بينَ السُّلطانِ بَيْبَرْسَ والصَّليبيينَ: هلْ تَمَّ التَّوقيعُ عليها في يِرْكا ؟
الهُدنةُ التي نتحدَّثُ عنها أُبرِمَتْ بينَ السُّلطانِ المَمْلُوكِيِّ بَيْبَرْسَ وبينَ الصَّليبيِّنَ، بعد أَنْ أَنْزَلَ بِهِم بَيْبَرْسُ ضرباتٍ عَدِيداتٍ مُوْجِعاتٍ، وبعدَ أَنِ انتَزَعَ منهُم مساحاتٍ كثيراتٍ واسعاتٍ مِنَ الأَراضِي التي كانوا قد حصلوا عليهِ في إطارِ هُدنةِ الرَّمْلَةِ عام 1192 م، تلكَ الهُدنة التي تَوَصَّلَ إليْها السُّلطانُ صلاحُ الدِّينِ الأَيُّوبيُّ وريكارْدُس قلبُ الأَسَدِ، في أَعقابِ الحملةِ الصَّليبيَّةِ الثَّالِثةَ (1189 – 1192 م).
تَمَّ التَّوقيعُ على هذِهِ الهُدنةِ بتاريخِ 21 أو 22 نيسانَ عام 1272 م، ووَقَّعَ عليْها السُّلطانُ بَيْبَرْسُ، من طَرَفِ المَمَاليك، والمَلِكُ هُوْ الثَّالث أو هُوْغ الثَّالثُّ أو هُوْغ دِي ﭙواتْيِيِه Hugues de Poitiers، أو هُوْ دِي لُوْزِيْنان Hugh de Lusignan، مَلِكُ قُبرُصَ، وملِكُ مَمْلَكَةِ أُورشليمَ الصَّليبيَّةِ، من طَرَفِ الصَّليبيِّينَ.
مُدَّةُ هذِهِ الهُدنةِ كانتْ عشرَ سنينٍ وعشرةَ أشهرٍ وعشرةَ أيَّامٍ وعشرَ ساعاتٍ. وطبقًا لها سلَّمَ بَيْبَرْسُ الصَّليبيِّينَ ثماني قُرًى في سَهْلِ عكَّا، بالإضافةِ إلى شَفاعَمْرُو، ونصفِ أراضي بلدةِ اسكندرُونَة، وهي حاليًّا قرية أثريَّةٌ بائدةٌ على ساحلِ لُبنان، إلى الجنوبِ من مدينة صُوْر، كانَ الاسكندرُ الكبيرُ قد بناها بعدَ احتلالِهِ لسُوريا ولبنانَ وفلسطينَ، واسمُها الأصليُّ هو Alexandrium، ولكنَّ الصَّليبيِّنَ حِرَّفُوهُ إلى Scandalion. وبموجبِ هذهِ الهُدنةِ أُعْطِيَ الصَّليبيُّون أَيضا الحقَّ في زيارةِ الأماكنِ المُقدَّسةِ للمَسِيحِيَّةِ في مدينةِ النَّاصِرةِ بحُرِّيَّةٍ تامَّةٍ، وفي الوُصُولِ إلى هُناكَ بأَمَانٍ.
هُدنة عام 1272 لم تكُنْ، في الواقعِ، سِوَى تجديدٍ لهُدنةِ عام 1268 م، التي اتُّفِقَ عليْها بينً السُّلطانِ بَيْبَرْسَ وبينَ الصَّليبيِّينَ، تلك الهُدنة التي انتُهِكَتْ عام 1269 م. ولم يتمّ الاتِّفاقُ على هُدنةِ عام 1272 م إلاَّ بعد أن تدخّلَ شَارْل دَانْجُو (Charles d'Anjou)، مَلِكُ ناﭙولِي وصِقِلِّيَةَ (6.1.1266 – 7.1.1285).
هكذا يقولُ تَقِيُ الدِّينِ المَقْريزيُّ (1364 م - 1442 م) في الصَّفحتينِ 77 و 78 من الجزءِ الثَّاني من كتابِهِ "كتابُ السُّلوكِ في معرفةِ دُوَلِ المُلوكِ" بشأنِ هذِهِ الهُدنةِ (ما هو بداخلِ أقواسٍ أُضيفَ من قِبَلِنا، إمَّا مِنْ أجلِ التَّوضيحِ، أو لأنَّهُ ناقصٌ في هذِهِ الطَّبعةِ):
"وفي رَجَبَ (من عام ستمائة وسبعين هجري، الموافق لشباط عام 1272 ميلادي):
خرج السُّلطانُ (بَيْبَرْسُ) مُتَصَيِّدًا بجهةِ الصَّالحيَّةِ، فَوَرَدَ الخبرُ بحركةِ التَّتارِ فعادَ إلى القلعةِ، وخرجَ في ثالثِ شعبانَ إلى الشَّامِ، وأَتَتْهُ رُسُلُ الفَرَنْجِ بعكَّا وهو بالسَّوادِ (موضِعٌ بناحيةِ البَلْقاءِ) تطلبُ الهُدنةَ، فَسارَ وبعثَ إليْهِمِ الأميرَ فخرَ الدِّينِ أغار القرى (يجب أَنْ يكُون: فخر الدِّين اياز المُقْرِيّ)، والصَّدرَ فتحَ الدِّينِ بنَ القيْسَرانِيِّ كاتبَ الدَّرْجِ في حادي عشرَ رمضانَ، ونزلَ السُّلطانُ (بَيْبَرْسُ) بِمُرُوجِ قيساريةَ فعقدَ الهُدنةَ مع الفَرَنْجِ لمدِّةِ عشرِ سنينٍ وعشرةِ أشهرٍ (وعشرةِ أيَّامٍ) وعشرِ ساعاتٍ مِنَ التَّاريخِ المذكورِ، وخرجَ أهلُ عكَّا لمشاهدةِ العسكرِ، فَرَكَبَ السُّلطانُ (بَيْبَرْسُ) ولَعِبَ هو وجميعُ العسكرِ بالرُّمْحِ".
أَمَّا مُحْيِي الدِّينِ بنُ عبدِ الظَّاهِرِ (1223 م – 1292 م)، الذي عاصَرَ السُّلطانَ بَيْبَرْسَ، والذي كانتْ لَهُ مكانَةٌ خاصَّةٌ لَدَيْهِ، فيقولُ في ذلكَ في الصَّفحة 398 مِن كتابِهِ "الرَّوضُ الزَّاهِرُ في سِيرَةِ المَلِكِ الظَّاهِرِ" ما يلي:
"كانَ رسولُ الفَرَنْجِ قد حضرَ، فصادفَ السُّلطانَ في السَّوَادَةِ (أَوِ السَّواد، وهو، كما ذكرنا، موقِعٌ بناحيةِ البَلْقاءِ)، فعادَ صحبته إلى العَوْجاءِ، وزادَهُم ثماني ضِياعٍ غيرَ الاثنتي عشرَةَ ضيعةً التي زادَهَا لهُم خارِجًا عَمَّا في الهُدنةِ، وجَهَّزَهُم مِنَ العَوْجَاءِ، فعادُوا وصُحبتُهُم فارِسٌ مِن جهةِ مَلِكِ عكَّا، ورَحَلَ السُّلطانُ إلى مَنْزِلَةِ الرُّوْحا، وتَرَدَّدَتِ الرُّسُلُ، وكانَ قصدُ الفَرَنْجِ شَفَرْعَم (أَي شَفَاعَمْرُو) وكابُوْل Le Saffran) و Cabor، عندَ الصَّليبيِّينَ) واسكندَرُونَة، فأَنْعَمَ عليهِم بِشَفَرْعَمَ بِكمالِها ونصفِ اسكندَرُونةَ ونصفِ ضيعةٍ مِن عَمَلِها، وبِرَدِّ فلاَّحِي البلادِ التي عُيِّنَتْ لهُمُ الهُدنةُ، وحَضَرَ أَكابِرُ الخَيَّالَةِ والإخوةِ، فَحَلَفَ السُّلطانُ على الهُدنةِ للمَلِكِ أُوْك دِلْزِنْيال (أَيِ الملك هُوْ الثَّالث، أو هُوْغ الثَّالث، او هُوْ دِي لُوْزِيْنان) مَلِكِ عكَّا وقبرُسَ، وحَلَفَ لِمُقَدَّمِي البُيُوتِ يمينًا مُفرَدَةً، وتَوَجَهَ رُسُلُ السُّلطانِ لِتَحْلِيفِ المَلِكِ، وهُم: أَلأَميرُ فخرُ الدِّينِ ايازُ المُقْرِيُّ، والصَّدْرُ فتحُ الدِّينِ بنُ القَيْسَرَانِيِّ كاتِبُ الدَّرْجِ الشَّريفِ، وذلكَ في الحادي والعشرينَ مِن شهرِ رمضانَ، وهو أَوَّلُ مدَّةِ الهُدنةِ، ومُدَّتُها عشرُ سنينٍ وعشرةُ شهورٍ وعشرةُ أَيَّامٍ وعشرُ ساعاتٍ. وخَرَجَ أَهلُ عكَّا لِيُشاهدُوا العساكِرَ، فَرَكِبَ السُّلطانُ، ورَكِبَتِ العساكِرُ، ولعبُوا بالرِّماحِ، وعادَ الرُّسُلُ بعْدَ تحليفِ الفَرَنْجِ".
ويقولُ بدرُ الدِّينِ العَيْنِيُّ (1361 م – 1451 م) في هذِهِ الهُدنةِ في الصَّفحةِ 80 من الجزءِ الثَّاني مِن كتابِهِ "عِقدُ الجُمانِ في تاريخِ أهلِ الزَّمانِ"، ما يلي:
"وفي شهرِ شَعْبانَ (من عامِ ستمائةٍ وسبعينَ هجريٍّ، الموافق لشباط عام 1272 ميلادي): خرجَ السُّلطانُ (بَيْبَرْسُ) إلى أراضي عكَّا، فأَغارَ عليْها، فَسَاَلَهُ صاحبُها المُهادَنَةَ، فأجابَهُ إلى ذلكَ، فَهَادَنَهُ عشرَ سنينٍ وعشرةَ أشهرٍ وعشرةَ أيَّامٍ وعشرَ ساعاتٍ، ثمَّ عادَ إلى دمشقَ، فَقُرِئَ كتابُ الصُّلحِ بدارِ السَّعادةِ، فاستمرَّ الحالُ على ذلكَ.
"وقالَ بَيْبَرْسُ: وعادَ السُّلطانُ إلى الشَّامِ وخرجَ من قلعةِ الجبلِ في شهرِ شَوَّالَ ونزلَ على الرَّوْحَاءِ مُقابلَ عكَّا لأنَّهُ مكانٌ كثيرُ المياهِ والأعشابِ، فَحَضَرْتْ إليهِ رُسُلُ الفَرَنْجِ، فزادَهُم ثمانِي ضِيَاعٍ (أي ثماني قُرًى)، وأَنْعَمَ عليهِم بِشَفَرْعَمَ (أي شَفاعَمْرُو) ونصفِ اسكندرُونَةَ، وتقرَّرَتِ الهُدنةُ مَعَ صاحبِ قُبرُصَ (أي المَلِك هُوْ الثَّالثُ أو هُوْغ الثَّالثُ او هُوْ دِي لُوْزِيْنان Hugh de Lusignan):
ويُعلِّقُ البروفيسور يِهُشُوَّع ﭙرْاﭬر (פּרופ' יהושוע פּראוור)، وهو مِن كِبارِ باحِثِي تاريخِ الفترةِ الصَّليبيَّةِ في البلادِ، إِنْ لمْ يكُنْ أَكْبَرَهُمُ وأَشْهَرَهُمُ على الإطلاقِ، في الصَّفحةِ 491 من الجزءِ الثَّاني من كتابِهِ תולדות ממלכת הצלבנים בארץ ישראל (تاريخُ مَمْلَكَةِ الصَّليبيِّينَ في أرضِ إسرائيلَ) على ما يقولُهُ المؤرَّخُ بدرُ الدِّينِ العَيْنِيُّ بما يلي:
"לפי דברי הביוגרף של בּיבּרס, המובאים על ידי אלעיני נכרתה ברית השלום לא בקיסריה אלא בארוחא (אלרוחא) מול עכו. כפר בשם ארוחא נמצא צפונה-מערבה ללג'ון והוא מרוחק מדי. ואולי הכוונה לירחא (יִרְכּא), בפי הצלבנים: Arket, מזרחה מכפר יאסיף. לפי אותו מקור ניאות בּיבּרס להשאיר לנוצרים 8 כפרים (כנראה במישור עכו) ולהוסיף עליהם את שפרעם ואת מחצית אסכנדרונה (Scandalion) על הדרך מעכו לצור".
وترجمةُ ذلكَ هي كما يلي:
"طبقًا لأقوالِ كاتبِ سِيرةِ حياةِ بَيْبَرْسَ، الوارِدِ ذكرُها في كتابِ العَيْنِيِّ، لم يتمّ التَّوقيعُ على الهُدنةِ في قيساريةَ، وإنَّما في الرُّوْحَا قبالةَ عكَّا. قريةٌ باسمِ الرُّوْحَا موجودةٌ إلى الجهةِ الشِّماليَّةِ الغربيَّةِ مِنَ الَّلجُّونِ، وهي بعيدةٌ (عن عكَّا)، وربَّما كانَ القصدُ قرية يِرْحَا (يِرْكا)، التي كانت تُعرَفُ عندَ الصَّليبيِّينَ بالاسم Arket، إلى الشَّرق من كُفرياسيف. وطبقًا لنفسِ المصدرِ سَمَحَ بَيْبَرْسُ بأَنْ تبقى مَعَ الصَّليبيِّينَ ثماني قُرًى (على ما يبدُو في سهلِ عكَّا)، وأن تُضافَ اليها شَفاعَمْرُو ونصفُ اسكندرُونَةً (Scandalion) على طُولِ الطَّريقِ بينَ عكَّا وصُوْر".
وإذا كانَ ما قالَهُ ابنُ عبدِ الظَّاهِرِ والعَيْنِيُّ بشأنِ مكانِ التَّوقيعِ على هذِهِ الهُدنةِ هو الصَّحيحُ، فَمِنَ الجائِزِ جدًا أَن التَّوقيعَ عليها لم يحصلْ في قِيسارية البعيدةِ عنْ عكَّا، وإنَّما في يِرْكا، كما يقولُ البروفيسور ﭙرْاﭬر، وإذا كانَ الأمرُ كذلكَ فعلاً، فَمِنَ الجائِزِ أَن يكُونَ تحريفُ اسمِ القريةِ مِن يِرْكا إلى "يِرْحَا" أَوِ "الرُّوْحَة أَو الرُّوْحا" قد نتجَ عن خطأٍ وَقَعَ عندَ كتابةِ النَّصِّ الأَصليِّ لِكتابِ العَيْنِيِّ، أَو في نسخِهِ بعْدَ تألِيفِهِ، في فترةٍ لاحقةٍ. ومِمَّا يُعَزِّزُ رأَيَ البروفيسورِ ﭙرْاﭬر هو وُقُوعُ يِرْكا قبالةَ عكَّا، تمامًا كما يقولُ العَيْنِيُّ، ومشاهَدَةُ عكَّا وسهلِها وخليجِها مِن يِرْكا هي أَمرٌ سهلٌ، في حين تصْعُبُ مشاهَدَةُ عكَّا مِن غالبيَّة قُرى الرُّوْحا، والرُّوْحا هو اسمٌ لمنطقةٍ جغرافيَّةٍ كبيرةٍ، تقعُ بينَ جبلِ الكَرْمِلِ وجبالِ أُمِّ الفَحْمِ، في الماضي كانَ يُطْلَقُ عليها اسمُ "بلاد الرُّوْحا"، وهي لا تقعُ مُباشَرَةً قُبالةَ عكَّا. إحدى قُراها كانت قرية "دالِيَة الرَّوْحا"، وموقِعُها كانَ بالقُربِ من كِيبوتْس دالْيَه (קיבוץ דַּלְיָה) وكذلكَ بالقُربِ مِن كِيبوتْس عين هَشُوفيط (קיבוץ עֵין הַשּׁוֹפֵט) "بلاد الرُّوْحا" تُعْرَفُ حاليًا باسمِ רָמוׂת מְנַשֶּׁה. ومِنَ الجديرِ بالذِّكرِ أَنَّ يِرْكا كانت في مطلعِ العَقْدِ لتَّاسِعِ مِنَ القرنِ الثَّالثِ عشرَ قريةً حُدُودِيَّةً، فبِمُوجبِ اتِّفاقيَّةِ الهُدنةِ بينَ السُّلطانِ قلاوونَ والصَّليبيِّينَ، تلك الهُدنةُ التي وُقِّعَ عليْها عام 1283 م، كانَ الحدُّ بين الدَّولتَيْنِ المَمْلوكيَّةِ والصَّليبيَّةِ، كما سوفَ نرى فيما يلي، يمرُّ في الطَّرَفِ الغربي لأراضي يِرْكا، والقريةُ نفسُها كانتْ تابعةً للدّولةِ المَمْلوكيَّةِ، ورُبَّما كانَ الأَمرُ كذلكَ أيضا عام 1272 م، عندما تَمَّ التَّوقيعُ على الهُدنةِ التي نتحدَّثُ عنها، وإذا كانَ هذا الأَمرُ صحيحًا فعلاً، فيكُون بَيْبَرْسُ قَدِ اختارَها مكانًا لتوقيعِ هذِهِ الهُدنةِ لوُقُوعِها في أَراضيْهِ مِن جهةٍ، ولقُربِها مِن عكَّا، المدينةِ التي عَجَزَ عَنِ احتلالِها، وعاصمةِ الدَّولةِ الصَّليبيِّةِ، مِنَ الجهةِ الأُخرى. ونحنُ نعلمُ أَنَّ يِرْكا، وإِن لم يَرِدْ ذِكرُها في الوثائِق المَمْلوكيَّةِ، كانت قائِمةً ومأهُولةً خلالَ تلكَ الفترةِ، وتشهدُ على ذلكَ كُسُورُ الأَوانِي الخزفِيَّةِ المَمْلُوكِيَّةِ التي عُثِرَ عليْها في القريةِ القديمةِ وفي حَوَاكِيْرِها القريبةِ مِنها.
على هذِهَ الهُدنةِ وَقَّعَ، كما ذكرْنا، السُّلطانُ بَيْبَرْسُ مِن طَرَفِ دولةِ المَمَاليكِ، والملِكُ هُوْ الثَّالث، ملِكُ مملكةِ قبرُصَ ومملكةِ أُورشليمَ الَّلاتينيَّةِ، عَنِ طَرَفِ الصَّليبيِّن، وسوفَ نذكُرُ فيما يلي الأَسبابَ الرَّئيسيَّةَ التي دَفَعَتْهُما للتَّوقيعِ عليْها. وسوفَ نذكُرُ أَيضا مواقِفَ الشَّخصيَّاتِ الكبيرةِ الأَرْبَعِ الأُخرى التي كانتْ لها أَدوارٌ في مَسْرَحِ الأَحداثِ السِّياسيَّةِ والعسكريَّة في فلسطينَ في ذلكَ الزَّمانِ، وهذه الشَّخصيَّاتُ هي ألأميرُ الاﻧﭼليزي الكبيرُ إدْواردُ الأوَّلُ (Prince Edward I)، الذي نُصِّبَ بعدَ أَن غادرَ فلسطينَ عام 1272 م، في أَعقابِ فشلِ الحملةِ الصَّليبيَّةِ التَّاسعةِ التي قادَهَا بنفسِهِ، ملِكًا على إﻧﭼلترا، وشَارْل دَانْجُو Charles d'Anjou))، ملِكُ ناﭙولِي وصِقِلِّيَة، والأميرةُ إيزابِيلاَّ دِي ايْبيلِين (Isabella d'Ibelin) (الَّلَفظ: إيزابِيلاَّ دِيْبيِلِين)، أميرةُ إمارةِ بيرُوتَ، وأَلأَميرُ بُوهِيمُونْد السَّادسِ (Bohemond VI of Antioch)، أَميرُ أَنطاكْيا ونبيلُ طرابلُسَ.
السُّلطانُ رُكْنُ الدِّينِ بَيْبَرْسُ: انتزَعَ مساحاتٍ واسعةً منَ الصَّليبيِّن، ولكنَّ عكَّا اسْتعْصَت عليْه
وكانَ السُّلطانُ المَلِك الظَّاهرُ أبو الفُتُوحِ رُكْنُ الدِّينِ بَيْبَرْسُ العلائِيُّ البُنْدُقْدارِيُّ الصَّالِحيُّ النّجمِيُّ، الذي بدأَ نجمُهُ بالسُّطُوعِ، حينَما كان لا يزالُ يعملُ تحتَ إمْرَة السُّلطانِ قُطُز، بعدَ النَّصرِ الباهرِ لجُيُوشِ المماليكِ على المَغُوْلِ في معركةِ عَيْنِ جالُوتَ الفاصِلةِ، عام 1260 م، واعتِلائِه العرشَ بعدَ أَنْ قَتَلَ السُّلطانَ قُطُزًا، قدِ انتزعَ قبلَ التَّوقيعِ على هذِهَ الهُدنةِ، مساحاتٍ ومُدُنًا وضِياعًا وقِلاعًا عديدةً منَ الصَّليبيِّينَ، في سُوريا ولُبنان وفلسطين، نذكرُ مْن بينِها ما يلي:
النَّاصِرَة: احتلَّها عام 1263 م.
أَرْصُوْف وعثْلِيث وحَيفا وصَفَد: احتلَّها عام 1263 م.
كِيلِيْكْيَا الأرمنيَّة (بتُركيّا): احتلَّها عام 1266 م.
أَنْطاكْيا: احتلَّها عام 1267 م.
عَسْقَلان ويافا وقيساريا (قَيْصَرِيَّة): احتلَّها عام 1267 م.
قلعةُ الشّقيف، أَوِ شقيف أَرنُوْن: (Beaufort) (بِلُبنان): احتلَّها عام 1268 م.
قلعةُ القُرَيْن (Montfort, Starkenberg) (مَعْقِل الفُرسانِ التُّيُوتُون الألْمانِ في الشَّرق): احتلَّها عام 1271 م. عندما غادَرَهَا الصَّليبيُّونَ طلبُوا مِن بَيْبَرْسَ أَنَ يسمحَ لهُم بأَن يأَخُذوا معهُم جميعَ وثائِقِهِم، وقد سَمَحَ ِلهُم بذلكَ، فنقلُوها إلى عكَّا، وبَقِيَتْ هناكَ إلى أَنْ سقطتْ عكَّا بأيدي المَلِكِ المَمْلوكيِّ الأَشرفِ خليلِ بنِ قلاوُونَ في شهرِ أَيَّارَ عام 1291 م، بعدَ ذلكَ نقلُوها إلى مدينةِ البُنْدُقِيَّةِ بإيطاليا، وبَقِيَتْ هناكَ حتَّى عام 1309 م، حينَما نقلُوها إلى مدينةِ مارِينْبُورْغ
(Marienburg) بأَلمانيا (حاليًّا مدينة مالْبُوْرْك ﺒِﭙﻮلَنْدا)، وبَقِيَتْ هناكَ حتَّى عام 1457 م، ثُمَّ نقلُوها إلى مدينةِ ﮐﻳﻧﻳﭼسْبِرغ Koenigsberg)) أيضًا بأَلمانيا، وبَقِيَتْ هناكَ حتَّى عام 1525 م، وهي لا تزالُ محفوظةً بألمانيا، وهي تُشَكِّلُ مصدرًا هامًا لدراسةِ تاريخِ الجليلِ الأَعلى الغربيِّ في تلكَ الحِقبةِ، لأَنَّ اَسماءَ غالبيَّةِ القُرى العربيَّةِ القائِمةِ والمهجورةِ الموجودةِ في هذِهِ المنطقةِ، مذكورةٌ بِها.
بُرْجُ صافِيْتا (Chastel Blanc): احتلَّهُ عام 1271 م.
حِصنُ الأكرادِ (Crac or Krak de Chevaliers): احتلَّهُ عام 1271 م.
طرابلُس (لُبنان): حاصَرَها عام 1271 م، ولكنَّهُ رَفَعَ الحصارَ عنْهَا عندَما وَرَدَهُ خبرُ وَصُولِ الأميرِ الإﻧﭼليزيِّ إدْواردُ الأوَّلُ في شهرِ أَيَّارَ مِن نفسِ العامِ إلى عكَّا، على رأسِ الحملةِ الصَّليبيَّةِ التَّاسعةِ.
عكَّا: حاصَرَها عام 1263 م، وكذلك عام 1267 م، ولكنَّها استعصَتْ عليهِ في كِلْتا المرَّتَينِ.
ونظرًا لأنَّ مدينةَ عكَّا استعصَت على بَيْبَرْس، مِن جهةٍ، ونظرًا لأنَّهُ كانَ يخشَى مِن تحالُفٍ جديدٍ بينَ الصَّليبيِّينَ والمغُولِ، مِن جهةٍ أُخرى، فقد كانتْ لهُ مصلحةٌ في التَّوقيعِ على هذهِ الهُدنةِ.
عكَّا لم تسقطْ في أَيدي المُسلمينَ إلاَّ بتاريخِ 18 أَيَّار عام 1291 م، عندما احتَلَّتْها جُيُوشُ المَمَاليكِ بقيادةِ السُّلطانِ الأَشرفِ خليلِ بنِ قلاوُونَ، ومَعَ سُقُوطِها زالَ الوُجُودُ الصَّليبيُّ نهائِيَّا مِن البلادِ.
المَلِكُ هُوْ الثَّالثُ (أو هُوْغ الثَّالثُ أو هُوْ دِي لُوْزِيْنان، Hugh de Lusignan) مَلِكُ قُبرُصَ، وملْكُ مَمْلَكَةِ أُورشليمَ: كانَ يخْشَى السُّلطانَ بَيْبَرْسَ كثيرًا
المَلِكُ هُوْ الثَّالثُ، الذي كانَ مَلِكًا على قبرُصَ بين الأعوامِ 1264 م و 1284 م، وعلى مَمْلَكةِ أُورشليمَ الصَّليبيَةِ بين الأعوام 1269 م و 1284 م، كانَ مُرْغَمًا على قبولِ هذِهِ الهُدنة والتَّوقيعِ عليْها، فهْوَ كانَ يعلمُ جيِّدًا مَدَى بأسِ بَيْبَرْسَ وكانَ يخشاهُ كثيرًا. وكانَ المَلِكُ هُوْ الثَّالثُ قد أَرسَلَ جُنُودًا قبرُصيِّينَ لنجدةِ الصَّليبيِّينَ في عكَّا في الأَعوامِ 1265 م و 1266 م و 1268 م و 1269 م، بعدَ أَنْ نُصِّبَ ملكًا على مَمْلَكَةِ أُورشليمَ الصَّليبيَّةِ. وعندَما أَغارَ الأميرُ الإنجليزيُّ إدْواردُ على قلعةِ قاقُونَ في شهرِ تشرينَ الثَّاني عام 1271 م، قَدَّم لهُ العَونَ العسكريَّ. ولكنَّ كلَّ هذه الأُمورِ لم تُجْدِ نفعًا، ولم يقدرِ المَلِكُ هُوْ الثَّالثُ على استرجاعِ أَيَّة قطعةِ أَرضٍ مِن بَيْبَرْس. عدا عن ذلكَ، فقد كانَ لهُ مُعارِضُونَ مِن فُرْسانِهِ، وكثيرًا ما كانوا يرفُضُونَ أَوامِرَهُ. أَضفْ إلى ذلكَ أَنَّ سيِّدةً صليبيَّةً مِن مدينةِ أَنطاكْيا، هي مَارِيَّا ابنةُ الأميرِ بُوهِيمُوند الرَّابعِ (Bohemond IV of Antioch) ، أَميرِ إمارةِ أَنطاكْيا الصَّليبيَّةِ، وابنةِ زوجَتِهِ مِلِسِنْدِه دِي لُوْزِينان (Melisende de Lusignan)، أَميرَةِ أَنْطاكْيا، قدَّمتْ ضدَّهُ شكوَى رسميَّةً بحُجَّةِ أَنَّها هي الأَحَقُّ في الجُلُوسِ على عرشِ مَمْلَكَةِ أُورشليمَ الصَّليبيَّةِ. كُلُّ هذِهِ الأُمورِ أَثبطتْ عزيمتَهُ على قتالِ بَيْبَرْس وأَرْغَمتْهُ على التَّوقيعِ على هذِهِ الهُدنةِ.
رسالةُ السُّلطانِ الملِكِ الظاهرِ بَيْبَرْسَ إلى ملِكِ قُبرُص
السُّلطانُ بَيْبَرْسُ يقولُ لملِكِ قبرُص: "أَنتم خُيُولُكُمُ المَرَاكِبُ ونحنُ مَرَاكِبُنا الخُيُولُ"
ومِن أَجلِ إعطاءِ فكرةٍ عن طبيعةِ العلاقاتِ بينَ بَيْبَرْسَ والملِكِ هُوْ الثَّالثِ نعرِضُ فيما يلي نَصَّ رسالةِ التَّهَكُّمِ التي أَرسَلَها بَيْبَرْسُ إلى الملِكِ هُوْ كَرَدٍّ على رسالةِ تَعْييرٍ كانَ قد أَرسَلَها هذا الأخيرُ إلى بَيْبَرْس يُخْبِرُهُ فيها عن تَحَطُّمِ إحدى عشرةَ سفينةً كانَ بَيْبَرْسُ قد وَجَّهَها مِن مِصْرَ نحوَ قبرُص مِن أَجْلِ غزوِها، وكانتِ الرِّيحُ قد حَطَّمَتْها في البحرِ بالقُربِ مِن مدينةِ لِيماسُولَ بجزيرةِ قبرُصَ:
"إلى حضرةِ المَلِكِ أُوْك (أيِ المَلِك هُوْ الثَّالث، أو هُوْغ الثَّالث، او هُوْ دي لُوْزِيْنان - Hugh de Lusignan):
ذكر ببالي، جعلَهُ اللهُ مِمَّنْ يُوفِي الحقَّ أهلَهُ، ولا يفتَخرُ بنصرٍ إلا إذا أَتى قبلَهُ أو بعدَه بخيرٍ منهُ أَو مثلَهُ. نُعْلِمُهُ أَنَّ اللهَ إذا أسعدَ إنساناً دفعَ عنهُ الكثيرَ من قضائِهِ باليسيرِ، وأحْسَنَ إليهِ بالتَّدبيرِ فيما جَرَتْ بِهِ المقاديرُ. وقدْ كُنْتَ عَرَّفْتَنَا أَنَّ الهواءَ كَسَرَ عِدَّةً من شَوانِيْنا (أي من سُفُنِنا)، وصارَ بذلكَ يتبجَّحُ وبِهِ يفرحُ. ونحنُ الآنَ نبشِّرُهُ بفتحِ القُرَيْن (أي بفتح قلعة القُرَيْن، أوِ القَرْن، Montfort, Starkenberg، عند الصَّليبيِّين)، وأين البِشارةُ بتملُّكِ القُرَيْنِ مِنَ البِشارةِ بما كَفَى اللهُ مُلْكَنا مَنَ العَيْنِ ؟ وما العجبُ أن يَفْخَرَ بالاستيلاءِ على حديدٍ وخشبٍ (أي على سُفُنٍ مُكَسَّرَة) ؟ الاستيلاءُ على الحُصُونِ الحَصِينةِ هُو العجبُ. وقد قالَ وقُلْنا، وعَلِمَ اللهُ أنَّ قولَنا هُو الصَّحيحُ. واتكلَ واتَّكَلْنَا، وليسَ مَنِ اتَّكلَ على اللهِ وسيفِهِ كَمَنِ اتَّكلَ على الرِّيحِ (أي الرِّيح التي كَسَرَتِ السُّفُنَ). وَمَا النَّصرُ بالهواءِ مَلِيحٌ، إنَّما النَّصرُ بالسَّيفِ هو المَلِيحُ. ونحنُ نُنْشِئُ في يومٍ واحدٍ عِدَّة قطايع، ولا يُنْشَأُ لكُم مِن حِصنٍ قطعةٌ، ونُجهِّزُ مائةَ قلعٍ (أي قِلاع)، ولا تُجَهِّزُ لكُم في مائةِ عامٍ قلعةٌ. وما كلُّ مَن أُعْطِيَ مقذافاً قَذَفَ، وما كلُّ من أُعْطِيَ سيفاً أحْسَنَ الضَّربَ بِهِ أو غَرَفَ. إِن عَدِمْت من بحريَّةِ المراكبِ آحادًا، فعندَنا مِن بحريَّةِ المراكبِ آلافٌ. وأينَ الذينَ يطعنُونَ بالمقاذيفِ في صَدْرِ البحرِ مِنَ الذين يطعنُونَ بالرِّماحِ في صَدْرِ الصُّفوفِ ؟ وانتُم خُيُولُكُمُ المراكِبُ ونحنُ مراكِبُنا الخُيُولُ، وفرقٌ بينَ مَنْ يُجْرِيْهَا كالِبحَارِ ومَنْ تقفُ بِهِ في الوُحُولِ. وفرقٌ بينَ مَنْ يَتَصَيَّدُ عَلَى الصُّقورِ مِنَ الخَيْلِ العِرَابِ، وبينَ مَنِ اذا افتخرَ قالَ تَصَيَّدتُ بِغُرابٍ. ولَئِن كُنتُم أخذتُم لنا قريةً مكسُورةً، فَكَم أخذنا لكُم مِنْ قريةٍ معمُورةٍ، وإِنِ اسْتَوْلَيْتُم على سكَّانٍ فَكَم أخْلَيْنا بلادَكُم مِنْ سكَّانٍ، وكَمْ كَسِبْتَ وكَسِبْنا، فَتَرَى أَيّنَا أَغْنَمُ. وَلَو أنَّ في المُلْكِ سُكُوتاً كانَ الواجبُ عليْهِ أنَّهُ سَكَتَ، وما تَكَلَّمَ".
(مِن كتاب "السُّلوكُ في معرفةِ دولِ المُلوكِ" للمقريزي، الجُزء الأوَّل).
ألأميرُ الاﻧﭼليزي إدْواردُ الأوَّلُّ (فيما بعد: المَلِك إدْوارد الأوَّل): بعدَ أَنْ جَرَّدَ حَمْلتَيْنِ عسكريتيّْنِ فاشِلَتَيْنِ، الأولى على قرية القِدِّيسِ جُورج البِعْنَاوِيِّ (قرية دير الأسد الحاليَّة)، والثّانيةَ على قلعةَ قَاقُوْنَ، اقتَنَعَ أَنَّهُ عاجزٌ عن قَهْرِ السُّلطانِ بَيْبَرْسَ
ألأميرُ الاﻧﭼليزيُّ إدْواردُ الأوَّلُّ وصلً إلى عكَّا بتاريخ 9 أَيَّار عام 1271 م، مَعَ قوَّةٍ عسكريَّةٍ صغيرةٍ وغيرِ كافيةٍ، فيما عُرِفَ فيما بعدُ بالحملةِ الصَّليبيَّةِ التَّاسعةِ. في شهرِ حزيرانَ من نفسِ العامِ جَرَّدَ حملةً عسكريَّةً على قريةِ القِدِّيسِ جُورج البِعْنَاوِيِّ المجاورةِ (Saint George De la Beyne, Saint Georges de Lebyene)، وهي قريةُ ديرِ الأسدِ الحاليَّةِ، التي كانت مركِزًا صليبيَّا هامًّا قبلَ أن ينتزعها السُّلطانانِ صلاحُ الدِّن الأَيُّوبي، بعدَ معركةِ حِطِّينَ عام 1187 م، وبَيْبَرْسُ بعْدَهُ، بعدَ انتزاعِ غالبيَّةِ الجليلِ من أَيدي الصَّليبيِّينَ. وقد تَعَرَّضَت هذه القريةُ إلى نهبٍ كثيرٍ من قِبَلِ جُنُودِ إدْوارد الأوَّلِّ، وأُتلِفتْ لها حُقُولٌ كثيرةٌ، وهُدِمَ عددٌ من بُيُوتِها، وقُتِلَ عددٌ من سُكَّانِها، أَمَّا جُنُودُ إدْوارد فقد عانَوْا مِنَ الحرَّ والجُوعِ والعطشِ، وهلكَ منهُم كثيرونَ.
ويقولُ مُحْيِي الدِّينِ بنُ عبدِ الظَّاهِرِ في غارَةِ الأَمير إدْوارد على قريةِ ديرِ الأسدِ (قرية البعنة في حينِهِ) في كتابِهِ "الرَّوضُ الزَّاهِرُ في سِيرَةِ المَلِكِ الظَّاهِرِ" ما يلي:
"في بُكْرَةِ يومِ العيدِ أَغارَ الفَرَنْجُ إلى جهةِ الشَّاغُورِ والبعنة، وكانوا أَكثرَ مِن أَلفٍ وخمسمائِةِ راكِبٍ ورِجَّالَةٍ كثيرةٍ، أَخذوا غِلَّةً وجُرُوبًا، وأَحرقوا غِلالاً، ورجعوا، وهلكَ مِنهُم بالحَرِّ والعطشِ جماعَةٌ".
هذِهِ الحملةُ الفاشِلةُ أَقنعَت ألأميرَ إدْوارد أَنَّهُ عاجزٌ عنِ الفوزِ بأَيِّ نصرٍ بدونِ أن يتلقَّى العونَ العسكريَّ، وبسببِ ذلكَ قضى عددًا منَ الأشهرِ بعدَ ذلكَ في مُحاولاتٍ لتلَقِّي النَّجدةَ، خُصوصًا من هُوْ دِي لُوْزِيْنان، مَلِكِ قبرُصَ وملْكِ مَمْلكةِ أُورشليمَ.
وفي شهرِ تشرينَ الثَّاني عام 1271 م جَرَّدَ ألأميرُ إدْواردُ حملةً عسكريَّةً فاشِلةً أُخرى على قلعةِ قَاقُونَ، الواقعةِ إلى الجهةِ الشِّماليَّةِ الغربيَّةِ من مدينةِ طُولكَرْم. هذِهِ المرَّةَ تلقَّى العونَ العسكريَّ مِنَ المَلِكِ هُوْ دِي لُوْزِيْنان، ومِنَ المغُولِ، أَعداءِ العربِ والمُسلمينَ وبَيْبَرْسَ، وكذلكَ منَ الأُخويَّتَيْنِ التُّيُوتُونِيَّةِ، والدَّاوِيَّةِ، وكذلكَ مِن أُخويَّة فُرسانِ الهيكلِ، وكُلُّها كانتْ أخويَّاتٍ دِينيَّةً عسكريَّةً صَليبيَّةً. وقد قُتِلَ كثيرونَ منَ الجُنُودِ الذينَ كانوا مُتواجِدينَ بالقلعةِ، وقُتِلَ أَميرُها أيضا، ولكنَّ القلعةَ نفسهَا استعصتْ على ألأميرِ إدْواردَ، فترَكَها وقَفَلَ عائدًا إلى عكَّا من دونِ إحرازِ أَيِّ نصرٍ عسكريٍّ.
هاتانِ الحَمْلَتانِ كانَتا أَشْبَهُ بِحَمْلَتَي تَخويفٍ وتخريبٍ وتدمِيرٍ وسَلبٍ ونَهبٍ، من حَمْلَتَيْنِ عسكريَّتَيْنِ.
وفي شهرِ حزيرانَ عام 1272 م تَعَرَّضَ ألأميرُ إدْواردُ بعكَّا لطعنةٍ بخَنجَرٍ مسمُومٍ، من قِبَلِ رجُلٍ هنالكَ مَن يقولُ أَنَّ السُّلطانَ بَيْبَرْسَ هُو الذي جَنَّدَهُ لهذِهِ المُهِمَّةِ، وهُنالكَ مَن يقولُ أَنَّ فِئةَ "الحَشَّاشِين" الإسماعيليَّةَ هي التي جَنَّدَتْهُ لذلكَ. وبصُعوبةٍ استطاعَ ألأميرُ إدْوارد أن يتخَلَّصَ مِنَ المُعتدِي، وأَن يقتُلَهُ في نهايةِ الأمرِ. وقد بقيَ الأميرُ إدْواردُ بعكَّا بعدَ هذه الطَّعنةِ إلى شهرِ أَيلُولَ عام 1272 م، بعدَ ذلكَ غادرَ عكَّا مُتَوَجِّهًا إلى إﻧﭼلترا، عن طريقِ إيطاليا وفرنسا، وخلال عودتِهِ عَلِمَ بوفاةِ والِدِهِ المَلِكِ هِنري الثَّالثِ، ولكنَّهُ لم يصلْ إلى وطنِهِ إلاَّ بتاريخِ 4 آب عام 1274 م، وبتاريخِ 19 آب من نفسِ العامِ تُوِّجَ ملْكًا على إﻧﭼلترا، وكانَ لهُ، كما هو معروفٌ، دورٌ كبيرٌ في تاريخِها.
وقد أَيَّد الأميرُ إدوارد هذِهِ الهُدنةَ، لأنَّه، من جهةٍ، كان يعلمُ جيِّدًا أَنَّهُ غيرُ قادرٍ على مُقاومةِ بَيْبَرْسَ، وبالتَّالي غيرُ قادرٍ على اسْتردادِ ما انتزعَهُ صلاحُ الدِّينِ الأَيُّوبيُّ وبَيْبَرْسُ مِنَ الصَّليبيِّين، وكانَ يأْمَلُ، من جهةٍ أُخرى، أن تُزوِّدَهُ هذه الهُدنةُ بمُهْلةٍ يستطيعُ خلالَها أن يُنظِّمَ وأَن يُجَرِّدَ، تحتَ قيادَتِهِ، فيما بعدُ، حملة صليبيَّةً جديدةً على فلسطينَ، ولكنَّ هذا الأمرَ لمْ يحصلْ مُطلقًا، كما هُو معروفٌ.
شَارْل دَانْجُو Charles d'Anjou))، مَلِكُ ناﭙولِي وصِقِلِّيَة: سَعَى مِن أجلِ الاتِّفاقِ على الهُدنةِ بينَ السُّلطانِ بَيْبَرْسَ والصِّليبيِّينَ عام 1272 م ، لأّنَّهُ كانَ يعرِفُ الوضعَ البائِسَ للدَّولةِ الصَّليبيَّةِ
شَارْل دَانْجُو Charles d'Anjou))، ملِكُ ناﭙولِي وصِقِلِّيَة (فترة الحُكم: 6.1.1266 – 7.1.1285)، وشقيقُ لويس التَّاسعِ (Louis IX) مَلِكِ فرنسا خلالَ الفترةِ 1226 م - 1270 م، شارَكَ إلى جانبِ الأمير إدْوارد في الحملةِ الصَّليبيِّةِ التَّاسِعةِ، فقد وَصَلَ مَعَهُ إلى عكَّا عام 1271 م، عندما كانَ بَيْبَرْسُ ضارِبًا الحِصارَ على مدينةِ طرابلُسَ، واشتركَ معَهُ في المُناوَشاتِ العسكريَّةِ القصيرةِ التي قامَ بها ضَدَّ بَيْبَرْسَ. ولكنْ بسببِ فشلِ محاولاتِهِما في كسرِ بَيْبَرْسَ، مِن جهةٍ، وبسببِ عَوْدَةِ الأميرِ إدْوارد إلى بلادِهِ، مِن جهةٍ أُخرى، فَقَدْ رأَى شَارْل دَانْجُو أَنَّهُ مِنَ الأَفضلِ للدَّولةِ الصَّليبيَّةِ أَن تَتَّفِقَ على هُدنةٍ مَعَ بَيْبَرْسَ إلى أَن تُتاحَ لَها الفُرصةُ بالقِيام بحملةٍ عسكريَّةٍ صليبيِّةٍ جديدةٍ كبيرةٍ، ولذا سَعَى إلى الوُصُولِ إلى الهُدنةِ التي نتحدَّثُ عنها، مَعَ أَنَّهُ لم يوقِّعْ عليْها. ومِنَ الجديرِ بالذِّكرِ أَنَّ البابا ﭼرﻳﭼﻮرِي العاشرَ نَصَّبَ شَارْل دَانْجُو مَلِكًا على مَمْلَكَةِ أُورشليمَ عام 1277 م، وبَقِيَ شَارْل دَانْجُو في هذا المنصبِ حتَّى عام 1285 م.
الأميرةُ إيزابِيلاَّ، أميرةُ بيرُوتَ: كانت مُعجَبَةً بالسُّلطانِ بَيْبَرْسَ، وكانتْ تُحِبُّهُ، وكانتْ عاجِزةً عن مُقاوَمَتِهِ، وما كانتْ تَرْغَبُ في ذلك
كانتْ تربطُ الأميرةَ إيزابِيلاَّ دِي ايْبيلِين (Isabella d'Ibelin) (الَّلَفظُ، كما ذكرنا، هُوَ: إيزابِيلاَّ دِيْبيِلِين)، أميرةَ بيرُوتَ (1252–1282)، مَعَ السُّلطانِ رُكْنِ الدِّينِ بَيْبَرْسَ علاقةُ وُدٍّ وتقديرٍ وإعجابٍ خاصَّة. وكان السُّلطانُ قد عَقَدَ معها هُدنةً عام 1269 م. هذه الأميرةُ كانتْ تستودِعُ بَيْبَرْسَ إمارَتَها عندما كانتْ تُغادِرُها لأيَّةِ مُهِمَّةٍ. في عام 1272 م تزوَّجتْ، بعد أن تُوُفِّيَ زوجُها الأوَّلُ، هُوْ الثَّاني (Hugh II) ملكُ قبرُصَ الطِّفلُ، من نبيلٍ صليبيٍّ من أتباعِ الأميرِ إدْوارد، وواحدٍ منَ الذينَ رافقُوهُ في حملتِهِ الصَّليبيَّة إلى عكَّا عام 1271 م، هذا الرَّجُلُ كانَ "هَامُو الغريب" (Hamo L'Estrange) . ولكنَّ بعد أن تُوُفِّيَ زوجُها هذا عام 1273 م، اخْتَطَفَهَا المَلِكُ هُوْ الثَّالثُّ إلى قبرُصَ، وأرادَ أن يُزَوِّجَهَا هناك عنوةً لرجُلٍ من أتباعِهِ، ولم يُرْجِعْهَا إلى بيرُوتَ إلاَّ بعدَ أنْ تهدَّدَهُ السُّلطانُ بَيْبَرْسُ. وتشهدُ افتتاحِيَّةُ الهُدنةِ التي عُقِدَتْ بينَها وبينَ السُّلطانِ بَيْبَرْسَ عام 1269 م على علاقاتِ المودَّةِ التي كانتْ قائِمةً بينَها وبينَهُ. وفيما يلي نصُّ افتِتاحِيَّةِ هذه الهُدنةِ، كما تَرِدُ في الجزءِ الرَّابعِ عشرَ من كتابِ "صُبحُ الأَعْشَى في صِناعَة الإنشا" للقَلْقَشَنْدِي (طبعةُ دارِ الكُتُبِ المِصريَّة):
"اسْتقرَّتِ الهُدنةُ المُباركةُ بينَ السُّلطانِ المَلِكِ الظَّاهِرِ رُكْنِ الدِّينِ بَيْبَرْسَ وبينَ المَلِكَةِ الجَلِيلةِ المَصُونةِ الفاخِرةِ فُلانةٍ ابنةِ فُلانٍ، مَالِكَةِ بَيْرُوتَ وجميعِ جبالِها وبلادِها التَّحْتِيَّةِ مُدَّةَ عشرَ سِنينٍ مُتَوَالِيَةٍ، أَوَّلُهَا يومُ الخميسِ سادِسِ رَمَضَانَ سنةَ سَبعٍ وسِتِّينَ وسِتِّمائةَ الموافقِ لتاسِعِ أَيَّارَ سنةَ أَلْفٍ وخمسِمائةٍ وثمانينَ يُونانيَّةٍ على بَيْرُوتَ وأَعمالِها ...".
أَلقَلْقَشَنْدِيُّ لا يَذْكُرُ اسمَ الأَميرةِ، ولكنَّ مُحْيِي الدِّينِ بن عبدِ الظَّاهِرِ (1223 م – 1292 م)، في كتابِهِ "الرَّوضُ الزَّاهِرُ في سِيرَةِ المَلِكِ الظَّاهِرِ"، يدْعُوها بالاسمِ "جِيزِين".
أَلأَمير ِبُوهِيمُونْد السَّادسِ أَميرُ أَنطاكْيا ونبيلُ طرابلُسَ (Bohemond VI of Antioch): كانَ يعلمُ أَنْ لا جَدْوَى مِنَ الحربِ مَعَ بَيْبَرْسَ
حينما ضَرَبَ بَيْبَرْسُ حِصارًا على مدينةِ طرابلُسَ عام 1271 م كانَ أَلأَميرُ بُوهِيمُونْد السَّادسُ نبيلاً (Count) عليْها، وكانَ يعلمُ أَنْ لا جَدْوَى مِنَ الحربِ مَعَ بَيْبَرْسَ، وذلكَ بالرَّغمِ مِن فَكِّ بَيْبَرْسَ الحِصارَ عَنِ المدينةِ عندما وَصَلتْهُ الأَنباءُ بقُدُومِ الأَميرِ الإﻧﭼليزي إدْوارد على رأسِ حملةٍ عسكريَّةٍ إلى فلسطينَ لقتالِ المَمَاليكِ، وبسببِ ذلكَ كانَ أَلأَميرُ بُوهِيمُونْد السَّادسُ سعيدًا لِتَجَنُّبِ الصِّراعِ، وَلَو بشكلٍ مُؤقَّتٍ، مَعَ بَيْبَرْسَ، وكانَ مُرْغَمًا على قَبُولِ الهُدنةَ مَعَهُ، بالرّغمِ مِنْ أَنَّهُ لم يُوقِّعْ علَيْها، مِن جهةٍ أُخرى، خصوصًا وأَنَّ بَيْبَرْسَ كانَ قَدِ انتَزَعَ منهُ إمارةَ أَنطاكْيا عنوَةً عام 1268 م، ومدينةَ طرابلُسَ عام 1271 م.
وبعدَ سُقُوطِ أَنطاكْيا أرْسلَ بَيْبَرْسُ رسالةً تَهَكُّمِيَّةً إلى بُوهِيمُونْدَ السَّادسِ، أَميرِها، واصفًا لَهُ ما حَصَلَ في المدينةِ ويُهَنِّئُهُ على حُسْنِ حَظِّهِ لِعدمِ تَوَاجُدِهِ فيها وقت احتلالِها. بَيْبَرْسُ يختَتِمُ رسالتَهُ هذِهِ بِما يلي:
"وكتابُنا هذا يَتَضَمَّنُ البُشرَى لَكَ بِما وَهَبَكَ اللهُ السَّلامةَ، وطُولَ العُمْرِ بِكَوْنِكَ لَمْ يَكُنْ لَكَ في أَنْطاكْيةَ في هذِهِ المُدَّةِ إِقامَةٌ، وكَوْنُكَ لو كُنْتَ بِها فتَكُونَ إِمَّا قتيلاً وإِمَّا أَسيرًا وإِمَّا جَريحًا وإِمَّا كَسيرًا، وسلامةُ النَّفْسِ هي التي يفرَحُ بِها الحَىُّ إذا شاهدَ الأَمواتَ، ولَعَلَّ اللهُ ما أَخَّرَكَ إِلاَّ لأَنْ تستدْرِكَ مِنَ الطَّاعةِ والخدمةِ ما فاتَ، ولَمَّا لمْ يَسْلمْ أَحَدٌ يُخْبِرُكَ بِما جَرَى خَبَّرْناكَ (أَخْبَرْناكَ)، ولمَّا لمْ يقدِرْ أَحَدٌ يباشِرُكَ بالبُشرَى بِسلامةِ نفسِكَ، وَهَلاكِ ما سِواها باشَرْناكَ بهذِهِ المُفاوَضةِ وَبَشَّرْناكَ، لِتُحَقِّقَ الأَمرَ على ما جَرَى، وبعدَ هذِهِ المُكاتَبةِ لا يَنْبَغِى لكَ أَنْ تُكَذِّبَ لنا خَبَراً، كَما أَنَّ بعدَ هذِهِ المُخاطَبَةِ يجبُ أَنْ لا تسأَلَ غَيْرَها مُخْبِراً".
(مِن كتاب "عِقدُ الجُمان في تاريخِ أَهلِ الزَّمانِ"، لِبَدرِ الدِّينِ العَيْنِي).
وفيما يلي افتتاحِيَّةُ رِسالةٍ تَهَكُّمِيَّةٍ أُخرى أَرْسَلَها بَيْبَرْسُ إلى بُوهِيمُونْد السَّادسِ بعدَ سُقُوطِ مدينةِ طرابلُس عام 1271 م:
"قَدْ عَلِمَ القُوْمِصُ Comes)، لفظة لاتينيَّة بمعنى زَميلٍ أَوِ رَفيقٍ) يمند (أَي بُوهِيمُونْد) جَعَلَهُ اللهُ مِمَّنْ ينظرُ لنفسِهِ ويفكِّرُ في عاقبةِ يومِهِ مِنْ أَمْسِهِ - نُزُولُنا بعدَ حِصْنِ الأَكْرادِ (أي قلعة حِصْنِ الأَكْرادِ، Krac de Chevaliers) على حِصْنِ عَكَّار (أي قلعة عَكَّار، في مُحيطِ مدينةِ طرابلُس بِلُبنان)، وكيفَ نَقلْنَا المَنْجَنِيقاتِ إِليْها في جِبالٍ تَسْتَصْعِبُها الطُّيُورُ لاختيارِ الأَوْكارِ، وكيفَ صَبَرْنَا في جَرِّها على مُناكَدَةِ الأَوْحالِ ومَكابَدَةِ الأَمطارِ، وكيفَ نَصَبْنا المَنْجَنِيقاتِ على أَمْكِنَةٍ يَزْلُقُ عليها النَّمْلُ إِذا مَشَى، وكيفَ هَبَطْنا تلكَ الأَودِيَةَ التي لو أنَّ الشَّمسَ مِنَ الغُيُومِ تَرَى بِها ما كانَ غيرُ جِبالِها رَشَا، وكيفَ صارَ رِجالُكَ الَّذينَ ما قَصَّرْتَ في انتِخابِهم، وحَسُنْتَ بِهِم استعانةَ نائِبِكَ الذي انتَحَى بِهِم".
(مِن كتابِ "نِهايةُ الأَرَبِ في فُنُونِ الأَدَبِ"، الجزء الثَّامن، لِشَهَابِ الدِّينِ النُّوَيْرِي، الصَّفحتانِ 271 و 272).
طبقًا للهُدْنةِ بين السَّلطانِ قلاوُونَ والصَّليبيِّينَ عام 1283 م أَصبحتْ يِرْكا وجُولِسُ في نطاقِ دولةِ المَمَاليكِ، أَمَّا كُفر ياسيف وأّبو سنان فَبَقِيَتَا في نطاق مَمْلكةِ أُورشليمَ الصَّليبيَّةِ الثَّانيةِ
بمُوجبِ الهُدنَةِ بينَ السَّلطانِ قلاوُونَ والصَّليبيِّينَ عام 1283 م تَمَّ الاتِّفاقُ أن يمُرَّ خطُّ الحدِّ بينَ دولةِ المَمَاليكِ والدَّولةِ الصَّليبيَّةِ قليلاً إلى الشَّرقِ مِنَ المواقعِ الآتيةِ: قرية المُنْيِير (حاليًّا موقعٌ خَرِبٌ، يُطْلَقُ عليهِ اسمُ "المَنْخِير"، بالقُربِ من مجرى وادي جَعْثُوْن، إلى الجهةِ الجنوبيَّةِ الشَّرقِيَّةِ من خربةِ "البَنَّا")، خربةِ جَعْثُوْن، قرية اكْلِيل، ثُمَّ قرية الحَنْبليَّةِ (إِكْلِيلُ والحَنْبليَّةُ حاليًّا مَوْقِعانِ خِرِبَانِ إلى الجهةِ الشِّماليَّةِ الغربيَّةِ مِن يِرْكا، وإلى الغربِ من جَث، ولكنْ في الماضي تَوَاجَدَتْ بِهِما اثْنَتَانِ مِنَ القُرى الدُّرزيَّةِ التي سَكَنَها الدُّرُوزُ خلالَ فترةِ تأسيسِ المذهبِ الدُّرزيِّ)، أبو سنان، كُفر ياسيف، قرية الدَّامُون، شَفاعَمْرُو، قرية الحارِثِيَّة. الحدُّ بين هاتيْنِ الدَّولتَيْنِ كان يَمُرُّ في الطَّرفِ الغربي لأراضي يِرْكا وجُولِس، وبالذَّاتِ عندَ الطَّرفِ الغربي لموقعِ الأرضِ المعروفِ باسمِ "درب أَبو سنان"، ثُمَّ الأقدام الشَّرقيَّة للتَلِّ الموجُودةِ عليهِ الخربةُ التي يدعُوها سكَّانُ يِرْكا بالاسمِ "الدَّيْدَبة"، وسكَّانُ كفر ياسيف بالاسمِ "خِرْبة اسكندر"، تُمَّ موقع الأرض المعروف باسم "كَعْب الخَشْنَا". موقِعا الأرضِ المعرُوفانِ بالاسْمَيْنِ "القَبَالة" و "مْرَاح زِيَّان"، والتَّابِعانِ حاليًّا لسكَّانِ يِرْكا، كانا في نطاقِ الدَّولةِ الصَّليبيَّة. ومعنى هذا أنَّ الانتقالَ مِن يِرْكا أَو جُولِس إلى كُفر يا سيف أَو إلى أَبو سنان، وبالطَّبعِ إلى عكَّا، كان يعني الانتقالَ مِن دولةٍ إلى أُخرى، أي مِنَ الدَّولةِ المملوكيَّةِ، حيثُ الُّلغةُ العربيَّةُ كانتِ الُّلغةَ الرَّسميَّةَ، إلى الدَّولةِ الصَّليبيَّةِ، التي كانتْ مدينةُ عكَّا عاصمَتَها، وحيثُ الُّلغاتُ اللاتينيَّةُ والفرنسيَّةُ والألمانيَّةُ والإيطاليَّةُ، كانتِ الُّلغاتِ الرَّسميَّةَ. ومعنى هذا أَنَّ بَيْبَرْسَ اَعْطَى الصَّليبيِّينَ تقريبًا كُلَّ السَّهلِ السَّاحليِّ الشِّماليِّ للبلادِ، مِنْ رأسِ النَّاقُورةِ حتَّى عكَّا، بالإضافةِ إلى سهلِ عكَّا نفسِهِ، وهذا يعني أَيضًا أَنَّ سكَّانَ يِرْكا وجُولِسَ كانُوا، خلالَ تلكَ الفترةِ، يدفعُون ضرائِبَهُم لدولةِ المَمَاليكِ، وبِها كانُوا يُجْرُونِ مُعامَلاتِهِم المدنِيَّةَ، أَمَّا سكَّانُ كفر ياسيف وأَبو سنان فكانُوا يقُومُونَ بِتلكَ الأُمُورِ في نِطاقِ الدَّولةِ الصَّليبيَّةِ.
ونحنُ نَعْرِضُ فيما يلِي القطعةَ التي تَرِدُ بِها أَسماءُ القُرى والمَزَارعِ التي استَلَمَهَا الصَّليبيُّونَ طِبقًا لاتِّفاقِيَّةِ الهُدْنةِ بينَهُم وبينَ السَّلطانِ قلاوُونَ عام 1283 م، كما وَرَدَتْ في كتابِ "صُبحُ الأَعْشَى في صِناعَةِ الإنشا" للقَلْقَشَنْدِي (طبعةُ دارِ الكُتُبِ المِصريَّة) (أَضَفْنا علاماتِ التَّنوْينِ والتَّرقيمِ المطلوبةَ مِنْ أَجلِ التَّوضيحِ، وأَضفْنا أَيضًا توضِيحاتٍ لأسماءِ بعضِ المواقعِ):
"وكذلكَ جميعُ بلادِ الفَرَنْجِ التي استقرَّتِ الآنَ عليْها هذِهِ الهُدْنةُ مِنَ البِلادِ السَّاحليَّةِ، وهي مدينةُ عكَّا وبساتينُها وأَراضِيها وطواحِينُها وما يَخْتَصُّ بها مِنْ كُرُومِها، وَما لَها مِنْ حُقوقٍ حَوْلَها وَما تَقَرَّرَ لَها مِن بِلادٍ في هذِهِ الهُدْنةِ وعُدَّتِها، بِما فيها مِنْ مَزارِعَ ثلاثٌ وسبعُونَ ناحيةٍ خاصًّا لِلفَرَنْجِ، وهيَ البَصُّة ومزرعتُها، مَجْدَلُ، حِمْصينَ، رأْسُ عَبْدُه، أَلمَنَواث ومزرعتُها، الكابْرِة (حاليًّا موقعٌ خَرِبٌ بالقُربِ مِن مجرى وادي جُعْثُونَ، كان يتواجَدُ بِهِ مصنعٌ لِلسُّكَّرِ مُنذُ عام 1261 م، وكان يتبعُ لأُخُوِيَّةِ التُّيُوتُون الألمانِ)، ومزرعتُها، نصفُ وفيه (يجب أَن يكون: نصفُ اوْقِيَّة، Noseoquie، عند الصَّليبيِّين)، جبعون (يجب أَن يكون: جَعْثُون)، كَفر بَرَدَي (خربة بُوْدَا) ومزرعتُها، كَوْكَبُ، عَمْقا ومزرعتُها، المُوْنْيَة (خربة المُونِة، إلى الجهةِ الشِّماليَّةِ الغربيَّةِ من يِرْكا)، كُفر ياسِيف ومزرعتُها، توسيان (يجب أَن يكون: أَبو سنان)، مَكْر حَرْسِين (قرية المَكْر) ومزرعتُها، الحديدة (يجب أَن يكون: الجُدَيَّدة)، الغياضة (يجب أَن يكون: العياضِيَّة)، العطوانيَّة، مَرْتُوْقا (خربة مَرْفُوْقَا)، الحارِثِيَّة، ثَمْرا (يجب أَن يكون: طَمْرَة)، الطرَّة (خربة الطِّيْرَة، إلى الغرب من طَمْرَة)، الرنب (يجب أَن يكون: الزِّيْب)، البانوحيه (يجب أَن يكون: اليانُوحِيَّة) ومزرعتُها، العرج (يجب أَن يكون: أُمُّ الفَرَج، Le Fierge، عند الصَّليبيِّين، بَقِيَتْ قائِمةً حتَّى عام 1948) ومزرعتُها، المَزْرَعَة (القريةٌ العربيَّةٌ الوحيدةُ التي لا تزالُ قائِمَةً حتَّى الَيْومَ في السَّهلِ السَّاحِلِيِّ الشِّماليِّ لِلبِلادِ، La Mezera، عند الصَّليبيِّين)، السّميرِيَّة البَيْضاءُ (السّميرِيَّة كانت قائِمةً حتى عام 1948، حاليًّا موقعٌ خَرِبٌ)، دْعْوق (موقعٌ خَرِبٌ إلى الجهةِ الجنوبيَّةِ الغربيَّةِ من شَفاعَمْرُو) والطَّاحُون، كُرْدَانَه (אֲפֵק حاليًّا) والطَّاحُون، حدرول (يجب أَن يكون: جِدْرُوْل، أي جِدْرُو، وهي قريةٌ عربيَّةٌ مُنْدَثِرَةٌ كانتْ قائِمةً حتَّى مطلعِ سنواتِ الثَّلاثينَ مِنَ القرْنِ العشرينَ، وكانتْ تُعرفُ بالاسمِ "جِدْرُو الغَوَارِنة"، نسبةً لِبَدْوٍ كانُوا يُعرَفُونَ بنفسِ الاسمِ، حاليًّا في هذا الموقِعِ تُوجدُ مدينةُ كِرْيات بْيالِك "קריית ביאליק")، تَلُّ النَّحْلِ (حاليًّا موقعٌ غيرُ معروفٍ)، الغارُ (يجب أَن يكون: الفار، حاليَّا موقِع خَرِب يُطْلَقُ عليهِ اسمُ "تلّ الفار")، الرُّخ (خربة الرَّحْو)، المَجْدَلُ، تَلُّ كِيْسَان (تَلٌّ أَثريٌّ قديمٌ إلى الغربِ مِن طَمْرَة)، أَلبِرْوَة، الرامون (يجب أَن يكون: الدَّامُون)، سَاسَا السِّياسيَّة (خربة سَعْسَع، Sesset عند الصَّليبيِّين)، الشَّبيكَة (Le Sebeque عند الصَّليبيِّين)، المُشيرِفَة (Le Messerephe عند الصَّليبيِّين)، القَطْرانِيَّة (La Quatranye عند الصَّليبيِّين)، المنيير (خربة المَنْخِير)، هرياسيف العربيَّة (رُبَّما كان يجب أَن يكون: "كُفر ياسيف الغربيَّة"، وإذا كانَ الأَمرُ فعلاً كذلكَ، فلا يزالُ هذا الاسمُ محفوظًا حتّى اليوم في موقعِ الأَرضِ المعروفِ باسمِ "الدَّار الغربيَّة"، في الطَّرفِ الغربي من كُفر ياسيف)، هُوْشَة (في هذا الموقع يوجد حاليًّا كِيبوتْس أُوْشَا، קיבּוּץ אוּשָה)، الزَّرَّاعَةُ الجديدةُ الشِّماليَّةُ، الرحاحيَّه، قُسْطَه، كفر نَبْتل (خربة كفر نبيذ)، الدُّوَيْرات (Doueireth عند الصَّليبيِّين)، ماصُوْب (أَي مَعْصُوب، Missop، عند الصَّليبيِّين، يوجدُ في موقِعِها حاليًّا كيبُوتْس مَتْسُوْﭬﺎ، קיבוץ מָצובָה)، متماس (يجب أَن يكون: مِيْمَاس، Mimas، عند الصَّليبيِّين، واحدةٌ مِنَ القُرى الدُّرزيَّةِ التي ترجِعُ إلى فترةِ تأسيسِ المذهبِ الدُّرزي، حاليًّا موقعٌ خِرِبٌ إلى الجهةِ الشِّماليَّةِ الغربيَّةِ مِن يِرْكا، وإلى الغربِ من جَث)، العباسِيَّةُ (أي الغابِسِيَّة، La Gabasie عندَ الصَّليبيِّين)، سَيْعانَه (خربة شبعانة)، عَيْنُ المَلِكِ (رأسُ العَيْن)، المَنْصُورةُ، الرَّصيفة، جباتا (خربة الغبيْطَة)، سَرْطا (خربة شَرْطَا)، كُفْرَتَّا (في هذا الموقع توجد حاليَّا بلدةُ קריית אתא)، أَرضُ الزَّرَّاعةِ (أي سهل عكَّا، وبضمنِهِ سهلُ "مُرَّانَ"، التَّابِعةُ مُعظمُ أَراضيهِ لسكَّان يِرْكا)، رُويْس (خربة الرُّوَيْس)، صغد عدي (يجب أَن يكون: صَفَدُ عَدِي، موقعٌ خَرِبٌ إلى الجهةِ الشِّماليَّةِ الغربيَّة من شَفاعَمْرُو)، سفرعم (يجب أَن يكون: شَفَرْعَم، أَي شَفاعَمْرُو). هذِهِ البلادُ المذكورةُ تكونُ خاصًّا لِلْفَرَنْجِ".
فيما يلي مقطع من فيلم "معركة عَيْن جالُوْت، بَيْبَرْسُ والمَغُول".
– Baybars and the Mongols) The Battle of Ayn Jalut)
وفيما يلي مقاطع من الحلقاتِ الأربعِ الأُولى مِنَ المًسلسلِ السُّوري "السُّلطان بَيْبَرْس" (بالعربيَّة)
(المُسلسلُ كُلُّهُ في نحو 30 حلقة).
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير