قَيْظُ الصَّيفِ وجفافُهُ بين الحقيقة والأُسطورة - البروفيسورعلي صغيَّر
2015-08-24 20:08:43
قَيْظُ الصَّيفِ وجفافُهُ بين الحقيقة والأُسطورة
من ارشيف البروفيسور علي صغيَّر
تتعرض البلاد عددا من المرات كل صيف لأحوال طقس حارة صعبة، قد تشتد وطأتها أحيانا، وقد تضعف أحيانا أخرى، يُطلق عليها بالعربية الاسم الشَّعبي "أمواج حر"، وكذلك "عَدَّان حر" أو مجرد "عَدَّان"، ولفظة "عَدَّان" دخلت إلى العربية من السريانية (ܥܶܕܳܢܳܐ) (عِيْدُوْنُو)، وإلى السريانية من الأكادية، وهي تعني الزمن المُحدد، كالزمن المُحدد لظاهرة جوية معينة، كأحوال الطقس الصيفية الصعبة التي نتحدث عنها، وفي الآرامية تقابل هذه اللفظة اللفظتان "עִדָּן" و "עִדָּנָא"، وفي العبرية تقابلها لفظة "עִדָּן" (עידן)، بصيغة المفرد، وهي تعني "زمن"، و "עִדָּנִים" (עידנים) بصيغة الجمع. وهذه اللفظات، الآرامية والعبرية، كما هو واضح، قريبة في اللفظ والمعنى من لفظة "عَدَّان". ونظرا لأن السريانية والآرامية كانت اللغتين الرسميتين لبلدان شرقي البحر الأبيض المتوسط في عصور سحيقة في التاريخ، فيبدو واضحا من استخدام لفظة "عَدَّان" لوصف ظاهرة القيظ الصيفي، أن الظاهرة نفسها قديمة جدا، ربما قِدَمَ الحضارة البشرية في هذه البلدان، وللفظة "قَيْظ" توجد لفظات مشابهة في الآرامية والعبرية، فاللفظة المشابهة لها في الآرامية هي "קַיְטָא"، التي منها أتت اللفظة العبرية "קַיִץ"، وأصل هذه اللفظات كلها هي اللفظة الأُوغاريتية "קצ"، وهذه اللفظات كلها تعني "صيف"، والأُوغاريتية كانت لغة أجدادنا الكنعانيين. وكثيرا ما تكون آخر ايام الصيف أشد أيام الصيف كلها حرًّا وقيظا، وفي هذا يقول التلمود البابلي ما يلي: ׁׁ"שִׁלְהֵי דְקַיְטַא קָשְיָא מִקַּיְטָא" (תַּלְמוּד בַּבְלִי, מַסֶּכֶת יוֹמָא – דף כ״ט, עמוד א׳)، أي أن "آخر الصيف أصعب من الصيف"، ومن لفظة "קַיְטָא" أتت اللفظة العبرية المعروفة "קַיְטָנָה"، التي تعني "مُنتجع صيفي"، واللفظة السريانية المرادفة للفظة "קַיְטָא" الآرامية هي "ܩܰܝܛܳܐ" (قَيْظُو). ونحن نستعمل مصطلحا آخر لوصف أيام الحر الشديد هذه فنقول أنها "أيام وَغْر"، ونقول أن الطقس الذي يرافقها هو طقس "وَغْر"، ومصدر هذه اللفظة هو الفعل وَغَرَ، يَغِرُ وَغْرًا، بمعنى اشتد حرُّه، ونحن نقول "وَغَرَتْهُ حَرَارَةُ الشَّمْس"، بمعنى اِشْتَدَّ وَقْعُهَا عَلَيْه، ونقول أيضا "وغَرَتِ الهاجِرةُ"، بمعنى رَمِضَت واشْتَدَّ حَرُّها، والهاجِرة هي نصف النهار عند اشتداد الحر. ونحن نقول في اللغة العربية الدارجة "الدنيا شُوْب"، أو "طقس شُوْب"، أو مجرد "شُوْب"، ولفظة "شُوْب" دخلت إلى العربية من السريانية (ܫܰܘܒܳܐ) (شُوْبَا)، وهي تعني الحر والقيظ، ومن هذه اللفظة أتى الفعل العربي المستعمل في اللغة الدارجة "شَوَّبَ"، واللفظة الدارجة "مْشَوِّب"، التي تعني "الشخص المُتضايق من الحر"، وكذلك المُصطلح الشعبي "ضربة شُوْب"، وهذه اللفظات نستعملها كثيرا في حياتنا اليومية للتعبير عن الحر والقيظ. في لغة المصطلحات المناخية العلمية يُطلق على أحوال الطقس الصيفية هذه الاسم "طقس خمسيني صيفي" أو "خمسين صيفي"، وبالعبرية الأسماء "גלי חוׂם קיציים"، أي "أمواج حَرٍّ صيفية"، و "ח'מסין קיצי" أي "خمسين صيفي"، وשָׁרָב קיצי"، أي شَرْد صيفي"، وبالانجليزية يُطلق على هذه الأحوال المناخية الاسمان "Summer Khamsin", "Summer Sharav"، أي "خمسين صيفي" أو شَرْد صيفي"، وذلك تمييزا لها عن الأحوال الخمسينية الحارة والجافة الخاصة بالفصلين الانتقاليين، أي الخريف (الفصل الانتقالي بين الصيف والشتاء) والربيع (الفصل الانتقالي بين الشتاء والصيف)، والتي تنتج عن أسباب مناخية أخرى، ومن أجل توضيح الصورة وتِبيان الفروق بين هذين النوعين من الطقس الخمسيني بشكل قصير ومبسط نقول أن الحرارة المرتفعة التي ترافق الطقس الخمسيني الصيفي تنتج عن سخونة الهواء في أعقاب هبوطه العمودي من أعلى الجو إلى سطح الأرض خلال الصيف، ومن هنا أتى الاسم العلمي لهذا النوع من الطقس الخمسيني، وهو "شَرْدٌ ناتجٌ عن هبوطٍ عمودي للهواء" "שָׁרָב של התמוֹכְכוּת,
Sharav" "Subsidence، واللفظة العبرية "התמוֹכְכוּת" اتت من الجذر العبري "נ-מ-ך"، الذي منه أتت اللفظة "הִנְמיך"، التي تعنى "هبط في الارتفاع"، وكذلك اللفظة "נָמוּך"، التي تعني "مُنْخَفِض". أما الطقس الخمسيني الخاص بالفصلين الانتقاليين، الذي يُطلق عليها اسم "الطقس الخمسيني الخاص بالفصول الانتقالية" (שָׁרָב של עונות המעבר) فينتج عن حركة أفقية للهواء فوق سطح الأرض، وهذا هو مصدر الاسم الاﻧﭽليزي لهذا النوع من الطقس الخمسيني، وهو Sharav" or Khamsin "Advection وفي هذه الحالة تأتينا الرياح الحارة والجافة من صحراء النقب وصحاري البلدان المجاورة، وهي صحاري تونس وليبيا ومصر والجزيرة العربية وبادية الشام. ولكن هذه الأحوال الحارة والجافة، الخريفية والربيعية، مع أسبابها ومضاعفاتها، هي موضوع لحديث آخر. بقي أن نذكر هنا أن مصدر لفظة "خمسين" هو المصطلح الشعبي "خمسينيَّة الصيف"، وهي المدة المحصورة بين الأول من آب والثالث والعشرين من أيلول كل عام، مع أن طولها يكون طبقا لهذا 53 يوما، وليس 50 يوما، وخلالها يشتد الحر بشكل واضح.
الأحوال الجوية الصيفية الصعبة والمرهقة التي نتحدث عنها تنتج عن تزامنٍ بين الحر الشديد والرطوبة النسبية الجوية المرتفعة، ولكن قبل أن نوضح أسبابها وعواقبها نرى أنه من الواجب أن نوضِّح بعض المسائل المتعلقة بأحوال الطقس الصيفي عندنا.
من المهم أن نذكر هنا أن حديثنا ينطبق فقط على أحوال الطقس والمناخ في الحوض الشرق للبحر الأبيض المتوسط، الذي يسود في غالبية مناطقه المناخ الذي يُعرف في علم المناخ ﺒ "مناخ البحر الأبيض المتوسط" (אקלים ים - תיכוׂני, Mediterranean Climtae)، الذي تقع البلاد، باستثناء صحراء النقب وصحراء يهودا، ومنطقة العَرَبَة وبعض مناطق غور الأردن، في نطاقه. ويمتاز هذا المناخ، الذي نعيش نحن سكان الجليل تحت ظروفه، بصيف طويل وحار وجاف، وشتاء قصير وبارد وماطر.
حر الصيف وجفافه عندنا: سببهما الرئيسي هو المرتفع الجوي العُلوي شبه المداري الذي يغطي كل بلادنا طيلة فصل الصيف
يتواجد خلال الصيف، في طبقات الجوّ العُليا، فوق البلاد، وفوق معظم مناطق الحوض الشرقي للبحر الأبيض المتوسط، مرتفع جوّي، أي منطقة من الضغط الجوّي المرتفع، يُعرف باسم "المرتفع الجوي العُلوي شبه المداري" (רמת רוּם בּרומטרית סוּבּ-טרופּית، (Upper Subtropical High. ويُقصد بلفظة "عُلوي" أن منطقة تواجد هذه المرتفع الجوي هي أعالي الجو، وباللفظتين "شبه مداري" أنه يتواجد بالقرب من مدار السرطان، وهو خط العرض 23.5 درجة إلى الشمال من خط الاستواء. هذا المرتفع الجوي العُلوي يتواجد بشكل دائم فوق صحاري شمال أفريقيا وسيناء والجزيرة العربية والنقب، وهو يتحرّك مع انتهاء فصل الربيع وبداية الصيف، مع الحركة الوهمية للشمس في السماء نحو الشمال بحيث يُغطّي كل بلادنا مع كل بلدان الحوض الشرقي للبحر الأبيض المتوسط. من هذا المرتفع الجوّي يهبط الهواء بشكل دائم ﺇلى الأسفل، باتجاه سطح الأرض، ومع هبوطه ترتفع درجة حرارته بمعدل درجة مئوية واحدة لكل مائة متر، ومع الارتفاع في درجة حرارته تنخفض رطوبته النسبية كثيرا. من هواء هابط كهذا يستحيل أن يسقط المطر، وذلك لأنه كي يحصل ذلك يجب أن تحصل عملية معكوسة تماما، أي يجب أن يصعد الهواء الرطب عموديا بالقدر الكافي، كي يبرد وترتفع رطوبته النسبية ويكوّن غيوم المطر.
ينتج ممّا تقدم أن تغيّر درجات حرارة الهواء مع الارتفاع بداخله، خلال ساعات النهار من أيام الصيف، تحت الظروف المناخية الصيفية العادية، هو تغيّر مخالف للوضع الطبيعي، الذي يقضي بانخفاض درجة حرارة الهواء مع الصعود بداخله، في الطبقة السّفلى من طبقات الجو، وهي طبقة المعروفة بالاسم "التروﭙ۔ﻭسفيرا (טרוֹפּוֹספרה, (Troposphere التي بها تحصل كل الظواهر الجوّية المألوفة. وهكذا، ﻔﺈن منطقة الحدّ بين هاتين الطبقتين من الهواء هي منطقة "انقلاب حراري" (Temperature Inversion)، أي منطقة ترتفع درجات حرارة الهواء مع الارتفاع بداخلها، بدلا من أن تنخفض، كما هو الوضع في الحالة العادية. ومن الجدير بالذكر أن بخار الماء الموجود مع هذه الرياح البحرية الداخلة ﺇلى البلاد والصاعدة على السفوح الغربية لسلسلة الجبال المركزية، كثيرا ما يكوّن أثناء صعوده غيوما ثلجية منخفضة، من نوعي "الرُّكام" (Cumulus) و "الرُّكام الطبقي" (Stratocumulus) الصَّيفيَيْن غير الماطرين. هذا الهواء البحري البارد نسبيا والرطب غير قادر، تحت الظروف الصيفية العادية، من الصعود أكثر في الهواء والوصول ﺇلى مرحلة تكوين غيوم المطر، وذلك بسبب الهواء الحار المتواجد فوقه والذي يمنع استمرار صعوده.
لماذا يهبط الهواء بداخل المرتفع الجوي العُلوي شبه المداري خلال فصل الصيف باتجاه سطح الأرض في البلاد ؟
بداية قصة الهواء الهابط طيلة العام فوق رقعة الصحاري العالمية في نصف الكرة الشمالي، ومن ضمنها صحراء النقب، وفوق البلاد كلها خلال فصل الصيف هي في المنطقة الاستوائية (أي حول خط العرض صفر). فبسبب سقوط اشعة الشمس طيلة السنة بشكل عمودي أو قريب من العمودي فوق تلك المنطقة، تسقط عليها كميات كبيرة جدا من الإشعاع الشمسي، ونتيجة لذلك يسخن البحر والأرض هناك بشكل سريع ودائم، ومع سخونة البحر والأرض يسخن الهواء الذي يلامسهما فتنخفض كثافته ويصعد إلى الأعلى، مخلفا وراءه منطقة من الضغط الجوي الخفيف على مستوى سطح الأرض والبحر، وهذه المنطقة من الضغط الجوي الخفيف الدائم تجذب إليها الرياح من كل الجهات، وهي تُعرف باسم "منطقة التقارب بين المدارية" (Intertropical Convergence Zone, or ITCZ). وسرعان ما يصعد الهواء الحار والرطب فوق المنطقة الاستوائية إلى الأعلى مكونا سحب المطر التي تُسقط أمطارها كل يوم تقريبا في تلك المناطق. الهواء الصاعد هذا يستمر في صعوده طالما بقيت حرارته أكبر من حرارة الهواء الساكن المحيط به، ولكن عندما تتساوى درجة حرارته مع درجة حرارة الهواء الساكن فإنه يتوقف عن الصعود، ويتجه عندها جنوبا وشمالا في نصفي الكرة، باتجاه القطبين الجغرافيين للأرض، ولكنه لا يصل إلى هناك، لأن خطوط العرض تضيق مع التوجه جنوبا وشمالا من خط الإستواء، فيتراكم الهواء هناك في أعالي الجو مكونا منطقتين من الضغط الجوي المرتفع، واحدة في أعالي الجو في النصف الجنوبي من الكرة الأرضية، والأخرى في أعالي الجو في النصف الشمالي من الكرة الأرضية. على كل واحدة من هاتين المنطقتين يُطلق عليها اسم "المرتفع الجوي العُلوي شبه المداري"، ومناطق هبوط الهواء في نصفي الكرة تكون قريبة من خطي العرض الخاصين بمداري الأرض، مدار الجدي في نصف الكرة الجنوبي (23.5 درجة جنوبا)، ومدار السرطان في نصف الكرة الشمالي (23.5 درجة شمالا). في هذه المناطق من أعالي الجو يُرغم هذا الهواء على الهبوط عموديا إلى الأسفل باتجاه سطح الأرض، ومع هبوطه ترتفع حرارته بمقدار 9.8 درجات مئوية لكل عشرة كيلومترات من الهبوط، وتنخفض رطوبته النسبية كثيرا، وكل المناطق التي يسقط عليها تكون صحراوية، حارَّة وجافة.
أحوال الطقس الصيفية العادية: حر، ولكن غير شديد، ورطوبة جوية غير مرتفعة
أحوال الطقس الصيفية العادية عندنا لطيفة عادة ويسهل تحملها، فخلال فصل الصيف، وفي معظم الحالات، لا يصل الهواء الهابط من المرتفع الجوّي العُلوي شبه المداري ﺇلى سطح الأرض، وذلك بفضل رياح محلية بحرية باردة ورطبة، فعّالة فقط خلال هذا الفصل، وهي "الرياح الإتيزية" (The Etesian Winds) (أصل هذا المصطلح هو اللفظتان اليونانيتان "Ἐτησίαι ἄνεμοι" (إِتِيْزْيَاي أَنِيْمُوْي)، اللتان تعنيان "رياح دوريَّة"، وهذه الرياح تبدأ حركتها من فوق البحر الأبيض المتوسط ﺇلى الجنوب من اليونان، وتتحرّك شرقا، مُتّخذة اتجاها غربيا – شماليا غربيا، باتجاه الأخدود الجوّي (والأخدود الجوّي هو منطقة من الهواء متطاولة الشكل ضغطها الجوّي منخفض بالمقارنة مع ضغط الهواء في المناطق المحيطة بها) الذي يتواجد خلال فصل الصيف، من أواسط شهر حزيران حتى أواسط شهر أيلول، فوق منطقة الخليج الفارسي، والمناطق المتاخمة له في إيران والجزيرة العربية والعراق، والمعروف باسم "أُخدود الخليج الفارسي"(The Persian Gulf Pressure Trough)، والذي يشكّل في الواقع امتدادا نحو الغرب للمنخفض الجوّي الحراري الكبير والعميق، أي المنخفض الجوي ذي الضغط الجوي الخفيف، الذي يتكوّن كل صيف فوق الطرف الجنوبي لشبه القارة الهندية، خصوصا فوق دول مْيَانْمار (بُورْما سابقا) وﺑ۔۔ﻨﭽﺎلادِش والهند واﻟﭙﺎكستان والأفغانستان. على هذا المنخفض الجوّي يُطلق اسم "المنخفض الجوّي الموسمي" (שֶׁקַע מוֹנסוּני, The Monsoon Low، ومن الجدير بالذكر أن اللفظتين מוּנסוּן و Monsoon اشتُقّتا من لفظة "موسم" العربية، وبهذا الشكل انتقلت هذه اللفظة ﺇلى معظم لغات العالم). ومن المهم أن نذكر هنا أن هذا المُنخفض الجوّي الموسمي هو الذي يسبّب الأمطار الغزيرة التي تسقط على تلك المناطق خلال فصل الصيف من كل عام، ومن أجل هذا يُطلق على تلك الأمطار اسم "الأمطار الموسمية"، وهي قد تسبّب هناك، بسبب غزارتها، فيضانات جارفة ومدمرة، كما يحصل كل عام تقريبا في المناطق المنخفضة من الدول المذكورة. وما دُمنا في الحديث عن هذه الأمطار الموسمية الصيفية، فنضيف ونقول أن كميات المطر التي تسقط في تلك الدول قد تصل إلى مقادير هائلة، وأكثر مواضع الأرض مطرا تقع في نطاق تلك المناطق، وهذا الموضع هو مدينة "تْشِياراﭙونْجِي" (Cherrapunjee) بالهند، حيث المعدل السنوي للرواسب هناك هو12,000 ملمتر، وقد تصل كميات الرواسب السنوية في هذا الموضع إلى 14,000 ملمتر ! وهذه الكمية تعادل ما يسقط خلال 26 سنة تقريبا في مدينة حيفا (المعدل السنوي للرواسب: 539 ملمترا) ! وحوالي 19,5 تقريبا سنة في يِرْكا (المعدل السنوي للرواسب: 720 ملمترا) !
خلال حركة "الرياح الإتيزية" نحو منطقة الضغط الجوّي المنخفض بأخدود الخليج الفارسي، تمر فوق بلادنا، ويكون اتجاهها عندنا غربيا – شماليا غربيا.
خلال ساعات النهار من أيام الصيف تندمج عندنا "الرياح الإتيزية" المذكورة مع رياح محلية سطحية رطبة وباردة نسبيا، تهب هي الأخرى في نفس الاتجاه، من البحر الأبيض المتوسط ﺇلى داخل البلاد. هذه الرياح المحلية تهب على البلاد فقط خلال ساعات النهار من أيام الصيف، ويُطلق عليها اسم "نسيم البحر" (בּריזה ימית, (Sea Breeze. هذا النسيم يتحرّك في أسفل طبقة الجو السُّفلى، بين وجه الأرض وارتفاع يتراوح مقداره عادة 500 و 1000 متر، وعلى هذا الارتفاع يتوقّف عادة هبوط الهواء من المرتفع الجوّي العُلوي شبه المداري. وهكذا تتواجد فوق البلاد، وعلى الأقل فوق المناطق الغربية منها المُطلّة على البحر الأبيض المتوسط، خلال أحوال الطقس الصيفي العادية، طبقة رطبة وباردة نسبيا من الهواء، يتراوح سُمكها بين 500 و 1000 متر، بها تسيطر رياح سطحية غربية ﺇلى شمالية غربية، باردة ورطبة، تعلوها طبقة من الهواء أكبر سُمكا وأعلى حرارة، وهي الطبقة التي يهبط بداخلها الهواء في المرتفع الجوّي شبه المداري. الدّمج بين "الرياح الإتيزية" ونسيم البحر يؤدّي ﺇلى تلطيف في الحرارة عندنا وﺇلى الشعور بالانتعاش لدى الإنسان، هذا هو الوضع العام خلال فصل الصيف عندنا.
القيظُ الصيفي الشديد الوطأة عندنا: إرتفاع كبير نسبيا في درجة حرارة الهواء وارتفاع في رطوبته النسبية في آن واحد
قد يحصل في بعض الحالات خلال فصل الصيف، كما حصل ولا يزال يحصل خلال هذه الفترة، اختلال للأوضاع الجوّية العادية المذكورة، ﺇذ تضعُف "الرياح الإتيزية"، ويضعّف معها أيضا نسيم البحر، وفي نفس الوقت يقوى المرتفع الجوّي العُلوي شبه المداري، وتقوى معه أيضا عملية هبوط الهواء بداخله، وقد يصل الهواء الهابط ﺇلى قمم سلسلة الجبال المركزية، في حين تبقى حركة نسيم البحر مع "الرياح الإتيزية" الغربية – الشمالية الغربية، على ما هي عليه في المناطق الساحلية والسفوح الغربية لسلسلة الجبال المركزية. في حالات من هذا النوع تسود أحوال جوّية حارة جدا وجافة في المناطق الجبلية من البلاد، أما في المناطق الساحلية فتسود أحوال حارة ورطبة جدا ومرهقة، يسود خلالها ما يُعرف بلغة المصطلحات العلمية المناخية ﺒ "العبء الحراري" (עוֹמס חוֹם, (Heat Stress، وقد يكون هذا خفيفا وقد يكون شديد الوطأة. في أوضاع جوّية كهذه تكون درجات الحرارة في المناطق الجبلية أعلى من درجات الحرارة في المناطق الساحلية، تماما بعكس الوضع المألوف.
وفي بعض الحالات قد تشتد الأحوال الجوّية الخمسينية الصيفية أكثر، ويحصل ذلك عندما يصل الهواء الهابط في المرتفع الجوّي العُلوي شبه المداري ﺇلى سطح الأرض وسطح البحر تماما تقريبا، فيتعطّل عندها نسيم البحر تقريبا عن الحركة، وتتعطّل كذلك حركة "الرياح الإتيزية"، وترتفع درجات حرارة الهواء بمقادير كبيرة مع هبوط الهواء باتجاه سطح الأرض، وفي حالات كهذه لا يشعر الإنسان بأيّة نسمة ريح تخفّف وطأة الحر. أحوال جوّية صعبة من هذا النوع تحصل عادة عددا من المرات كل صيف في البلاد، وتدوم الحالة الواحدة منها عددا من الأيام في معظم مناطق البلاد. في أحوال طقس خمسيني صيفي من هذا النوع يحصل عبء حراري مرتفع في المناطق الساحلية والمناطق القريبة من البحر الأبيض المتوسط، وكذلك في غور الأردن ومنطقة بحيرة طبريا وفي منطقة البحر الميت وخليج ﺇيلات أيضا.
هذه الأوضاع تنتج، كما ذكرنا، عن حركة الهبوط العمودي للهواء بداخل المرتفع الجوّي العُلوي شبه المداري باتجاه سطح الأرض (התמוֹכְכוּת, (Air Subsidence، وهي تكون أكثر قسوة ﺇذا تزامن مع عملية هبوط الهواء وسخونته في أعقاب ذلك، ارتفاع شديد في رطوبته النسبية.
درجات الحرارة العالية وحدها لا تسبب الشعور بالضِّيق، وكذلك الرطوبة النسبية المرتفعة
الحر الشديد وحده لا يسبب، عادة، شعورا بالضيق، وبالرغم من أن الجسم يفرز في أحوال جوية كهذه كميات كبيرة من العرق، إلا أن تبخر العرق من الجلد يسبب لدى الإنسان شعورا بالانتعاش، لأن معظم الطاقة المطلوبة لتبخر العرق تأتي من حرارة الجلد نفسه، مما يسبب هبوطا في حرارته، وبالتالي الشعور بنوع من الانتعاش. عدا عن ذلك، المُكوث في الظل وشرب المياه بكميات كافية يعوِّض عن هذه الكميات المفقودة من الماء.
والرطوبة النسبية المرتفعة للهواء وحدها، لا تسبب الشعور بالضِّيق، ففي حالات جوية كهذه لا يعرق الإنسان كثيرا، وبالتالي لا تكون حاجة لتخفيض حرارة الجلد، ولا يكون لدى الإنسان شعور بلزوجة الجلد وبالضيق.
ما يسبب الشعور بالضيق لدينا هو، كما ذكرنا، التزامن بين الحرارة المرتفعة والرطوبة النسبية المرتفعة، ففي هذه الأوضاع يعرق الجسم كثيرا بسبب الحر الشديد، ولكن العرق لا يجف بسرعة عن الجلد، فتبقى حرارة الجسم مرتفعة، ويتولد لدينا شعور بلزوجة الجلد وبالضيق، ويزداد الوضع سوءًا عندما تلتصق على الجلد حبيبات من الغبار المعدني الجوي، وغبار اللقاح النباتي.
والرطوبة النسبية (לחוּת יחסית, (Relative Humidity للهواء هي النسبة بين كمية بخار الماء المتواجدة في حجم معين من الهواء، تحت ظروف معينة من حرارة الهواء وضغطه الجوي، وبين ما يستطيع ذلك الحجم من الهواء أن يستوعبه من البخار تحت نفس الظروف من الحرارة والضغط الجوي، فمثلا، لو تواجدت في متر مكعب واحد من الهواء، تحت درجة حرارة معينة وضغط جوي معين، كمية من بخار الماء مقدارها غرام وحد، ولو كان هذا المتر المكعب من الهواء قادرا على استيعاب غرامين من بخار الماء تحت نفس درجة الحرارة والضغط الجوي، لكان مقدار الرطوبة النسبية للهواء50% (1÷2x100)
لماذا لا تسقط الأمطار عندنا في الصيف ؟
وهذا هو السبب الأساسي في عدم سقوط المطر عندنا في فصل الصيف. وهنالك سبب آخر لعدم سقوط المطر عندنا في فصل الصيف، وهذا السبب يتعلّق أيضا بالهواء الهابط، وذلك لأن هذا الهواء، عندما يصل ﺇلى سطح الأرض، ﻔﺈنه ينتشر ﺇلى كل الجهات، ومن ضمن المناطق التي ينتشر نحوها هي منطقة البحر الأبيض المتوسط، مصدر الرطوبة الرئيسي بالنسبة للبلاد، وبذلك يُمنع دخول المنخفضات الجوية البحرية المتكوّنة فوق مياه هذا البحر، وذات الهواء الرطب، ﺇلى البلاد. والمنخفضات الجوّية التي تتكوّن فوق مياه هذا البحر هي المصدر الرئيسي للرواسب عندنا.
سبب انحباس المطر في الصيف عندنا يعود إلى تواجد ما يُعرف بعلم المناخ بمرتفع جوي علوي، أي ضغط جوي مرتفع في طبقات الجو العُليا، فوق كل الحوض الشرقي للبحر الأبيض المتوسط، وبضمن ذلك دولة إسرائيل. على هذا المرتفع الجوي العُلوي يُطلق بالعربية الاسم "المرتفع الجوي شبه المداري"، وبالعبرية الاسم "רמה בּרומטרית סוּבּ-טרוׂפּית"، وبالإنجليزية الاسم "Subtropical High Pressure" . من هذا المرتفع الجوي العُلوي يهبط الهواء إلى الأسفل باتجاه سطح الأرض، فيسخن ويجف، أي أن رطوبته النسبية تنخفض، ومن المستحيل في حالة كهذه أن تتكوَّن منه السحب، لأن عملية تكوين الغيوم تتطلب عكس ذلك، أي أنها تتطلب أن يصعد الهواء إلى الأعلى كي يبرد وترتفع رطوبته النسبية ويكوِّن الغيوم. هذا الهواء الهابط يتفرق إلى جميع الجهات عندما يصل إلى سطح الأرض، وهو يمنع بذلك دخول المنخفضات الجوية التي قد تتكوَّن فوق مياه البحر الأبيض المتوسط، والحاوية على بخار الماء، من الدخول إلى البلاد.
ولماذا تسقط الأمطار عندنا في الشتاء ؟
ابتداءً من أشهر الخريف المتأخرة، ومرورا بالطبع بأشهر الشتاء، وانتهاءً بأشهر الربيع الباكرة، ينفسح المجال أمام الرواسب الجوية (المطر السائل والبَرَد والثلج) أن تسقط خصوصا على المناطق الشمالية والوسطى من البلاد، ومرجع ذلك إلى تحرك المرتفع الجوي شبه المداري العُلوي نحو الجنوب، بحيث يبقى طيلة هذه المدة فوق صحاري النقب وسيناء وصحاري شمال أفريقيا والجزيرة العربية. الطرف الشمالي لهذا المرتفع الجوي الهائل الحجم يبقى طيلة العام فوق صحراء النقب. وهكذا، ومع تزحزحه نحو الجنوب ينفسح المجال أمام المنخفضات الجوية المتكونة فوق البحر الأبيض المتوسط، وهو مصدر معظم رواسب البلاد (نسبة بسيطة من رواسب البلاد تأتينا من مياه البحر الأحمر والمحيط الهندي، وهذا الأمر يحصل مع انتهاء أحوال الطقس الخمسيني الخريفي والربيعي، عندما يسيطر على الحوض الشرقي للبحر الأبيض المتوسط الأخدود الجوي المعروف باسم "أُخدود البحر الأحمر "אפיק ים סוּף") أن تدخل إلى البلاد وأن تكوِّن السحب وأن تُسْقِط المطر. أما بالنسبة لصحراء النقب، فسقوط المطر عليها يحصل عادة عندما يضعف المرتفع الجوي شبه المداري الذي يغطيها طيلة العام، بحيث لا يصل الهواء الهابط من أعالي الجو فوق هذه الصحراء إلى سطح الأرض تماما، وإنما يتوقف على ارتفاع عدد من مئات الأمتار، أو قليلا فوق ذلك، وعندها ينفسح المجال أمام المنخفضات الجوية الحاملة بخار الماء أن تدخل إلى هذه المنطقة، وأن تحصل عملية تكاثف لبخار الماء الموجود في هذه المنخفضات الجوية، وأن تتكون غيوم المطر، وأن تسقط منها الرواسب، ولكن هذا الأمر، كما هو معروف، لا يدوم طويلا، فسرعان ما يقوى من جديد المرتفع الجوي شبه المداري، وسرعان ما يصل الهواء الهابط منه إلى سطح الأرض تماما أو قريبا من ذلك، وعندها تعجز المنخفضات الجوية أن تدخل إلى هذه المنطقة، فينحبس المطر هناك بسرعة.
في بعض السنين قد يسقط المطر عندنا في الصيف، لماذا ؟
على الرغم من أن فصل الصيف عندنا هو فصل جاف وعديم المطر للأسباب التي ذكرناها، إلا أنه مرة كل عدد من السنين، وأحيانا كل سنة، تسقط خلاله أمطار بزخات قوية، ولكن لِمُدد زمنية قصيرة، أقصاها عدد من الدقائق أو الساعات، وقد يكون ذلك حتى خلال ساعات الحر الشديد. ويحصل هذا الأمر عادة عندما تضعف عملية هبوط الهواء من أعالي الجو في المرتفع الجوي شبه المداري العُلوي باتجاه سطح الأرض، فيتوقف عندها سقوط الهواء على ارتفاع كبير نسبيا، وفي هذه الحالات تنجح الرياح الإتيزيَّة البحرية الرطبة في الصعود إلى الأعلى بسرعة فوق اليابسة الحارة، ويحصل تكاثف سريع لبخار الماء الموجود بها، وتتكون السحب، وبعضها يكون من نوع سحب المطر، فتسقط الأمطار بغزارة وبشدة عادة، على شكل زخّات قوية وقصيرة، وعلى مناطق مُحددّة وصغيرة المساحة. وتتراوح كميات المطر الساقطة في هذه الحالات بين عدد من المليمترات وعدد من عشرات المليمترات. ويكون سقوط المطر أغزر إذا كان ذلك خلال ساعات النهار، عنما يكون وجه الأرض حارًّا، ويحصل ذلك خصوصا في المناطق الواقعة في السفوح الغربية لسلسلة الجبال المركزية المواجهة للبحر، لأن نسيم البحر الرطب ينضم في هذه الحالة إلى الرياح الإتيزيَّة، فيزيدها رطوبة.
المّضايقات التي تُسبّبها الأحوال الجوية الخمسينية الصيفية لدى اﻹنسان
الإرتفاع الشديد في درجة حرارة الهواء يسبب ارتفاعا مشابها في حرارة الجسم البشري، وكرد فعل على حرارة الجسم المرتفعة يقوم الجلد بإفراز كميات كبيرة من العرق، وتزداد كميات العرق التي يفرزها الجسم مع الارتفاع في درجة حرارته، وﺇحدى الوظائف الهامة للعرق، كما هو معروف، هي تبريد الجسم، ويتمّ هذا الأمر عن طريق استيعاب قسم كبير من الطاقة المطلوبة لتجفيف العرق، أي لتبخيره، من الجلد نفسه، وعندما يحصل ذلك تهبط حرارة الجسم ويشعر المرء بالراحة والانتعاش، ولكن في ظروف من الرطوبة النسبية المرتفعة، يجفّ العرق ببطء شديد، وذلك لأن الهواء في حالات كهذه يكون شبه مشبع ببخار الماء، ولا يستطيع أن يستوعب إلا كميات قليلة جدا من البخار، أو يكون غير قادر مطلقا على ذلك، إذا كانت الرطوبة النسبية للهواء عالية جدا. وفي مثل هذه الحالات يشعر المرء بضيق شديد وربما بصعوبة في التنفس، وممّا يزيد الطين بلّة هو التصاق الغبار وغبار اللقاح وسائر المُلوّثات الجوّية الصلبة الأخرى بالعرق المتراكم على الجلد، مع ما يتواجد به من دهن وأملاح ومواد أخرى تخرج من الجسم نفسه مع العرق. ونذكر هنا أن كثرة الغبار في الهواء هي من المشاكل البيئية العويصة التي تُعاني منها البلاد. معظم الغبار الذي يتواجد في أجواء البلاد خلال سيادة الطقس الخمسيني الصيفي يأتينا من مصادر محلية، أي من داخل البلاد نفسها، وهو أسود اللون على الغالب. أما الغبار االذي يتطاير في الهواء خلال سيادة الطقس الخمسيني الخاصّ بالفصلين الانتقاليين، أي الخريف والربيع، فمعظمه يأتي من رقعة الصحاري العالمية التي يقع الطرف الجنوبي لإسرائيل، أي صحراء النقب، ضمنها، وهذه الرقعة الصحراوية هي أكبر رقعة من نوعها في الكرة الأرضية، وهي تشمل صحاري شمال أفريقيا، وبضمنها الصحراء الكُبرى، وصحاري مصر وسيناء وشبه الجزيرة العربية، وخلال هذين الفصلين يأتينا غبار من بادية الشام أيضا. الغبار الذي تسفوه الرياح من هذه المناطق وتأتي به إلينا هو بُنِّي اللون على الغالب.
الشعور بلزوجة الجلد وبتراكم الأقذار عليه حينما يشتد قيظ الصيف يكون أقوى عند ذوي البشرة الدُّهنية، وذلك لأن الدّهن المتراكم على الجلد يشكّل ما يشبه مصائد للأقذار الدقيقة وغبار الطّلع المتطايرة في الهواء، ولذا فهو يزيد من كميات الأقذار والغبار المُلتصقة به. في حالات العبء الحراري الثقيل يُعاني الأشخاص السّمينون عادة أكثر من الأشخاص النحيفين، وذلك بسب النسبة المنخفضة عند ذوي الأجسام السمينة بين مساحة سطح الجسم ووزنه، وكلما انخفضت هذه النسبة تقلّ كميات العرق التي يمكن أن تتبخّر من الجلد، وتنخفض بالتالي مقدرة جهاز ﺇفراز العرق على تبريد الجسم. فقدان الطاقة الحرارية وقت الحرّ ﺇلى المحيط القريب، واكتسابها وقت البرد من ذلك المحيط، عند أشخاص من هذا النوع، هو صغير نسبيا.
وقد تتسبّب هذه الأحوال الجوية الحارة أيضا في وعكات صحية وأمراض متعددة، كانخفاض ضغط الدم، والدّوار، والخمول، والرّبو، والحساسيّة، وجفاف الجسم وارتفاع شديد في درجة حرارته، وفي الحالات المتطرّفة، قد تقترب حرارة الجسم من 43 مئوية، وهي الحرارة القُصوى التي يستطيع الجسم البشري أن يتحملها. في حالات متطرّفة كهذه قد يتعّرض الإنسان لضربة حرّ (מכּת חוׂם, (Heat Stroke، تُسبّب خللا شديدا في الدورة الدموية والجهاز العصبي ودمار في اﻟﭙروتينات، وهذه الأمور قد تؤدّي ﺇلى الوفاة، خصوصا بين الأطفال والمعمَّرين. وقد تساعد درجات الحرارة المرتفعة فوق العادة أيضا في انتشار بعض الأوبئة الاستوائية والمدارية، مثل الملاريا، والكُوليرا، وحُمّى النيل الغربي. أوبئة كهذه تنتشر عادة في ظروف طقس من هذا النوع خصوصا في البلدان المتواجدة بقارة أفريقيا، ﺇلى الجنوب من الصحراء الكُبرى، وهي تسبّب في بعض الحالات وفيات كثيرة هناك، وهذا كله عدا عن رائحة العرق الكريهة التي تنبعث من الجسم خلال هذه الأوضاع الجوية المُرهقة.
مُعامِل عدم الراحة المناخي، مقياس للتعبير عن مدى الضِّيق بسبب التَّزامن بين الحر والرطوبة النسبية المرتفعة
يُعبَّر عن مدى شعور اﻹنسان بالضيق وبعدم الارتياح في أحوال جوّية كهذه، بما يُعرف علميا ﺑ "مُعامِل عدم الراحة المناخي" (מְקַדֵּם אִי הִנּוֹחוּת האקלימית, (Index of Climatic Discomfort ، وهذا المُعامِل بدوره يُعبِّر عن مدى ما يُعرف ﺑ "العبء الحراري" (עוׂמס חוׂם, (Heat Load or Burden الذي يشعر به اﻹنسان حينما تسود أحوال جوّية من هذا النوع.
"مُعامِل عدم الراحة المناخي" في موضع جغرافي معين وفي لحظة زمنية معينة، هو رقم يمثّل درجة حرارة معينة، يُعبّر عنها في بلادنا بالدرجات المئوية. مقدار هذه الدرجة يساوي مجموع درجة حرارة الهواء كما يسجله مقياس الحرارة العادي، مع درجة الحرارة التي يُسجلها مقياس الحرارة الرّطب، مقسوما عل اثنين. مقياس الحرارة الرطب مشابه تماما لمقياس الحرارة الجاف، مع فارق واحد وهو أن "بَصَلَتَهُ" (Thermometer`s Bulb)، وهي مُستودع الزّئبق أو الكحول الموجود في أسفل المقياس، ملفوف بقطعة قماشية قطنية تتصل في أسفلها بمُستودع مائي صغير. من أجل تحديد "مُعامِل عدم الراحة المناخي" في أي موضع وأية لحظة زمنية، وهي عملية بسيطة يسهُل اجراؤها، يوضع المقياسان الواحد بجانب الآخر، عندها يُسجِّل المقياس العادي درجة الحرارة الطبيعية للهواء، أمّا المقاس الرطب فيقيس درجة حرارة بصلة هذا المقياس بعد أن تكون قد انخفضت بسبب تبخّر الماء من القطعة القطنية الملفوفة حولها، كنتيجة لاستيعاب الطاقة المطلوبة لتبخير الماء من القطعة القطنية، من البصلة نفسها، الأمر الذي يؤدّي ﺇلى انخفاض درجة حرارة تلك البَصَلَة، هذا إذا كان هذا الهواء غير مُشبع بالرطوبة.
ويُمكن تعيين مدى العبء الحراري بالاستعانة بالجدول البسيط التالي:
1. مُعامِل عدم راحة مناخي أقل من 20 درجة مئوية: لا يوجد عبء حراري مطلقا، والطقس بارد وكل الناس يشعرون بالارتياح المناخي.
2. مُعامِل عدم راحة مناخي بين 20 و 24 درجة مئوية: عبء حراري بسيط، الطقس دافئ ومعظم الناس يشعرون بالارتياح المناخي.
3. مُعامِل عدم راحة مناخي بين 24 و 28 درجة مئوية: عبء حراري متوسط، الطقس حار وعلى الأقل نصف الناس يشعرون بعدم بالارتياح المناخي.
4. مُعامِل عدم راحة مناخي بين 28 و 32 درجة مئوية: عبء حراري ثقيل، الطقس حار جدا ومعظم الناس يشعرون بعدم بالارتياح المناخي.
5. مُعامِل عدم راحة مناخي أكبر من 32 درجة مئوية: عبء حراري ثقيل جدا، الطقس حار جدا ورطب جدا وكل الناس يشعرون بعدم بالارتياح المناخي وبالضيق.
يصل العبء الحراري في البلاد ﺇلى أوجه خلال شهر آب من كل عام، ويبلغ معدل عدد الأيام التي يسود بها عبء حراري أكبر من 24 كل سنة في المناطق الجبلية حوالي 30 يوما، وحوالي 120 يوما في السهل الساحلي، وحوالي 180 يوما في غور الأردن والبحر الميت ووادي عربة.
أضرار أخرى تنتج عن الطقس الخمسيني الصيفي
الأحوال الخمسينية تُسبّب أضرارا اقتصادية كبيرة، فالحرارة المرتفعة والجفاف الشديد اللذين يرافقان هذه الأحوال الجوّية تزيد من خطر اندلاع الحرائق في النباتات البرّية والتربوية، على حدّ سواء. ومن المعروف أن خطر اندلاع الحرائق في بلادنا، وفي كل المناطق التي يسود بها مناخ البحر الأبيض المتوسط بشكل عام، يكون في نهاية الصيف وبداية الخريف عادة أكبر ممّا هو في نهاية الربيع وبداية الصيف، وذلك لأن الأرض والنباتات في بداية الصيف تكون لا تزال باردة ورطبة بفضل أمطار الشتاء وبَرْدِه، ولذا ﻔﺈن النباتات لا تشتعل بسهولة، أمّا في آخر الصيف ﻔﺈن الأرض والنباتات تكون قد وصلت ﺇلى درجة عالية من الجفاف، وهذا يزيد كثيرا من قابليتها للاشتعال.
ألطقس الخمسيني يسبّب أيضا ازديادا في الطلب على المياه، في كل مجالات الحياة، خصوصا في الزراعة والاستهلاك المنزلي، وهذه القضية هي مشكلة عويصة في بلاد فقيرة بالمياه ﻛﺈسرائيل.
وتسبّب أحوال الطقس الخمسيني مضايقات في مجال العمل وضياع أيام عمل كثيرة، خصوصا لدى الذين يعملون في أماكن مفتوحة ومكشوفة للشمس. عدا عن ذلك ﻔﺈن هذه الأحوال قد تُسبّب وفاة المواشي والدواجن.
هل توجد علاقة بين هذه الأحوال الخمسينية وبين الانحباس الحراري العالمي ؟
يصعُب في هذه المرحلة ربط هاتين الظاهرتين الواحدة بالأخرى بشكل قاطع، وذلك بالرغم من أن الأبحاث تُشير ﺇلى ارتفاع طفيف ولكن متزايد في معدلات درجة حرارة الهواء خلال فصل الصيف عندنا خلال العُقُود الأخيرة، وارتفاع في درجة حرارة مياه الحوض الشرقي للبحر الأبيض المتوسط، مع تغيّرات شبه واضحة في الصفات المناخية لباقي فصول السنة، ولكن هذا الأمر يحتاج ﺇلى مدة أطول لفحص القضية والبتّ بها بشكل علمي. ومن المهم أن نذكر هنا أنه لا يوجد اتفاق عام وشامل بين خبراء المناخ والفيزياء الجوّية والجيولوجيين حتى بالنسبة لأسباب الانحباس الحراري العالمي نفسه، فبالرغم من أن غالبية هؤلاء الخبراء ينسبون الارتفاع المستمر في درجة حرارة الكرة الأرضية خلال المائة سنة، ﺇلى تراكم بعض غازات الدفيئة في الهواء، بسبب فعاليات يقوم بها الإنسان، ﺇلاّ أن فئة غير قليلة منهم تقول أن لا علاقة للإنسان بذلك، وأن الأمر ناتج عن عوامل طبيعية لا علاقة للإنسان بها، ولا تأثير له عليها، كالتغيّرات الطفيفة التي تحصل بشكل طبيعي في مقدار ميل زاوية محور الكرة الأرضية بالنسبة لمستوى دورانها حول الشمس، والتغيّرات التي تطرأ على الفعاليات التي تحصل على سطح الشمس، وبالتالي على مقادير الطاقة المنطلقة منها.
قَيظُ العام الحالي (2015)، لغاية الآن (منتصف شهر آب)، فوق المعدل
على الرغم من أن صيف هذا العام لم ينتهِ بعد، إلا ان معدلات الحرارة في الفترة التي انقضت لغاية الآن من الصيف الحالي أعلى من المعدلات السنوية الطويلة المدى لنفس الفترة، ومن أجل الحصول على صورة أوضح وأدق بشأن المعدل الحراري العام لفصل الصيف هذا يجب الانتظار حتى نهايته وإجراء الحسابات المطلوبة، ونهاية الصيف الحالي سوف تكون بتاريخ 23 أيلول، الساعة الرابعة و 21 دقيقة صباحا، ومن الجدير بالذكر أن فصل الصيف الحالي كان قد بدأ بتاريخ 21 حزيران، الساعة 12 و 38 دقيقة ظهرا. أحوال صيفية حارة كهذه هي، كما سبق وأشرنا، أمر مألوف في هذه البلاد، فخلال السنين القليلة الماضية، صيف العام 2005 كان من هذا النوع، وكذلك صيف العام 2010.
هل فعلا وصلت درجات الحرارة في إيران خلال موجة الحرِّ الأخيرة إلى 74 درجة مئوية ؟
الجواب لا. فدرجات الحرارة العالية التي تناقلتها وسائل الإعلام لم تكن درجات حرارة الهواء العادية المألوفة، وإنما درجات الحرارة التي "يشعر" بها الإنسان بسبب التزامن بين ارتفاع حرارة الهواء ورطوبته النسبية العالية. على درجات الحرارة هذه يُطلق الاسم "دليل الحَرِّ" (מַדָּד החוׂם, (Heat Index، وهذا الدليل مستعمل في دول أوروبا والولايات المتحدة، وغيرها من الدول، كما نستعمل نحن مقياس "مُعامِل عدم الراحة المناخي"، الذي تحدثنا عنه. ولتوضيح هذا الأمر نقول أنه إذا كان مقدار درجة حرارة الهواء العادية هو 30 درجة مئوية، ومقدار الرطوبة النسبية للهواء 80 %، فالإنسان يشعر "على جِلْدِهِ" وكأنَّ مقدار درجة حرارة الهواء هو 38 درجة مئوية، وإذا كان مقدار درجة حرارة الهواء العادية هو 40 درجة مئوية، ومقدار الرطوبة النسبية للهواء 85 %، فالإنسان يشعر "على جِلْدِهِ" وكأنَّ مقدار حرارة الهواء هو 88 درجة مئوية !.
قيظ الصيف وجفافه عند أجدادنا الكنعانيين: سببهما كان موت الإله البَعْل
أجدادنا الكنعانيون كانوا يؤمنون أن حر الصيف وجفافه سببهما هو موت كبير آلهتهم وهو الإله "البَعْل" (הבַּעַל)، الذي كان يُعرف أيضا بالاسم "بَعْل هَدَد" (בַּעַל-הֲדַד)، وهو، عندهم، كان ابن "إيْل" (אּל)، خالق المخلوقات كلها، كما كانوا يؤمنون، وابن الإلهة "أَشِيْرا" (אֲשֵרָה)، وشقيق الإلهة "عَنَات" (האֵלָה עֲנַת)، وشقيق الإلهين "يَم" (האֵל יָם)، و "مُوْت" (האֵל מוֹת)، الذي من اسمه أتت اللفظات التي تعبِّر عن عملية انتهاء الحياة في كل اللغات السامِيَّة، فنحن نقول "مَوْت" بالعربية الفصحى، و "مُوْت" بالعربية الدارجة، تماما كما كانت هذه اللفظة تُلفظ عند أجدادنا الكنعانيين، و بالعبرية نقول "מָוֶת".
والإله "البَعْل" كان يُعرف عند شعوب الحوض الشرقي للبحر الأبيض المتوسط أيضا بالاسم "دا مُو زِي"، وهو اسم اشتُق من اسم الإله السُّومري"دُو مُو زِيد" (لفظات من اللغة الأكَّادية تعني "الولد المُخلص")، الذي كانت له عند البابليين نفس الوظائف والقدسية التي كانت للبَعْل عند الكنعانيين. ومن اللفظتين "دُو مُو زِي" و "دُو مُو زِيد" أتى الاسم "تَمُّوز"، وهو اسم الشهر السابع من أشهر السنة الميلادية، وقد أُطلق اسم الإله "تَمُّوز" على اسم هذا الشهر لأن الكنعانيين كانوا يؤمنون أن وفاة الإله تكون في مطلعه أو قليلا قُبيله. واسم هذا الشهر لا يزال محفوظا بهذا الشكل في التقويمين العبري والسرياني وكذلك في التقاويم اﻟﭽرﻳﭽوريانية العربية والتركية. الكنعانيون كانوا يؤمنون أن البَعْل يموت مرة كل عام، في بداية كل صيف، بعد أن يقتله شقيقه الإله "مُوْت"، ومع موته ينحبس المطر وتذوي الأعشاب وترتفع حرارة الهواء والأرض، وهم كانوا يؤمنون أيضا أنه يموت ليولد من جديد في بداية كل شتاء، ولكن لا يكون ذلك إلا عندما تهبط شقيقته الإلهة "عَنَات" إلى عالم الأموات وتصارع شقيقها الإله "مُوْت" وتتغلب عليه، وبعد أن يتم ذلك تُعيد شقيقها البَعْل إلى الحياة، ومع ميلاده المجدد تنخفض حرارة الهواء والأرض ويتجدد سقوط المطر الذي يُحيي الأرض فتنبت الأعشاب والمزروعات من جديد. ومن أجل استقدام ميلاده كانوا يقيمون الصلوات في معابدهم الوثنية كل صيف، وكانوا يؤمنون أنه كلما كانت صلواتهم أكثر صدقا وعمقا كان ميلاده أسرع وأبرز. غالبية شعوب الحوض الشرقي للبحر الأبيض المتوسط كانوا يؤمنون خلال تلك العصور السحيقة في التاريخ، قبل تدوين التوراة، أن الإله "البَعْل" هو إله الزوابع والعواصف والمطر والغيوم والبرق والرعد، وأنه هو الذي يُخصب الأرض عن طريق الأمطار التي لا تسقط إلا بأمره، وعلى هذا الشكل كان الكنعانيون يُعلِّلون تتالي الفصول. ونحن اليوم نضع كل هذه الأفكار والمعتقدات الكنعانية في نطاق الأساطير، لأن بينها وبين الديانات السماوية التي نسير حسب نهجها هوَّةً عميقة، ولكن بالنسبة للكنعانيين أنفسهم، هذه الأفكار وهذه المعتقدات، كانت أصول الدين وصلب العقيدة.
ومن الجدير بالذكر أن البَعْل كانت له عند الكنعانيين أسماء أخرى، وهي זבל בעל ארץ، أو זְבוּל בָּעַל אָרֶץ، أي الرئيس سيد الأرض، و רכב ערפת، أي רוכב ערבות במשמעות של עננים، بمعنى راكب الغيوم، الذي يُسقط المطر، و אַלְאִין، بمعنى العظيم أو القدير، و אלאי קרדם، أي عظيم الأبطال.
عبادة البَعْل في الحوض الشرقي للبحر الأبيض المتوسط بدأت طيلة الفترة الكنعانية، أو العصر البرونزي، الذي بدأ في حدود عام 3500 قبل الميلاد، وانتهى في حدود عام 1150 قبل الميلاد، عندما بدأت الفترة الإسرائيلية الأولى، أو العصر الحديدي، الذي انتهى عام 586 قبل الميلاد، مع خراب الهيكل الأول. خلال العصر الحديدي بعض اليهود كانوا يعبدون البَعْل، أو تَمُّوز، على الرغم من المحاولات العديدة التي قام بها أنبياء العهد القديم من الكتاب المقدس لردعهم عن ذلك. وقبل الاسلام عرب كثيرون عبدوا البَعْل وسجدوا له.
اللفظتان، العربية "بعل"، والعبرية "בעל"
هاتان اللفظتان موجودتان بالعربية وبالعبرية وبلغات ساميَّة أخرى، بمعانٍ متعددة. ونبدأ حديثنا بالمعنى الوثني لهذه اللفظة، فهي لا تزال تُستخدم في العربية والعبرية للدلالة على الخضراوات والفواكه التي لا تعتمد في سقيها إلا على مياه المطر، دون مياه الري الاصطناعية، فنحن عندما نقول "خيار بَعْلِي"، أو "بندورة بَعْلِيَّة"، فإنما نقصد بذل خيارا وبندورة لم تُرْوَ إلا بمياه المطر، والمعنى المستتر وراء هذه المقولات، وهو معنى ربما يجهله الكثيرون، هو خضراوات رُوِيَت بمياه أمطار أمر بسقوطها الإله "البَعْل" ! والمصطلح نفسه قائم ومستعمل باللغة العبرية أيضا، فنحن نميز في العبرية بين "חַקְלָאוּת בַּעַל"، أي زراعة "بَعْلِيَّة"، تأخذ ماءها من مطر السماء، أي من أمطار "أسقطها البَعْل"، و "חַקְלָאוּת שְׁלָחִין" (وهناك أيضا مَن يكتبها هكذا: שַׁלְחִין) ولا علاقة للبَعْل بها، فهي تأخذ مياهها من مُنْشَآت يبنيها الإنسان، كالسدود وأنابيب الري، وما شابه، ولفظة שְׁלָחִין أتت من الفعل العبري שָׁלַח, לִשְׁלֹחַ، أي أرْسَلَ، والقصد من ذلك هو إرسال المياه من قِبَل الإنسان لري الأراضي.
واللفظتان، العربية "بَعْل"، والعبرية "בַּעַל"، لهما، كما ذكرنا، معان أخرى بهاتين اللغتين، فبَعْلُ المرأة هو زوجها، وهو يخصبها فتحمل ثم تلد، تماما كما كان الإله البَعْل، طبقا للمعتقد الكنعاني الوثني، "يُخصب" الأرض بأمطاره فتُنبت المزروعات التي "تَلِدُ" الفواكه والخضراوات والأعشاب وسائر النباتات ! وللفظة العبرية "בַּעַל" نفس المعنى في هذا المجال. وفي اللغة العربية هذه اللفظة قائمة على شكل فعل: بَعَلَ، بَعْلاً، وبُعُولَةً، أي تزوج، وبعِل، يبعل، بَعلا، وبِعالة، وبُعولة، واسْتَبْعَلَ فهو بَعْلٌ ومُسْتَبْعِلٌ، بنفس المعنى، وابْتَعَلَتِ المرأَةُ، أي حَسُنَتْ طاعتُها لزوجِها، وتَبَعَّلَتِ المرأةُ، أي أنها أَدَّت حقَّ البُعُولة، وتَبَاعَلَ الزوجان، أي تَلاَعبَا، وبَاعَلَ مُبَاعَلَةً، وبِعالاً، أي لاعَبَ زَوْجتَهُ. وهي قائمة كذلك على شكل اسم: بَعْلٌ (بمعنى زوج المرأة)، وجمعها بِعالٌ وبُعولٌ وبُعولَةٌ، ومؤنثها بَعْلٌ وبَعْلةٌ (بمعنى زوجة الرجل).
ولفظة "البَعْل" بمعنى الزوج كثيرا ما استُخدِمت في الشعر الجاهلي، فهكذا يقول الشاعر عمرُو بن كُلثوم (المتوفَّى عام 584 للميلاد) في معلقته المشهورة:
من ارشيف البروفيسور علي صغيَّر
تتعرض البلاد عددا من المرات كل صيف لأحوال طقس حارة صعبة، قد تشتد وطأتها أحيانا، وقد تضعف أحيانا أخرى، يُطلق عليها بالعربية الاسم الشَّعبي "أمواج حر"، وكذلك "عَدَّان حر" أو مجرد "عَدَّان"، ولفظة "عَدَّان" دخلت إلى العربية من السريانية (ܥܶܕܳܢܳܐ) (عِيْدُوْنُو)، وإلى السريانية من الأكادية، وهي تعني الزمن المُحدد، كالزمن المُحدد لظاهرة جوية معينة، كأحوال الطقس الصيفية الصعبة التي نتحدث عنها، وفي الآرامية تقابل هذه اللفظة اللفظتان "עִדָּן" و "עִדָּנָא"، وفي العبرية تقابلها لفظة "עִדָּן" (עידן)، بصيغة المفرد، وهي تعني "زمن"، و "עִדָּנִים" (עידנים) بصيغة الجمع. وهذه اللفظات، الآرامية والعبرية، كما هو واضح، قريبة في اللفظ والمعنى من لفظة "عَدَّان". ونظرا لأن السريانية والآرامية كانت اللغتين الرسميتين لبلدان شرقي البحر الأبيض المتوسط في عصور سحيقة في التاريخ، فيبدو واضحا من استخدام لفظة "عَدَّان" لوصف ظاهرة القيظ الصيفي، أن الظاهرة نفسها قديمة جدا، ربما قِدَمَ الحضارة البشرية في هذه البلدان، وللفظة "قَيْظ" توجد لفظات مشابهة في الآرامية والعبرية، فاللفظة المشابهة لها في الآرامية هي "קַיְטָא"، التي منها أتت اللفظة العبرية "קַיִץ"، وأصل هذه اللفظات كلها هي اللفظة الأُوغاريتية "קצ"، وهذه اللفظات كلها تعني "صيف"، والأُوغاريتية كانت لغة أجدادنا الكنعانيين. وكثيرا ما تكون آخر ايام الصيف أشد أيام الصيف كلها حرًّا وقيظا، وفي هذا يقول التلمود البابلي ما يلي: ׁׁ"שִׁלְהֵי דְקַיְטַא קָשְיָא מִקַּיְטָא" (תַּלְמוּד בַּבְלִי, מַסֶּכֶת יוֹמָא – דף כ״ט, עמוד א׳)، أي أن "آخر الصيف أصعب من الصيف"، ومن لفظة "קַיְטָא" أتت اللفظة العبرية المعروفة "קַיְטָנָה"، التي تعني "مُنتجع صيفي"، واللفظة السريانية المرادفة للفظة "קַיְטָא" الآرامية هي "ܩܰܝܛܳܐ" (قَيْظُو). ونحن نستعمل مصطلحا آخر لوصف أيام الحر الشديد هذه فنقول أنها "أيام وَغْر"، ونقول أن الطقس الذي يرافقها هو طقس "وَغْر"، ومصدر هذه اللفظة هو الفعل وَغَرَ، يَغِرُ وَغْرًا، بمعنى اشتد حرُّه، ونحن نقول "وَغَرَتْهُ حَرَارَةُ الشَّمْس"، بمعنى اِشْتَدَّ وَقْعُهَا عَلَيْه، ونقول أيضا "وغَرَتِ الهاجِرةُ"، بمعنى رَمِضَت واشْتَدَّ حَرُّها، والهاجِرة هي نصف النهار عند اشتداد الحر. ونحن نقول في اللغة العربية الدارجة "الدنيا شُوْب"، أو "طقس شُوْب"، أو مجرد "شُوْب"، ولفظة "شُوْب" دخلت إلى العربية من السريانية (ܫܰܘܒܳܐ) (شُوْبَا)، وهي تعني الحر والقيظ، ومن هذه اللفظة أتى الفعل العربي المستعمل في اللغة الدارجة "شَوَّبَ"، واللفظة الدارجة "مْشَوِّب"، التي تعني "الشخص المُتضايق من الحر"، وكذلك المُصطلح الشعبي "ضربة شُوْب"، وهذه اللفظات نستعملها كثيرا في حياتنا اليومية للتعبير عن الحر والقيظ. في لغة المصطلحات المناخية العلمية يُطلق على أحوال الطقس الصيفية هذه الاسم "طقس خمسيني صيفي" أو "خمسين صيفي"، وبالعبرية الأسماء "גלי חוׂם קיציים"، أي "أمواج حَرٍّ صيفية"، و "ח'מסין קיצי" أي "خمسين صيفي"، وשָׁרָב קיצי"، أي شَرْد صيفي"، وبالانجليزية يُطلق على هذه الأحوال المناخية الاسمان "Summer Khamsin", "Summer Sharav"، أي "خمسين صيفي" أو شَرْد صيفي"، وذلك تمييزا لها عن الأحوال الخمسينية الحارة والجافة الخاصة بالفصلين الانتقاليين، أي الخريف (الفصل الانتقالي بين الصيف والشتاء) والربيع (الفصل الانتقالي بين الشتاء والصيف)، والتي تنتج عن أسباب مناخية أخرى، ومن أجل توضيح الصورة وتِبيان الفروق بين هذين النوعين من الطقس الخمسيني بشكل قصير ومبسط نقول أن الحرارة المرتفعة التي ترافق الطقس الخمسيني الصيفي تنتج عن سخونة الهواء في أعقاب هبوطه العمودي من أعلى الجو إلى سطح الأرض خلال الصيف، ومن هنا أتى الاسم العلمي لهذا النوع من الطقس الخمسيني، وهو "شَرْدٌ ناتجٌ عن هبوطٍ عمودي للهواء" "שָׁרָב של התמוֹכְכוּת,
Sharav" "Subsidence، واللفظة العبرية "התמוֹכְכוּת" اتت من الجذر العبري "נ-מ-ך"، الذي منه أتت اللفظة "הִנְמיך"، التي تعنى "هبط في الارتفاع"، وكذلك اللفظة "נָמוּך"، التي تعني "مُنْخَفِض". أما الطقس الخمسيني الخاص بالفصلين الانتقاليين، الذي يُطلق عليها اسم "الطقس الخمسيني الخاص بالفصول الانتقالية" (שָׁרָב של עונות המעבר) فينتج عن حركة أفقية للهواء فوق سطح الأرض، وهذا هو مصدر الاسم الاﻧﭽليزي لهذا النوع من الطقس الخمسيني، وهو Sharav" or Khamsin "Advection وفي هذه الحالة تأتينا الرياح الحارة والجافة من صحراء النقب وصحاري البلدان المجاورة، وهي صحاري تونس وليبيا ومصر والجزيرة العربية وبادية الشام. ولكن هذه الأحوال الحارة والجافة، الخريفية والربيعية، مع أسبابها ومضاعفاتها، هي موضوع لحديث آخر. بقي أن نذكر هنا أن مصدر لفظة "خمسين" هو المصطلح الشعبي "خمسينيَّة الصيف"، وهي المدة المحصورة بين الأول من آب والثالث والعشرين من أيلول كل عام، مع أن طولها يكون طبقا لهذا 53 يوما، وليس 50 يوما، وخلالها يشتد الحر بشكل واضح.
الأحوال الجوية الصيفية الصعبة والمرهقة التي نتحدث عنها تنتج عن تزامنٍ بين الحر الشديد والرطوبة النسبية الجوية المرتفعة، ولكن قبل أن نوضح أسبابها وعواقبها نرى أنه من الواجب أن نوضِّح بعض المسائل المتعلقة بأحوال الطقس الصيفي عندنا.
من المهم أن نذكر هنا أن حديثنا ينطبق فقط على أحوال الطقس والمناخ في الحوض الشرق للبحر الأبيض المتوسط، الذي يسود في غالبية مناطقه المناخ الذي يُعرف في علم المناخ ﺒ "مناخ البحر الأبيض المتوسط" (אקלים ים - תיכוׂני, Mediterranean Climtae)، الذي تقع البلاد، باستثناء صحراء النقب وصحراء يهودا، ومنطقة العَرَبَة وبعض مناطق غور الأردن، في نطاقه. ويمتاز هذا المناخ، الذي نعيش نحن سكان الجليل تحت ظروفه، بصيف طويل وحار وجاف، وشتاء قصير وبارد وماطر.
حر الصيف وجفافه عندنا: سببهما الرئيسي هو المرتفع الجوي العُلوي شبه المداري الذي يغطي كل بلادنا طيلة فصل الصيف
يتواجد خلال الصيف، في طبقات الجوّ العُليا، فوق البلاد، وفوق معظم مناطق الحوض الشرقي للبحر الأبيض المتوسط، مرتفع جوّي، أي منطقة من الضغط الجوّي المرتفع، يُعرف باسم "المرتفع الجوي العُلوي شبه المداري" (רמת רוּם בּרומטרית סוּבּ-טרופּית، (Upper Subtropical High. ويُقصد بلفظة "عُلوي" أن منطقة تواجد هذه المرتفع الجوي هي أعالي الجو، وباللفظتين "شبه مداري" أنه يتواجد بالقرب من مدار السرطان، وهو خط العرض 23.5 درجة إلى الشمال من خط الاستواء. هذا المرتفع الجوي العُلوي يتواجد بشكل دائم فوق صحاري شمال أفريقيا وسيناء والجزيرة العربية والنقب، وهو يتحرّك مع انتهاء فصل الربيع وبداية الصيف، مع الحركة الوهمية للشمس في السماء نحو الشمال بحيث يُغطّي كل بلادنا مع كل بلدان الحوض الشرقي للبحر الأبيض المتوسط. من هذا المرتفع الجوّي يهبط الهواء بشكل دائم ﺇلى الأسفل، باتجاه سطح الأرض، ومع هبوطه ترتفع درجة حرارته بمعدل درجة مئوية واحدة لكل مائة متر، ومع الارتفاع في درجة حرارته تنخفض رطوبته النسبية كثيرا. من هواء هابط كهذا يستحيل أن يسقط المطر، وذلك لأنه كي يحصل ذلك يجب أن تحصل عملية معكوسة تماما، أي يجب أن يصعد الهواء الرطب عموديا بالقدر الكافي، كي يبرد وترتفع رطوبته النسبية ويكوّن غيوم المطر.
ينتج ممّا تقدم أن تغيّر درجات حرارة الهواء مع الارتفاع بداخله، خلال ساعات النهار من أيام الصيف، تحت الظروف المناخية الصيفية العادية، هو تغيّر مخالف للوضع الطبيعي، الذي يقضي بانخفاض درجة حرارة الهواء مع الصعود بداخله، في الطبقة السّفلى من طبقات الجو، وهي طبقة المعروفة بالاسم "التروﭙ۔ﻭسفيرا (טרוֹפּוֹספרה, (Troposphere التي بها تحصل كل الظواهر الجوّية المألوفة. وهكذا، ﻔﺈن منطقة الحدّ بين هاتين الطبقتين من الهواء هي منطقة "انقلاب حراري" (Temperature Inversion)، أي منطقة ترتفع درجات حرارة الهواء مع الارتفاع بداخلها، بدلا من أن تنخفض، كما هو الوضع في الحالة العادية. ومن الجدير بالذكر أن بخار الماء الموجود مع هذه الرياح البحرية الداخلة ﺇلى البلاد والصاعدة على السفوح الغربية لسلسلة الجبال المركزية، كثيرا ما يكوّن أثناء صعوده غيوما ثلجية منخفضة، من نوعي "الرُّكام" (Cumulus) و "الرُّكام الطبقي" (Stratocumulus) الصَّيفيَيْن غير الماطرين. هذا الهواء البحري البارد نسبيا والرطب غير قادر، تحت الظروف الصيفية العادية، من الصعود أكثر في الهواء والوصول ﺇلى مرحلة تكوين غيوم المطر، وذلك بسبب الهواء الحار المتواجد فوقه والذي يمنع استمرار صعوده.
لماذا يهبط الهواء بداخل المرتفع الجوي العُلوي شبه المداري خلال فصل الصيف باتجاه سطح الأرض في البلاد ؟
بداية قصة الهواء الهابط طيلة العام فوق رقعة الصحاري العالمية في نصف الكرة الشمالي، ومن ضمنها صحراء النقب، وفوق البلاد كلها خلال فصل الصيف هي في المنطقة الاستوائية (أي حول خط العرض صفر). فبسبب سقوط اشعة الشمس طيلة السنة بشكل عمودي أو قريب من العمودي فوق تلك المنطقة، تسقط عليها كميات كبيرة جدا من الإشعاع الشمسي، ونتيجة لذلك يسخن البحر والأرض هناك بشكل سريع ودائم، ومع سخونة البحر والأرض يسخن الهواء الذي يلامسهما فتنخفض كثافته ويصعد إلى الأعلى، مخلفا وراءه منطقة من الضغط الجوي الخفيف على مستوى سطح الأرض والبحر، وهذه المنطقة من الضغط الجوي الخفيف الدائم تجذب إليها الرياح من كل الجهات، وهي تُعرف باسم "منطقة التقارب بين المدارية" (Intertropical Convergence Zone, or ITCZ). وسرعان ما يصعد الهواء الحار والرطب فوق المنطقة الاستوائية إلى الأعلى مكونا سحب المطر التي تُسقط أمطارها كل يوم تقريبا في تلك المناطق. الهواء الصاعد هذا يستمر في صعوده طالما بقيت حرارته أكبر من حرارة الهواء الساكن المحيط به، ولكن عندما تتساوى درجة حرارته مع درجة حرارة الهواء الساكن فإنه يتوقف عن الصعود، ويتجه عندها جنوبا وشمالا في نصفي الكرة، باتجاه القطبين الجغرافيين للأرض، ولكنه لا يصل إلى هناك، لأن خطوط العرض تضيق مع التوجه جنوبا وشمالا من خط الإستواء، فيتراكم الهواء هناك في أعالي الجو مكونا منطقتين من الضغط الجوي المرتفع، واحدة في أعالي الجو في النصف الجنوبي من الكرة الأرضية، والأخرى في أعالي الجو في النصف الشمالي من الكرة الأرضية. على كل واحدة من هاتين المنطقتين يُطلق عليها اسم "المرتفع الجوي العُلوي شبه المداري"، ومناطق هبوط الهواء في نصفي الكرة تكون قريبة من خطي العرض الخاصين بمداري الأرض، مدار الجدي في نصف الكرة الجنوبي (23.5 درجة جنوبا)، ومدار السرطان في نصف الكرة الشمالي (23.5 درجة شمالا). في هذه المناطق من أعالي الجو يُرغم هذا الهواء على الهبوط عموديا إلى الأسفل باتجاه سطح الأرض، ومع هبوطه ترتفع حرارته بمقدار 9.8 درجات مئوية لكل عشرة كيلومترات من الهبوط، وتنخفض رطوبته النسبية كثيرا، وكل المناطق التي يسقط عليها تكون صحراوية، حارَّة وجافة.
أحوال الطقس الصيفية العادية: حر، ولكن غير شديد، ورطوبة جوية غير مرتفعة
أحوال الطقس الصيفية العادية عندنا لطيفة عادة ويسهل تحملها، فخلال فصل الصيف، وفي معظم الحالات، لا يصل الهواء الهابط من المرتفع الجوّي العُلوي شبه المداري ﺇلى سطح الأرض، وذلك بفضل رياح محلية بحرية باردة ورطبة، فعّالة فقط خلال هذا الفصل، وهي "الرياح الإتيزية" (The Etesian Winds) (أصل هذا المصطلح هو اللفظتان اليونانيتان "Ἐτησίαι ἄνεμοι" (إِتِيْزْيَاي أَنِيْمُوْي)، اللتان تعنيان "رياح دوريَّة"، وهذه الرياح تبدأ حركتها من فوق البحر الأبيض المتوسط ﺇلى الجنوب من اليونان، وتتحرّك شرقا، مُتّخذة اتجاها غربيا – شماليا غربيا، باتجاه الأخدود الجوّي (والأخدود الجوّي هو منطقة من الهواء متطاولة الشكل ضغطها الجوّي منخفض بالمقارنة مع ضغط الهواء في المناطق المحيطة بها) الذي يتواجد خلال فصل الصيف، من أواسط شهر حزيران حتى أواسط شهر أيلول، فوق منطقة الخليج الفارسي، والمناطق المتاخمة له في إيران والجزيرة العربية والعراق، والمعروف باسم "أُخدود الخليج الفارسي"(The Persian Gulf Pressure Trough)، والذي يشكّل في الواقع امتدادا نحو الغرب للمنخفض الجوّي الحراري الكبير والعميق، أي المنخفض الجوي ذي الضغط الجوي الخفيف، الذي يتكوّن كل صيف فوق الطرف الجنوبي لشبه القارة الهندية، خصوصا فوق دول مْيَانْمار (بُورْما سابقا) وﺑ۔۔ﻨﭽﺎلادِش والهند واﻟﭙﺎكستان والأفغانستان. على هذا المنخفض الجوّي يُطلق اسم "المنخفض الجوّي الموسمي" (שֶׁקַע מוֹנסוּני, The Monsoon Low، ومن الجدير بالذكر أن اللفظتين מוּנסוּן و Monsoon اشتُقّتا من لفظة "موسم" العربية، وبهذا الشكل انتقلت هذه اللفظة ﺇلى معظم لغات العالم). ومن المهم أن نذكر هنا أن هذا المُنخفض الجوّي الموسمي هو الذي يسبّب الأمطار الغزيرة التي تسقط على تلك المناطق خلال فصل الصيف من كل عام، ومن أجل هذا يُطلق على تلك الأمطار اسم "الأمطار الموسمية"، وهي قد تسبّب هناك، بسبب غزارتها، فيضانات جارفة ومدمرة، كما يحصل كل عام تقريبا في المناطق المنخفضة من الدول المذكورة. وما دُمنا في الحديث عن هذه الأمطار الموسمية الصيفية، فنضيف ونقول أن كميات المطر التي تسقط في تلك الدول قد تصل إلى مقادير هائلة، وأكثر مواضع الأرض مطرا تقع في نطاق تلك المناطق، وهذا الموضع هو مدينة "تْشِياراﭙونْجِي" (Cherrapunjee) بالهند، حيث المعدل السنوي للرواسب هناك هو12,000 ملمتر، وقد تصل كميات الرواسب السنوية في هذا الموضع إلى 14,000 ملمتر ! وهذه الكمية تعادل ما يسقط خلال 26 سنة تقريبا في مدينة حيفا (المعدل السنوي للرواسب: 539 ملمترا) ! وحوالي 19,5 تقريبا سنة في يِرْكا (المعدل السنوي للرواسب: 720 ملمترا) !
خلال حركة "الرياح الإتيزية" نحو منطقة الضغط الجوّي المنخفض بأخدود الخليج الفارسي، تمر فوق بلادنا، ويكون اتجاهها عندنا غربيا – شماليا غربيا.
خلال ساعات النهار من أيام الصيف تندمج عندنا "الرياح الإتيزية" المذكورة مع رياح محلية سطحية رطبة وباردة نسبيا، تهب هي الأخرى في نفس الاتجاه، من البحر الأبيض المتوسط ﺇلى داخل البلاد. هذه الرياح المحلية تهب على البلاد فقط خلال ساعات النهار من أيام الصيف، ويُطلق عليها اسم "نسيم البحر" (בּריזה ימית, (Sea Breeze. هذا النسيم يتحرّك في أسفل طبقة الجو السُّفلى، بين وجه الأرض وارتفاع يتراوح مقداره عادة 500 و 1000 متر، وعلى هذا الارتفاع يتوقّف عادة هبوط الهواء من المرتفع الجوّي العُلوي شبه المداري. وهكذا تتواجد فوق البلاد، وعلى الأقل فوق المناطق الغربية منها المُطلّة على البحر الأبيض المتوسط، خلال أحوال الطقس الصيفي العادية، طبقة رطبة وباردة نسبيا من الهواء، يتراوح سُمكها بين 500 و 1000 متر، بها تسيطر رياح سطحية غربية ﺇلى شمالية غربية، باردة ورطبة، تعلوها طبقة من الهواء أكبر سُمكا وأعلى حرارة، وهي الطبقة التي يهبط بداخلها الهواء في المرتفع الجوّي شبه المداري. الدّمج بين "الرياح الإتيزية" ونسيم البحر يؤدّي ﺇلى تلطيف في الحرارة عندنا وﺇلى الشعور بالانتعاش لدى الإنسان، هذا هو الوضع العام خلال فصل الصيف عندنا.
القيظُ الصيفي الشديد الوطأة عندنا: إرتفاع كبير نسبيا في درجة حرارة الهواء وارتفاع في رطوبته النسبية في آن واحد
قد يحصل في بعض الحالات خلال فصل الصيف، كما حصل ولا يزال يحصل خلال هذه الفترة، اختلال للأوضاع الجوّية العادية المذكورة، ﺇذ تضعُف "الرياح الإتيزية"، ويضعّف معها أيضا نسيم البحر، وفي نفس الوقت يقوى المرتفع الجوّي العُلوي شبه المداري، وتقوى معه أيضا عملية هبوط الهواء بداخله، وقد يصل الهواء الهابط ﺇلى قمم سلسلة الجبال المركزية، في حين تبقى حركة نسيم البحر مع "الرياح الإتيزية" الغربية – الشمالية الغربية، على ما هي عليه في المناطق الساحلية والسفوح الغربية لسلسلة الجبال المركزية. في حالات من هذا النوع تسود أحوال جوّية حارة جدا وجافة في المناطق الجبلية من البلاد، أما في المناطق الساحلية فتسود أحوال حارة ورطبة جدا ومرهقة، يسود خلالها ما يُعرف بلغة المصطلحات العلمية المناخية ﺒ "العبء الحراري" (עוֹמס חוֹם, (Heat Stress، وقد يكون هذا خفيفا وقد يكون شديد الوطأة. في أوضاع جوّية كهذه تكون درجات الحرارة في المناطق الجبلية أعلى من درجات الحرارة في المناطق الساحلية، تماما بعكس الوضع المألوف.
وفي بعض الحالات قد تشتد الأحوال الجوّية الخمسينية الصيفية أكثر، ويحصل ذلك عندما يصل الهواء الهابط في المرتفع الجوّي العُلوي شبه المداري ﺇلى سطح الأرض وسطح البحر تماما تقريبا، فيتعطّل عندها نسيم البحر تقريبا عن الحركة، وتتعطّل كذلك حركة "الرياح الإتيزية"، وترتفع درجات حرارة الهواء بمقادير كبيرة مع هبوط الهواء باتجاه سطح الأرض، وفي حالات كهذه لا يشعر الإنسان بأيّة نسمة ريح تخفّف وطأة الحر. أحوال جوّية صعبة من هذا النوع تحصل عادة عددا من المرات كل صيف في البلاد، وتدوم الحالة الواحدة منها عددا من الأيام في معظم مناطق البلاد. في أحوال طقس خمسيني صيفي من هذا النوع يحصل عبء حراري مرتفع في المناطق الساحلية والمناطق القريبة من البحر الأبيض المتوسط، وكذلك في غور الأردن ومنطقة بحيرة طبريا وفي منطقة البحر الميت وخليج ﺇيلات أيضا.
هذه الأوضاع تنتج، كما ذكرنا، عن حركة الهبوط العمودي للهواء بداخل المرتفع الجوّي العُلوي شبه المداري باتجاه سطح الأرض (התמוֹכְכוּת, (Air Subsidence، وهي تكون أكثر قسوة ﺇذا تزامن مع عملية هبوط الهواء وسخونته في أعقاب ذلك، ارتفاع شديد في رطوبته النسبية.
درجات الحرارة العالية وحدها لا تسبب الشعور بالضِّيق، وكذلك الرطوبة النسبية المرتفعة
الحر الشديد وحده لا يسبب، عادة، شعورا بالضيق، وبالرغم من أن الجسم يفرز في أحوال جوية كهذه كميات كبيرة من العرق، إلا أن تبخر العرق من الجلد يسبب لدى الإنسان شعورا بالانتعاش، لأن معظم الطاقة المطلوبة لتبخر العرق تأتي من حرارة الجلد نفسه، مما يسبب هبوطا في حرارته، وبالتالي الشعور بنوع من الانتعاش. عدا عن ذلك، المُكوث في الظل وشرب المياه بكميات كافية يعوِّض عن هذه الكميات المفقودة من الماء.
والرطوبة النسبية المرتفعة للهواء وحدها، لا تسبب الشعور بالضِّيق، ففي حالات جوية كهذه لا يعرق الإنسان كثيرا، وبالتالي لا تكون حاجة لتخفيض حرارة الجلد، ولا يكون لدى الإنسان شعور بلزوجة الجلد وبالضيق.
ما يسبب الشعور بالضيق لدينا هو، كما ذكرنا، التزامن بين الحرارة المرتفعة والرطوبة النسبية المرتفعة، ففي هذه الأوضاع يعرق الجسم كثيرا بسبب الحر الشديد، ولكن العرق لا يجف بسرعة عن الجلد، فتبقى حرارة الجسم مرتفعة، ويتولد لدينا شعور بلزوجة الجلد وبالضيق، ويزداد الوضع سوءًا عندما تلتصق على الجلد حبيبات من الغبار المعدني الجوي، وغبار اللقاح النباتي.
والرطوبة النسبية (לחוּת יחסית, (Relative Humidity للهواء هي النسبة بين كمية بخار الماء المتواجدة في حجم معين من الهواء، تحت ظروف معينة من حرارة الهواء وضغطه الجوي، وبين ما يستطيع ذلك الحجم من الهواء أن يستوعبه من البخار تحت نفس الظروف من الحرارة والضغط الجوي، فمثلا، لو تواجدت في متر مكعب واحد من الهواء، تحت درجة حرارة معينة وضغط جوي معين، كمية من بخار الماء مقدارها غرام وحد، ولو كان هذا المتر المكعب من الهواء قادرا على استيعاب غرامين من بخار الماء تحت نفس درجة الحرارة والضغط الجوي، لكان مقدار الرطوبة النسبية للهواء50% (1÷2x100)
لماذا لا تسقط الأمطار عندنا في الصيف ؟
وهذا هو السبب الأساسي في عدم سقوط المطر عندنا في فصل الصيف. وهنالك سبب آخر لعدم سقوط المطر عندنا في فصل الصيف، وهذا السبب يتعلّق أيضا بالهواء الهابط، وذلك لأن هذا الهواء، عندما يصل ﺇلى سطح الأرض، ﻔﺈنه ينتشر ﺇلى كل الجهات، ومن ضمن المناطق التي ينتشر نحوها هي منطقة البحر الأبيض المتوسط، مصدر الرطوبة الرئيسي بالنسبة للبلاد، وبذلك يُمنع دخول المنخفضات الجوية البحرية المتكوّنة فوق مياه هذا البحر، وذات الهواء الرطب، ﺇلى البلاد. والمنخفضات الجوّية التي تتكوّن فوق مياه هذا البحر هي المصدر الرئيسي للرواسب عندنا.
سبب انحباس المطر في الصيف عندنا يعود إلى تواجد ما يُعرف بعلم المناخ بمرتفع جوي علوي، أي ضغط جوي مرتفع في طبقات الجو العُليا، فوق كل الحوض الشرقي للبحر الأبيض المتوسط، وبضمن ذلك دولة إسرائيل. على هذا المرتفع الجوي العُلوي يُطلق بالعربية الاسم "المرتفع الجوي شبه المداري"، وبالعبرية الاسم "רמה בּרומטרית סוּבּ-טרוׂפּית"، وبالإنجليزية الاسم "Subtropical High Pressure" . من هذا المرتفع الجوي العُلوي يهبط الهواء إلى الأسفل باتجاه سطح الأرض، فيسخن ويجف، أي أن رطوبته النسبية تنخفض، ومن المستحيل في حالة كهذه أن تتكوَّن منه السحب، لأن عملية تكوين الغيوم تتطلب عكس ذلك، أي أنها تتطلب أن يصعد الهواء إلى الأعلى كي يبرد وترتفع رطوبته النسبية ويكوِّن الغيوم. هذا الهواء الهابط يتفرق إلى جميع الجهات عندما يصل إلى سطح الأرض، وهو يمنع بذلك دخول المنخفضات الجوية التي قد تتكوَّن فوق مياه البحر الأبيض المتوسط، والحاوية على بخار الماء، من الدخول إلى البلاد.
ولماذا تسقط الأمطار عندنا في الشتاء ؟
ابتداءً من أشهر الخريف المتأخرة، ومرورا بالطبع بأشهر الشتاء، وانتهاءً بأشهر الربيع الباكرة، ينفسح المجال أمام الرواسب الجوية (المطر السائل والبَرَد والثلج) أن تسقط خصوصا على المناطق الشمالية والوسطى من البلاد، ومرجع ذلك إلى تحرك المرتفع الجوي شبه المداري العُلوي نحو الجنوب، بحيث يبقى طيلة هذه المدة فوق صحاري النقب وسيناء وصحاري شمال أفريقيا والجزيرة العربية. الطرف الشمالي لهذا المرتفع الجوي الهائل الحجم يبقى طيلة العام فوق صحراء النقب. وهكذا، ومع تزحزحه نحو الجنوب ينفسح المجال أمام المنخفضات الجوية المتكونة فوق البحر الأبيض المتوسط، وهو مصدر معظم رواسب البلاد (نسبة بسيطة من رواسب البلاد تأتينا من مياه البحر الأحمر والمحيط الهندي، وهذا الأمر يحصل مع انتهاء أحوال الطقس الخمسيني الخريفي والربيعي، عندما يسيطر على الحوض الشرقي للبحر الأبيض المتوسط الأخدود الجوي المعروف باسم "أُخدود البحر الأحمر "אפיק ים סוּף") أن تدخل إلى البلاد وأن تكوِّن السحب وأن تُسْقِط المطر. أما بالنسبة لصحراء النقب، فسقوط المطر عليها يحصل عادة عندما يضعف المرتفع الجوي شبه المداري الذي يغطيها طيلة العام، بحيث لا يصل الهواء الهابط من أعالي الجو فوق هذه الصحراء إلى سطح الأرض تماما، وإنما يتوقف على ارتفاع عدد من مئات الأمتار، أو قليلا فوق ذلك، وعندها ينفسح المجال أمام المنخفضات الجوية الحاملة بخار الماء أن تدخل إلى هذه المنطقة، وأن تحصل عملية تكاثف لبخار الماء الموجود في هذه المنخفضات الجوية، وأن تتكون غيوم المطر، وأن تسقط منها الرواسب، ولكن هذا الأمر، كما هو معروف، لا يدوم طويلا، فسرعان ما يقوى من جديد المرتفع الجوي شبه المداري، وسرعان ما يصل الهواء الهابط منه إلى سطح الأرض تماما أو قريبا من ذلك، وعندها تعجز المنخفضات الجوية أن تدخل إلى هذه المنطقة، فينحبس المطر هناك بسرعة.
في بعض السنين قد يسقط المطر عندنا في الصيف، لماذا ؟
على الرغم من أن فصل الصيف عندنا هو فصل جاف وعديم المطر للأسباب التي ذكرناها، إلا أنه مرة كل عدد من السنين، وأحيانا كل سنة، تسقط خلاله أمطار بزخات قوية، ولكن لِمُدد زمنية قصيرة، أقصاها عدد من الدقائق أو الساعات، وقد يكون ذلك حتى خلال ساعات الحر الشديد. ويحصل هذا الأمر عادة عندما تضعف عملية هبوط الهواء من أعالي الجو في المرتفع الجوي شبه المداري العُلوي باتجاه سطح الأرض، فيتوقف عندها سقوط الهواء على ارتفاع كبير نسبيا، وفي هذه الحالات تنجح الرياح الإتيزيَّة البحرية الرطبة في الصعود إلى الأعلى بسرعة فوق اليابسة الحارة، ويحصل تكاثف سريع لبخار الماء الموجود بها، وتتكون السحب، وبعضها يكون من نوع سحب المطر، فتسقط الأمطار بغزارة وبشدة عادة، على شكل زخّات قوية وقصيرة، وعلى مناطق مُحددّة وصغيرة المساحة. وتتراوح كميات المطر الساقطة في هذه الحالات بين عدد من المليمترات وعدد من عشرات المليمترات. ويكون سقوط المطر أغزر إذا كان ذلك خلال ساعات النهار، عنما يكون وجه الأرض حارًّا، ويحصل ذلك خصوصا في المناطق الواقعة في السفوح الغربية لسلسلة الجبال المركزية المواجهة للبحر، لأن نسيم البحر الرطب ينضم في هذه الحالة إلى الرياح الإتيزيَّة، فيزيدها رطوبة.
المّضايقات التي تُسبّبها الأحوال الجوية الخمسينية الصيفية لدى اﻹنسان
الإرتفاع الشديد في درجة حرارة الهواء يسبب ارتفاعا مشابها في حرارة الجسم البشري، وكرد فعل على حرارة الجسم المرتفعة يقوم الجلد بإفراز كميات كبيرة من العرق، وتزداد كميات العرق التي يفرزها الجسم مع الارتفاع في درجة حرارته، وﺇحدى الوظائف الهامة للعرق، كما هو معروف، هي تبريد الجسم، ويتمّ هذا الأمر عن طريق استيعاب قسم كبير من الطاقة المطلوبة لتجفيف العرق، أي لتبخيره، من الجلد نفسه، وعندما يحصل ذلك تهبط حرارة الجسم ويشعر المرء بالراحة والانتعاش، ولكن في ظروف من الرطوبة النسبية المرتفعة، يجفّ العرق ببطء شديد، وذلك لأن الهواء في حالات كهذه يكون شبه مشبع ببخار الماء، ولا يستطيع أن يستوعب إلا كميات قليلة جدا من البخار، أو يكون غير قادر مطلقا على ذلك، إذا كانت الرطوبة النسبية للهواء عالية جدا. وفي مثل هذه الحالات يشعر المرء بضيق شديد وربما بصعوبة في التنفس، وممّا يزيد الطين بلّة هو التصاق الغبار وغبار اللقاح وسائر المُلوّثات الجوّية الصلبة الأخرى بالعرق المتراكم على الجلد، مع ما يتواجد به من دهن وأملاح ومواد أخرى تخرج من الجسم نفسه مع العرق. ونذكر هنا أن كثرة الغبار في الهواء هي من المشاكل البيئية العويصة التي تُعاني منها البلاد. معظم الغبار الذي يتواجد في أجواء البلاد خلال سيادة الطقس الخمسيني الصيفي يأتينا من مصادر محلية، أي من داخل البلاد نفسها، وهو أسود اللون على الغالب. أما الغبار االذي يتطاير في الهواء خلال سيادة الطقس الخمسيني الخاصّ بالفصلين الانتقاليين، أي الخريف والربيع، فمعظمه يأتي من رقعة الصحاري العالمية التي يقع الطرف الجنوبي لإسرائيل، أي صحراء النقب، ضمنها، وهذه الرقعة الصحراوية هي أكبر رقعة من نوعها في الكرة الأرضية، وهي تشمل صحاري شمال أفريقيا، وبضمنها الصحراء الكُبرى، وصحاري مصر وسيناء وشبه الجزيرة العربية، وخلال هذين الفصلين يأتينا غبار من بادية الشام أيضا. الغبار الذي تسفوه الرياح من هذه المناطق وتأتي به إلينا هو بُنِّي اللون على الغالب.
الشعور بلزوجة الجلد وبتراكم الأقذار عليه حينما يشتد قيظ الصيف يكون أقوى عند ذوي البشرة الدُّهنية، وذلك لأن الدّهن المتراكم على الجلد يشكّل ما يشبه مصائد للأقذار الدقيقة وغبار الطّلع المتطايرة في الهواء، ولذا فهو يزيد من كميات الأقذار والغبار المُلتصقة به. في حالات العبء الحراري الثقيل يُعاني الأشخاص السّمينون عادة أكثر من الأشخاص النحيفين، وذلك بسب النسبة المنخفضة عند ذوي الأجسام السمينة بين مساحة سطح الجسم ووزنه، وكلما انخفضت هذه النسبة تقلّ كميات العرق التي يمكن أن تتبخّر من الجلد، وتنخفض بالتالي مقدرة جهاز ﺇفراز العرق على تبريد الجسم. فقدان الطاقة الحرارية وقت الحرّ ﺇلى المحيط القريب، واكتسابها وقت البرد من ذلك المحيط، عند أشخاص من هذا النوع، هو صغير نسبيا.
وقد تتسبّب هذه الأحوال الجوية الحارة أيضا في وعكات صحية وأمراض متعددة، كانخفاض ضغط الدم، والدّوار، والخمول، والرّبو، والحساسيّة، وجفاف الجسم وارتفاع شديد في درجة حرارته، وفي الحالات المتطرّفة، قد تقترب حرارة الجسم من 43 مئوية، وهي الحرارة القُصوى التي يستطيع الجسم البشري أن يتحملها. في حالات متطرّفة كهذه قد يتعّرض الإنسان لضربة حرّ (מכּת חוׂם, (Heat Stroke، تُسبّب خللا شديدا في الدورة الدموية والجهاز العصبي ودمار في اﻟﭙروتينات، وهذه الأمور قد تؤدّي ﺇلى الوفاة، خصوصا بين الأطفال والمعمَّرين. وقد تساعد درجات الحرارة المرتفعة فوق العادة أيضا في انتشار بعض الأوبئة الاستوائية والمدارية، مثل الملاريا، والكُوليرا، وحُمّى النيل الغربي. أوبئة كهذه تنتشر عادة في ظروف طقس من هذا النوع خصوصا في البلدان المتواجدة بقارة أفريقيا، ﺇلى الجنوب من الصحراء الكُبرى، وهي تسبّب في بعض الحالات وفيات كثيرة هناك، وهذا كله عدا عن رائحة العرق الكريهة التي تنبعث من الجسم خلال هذه الأوضاع الجوية المُرهقة.
مُعامِل عدم الراحة المناخي، مقياس للتعبير عن مدى الضِّيق بسبب التَّزامن بين الحر والرطوبة النسبية المرتفعة
يُعبَّر عن مدى شعور اﻹنسان بالضيق وبعدم الارتياح في أحوال جوّية كهذه، بما يُعرف علميا ﺑ "مُعامِل عدم الراحة المناخي" (מְקַדֵּם אִי הִנּוֹחוּת האקלימית, (Index of Climatic Discomfort ، وهذا المُعامِل بدوره يُعبِّر عن مدى ما يُعرف ﺑ "العبء الحراري" (עוׂמס חוׂם, (Heat Load or Burden الذي يشعر به اﻹنسان حينما تسود أحوال جوّية من هذا النوع.
"مُعامِل عدم الراحة المناخي" في موضع جغرافي معين وفي لحظة زمنية معينة، هو رقم يمثّل درجة حرارة معينة، يُعبّر عنها في بلادنا بالدرجات المئوية. مقدار هذه الدرجة يساوي مجموع درجة حرارة الهواء كما يسجله مقياس الحرارة العادي، مع درجة الحرارة التي يُسجلها مقياس الحرارة الرّطب، مقسوما عل اثنين. مقياس الحرارة الرطب مشابه تماما لمقياس الحرارة الجاف، مع فارق واحد وهو أن "بَصَلَتَهُ" (Thermometer`s Bulb)، وهي مُستودع الزّئبق أو الكحول الموجود في أسفل المقياس، ملفوف بقطعة قماشية قطنية تتصل في أسفلها بمُستودع مائي صغير. من أجل تحديد "مُعامِل عدم الراحة المناخي" في أي موضع وأية لحظة زمنية، وهي عملية بسيطة يسهُل اجراؤها، يوضع المقياسان الواحد بجانب الآخر، عندها يُسجِّل المقياس العادي درجة الحرارة الطبيعية للهواء، أمّا المقاس الرطب فيقيس درجة حرارة بصلة هذا المقياس بعد أن تكون قد انخفضت بسبب تبخّر الماء من القطعة القطنية الملفوفة حولها، كنتيجة لاستيعاب الطاقة المطلوبة لتبخير الماء من القطعة القطنية، من البصلة نفسها، الأمر الذي يؤدّي ﺇلى انخفاض درجة حرارة تلك البَصَلَة، هذا إذا كان هذا الهواء غير مُشبع بالرطوبة.
ويُمكن تعيين مدى العبء الحراري بالاستعانة بالجدول البسيط التالي:
1. مُعامِل عدم راحة مناخي أقل من 20 درجة مئوية: لا يوجد عبء حراري مطلقا، والطقس بارد وكل الناس يشعرون بالارتياح المناخي.
2. مُعامِل عدم راحة مناخي بين 20 و 24 درجة مئوية: عبء حراري بسيط، الطقس دافئ ومعظم الناس يشعرون بالارتياح المناخي.
3. مُعامِل عدم راحة مناخي بين 24 و 28 درجة مئوية: عبء حراري متوسط، الطقس حار وعلى الأقل نصف الناس يشعرون بعدم بالارتياح المناخي.
4. مُعامِل عدم راحة مناخي بين 28 و 32 درجة مئوية: عبء حراري ثقيل، الطقس حار جدا ومعظم الناس يشعرون بعدم بالارتياح المناخي.
5. مُعامِل عدم راحة مناخي أكبر من 32 درجة مئوية: عبء حراري ثقيل جدا، الطقس حار جدا ورطب جدا وكل الناس يشعرون بعدم بالارتياح المناخي وبالضيق.
يصل العبء الحراري في البلاد ﺇلى أوجه خلال شهر آب من كل عام، ويبلغ معدل عدد الأيام التي يسود بها عبء حراري أكبر من 24 كل سنة في المناطق الجبلية حوالي 30 يوما، وحوالي 120 يوما في السهل الساحلي، وحوالي 180 يوما في غور الأردن والبحر الميت ووادي عربة.
أضرار أخرى تنتج عن الطقس الخمسيني الصيفي
الأحوال الخمسينية تُسبّب أضرارا اقتصادية كبيرة، فالحرارة المرتفعة والجفاف الشديد اللذين يرافقان هذه الأحوال الجوّية تزيد من خطر اندلاع الحرائق في النباتات البرّية والتربوية، على حدّ سواء. ومن المعروف أن خطر اندلاع الحرائق في بلادنا، وفي كل المناطق التي يسود بها مناخ البحر الأبيض المتوسط بشكل عام، يكون في نهاية الصيف وبداية الخريف عادة أكبر ممّا هو في نهاية الربيع وبداية الصيف، وذلك لأن الأرض والنباتات في بداية الصيف تكون لا تزال باردة ورطبة بفضل أمطار الشتاء وبَرْدِه، ولذا ﻔﺈن النباتات لا تشتعل بسهولة، أمّا في آخر الصيف ﻔﺈن الأرض والنباتات تكون قد وصلت ﺇلى درجة عالية من الجفاف، وهذا يزيد كثيرا من قابليتها للاشتعال.
ألطقس الخمسيني يسبّب أيضا ازديادا في الطلب على المياه، في كل مجالات الحياة، خصوصا في الزراعة والاستهلاك المنزلي، وهذه القضية هي مشكلة عويصة في بلاد فقيرة بالمياه ﻛﺈسرائيل.
وتسبّب أحوال الطقس الخمسيني مضايقات في مجال العمل وضياع أيام عمل كثيرة، خصوصا لدى الذين يعملون في أماكن مفتوحة ومكشوفة للشمس. عدا عن ذلك ﻔﺈن هذه الأحوال قد تُسبّب وفاة المواشي والدواجن.
هل توجد علاقة بين هذه الأحوال الخمسينية وبين الانحباس الحراري العالمي ؟
يصعُب في هذه المرحلة ربط هاتين الظاهرتين الواحدة بالأخرى بشكل قاطع، وذلك بالرغم من أن الأبحاث تُشير ﺇلى ارتفاع طفيف ولكن متزايد في معدلات درجة حرارة الهواء خلال فصل الصيف عندنا خلال العُقُود الأخيرة، وارتفاع في درجة حرارة مياه الحوض الشرقي للبحر الأبيض المتوسط، مع تغيّرات شبه واضحة في الصفات المناخية لباقي فصول السنة، ولكن هذا الأمر يحتاج ﺇلى مدة أطول لفحص القضية والبتّ بها بشكل علمي. ومن المهم أن نذكر هنا أنه لا يوجد اتفاق عام وشامل بين خبراء المناخ والفيزياء الجوّية والجيولوجيين حتى بالنسبة لأسباب الانحباس الحراري العالمي نفسه، فبالرغم من أن غالبية هؤلاء الخبراء ينسبون الارتفاع المستمر في درجة حرارة الكرة الأرضية خلال المائة سنة، ﺇلى تراكم بعض غازات الدفيئة في الهواء، بسبب فعاليات يقوم بها الإنسان، ﺇلاّ أن فئة غير قليلة منهم تقول أن لا علاقة للإنسان بذلك، وأن الأمر ناتج عن عوامل طبيعية لا علاقة للإنسان بها، ولا تأثير له عليها، كالتغيّرات الطفيفة التي تحصل بشكل طبيعي في مقدار ميل زاوية محور الكرة الأرضية بالنسبة لمستوى دورانها حول الشمس، والتغيّرات التي تطرأ على الفعاليات التي تحصل على سطح الشمس، وبالتالي على مقادير الطاقة المنطلقة منها.
قَيظُ العام الحالي (2015)، لغاية الآن (منتصف شهر آب)، فوق المعدل
على الرغم من أن صيف هذا العام لم ينتهِ بعد، إلا ان معدلات الحرارة في الفترة التي انقضت لغاية الآن من الصيف الحالي أعلى من المعدلات السنوية الطويلة المدى لنفس الفترة، ومن أجل الحصول على صورة أوضح وأدق بشأن المعدل الحراري العام لفصل الصيف هذا يجب الانتظار حتى نهايته وإجراء الحسابات المطلوبة، ونهاية الصيف الحالي سوف تكون بتاريخ 23 أيلول، الساعة الرابعة و 21 دقيقة صباحا، ومن الجدير بالذكر أن فصل الصيف الحالي كان قد بدأ بتاريخ 21 حزيران، الساعة 12 و 38 دقيقة ظهرا. أحوال صيفية حارة كهذه هي، كما سبق وأشرنا، أمر مألوف في هذه البلاد، فخلال السنين القليلة الماضية، صيف العام 2005 كان من هذا النوع، وكذلك صيف العام 2010.
هل فعلا وصلت درجات الحرارة في إيران خلال موجة الحرِّ الأخيرة إلى 74 درجة مئوية ؟
الجواب لا. فدرجات الحرارة العالية التي تناقلتها وسائل الإعلام لم تكن درجات حرارة الهواء العادية المألوفة، وإنما درجات الحرارة التي "يشعر" بها الإنسان بسبب التزامن بين ارتفاع حرارة الهواء ورطوبته النسبية العالية. على درجات الحرارة هذه يُطلق الاسم "دليل الحَرِّ" (מַדָּד החוׂם, (Heat Index، وهذا الدليل مستعمل في دول أوروبا والولايات المتحدة، وغيرها من الدول، كما نستعمل نحن مقياس "مُعامِل عدم الراحة المناخي"، الذي تحدثنا عنه. ولتوضيح هذا الأمر نقول أنه إذا كان مقدار درجة حرارة الهواء العادية هو 30 درجة مئوية، ومقدار الرطوبة النسبية للهواء 80 %، فالإنسان يشعر "على جِلْدِهِ" وكأنَّ مقدار درجة حرارة الهواء هو 38 درجة مئوية، وإذا كان مقدار درجة حرارة الهواء العادية هو 40 درجة مئوية، ومقدار الرطوبة النسبية للهواء 85 %، فالإنسان يشعر "على جِلْدِهِ" وكأنَّ مقدار حرارة الهواء هو 88 درجة مئوية !.
قيظ الصيف وجفافه عند أجدادنا الكنعانيين: سببهما كان موت الإله البَعْل
أجدادنا الكنعانيون كانوا يؤمنون أن حر الصيف وجفافه سببهما هو موت كبير آلهتهم وهو الإله "البَعْل" (הבַּעַל)، الذي كان يُعرف أيضا بالاسم "بَعْل هَدَد" (בַּעַל-הֲדַד)، وهو، عندهم، كان ابن "إيْل" (אּל)، خالق المخلوقات كلها، كما كانوا يؤمنون، وابن الإلهة "أَشِيْرا" (אֲשֵרָה)، وشقيق الإلهة "عَنَات" (האֵלָה עֲנַת)، وشقيق الإلهين "يَم" (האֵל יָם)، و "مُوْت" (האֵל מוֹת)، الذي من اسمه أتت اللفظات التي تعبِّر عن عملية انتهاء الحياة في كل اللغات السامِيَّة، فنحن نقول "مَوْت" بالعربية الفصحى، و "مُوْت" بالعربية الدارجة، تماما كما كانت هذه اللفظة تُلفظ عند أجدادنا الكنعانيين، و بالعبرية نقول "מָוֶת".
والإله "البَعْل" كان يُعرف عند شعوب الحوض الشرقي للبحر الأبيض المتوسط أيضا بالاسم "دا مُو زِي"، وهو اسم اشتُق من اسم الإله السُّومري"دُو مُو زِيد" (لفظات من اللغة الأكَّادية تعني "الولد المُخلص")، الذي كانت له عند البابليين نفس الوظائف والقدسية التي كانت للبَعْل عند الكنعانيين. ومن اللفظتين "دُو مُو زِي" و "دُو مُو زِيد" أتى الاسم "تَمُّوز"، وهو اسم الشهر السابع من أشهر السنة الميلادية، وقد أُطلق اسم الإله "تَمُّوز" على اسم هذا الشهر لأن الكنعانيين كانوا يؤمنون أن وفاة الإله تكون في مطلعه أو قليلا قُبيله. واسم هذا الشهر لا يزال محفوظا بهذا الشكل في التقويمين العبري والسرياني وكذلك في التقاويم اﻟﭽرﻳﭽوريانية العربية والتركية. الكنعانيون كانوا يؤمنون أن البَعْل يموت مرة كل عام، في بداية كل صيف، بعد أن يقتله شقيقه الإله "مُوْت"، ومع موته ينحبس المطر وتذوي الأعشاب وترتفع حرارة الهواء والأرض، وهم كانوا يؤمنون أيضا أنه يموت ليولد من جديد في بداية كل شتاء، ولكن لا يكون ذلك إلا عندما تهبط شقيقته الإلهة "عَنَات" إلى عالم الأموات وتصارع شقيقها الإله "مُوْت" وتتغلب عليه، وبعد أن يتم ذلك تُعيد شقيقها البَعْل إلى الحياة، ومع ميلاده المجدد تنخفض حرارة الهواء والأرض ويتجدد سقوط المطر الذي يُحيي الأرض فتنبت الأعشاب والمزروعات من جديد. ومن أجل استقدام ميلاده كانوا يقيمون الصلوات في معابدهم الوثنية كل صيف، وكانوا يؤمنون أنه كلما كانت صلواتهم أكثر صدقا وعمقا كان ميلاده أسرع وأبرز. غالبية شعوب الحوض الشرقي للبحر الأبيض المتوسط كانوا يؤمنون خلال تلك العصور السحيقة في التاريخ، قبل تدوين التوراة، أن الإله "البَعْل" هو إله الزوابع والعواصف والمطر والغيوم والبرق والرعد، وأنه هو الذي يُخصب الأرض عن طريق الأمطار التي لا تسقط إلا بأمره، وعلى هذا الشكل كان الكنعانيون يُعلِّلون تتالي الفصول. ونحن اليوم نضع كل هذه الأفكار والمعتقدات الكنعانية في نطاق الأساطير، لأن بينها وبين الديانات السماوية التي نسير حسب نهجها هوَّةً عميقة، ولكن بالنسبة للكنعانيين أنفسهم، هذه الأفكار وهذه المعتقدات، كانت أصول الدين وصلب العقيدة.
ومن الجدير بالذكر أن البَعْل كانت له عند الكنعانيين أسماء أخرى، وهي זבל בעל ארץ، أو זְבוּל בָּעַל אָרֶץ، أي الرئيس سيد الأرض، و רכב ערפת، أي רוכב ערבות במשמעות של עננים، بمعنى راكب الغيوم، الذي يُسقط المطر، و אַלְאִין، بمعنى العظيم أو القدير، و אלאי קרדם، أي عظيم الأبطال.
عبادة البَعْل في الحوض الشرقي للبحر الأبيض المتوسط بدأت طيلة الفترة الكنعانية، أو العصر البرونزي، الذي بدأ في حدود عام 3500 قبل الميلاد، وانتهى في حدود عام 1150 قبل الميلاد، عندما بدأت الفترة الإسرائيلية الأولى، أو العصر الحديدي، الذي انتهى عام 586 قبل الميلاد، مع خراب الهيكل الأول. خلال العصر الحديدي بعض اليهود كانوا يعبدون البَعْل، أو تَمُّوز، على الرغم من المحاولات العديدة التي قام بها أنبياء العهد القديم من الكتاب المقدس لردعهم عن ذلك. وقبل الاسلام عرب كثيرون عبدوا البَعْل وسجدوا له.
اللفظتان، العربية "بعل"، والعبرية "בעל"
هاتان اللفظتان موجودتان بالعربية وبالعبرية وبلغات ساميَّة أخرى، بمعانٍ متعددة. ونبدأ حديثنا بالمعنى الوثني لهذه اللفظة، فهي لا تزال تُستخدم في العربية والعبرية للدلالة على الخضراوات والفواكه التي لا تعتمد في سقيها إلا على مياه المطر، دون مياه الري الاصطناعية، فنحن عندما نقول "خيار بَعْلِي"، أو "بندورة بَعْلِيَّة"، فإنما نقصد بذل خيارا وبندورة لم تُرْوَ إلا بمياه المطر، والمعنى المستتر وراء هذه المقولات، وهو معنى ربما يجهله الكثيرون، هو خضراوات رُوِيَت بمياه أمطار أمر بسقوطها الإله "البَعْل" ! والمصطلح نفسه قائم ومستعمل باللغة العبرية أيضا، فنحن نميز في العبرية بين "חַקְלָאוּת בַּעַל"، أي زراعة "بَعْلِيَّة"، تأخذ ماءها من مطر السماء، أي من أمطار "أسقطها البَعْل"، و "חַקְלָאוּת שְׁלָחִין" (وهناك أيضا مَن يكتبها هكذا: שַׁלְחִין) ولا علاقة للبَعْل بها، فهي تأخذ مياهها من مُنْشَآت يبنيها الإنسان، كالسدود وأنابيب الري، وما شابه، ولفظة שְׁלָחִין أتت من الفعل العبري שָׁלַח, לִשְׁלֹחַ، أي أرْسَلَ، والقصد من ذلك هو إرسال المياه من قِبَل الإنسان لري الأراضي.
واللفظتان، العربية "بَعْل"، والعبرية "בַּעַל"، لهما، كما ذكرنا، معان أخرى بهاتين اللغتين، فبَعْلُ المرأة هو زوجها، وهو يخصبها فتحمل ثم تلد، تماما كما كان الإله البَعْل، طبقا للمعتقد الكنعاني الوثني، "يُخصب" الأرض بأمطاره فتُنبت المزروعات التي "تَلِدُ" الفواكه والخضراوات والأعشاب وسائر النباتات ! وللفظة العبرية "בַּעַל" نفس المعنى في هذا المجال. وفي اللغة العربية هذه اللفظة قائمة على شكل فعل: بَعَلَ، بَعْلاً، وبُعُولَةً، أي تزوج، وبعِل، يبعل، بَعلا، وبِعالة، وبُعولة، واسْتَبْعَلَ فهو بَعْلٌ ومُسْتَبْعِلٌ، بنفس المعنى، وابْتَعَلَتِ المرأَةُ، أي حَسُنَتْ طاعتُها لزوجِها، وتَبَعَّلَتِ المرأةُ، أي أنها أَدَّت حقَّ البُعُولة، وتَبَاعَلَ الزوجان، أي تَلاَعبَا، وبَاعَلَ مُبَاعَلَةً، وبِعالاً، أي لاعَبَ زَوْجتَهُ. وهي قائمة كذلك على شكل اسم: بَعْلٌ (بمعنى زوج المرأة)، وجمعها بِعالٌ وبُعولٌ وبُعولَةٌ، ومؤنثها بَعْلٌ وبَعْلةٌ (بمعنى زوجة الرجل).
ولفظة "البَعْل" بمعنى الزوج كثيرا ما استُخدِمت في الشعر الجاهلي، فهكذا يقول الشاعر عمرُو بن كُلثوم (المتوفَّى عام 584 للميلاد) في معلقته المشهورة:
عَلَـى آثَارِنَا بِيْـضٌ حِسَـانٌ نُحَـاذِرُ أَنْ تُقَسَّمَ أَوْ تَهُوْنَـا
أَخَـذْنَ عَلَى بُعُوْلَتِهِنَّ عَهْـداً إِذَا لاَقَـوْا كَتَـائِبَ مُعْلِمِيْنَـا
أَخَـذْنَ عَلَى بُعُوْلَتِهِنَّ عَهْـداً إِذَا لاَقَـوْا كَتَـائِبَ مُعْلِمِيْنَـا
ويقول حاتم الطَّائي (المتوفَّى عام 605 للميلاد):
أُمَارِسُ نَفْسَ الْبُخْلِ حَتَّى أُعِزًّهَا وَأَتْرُكُ نَفْسَ الْجُودَ لا أَسْتَشِيرُهَا
وَلا تَشْتَكِينِي جَارَتِي غَيْرِ أَنَّهَا إِذَا غَابَ عَنْهَا بَعْلُهَا لا أَزُورُهَا
سَيَبْلُغُهَا خَيْرِي وَيَرْجِعُ بَعْلُهَا إِلَيْهَا وَلَمْ تَقْصُرْ عَلَيَّ سُتُورُهَا
سَيَبْلُغُهَا خَيْرِي وَيَرْجِعُ بَعْلُهَا إِلَيْهَا وَلَمْ تَقْصُرْ عَلَيَّ سُتُورُهَا
لفظة "بَعْل" تعني في العربية أيضا السيد والمالك، ﻔ " بَعْل البيت" هو صاحب البيت، تماما كما هو الوضع في اللغة العبرية (בַּעַל הַבַּיִת). وفي العربية لفظة "ربّ" هي لفظة مرادفة للفظة "بَعْل"، فإذا كان صاحب البيت هو بعله، أو ربّه، فتكون زوجته صاحبة البيت، بعلته أو ربّته، ونحن لا نزال نقول "ربّ البيت" و "ربّة البيت"، وننوّه هنا إلى أنه متى أُضيفت أل التعريف للفظة "ربَ"، فيكون القصد منها فقط اسم الجلالة.
وفي رب البيت وضيوفه يقول دخيل الله بن عبدالله الدَّجِيما الثعلي العضياني العتيبي (1853 – 1902 للميلاد):
وفي رب البيت وضيوفه يقول دخيل الله بن عبدالله الدَّجِيما الثعلي العضياني العتيبي (1853 – 1902 للميلاد):
يا ضَيْفَنا لَو زُرْتَنا لَوَجَدْتَنا نَحْنُ الضُّيُوفُ وَأَنْتَ رَبُّ المَنْزِلِ
ويقول الشاعر أبو الفتح محمد بن عبيد الله سبط ابن التَّعاويذي (1125 - 1187 للميلاد):.
وَقالوا اِستَبانَت يا اِبنَ عُروَةَ إِبنَتُك فَقُلتُ لَهُم ما ذاكَ في حَقِّهِ نَقصُ
إِذا كانَ رَبُّ البَيتِ بِالدُفِّ ضارِبًا فَشيمَةُ أَهلِ البَيتِ كُلِهِمِ الرَقصُ
ويقول بشَّار بن بُرد (713 – 783 للميلاد) في ربّة البيت:
رَبابَةُ رَبَّةُ البَيتِ تَصُبُّ الخَلَّ في الزَيتِ
لَها عَشرُ دَجاجاتٍ وَديكٌ حَسَنُ الصَوتِ
لَها عَشرُ دَجاجاتٍ وَديكٌ حَسَنُ الصَوتِ
وكذلك الأمر في اللغة العبرية، فاللفظة "בעל" موجودة على شكل فعل: בָּעַל, לִבְעֹל (לִבְעוֹל)،
بمعنى ضاجع، وهي موجودة على شكل اسم أيضا، تماما مثل الوضع في اللغة العربية: בַּעַל (بمعنى زوج)، وجمعها בְּעָלִים، بمعنى أزواج. ولفظة בעל تعني بالعبرية كذلك صاحب الشيء وسيده. وفي سفر النبي إشعيا يرد الفعل "בעל" بمعنى "سَيْطَرَ أو اسْتَوْلَى"، هكذا يقول النبي:
"أَيُّهَا الرَّبُّ إِلهُنَا، قَدِ اسْتَوْلَى عَلَيْنَا سَادَةٌ سِوَاكَ. بِكَ وَحْدَكَ نَذْكُرُ اسْمَكَ". (سفر النبي إشعيا، ألإصحاح 26، الفقرة 13).
"יְהוָה אֱלֹהֵינוּ, בְּעָלוּנוּ אֲדֹנִים זוּלָתֶךָ; לְבַד-בְּךָ, נַזְכִּיר שְׁמֶךָ". (יְשַׁעְיָהוּ, כ"ו, י"ג).
وبمعنى "تزوّج" يرد هذا الفعل في الفقرة الخامسة من الإصحاح الثاني والستين من سفر النبي إشعيا:
"لأَنَّهُ كَمَا يَتَزَوَّجُ الشَّابُّ عَذْرَاءَ، يَتَزَوَّجُكِ بَنُوكِ. وَكَفَرَحِ الْعَرِيسِ بِالْعَرُوسِ يَفْرَحُ بِكِ إِلهُكِ". (سفر النبي إشعيا، ألإصحاح 62، الفقرة 5).
"כִּי יִבְעַל בָּחוּר בְּתוּלָה יִבְעָלוּךְ בָּנָיִךְ וּמְשׂוֹשׂ חָתָן עַל כַּלָּה יָשִׂישׂ עָלַיִךְ אֱלֹהָיִךְ". (יְשַׁעְיָהוּ, ס"ב, ה).
"יְהוָה אֱלֹהֵינוּ, בְּעָלוּנוּ אֲדֹנִים זוּלָתֶךָ; לְבַד-בְּךָ, נַזְכִּיר שְׁמֶךָ". (יְשַׁעְיָהוּ, כ"ו, י"ג).
وبمعنى "تزوّج" يرد هذا الفعل في الفقرة الخامسة من الإصحاح الثاني والستين من سفر النبي إشعيا:
"لأَنَّهُ كَمَا يَتَزَوَّجُ الشَّابُّ عَذْرَاءَ، يَتَزَوَّجُكِ بَنُوكِ. وَكَفَرَحِ الْعَرِيسِ بِالْعَرُوسِ يَفْرَحُ بِكِ إِلهُكِ". (سفر النبي إشعيا، ألإصحاح 62، الفقرة 5).
"כִּי יִבְעַל בָּחוּר בְּתוּלָה יִבְעָלוּךְ בָּנָיִךְ וּמְשׂוֹשׂ חָתָן עַל כַּלָּה יָשִׂישׂ עָלַיִךְ אֱלֹהָיִךְ". (יְשַׁעְיָהוּ, ס"ב, ה).
وبمعنى تحقيق الزواج عن طريق الجماع يرد هذا الفعل في الفقرة الثالثة عشرة من الإصحاح الحادي والعشرين من سفر التثنية:
"وَتَنْزِعُ ثِيَابَ سَبْيِهَا عَنْهَا، وَتَقْعُدُ فِي بَيْتِكَ وَتَبْكِي أَبَاهَا وَأُمَّهَا شَهْرًا مِنَ الزَّمَانِ، ثُمَّ بَعْدَ ذلِكَ تَدْخُلُ عَلَيْهَا وَتَتَزَوَّجُ بِهَا، فَتَكُونُ لَكَ زَوْجَةً". (سفر التثنية، الإصحاح 21، الفقرة 13).
"וְהֵסִירָה אֶת-שִׂמְלַת שִׁבְיָהּ מֵעָלֶיהָ, וְיָשְׁבָה בְּבֵיתֶךָ, וּבָכְתָה אֶת-אָבִיהָ וְאֶת-אִמָּהּ, יֶרַח יָמִים; וְאַחַר כֵּן תָּבוֹא אֵלֶיהָ, וּבְעַלְתָּהּ, וְהָיְתָה לְךָ, לְאִשָּׁה". (דְּבָרִים, כ"א, י"ג).
"וְהֵסִירָה אֶת-שִׂמְלַת שִׁבְיָהּ מֵעָלֶיהָ, וְיָשְׁבָה בְּבֵיתֶךָ, וּבָכְתָה אֶת-אָבִיהָ וְאֶת-אִמָּהּ, יֶרַח יָמִים; וְאַחַר כֵּן תָּבוֹא אֵלֶיהָ, וּבְעַלְתָּהּ, וְהָיְתָה לְךָ, לְאִשָּׁה". (דְּבָרִים, כ"א, י"ג).
وبنفس المعنى يرد في الفقرة الأولى من الإصحاح الرابع والعشرين من نفس السفر:
"إِذَا أَخَذَ رَجُلٌ امْرَأَةً وَتَزَوَّجَ بِهَا، فَإِنْ لَمْ تَجِدْ نِعْمَةً فِي عَيْنَيْهِ لأَنَّهُ وَجَدَ فِيهَا عَيْبَ شَيْءٍ، وَكَتَبَ لَهَا كِتَابَ طَلاَق وَدَفَعَهُ إِلَى يَدِهَا وَأَطْلَقَهَا مِنْ بَيْتِهِ" (سفر التثنية، الإصحاح 24، الفقرة 1).
"כִּי יִקַּח אִישׁ אִשָּׁה וּבְעָלָהּ וְהָיָה אִם לֹא תִמְצָא חֵן בְּעֵינָיו כִּי מָצָא בָהּ עֶרְוַת דָּבָר וְכָתַב לָהּ סֵפֶר כְּרִיתֻת". (דְּבָרִים, כ"ד, א).
"כִּי יִקַּח אִישׁ אִשָּׁה וּבְעָלָהּ וְהָיָה אִם לֹא תִמְצָא חֵן בְּעֵינָיו כִּי מָצָא בָהּ עֶרְוַת דָּבָר וְכָתַב לָהּ סֵפֶר כְּרִיתֻת". (דְּבָרִים, כ"ד, א).
ولفظة "בעל" ترد في التوراة بمعنى "السَّيِّد":
"تَكَلَّمُوا الآنَ فِي آذَانِ جَمِيعِ أَهْلِ شَكِيمَ. أَيُّمَا هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ: أَأَنْ يَتَسَلَّطَ عَلَيْكُمْ سَبْعُونَ رَجُلاً، جَمِيعُ بَنِي يَرُبَّعْلَ، أَمْ أَنْ يَتَسَلَّطَ عَلَيْكُمْ رَجُلٌ وَاحِدٌ؟ وَاذْكُرُوا أَنِّي أَنَا عَظْمُكُمْ وَلَحْمُكُمْ". (سفر القُضاة، ألإصحاح 9، الفقرة 2).
"דַּבְּרוּ נָא בְּאָזְנֵי כָל בַּעֲלֵי שְׁכֶם מַה טּוֹב לָכֶם הַמְשֹׁל בָּכֶם שִׁבְעִים אִישׁ כֹּל בְּנֵי יְרֻבַּעַל אִם מְשֹׁל בָּכֶם אִישׁ אֶחָד וּזְכַרְתֶּם כִּי עַצְמְכֶם וּבְשַׂרְכֶם אָנִי". (שׁוֹפְטִים, ט, ב).
وبمعنى صاحب الشيء أو مالكه:
"وَإِذَا نَطَحَ ثَوْرٌ رَجُلاً أَوِ امْرَأَةً فَمَاتَ، يُرْجَمُ الثَّوْرُ وَلاَ يُؤْكَلُ لَحْمُهُ. وَأَمَّا صَاحِبُ الثَّوْرِ فَيَكُونُ بَرِيئًا". (سفر الخُروج، ألإصحاح 21، الفقرة 28).
"וְכִי יִגַּח שׁוֹר אֶת אִישׁ אוֹ אֶת אִשָּׁה וָמֵת סָקוֹל יִסָּקֵל הַשּׁוֹר וְלֹא יֵאָכֵל אֶת בְּשָׂרוֹ וּבַעַל הַשּׁוֹר נָקִי".
وكذلك:
"وَإِنْ لَمْ يُوجَدِ السَّارِقُ يُقَدَّمُ صَاحِبُ الْبَيْتِ إِلَى اللهِ لِيَحْكُمَ هَلْ لَمْ يَمُدَّ يَدَهُ إِلَى مُلْكِ صَاحِبِهِ". (سفر الخُروج، ألإصحاح 22، الفقرة 7).
"אִם לֹא יִמָּצֵא הַגַּנָּב וְנִקְרַב בַּעַל הַבַּיִת אֶל הָאֱלֹהִים אִם לֹא שָׁלַח יָדוֹ בִּמְלֶאכֶת רֵעֵהוּ". (שְׁמוֹת, כ"ב, ז).
"אִם לֹא יִמָּצֵא הַגַּנָּב וְנִקְרַב בַּעַל הַבַּיִת אֶל הָאֱלֹהִים אִם לֹא שָׁלַח יָדוֹ בִּמְלֶאכֶת רֵעֵהוּ". (שְׁמוֹת, כ"ב, ז).
وبمعنى زوج المرأة:
"اَلْمَرْأَةُ الْفَاضِلَةُ تَاجٌ لِبَعْلِهَا، أَمَّا الْمُخْزِيَةُ فَكَنَخْرٍ فِي عِظَامِهِ". (سفر الأمثال، الإصحاح 12، الفقرة 4).
"אֵשֶׁת חַיִל עֲטֶרֶת בַּעְלָהּ וּכְרָקָב בְּעַצְמוֹתָיו מְבִישָׁה". (מִשְלֵי, י"ב, ד).
وبمعنى صاحب صفة معينة:
"فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ هُوَذَا هذَا صَاحِبُ الأَحْلاَمِ قَادِمٌ". (سفر التكوين، الإصحاح 37، الفقرة 18). (هذا الحديث قِيلَ في سيدنا يوسف الصِّدِّيق عليه السلام، من قِبَلِ اخوته).
"וַיֹּאמְרוּ אִישׁ אֶל אָחִיו הִנֵּה בַּעַל הַחֲלֹמוֹת הַלָּזֶה בָּא". (בְּרֵאשִׁית, ל"ז, י"ט).
آلهة كنعانية أخرى كانت تحمل اسم البَعْل، مثل בעל זבוּב، أو بَعْلَزَبُولَ، إله الذُّباب، الذي عَبَدَهُ الفلسطينيون في مدينة "عِكْرُون" (עֶקְרוֹן)، التي كانت في السهل الساحلي الأوسط للبلاد، واسمه يرمز إلى الشيطان، أو حتى إلى رئيس الشياطين، ويرد ذكره في العهد الجديد من الكتاب المقدس، والإله בעל פְּעוֹר، الذي عَبَدَهُ المُؤابيُّون، وكذلك الإله בעל מלכּרת، وكان إله مدينتَي صيدا وصُور.
مواقع وأسماء عديدة تحمل اسم البَعْل
بسبب تأصُّل عبادة البَعْل لمدة طويلة من الزمان في بلدان شرقي البحر الأبيض المتوسط، وبسبب المعاني المتعددة التي تعنيها هذه اللفظة، فلا تزال مواقع عديدة في هذه المنطقة تحمل لفظة "بعل" في أسمائها، ومن بين هذه المواقع نذكر ما يلي:
בעלבק (بعلبك)، أي "בעל בִּקְעָה"، أي بَعْل السهل، أو ربّ السهل، وهو سهل البقاع بلبنان، بعلشْمي، وهي قرية بجبال الشُّوف بلبنان، مصدر اسمها هو الاسم בעל שַמִין، أي ربّ السماء، בעל גד, בעל הָמוֹן, בעל חמוׂן (בעל עמוׂן), בעל חצוׂר, בעל חִרמוׂן, בעל כּרמל, בעל לבנוׂן, בעל מרקוׂד, בעל צפוׂן, בעל קרניים.
والتوراة تذكر عددا من أسماء الأشخاص التي تُكَوِّن لفظة (בעל) (بعل) جزءًا من كل واحدة منها: يِرُوْباعَل (יְרֻבַּעַל)، إيشْباعَل (אֶשְׁבָּעַל)، وهو اسم غيَّرت التوراة اسمه، نكاية بالإله البَعْل، إلى "إيشْبُوشِت" (אִישׁ-בֹּשֶׁת)، أي "رَجُل الخِزي والعار"، إتْبَاعَل (אֶתְבַּעַל)، بِعَالْيَاه (בְּעַלְיָה)، بَعَلْيَادَاع (בְּעֶלְיָדָע).
أهزوجة المطر الكنعانية للإله البَعْل
ومن أجل توضيح مدى انزعاج الكنعانيين من حر الصيف وجفافه، ومدى خوفهم من تأخر ميعاد سقوط المطر او انحباسه بعد انقضاء الصيف، وكذلك مدى تعلقهم بالإله البَعْل، إله الخصوبة والمطر، نورد فيما يلي قطعة من قصيدة كنعانية مكتوبة على أحد ألواح الخزف التي عُثِر عليها في خرائب رأس الشَّمْرَة، وهي ما تبقى من مدينة أُوغاريت الكنعانية بشمال غرب سوريا. هذه القطعة تقول أن الإله "إِيْل"، والد الإله البَعْل، طبقا للمعتقد الكنعاني، حلم مرة خلال فترة طويلة من الجفاف وانحباس المطر، أن السماء تمطر زيتا وأن الأنهار تُجري عسلا، فتيقن أن ابنه البَعْل وُلِدَ من جديد بعد أن كان قد قضى فترة صيف طويلة بين الأموات، ففرح كثيرا وارتاحت نفسه واطمأن فؤاده، ونحن نعرض أولا النص الأُوغاريتي الكنعاني الأصلي، ثم ترجمة له للعبرية، ثم ترجمة للعربية:
النص الأُوغاريتي الكنعاني الأصلي لأهزوجة المطر للبَعْل
ב חלמ. לטפנ. אִל ד פאִד
ב דֿרת. בני בנות
שממ. שמנ. תמטרנ
נחֿלמ. תלכ. נבתמ
ו אִדע כ ח. אַלאִינ. בעל
כ אִתֿ. זבל. בעל. אַרצ
ב חלמ. לטפנ אִל ד פאִד
ב דֿרת. בני. בנות
שממ. שמנ. תמטרנ
נחֿלמ. תלכ. נבתמ
שמחֿ. לטפנ. אִל. ד פאִד
פענה. ל הדמ. יתֿפד
ו יפרק. ל צב. ו יצחק
ישאֻגה. ו יצח
אַתֿבנ. אַנכ. ו אַנחֿנ
ו תנחֿ. ב אִרתי. נפש
כ חי אַלאִינ. בעל
כ אִתֿ. זבל. בעל. אַרצ
وفيما يلي ترجمة هذه القطة إلى العبرية (ترجمة إلْعَاد أَهارُون، אלעד אהרון):
בְּחֲלוֹם לַטְפָן אֵל בַּעַל הַלֵּב,
בְּחֶזְיוֹן בּוֹרֵא הַבְּרוּאִים –
שָׁמַיִם שֶׁמֶן יַמְטִירוּ,
וּנְחָלִים יוֹלִיכוּ נֹפֶת.
וָאֵדַע כִּי חַי אַלְאִין בָּעַל,
כִּי יֵשׁ זְבוּל בָּעַל אָרֶץ.
בְּחֲלוֹם לַטְפָן אֵל בַּעַל הַלֵּב,
בְּחֶזְיוֹן בּוֹרֵא הַבְּרוּאִים –
שָׁמַיִם שֶׁמֶן יַמְטִירוּ,
וּנְחָלִים יוֹלִיכוּ נֹפֶת.
שָׂמַח לַטְפָן אֵל בַּעַל הַלֵּב,
רַגְלָיו בַּהֲדוֹם שָׁפַת,
פָּצָה פִּיו, וַיִּצְחַק,
נָשָׂא קוֹלוֹ, וַיֵּאָנַח:
אֵשֵׁבָה-נָא אָנֹכִי, וָאָנוּחַ,
וַתָּנוּחַ נַפְשִׁי בְּקִרְבִּי,
כִּי חַי אַלְאִין בָּעַל
כִּי יֵשׁ זְבוּל בָּעַל אָרֶץ!
وفيما يلي الترجمة إلى العربية:
في حُلم الرَّحُومِ إيل صاحبِ الفؤاد
في رُؤيا خالقِ المخلوقات
السماءُ تُمطرُ زيتًا والأوديةُ تُجري عسلا
فأَعْرِفُ أن البَعْلَ العظيمَ حيّ
وأن البَعْلَ سيدَ الأرضِ موجود
في حُلمِ الرَّحُومِ إيل صاحبِ الفؤاد
في رُؤيا خالقِ المخلوقات
السماءُ تُمطرُ زيتًا والأوديةُ تُجري عسلا
فَرِحَ الرَّحُومُ صاحبُ الفؤاد
ووضعَ رجليْهِ على المقعد
فتحَ فاهُ وضحك
رفعَ صوتَهُ وتنهَّد
فأَجْلِسُ أنا وارتاح
وترتاحُ نفسي بباطني
لأن البَعْلَ العظيمَ حيّ
لأن البَعْلَ سيدَ الأرضِ موجود
وفيا يلي ثلاث قطع شعرية أُخرى مكتوبة على ألواح خزفية عُثر عليها في بقايا مدينة أُوغاريت، مترجمة إلى العربية، تُمَجِّدُ البَعْل، إله المطر عند الكنعانيين:
قطعة أُولى:
أُنظرْ إلى الأرض، إلى مطرِ البَعْل
وإلى الحقل، إلى مطرِ أعظمِ العُظماء
عذبٌ هو مطرُ البَعْلِ على الأرض
عذبٌ هو للقمحِ في الأتلام
للبُذورِ في الأرضِ المحروثة
كالتَّاجِ هو للحرث
قطعة ثانية، وهي تصف ما يحدث للأرض من حر وجفاف عندما ينحبس المطر لعدد من السنين، بسبب "موت البَعْل"، و"عدم ميلاده" من جديد في موعد ميلاده كل عام:
فليلعنكَ البَعْلُ لسبعِ سنين
أو لثمانٍ، فليلعنكَ راكبُ الغيوم
لا طلٌّ ولا مطر
لا اندفاعٌ (للبَعْل) من الأعماقِ السحيقة (أي من عالم الأموات)
لا تُسمعُ عُذوبةُ صوتِ البَعْل
قطعة ثالثة، وهي دعاءٌ من أجل تجدد سقوط المطر بعد انحباسه الطويل:
والآن فليجعلِ البَعْلُ المطرَ كثيرا
وليجعلِ الماءَ ينصبُّ انصبابًا بغزارة
وليُعطِ صوتَهُ في الغُيوم
وليُضيء الأرضَ بالبَرْق
أنبياء العهد القديم من الكتاب المقدس واجهوا مشقَّات كثيرة في صراعهم مع البَعْل
الإله "البَعْل"، الكنعاني الوثني، كان أكثر الأنبياء صلابة وعنادا أمام أنبياء العهد القديم من الكتاب المقدس، فيهود كثيرون عبدوه على الرغم من وجود أسفار التوراة لديهم، وقصة الصراع العنيف بين إيليا النبي والبَعْل على جبل الكرمل معروفة ومشهورة، وكذلك قصته مع الملك آحاب وزوجته أيزابيل الكنعانية، وكلا القصتين واردتان في سفر الملوك الأول من أسفار العهد القديم. هكذا يقول النبي إيليا لقومه، فيما يقول:
"فَتَقَدَّمَ إِيلِيَّا إِلَى جَمِيعِ الشَّعْبِ وَقَالَ: حَتَّى مَتَى تَعْرُجُونَ بَيْنَ الْفِرْقَتَيْنِ؟ إِنْ كَانَ الرَّبُّ هُوَ اللهَ فَاتَّبِعُوهُ، وَإِنْ كَانَ الْبَعْلُ فَاتَّبِعُوهُ. فَلَمْ يُجِبْهُ الشَّعْبُ بِكَلِمَةٍ". (سفر الملوك الأول، الإصحاح 18، الفقرة 21).
"וַיִּגַּשׁ אֵלִיָּהוּ אֶל כָּל הָעָם וַיֹּאמֶר: "עַד מָתַי אַתֶּם פֹּסְחִים עַל שְׁתֵּי הַסְּעִפִּים אִם יְהוָה הָאֱלֹהִים לְכוּ אַחֲרָיו, וְאִם הַבַּעַל, לְכוּ אַחֲרָיו; וְלֹא-עָנוּ הָעָם אֹתוֹ, דָּבָר". (סֵפֶר מְלָכִים א', כ"א).
ويشكو النبي حِزْقِيال من النساء اليهوديات اللاتي كُنَّ يبكينَ على الإله "تَمُّوز"، وهو نفسه، كما ذكرنا، البَعْل، في الهيكل بأورشليم. هكذا يقول حِزْقِيال النبي:
"فَجَاءَ بِي إِلَى مَدْخَلِ بَابِ بَيْتِ الرَّبِّ الَّذِي مِنْ جِهَةِ الشِّمَالِ، وَإِذَا هُنَاكَ نِسْوَةٌ جَالِسَاتٌ يَبْكِينَ عَلَى تَمُّوزَ". (سفر النبي حِزْقِيال، الإصحاح الثامن، الفقرة 14).
"וַיָּבֵא אֹתִי אֶל פֶּתַח שַׁעַר בֵּית יְהוָה אֲשֶׁר אֶל הַצָּפוֹנָה וְהִנֵּה שָׁם הַנָּשִׁים יֹשְׁבוֹת מְבַכּוֹת אֶת הַתַּמּוּז" (סֵפֶר יְחֶזְקֵאל, ח, י"ד).
"וַיָּבֵא אֹתִי אֶל פֶּתַח שַׁעַר בֵּית יְהוָה אֲשֶׁר אֶל הַצָּפוֹנָה וְהִנֵּה שָׁם הַנָּשִׁים יֹשְׁבוֹת מְבַכּוֹת אֶת הַתַּמּוּז" (סֵפֶר יְחֶזְקֵאל, ח, י"ד).
وهكذا يقول النبي هُوْشَع، وهو أيضا من أنبياء العهد القديم، موبِّخا النساء اليهوديات على ارتكابهن الزِّنا وعبادة البَعْل، ما يلي:
"وَهِيَ لَمْ تَعْرِفْ أَنِّي أَنَا أَعْطَيْتُهَا الْقَمْحَ وَالْمِسْطَارَ وَالزَّيْتَ، وَكَثَّرْتُ لَهَا فِضَّةً وَذَهَبًا جَعَلُوهُ لِبَعْل" (سفر النبي هُوْشَع، الإصحاح الثاني، الفقرة 10).
"וְהִיא, לֹא יָדְעָה, כִּי אָנֹכִי נָתַתִּי לָהּ, הַדָּגָן וְהַתִּירוֹשׁ וְהַיִּצְהָר; וְכֶסֶף הִרְבֵּיתִי לָהּ וְזָהָב, עָשׂוּ לַבָּעַל" (סֵפֶר הוֹשֵׁעַ, י, י).
"וְהִיא, לֹא יָדְעָה, כִּי אָנֹכִי נָתַתִּי לָהּ, הַדָּגָן וְהַתִּירוֹשׁ וְהַיִּצְהָר; וְכֶסֶף הִרְבֵּיתִי לָהּ וְזָהָב, עָשׂוּ לַבָּעַל" (סֵפֶר הוֹשֵׁעַ, י, י).
وهو يقول أيضا:
"وَأُعَاقِبُهَا عَلَى أَيَّامِ بَعْلِيمَ الَّتِي فِيهَا كَانَتْ تُبَخِّرُ لَهُمْ وَتَتَزَيَّنُ بِخَزَائِمِهَا وَحُلِيهَا وَتَذْهَبُ وَرَاءَ مُحِبِّيهَا وَتَنْسَانِي أَنَا، يَقُولُ الرَّبُّ" (سفر النبي هُوْشَع، الإصحاح الثاني، الفقرة 15).
"וּפָקַדְתִּי עָלֶיהָ, אֶת-יְמֵי הַבְּעָלִים אֲשֶׁר תַּקְטִיר לָהֶם, וַתַּעַד נִזְמָהּ וְחֶלְיָתָהּ, וַתֵּלֶךְ אַחֲרֵי מְאַהֲבֶיהָ; וְאֹתִי שָׁכְחָה, נְאֻם-יְהוָה" (סֵפֶר הוֹשֵׁעַ, י, טו).
ويقول النبي أنه سوف يأتي يوم لن تدعو الزوجةُ زوجَها بعده "بَعْلِي"، وإنما "رَجُلِي":
ويقول النبي أنه سوف يأتي يوم لن تدعو الزوجةُ زوجَها بعده "بَعْلِي"، وإنما "رَجُلِي":
"وَيَكُونُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ، يَقُولُ الرَّبُّ، أَنَّكِ تَدْعِينَنِي: رَجُلِي، وَلاَ تَدْعِينَنِي بَعْدُ بَعْلِي" (سفر النبي هُوْشَع، الإصحاح الثاني، الفقرة 18).
"וְהָיָה בַיּוֹם-הַהוּא נְאֻם-יְהוָה, תִּקְרְאִי אִישִׁי; וְלֹא-תִקְרְאִי-לִי עוֹד, בַּעְלִי" (סֵפֶר הוֹשֵׁעַ, י, יח).
والنبي يقول هذا لإبعاد بني قومه عن تقديس البَعْل ولمنعهم من عبادته، ولكن لفظة "בעל" (بَعْل) بمعنى زوج المرأة لا تزال، كما هو معروف، مستعملة في العبرية حتى هذه الأيام، وفي رسالة من عام 1953 طلب داﭬيد بن غُوريون، رئيس الحكومة في حينه، من وزير المالية أن يُلْغى استعمال هذه اللفظة وأن يُسجَّل عوضا عنها "איש" (رَجُل)، تمشيا مع أقوال النبي هُوْشَع، ولكن ذلك لم يحصل.
لفظة البَعْل في القرآن الكريم
وفي القرآن الكريم ترد لفظة "بَعْل" بمعنى زوج المرأة ست مرات، في أربعِ سور:
سورة البقرة (السورة الثانية من سور القرآن الكريم):
"وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِن كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُواْ إِصْلاحًا وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ" (سورة البقرة، الآية 228).
سورة النساء (السورة الرابعة من سور القرآن الكريم):
"وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَّ وَإِن تُحْسِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا" (سورة النساء، الآية 128).
سورة هُود (السورة الحادية عشرة من سور القرآن الكريم):
"قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ" (سورة هُود، الآية 72).
سورة النُّور (السورة الرابعة والعشرون من سور القرآن الكريم):
"وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ" (سورة النُّور، الآية 31).
أَما بمعنى الإله الوثني الذي نتحدث عنه، فلفظة البَعْل ترد مرة واحدة فقط في القرآن الكريم، وذلك في سورة الصَّافَّات (السورة السابعة والثلاثون من سور القرآن الكريم):
"أَتَدْعُونَ بَعْلا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ" (سورة الصَّافات، الآية 125).
سكان مصر الفرعونية والإغريق والرومان وعرب الجاهلية كانوا ينسبون قيظ الصيف إلى شروق نجم الشِّعْرَى اليمانية قُبيل شروق الشمس
مصر الفرعونية لم تكن بحاجة إلى الإله البَعْل، ولا لأي إله آخر يقوم بنفس وظيفة البَعْل، وذلك لأن سكانها لم يعتمدوا في يوم من الأيام على مياه المطر في ري أراضيهم، فمصر صحراء يندر بها سقوط المطر، وكل اعتمادها كان على مياه الفيضانات التي يأتي بها نهر النيل، ولذا كان من الطبيعي أن يبحث سكان مصر خلال تلك العصور الموغلة في القدم عن إله آخر يكون مسؤولا عن فيضان النيل، ووجدوا هذا الإله في النجم الذي يُطلق عليه بالعربية الاسم "نجم الشِّعْرَى اليمانية"، أو الشِّعرى العَبُور"، وهو أحد نجوم المجموعة النجمية المعروفة باسم "مجموعة الكلب الأكبر" (Canis Major Star Constellation)، وألمع النجوم التي يمكن مشاهدتها من على سطح الأرض بالعين المُجردة. وقد بشَّر شروق هذا النجم خلال ساعات قُبيل الفجر بشهر تَمُّوز لقدامى المصريين بحدوث الفيضانات السنوية الدورية العارمة لنهر النيل، تلك الفيضانات التي كانت حياة المصريين القدماء مرتبطة بها أشد ارتباط، والمصريون القدماء كانوا ينسبون فيضان النيل وقيظ الشمس إلى شروق هذا النجم، الذي جعل المصريون القدماء له إلهة يقدِّسونها أطلقوا عليها الاسم "سُوﭙْدِت" (Sopdet)، وهم كانوا يؤمنون أنها تجلب فيضان النيل والسنة الجديدة التي كانت تبدأ عندهم مع ذلك الفيضان، هذا مع العلم أن التطابق بين ميعاد بداية السنة الشمسية الحقيقية والسنة الفرعونية هذه يحصل مرة كل 1460 عاما، وقد حصل ذلك خلال فترة حكم القيصر الروماني أَنْطُونيِنُوس ﭙيُوس (Emperor Caesar Antoninus Pius) عام 139 للميلاد، حينما كانت مصر خاضعة للحكم الروماني، وقد سكَّ القيصر عُملة خاصة بتلك المناسبة. وقد حَرَّفَ الإغريق اسم هذا النجم إلى "سُوْثِسْ" Σῶθις))، ثم إلى "سايْرْيُوْسْ" (Σείριος)، ومن هذه اللفظة كوَّنَ الرومان له الاسم "سِيرْيُوسْ" (Sirius)، الذي لا يزال مستعملا حتى هذه الأيام، وهو يُعرف أيضا باسمه العلميCanis Majoris" α"، أي ألمع نجوم مجموعة الكلب الأكبر.
ألإغريق والرومان كانوا، كالمصريين القدماء، ينسبون الحر والجفاف الشديدين، والرطوبة النسبية المرتفعة في بلدان حوض البحر الأبيض المتوسط خلال فصل الصيف، إلى شروق هذا النجم في مطلع الفجر، وقد أطلقوا على أشد أيام القيظ، وهي المدة بين 23 أو 24 تَمُّوز و 23 أو 24 آب من كل عام، الاسم "أيام الكلب"، ودعوها باليونانية "Κυνάδες ημέραι"، وباللاتينية Dies Caniculares""، وكلا الاسمين يعنيان "أيام الكلب". وقد وصف الحر والجفاف والأمراض التي كانت ترافق شروق هذا النجم عدد من كبار شعراء الإغريق والرومان، كهُومِيرُوس (Homerus) (القرن الثامن قبل الميلاد)، وهِيسْيُود Hesiud)) 750 - 650) ق. م. تقريبا)، وأراتُوْس Aratus)) 310–240)ق. م. تقريبا)، وﭬِرْجيْل ((Vergilius (70 – 19 ق. م.).
ولا يزال المصطلح "أيام الكلب" بمعناه الذي نتحدث عنه مستعملا في دول الغرب، فالاﻧﭽليز والأمريكان مثلا يدعون هذه الفترة من كل عام "The days of the dog"، والألمان يدعونها "Die Hundstage"، والفرنسيون يدعونها "Les jours de chien"، والاسبان يدعونها "Dias Perros".
من الجدير بالذكر أن شروق الشمس مباشرة بعد شروق هذا النجم يخفيه تماما، فهو يبقى في السماء خلال ساعات النهار، ولكن ضوء الشمس يطغى على ضوئه.
عرب الجاهلية كانوا، كسكان مصر الفرعونية والرومان والإغريق، يؤمنون أن قيظ الصيف ناجم عن شروق هذا النجم، الذي عُرف عندهم، كما ذكرنا، باسم الشِّعْرَى اليمانية، أي الشِّعْرَى الجنوبية، وذلك تمييزا له عن نجم الشِّعْرَى الشاميَّة، أو الشِّعْرَى الشمالية، الذي عُرف عندهم أيضا ﺒ "الغُمَيْصَاء". ووراء اسمي هذين النجمين عند العرب أُسطورة تقول أن هاتين الشِّعريين كانتا أُختين للنجم المعروف باسم "سُهَيْل"، وأن سُهَيْلا قطع النهر، أي مجرة درب التبانة، من طرفها الشمالي إلى طرفها الجنوبي، ثم لحقت به أُخته الشِّعْرَى الكبرى، ولذلك عُرفت ﺒ الشِّعْرَى اليمانية، أي الشِّعْرَى الجنوبية، أو الشِّعْرَى العَبُور، وذلك لأنها عبرت النهر، أي المجرة، أما أُختها الشِّعْرَى الأخرى فلم تستطع أن تعبر المجرة وبقيت في موضعها، فبكيت حتى عَشِيَت عيناها، فصغرت وخفت ضوؤها، ولذا أُطلق عليها اسم "الغُمَيْصَاء"، أي ذات العين الصغيرة العشواء، واطلق عليه أيضا اسم الشِّعْرَى الشاميَّة، لأنها بقيت في الطرف الشمالي من المجرة.
والشِّعْرَى اليمانية والقيظ الشديد المرافق لها يذكرهما بعض شعراء العرب، ومن بين هؤلاء نذكر الشاعر الجاهلي الشَّنْفَرَى الأزدِي (المتوفي في حدود عام 525 للميلاد)، الذي يصف يوم صيف شديد القيظ وكثير الأفاعي في لاميَّته المشهورة المعروفة ﺒ "لاميَّة العرب"، وهو ينسب قيظ ذلك اليوم إلى نجم الشِّعْرَى اليمانية. هكذا يقول الشَّنفرَى:
وأصْبَـحَ عَنّـي بالغُمَيْصَـاءِ جَالسـاً فَرِيقَـانِ مَسْـؤُولٌ وَآخَرُ يَسْـألُ
فَقَالُـوا لَقَدْ هَـرَّتْ بِلَيْـلٍ كِلَابُنَـا فَقُلْنَـا: أذِئْبٌ عَسَّ أمْ عَسَّ فُرْعُـلُ
فَلَمْ تَكُ إلاَّ نَبْـأةٌ ثُـمَّ هَوَّمَـتْ فَقُلْنَا: قَطَـاةٌ رِيـعَ أمْ رِيعَ أجْـدَلُ
فَإِنْ يَـكُ مِنْ جِـنٍّ لأبْـرَحُ طارِقـاً وإنْ يَكُ إنْسَـاً ما كَها الإنسُ تَفْعَلُ
وَيومٍ مِنَ الشِّعْـرَى يَـذُوبُ لُوابُـهُ أفاعِيـهِ فـي رَمْضائِـهِ تَتَمَلْمَـلُ
نَصَبْـتُ له وَجْهي ولا كِـنَّ دُونَـهُ ولا سِتْـرَ إلاَّ الأتْحَمِـيُّ المُرَعْبَـل
وَضَافٍ إذا طَارَتْ له الرِّيحُ طَيَّـرَتْ لَبائِـدَ عنْ أعْطَافِـهِ ما تُرَجَّـلُ
لفظة البَعْل في القرآن الكريم
وفي القرآن الكريم ترد لفظة "بَعْل" بمعنى زوج المرأة ست مرات، في أربعِ سور:
سورة البقرة (السورة الثانية من سور القرآن الكريم):
"وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِن كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُواْ إِصْلاحًا وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ" (سورة البقرة، الآية 228).
سورة النساء (السورة الرابعة من سور القرآن الكريم):
"وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَّ وَإِن تُحْسِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا" (سورة النساء، الآية 128).
سورة هُود (السورة الحادية عشرة من سور القرآن الكريم):
"قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ" (سورة هُود، الآية 72).
سورة النُّور (السورة الرابعة والعشرون من سور القرآن الكريم):
"وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ" (سورة النُّور، الآية 31).
أَما بمعنى الإله الوثني الذي نتحدث عنه، فلفظة البَعْل ترد مرة واحدة فقط في القرآن الكريم، وذلك في سورة الصَّافَّات (السورة السابعة والثلاثون من سور القرآن الكريم):
"أَتَدْعُونَ بَعْلا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ" (سورة الصَّافات، الآية 125).
سكان مصر الفرعونية والإغريق والرومان وعرب الجاهلية كانوا ينسبون قيظ الصيف إلى شروق نجم الشِّعْرَى اليمانية قُبيل شروق الشمس
مصر الفرعونية لم تكن بحاجة إلى الإله البَعْل، ولا لأي إله آخر يقوم بنفس وظيفة البَعْل، وذلك لأن سكانها لم يعتمدوا في يوم من الأيام على مياه المطر في ري أراضيهم، فمصر صحراء يندر بها سقوط المطر، وكل اعتمادها كان على مياه الفيضانات التي يأتي بها نهر النيل، ولذا كان من الطبيعي أن يبحث سكان مصر خلال تلك العصور الموغلة في القدم عن إله آخر يكون مسؤولا عن فيضان النيل، ووجدوا هذا الإله في النجم الذي يُطلق عليه بالعربية الاسم "نجم الشِّعْرَى اليمانية"، أو الشِّعرى العَبُور"، وهو أحد نجوم المجموعة النجمية المعروفة باسم "مجموعة الكلب الأكبر" (Canis Major Star Constellation)، وألمع النجوم التي يمكن مشاهدتها من على سطح الأرض بالعين المُجردة. وقد بشَّر شروق هذا النجم خلال ساعات قُبيل الفجر بشهر تَمُّوز لقدامى المصريين بحدوث الفيضانات السنوية الدورية العارمة لنهر النيل، تلك الفيضانات التي كانت حياة المصريين القدماء مرتبطة بها أشد ارتباط، والمصريون القدماء كانوا ينسبون فيضان النيل وقيظ الشمس إلى شروق هذا النجم، الذي جعل المصريون القدماء له إلهة يقدِّسونها أطلقوا عليها الاسم "سُوﭙْدِت" (Sopdet)، وهم كانوا يؤمنون أنها تجلب فيضان النيل والسنة الجديدة التي كانت تبدأ عندهم مع ذلك الفيضان، هذا مع العلم أن التطابق بين ميعاد بداية السنة الشمسية الحقيقية والسنة الفرعونية هذه يحصل مرة كل 1460 عاما، وقد حصل ذلك خلال فترة حكم القيصر الروماني أَنْطُونيِنُوس ﭙيُوس (Emperor Caesar Antoninus Pius) عام 139 للميلاد، حينما كانت مصر خاضعة للحكم الروماني، وقد سكَّ القيصر عُملة خاصة بتلك المناسبة. وقد حَرَّفَ الإغريق اسم هذا النجم إلى "سُوْثِسْ" Σῶθις))، ثم إلى "سايْرْيُوْسْ" (Σείριος)، ومن هذه اللفظة كوَّنَ الرومان له الاسم "سِيرْيُوسْ" (Sirius)، الذي لا يزال مستعملا حتى هذه الأيام، وهو يُعرف أيضا باسمه العلميCanis Majoris" α"، أي ألمع نجوم مجموعة الكلب الأكبر.
ألإغريق والرومان كانوا، كالمصريين القدماء، ينسبون الحر والجفاف الشديدين، والرطوبة النسبية المرتفعة في بلدان حوض البحر الأبيض المتوسط خلال فصل الصيف، إلى شروق هذا النجم في مطلع الفجر، وقد أطلقوا على أشد أيام القيظ، وهي المدة بين 23 أو 24 تَمُّوز و 23 أو 24 آب من كل عام، الاسم "أيام الكلب"، ودعوها باليونانية "Κυνάδες ημέραι"، وباللاتينية Dies Caniculares""، وكلا الاسمين يعنيان "أيام الكلب". وقد وصف الحر والجفاف والأمراض التي كانت ترافق شروق هذا النجم عدد من كبار شعراء الإغريق والرومان، كهُومِيرُوس (Homerus) (القرن الثامن قبل الميلاد)، وهِيسْيُود Hesiud)) 750 - 650) ق. م. تقريبا)، وأراتُوْس Aratus)) 310–240)ق. م. تقريبا)، وﭬِرْجيْل ((Vergilius (70 – 19 ق. م.).
ولا يزال المصطلح "أيام الكلب" بمعناه الذي نتحدث عنه مستعملا في دول الغرب، فالاﻧﭽليز والأمريكان مثلا يدعون هذه الفترة من كل عام "The days of the dog"، والألمان يدعونها "Die Hundstage"، والفرنسيون يدعونها "Les jours de chien"، والاسبان يدعونها "Dias Perros".
من الجدير بالذكر أن شروق الشمس مباشرة بعد شروق هذا النجم يخفيه تماما، فهو يبقى في السماء خلال ساعات النهار، ولكن ضوء الشمس يطغى على ضوئه.
عرب الجاهلية كانوا، كسكان مصر الفرعونية والرومان والإغريق، يؤمنون أن قيظ الصيف ناجم عن شروق هذا النجم، الذي عُرف عندهم، كما ذكرنا، باسم الشِّعْرَى اليمانية، أي الشِّعْرَى الجنوبية، وذلك تمييزا له عن نجم الشِّعْرَى الشاميَّة، أو الشِّعْرَى الشمالية، الذي عُرف عندهم أيضا ﺒ "الغُمَيْصَاء". ووراء اسمي هذين النجمين عند العرب أُسطورة تقول أن هاتين الشِّعريين كانتا أُختين للنجم المعروف باسم "سُهَيْل"، وأن سُهَيْلا قطع النهر، أي مجرة درب التبانة، من طرفها الشمالي إلى طرفها الجنوبي، ثم لحقت به أُخته الشِّعْرَى الكبرى، ولذلك عُرفت ﺒ الشِّعْرَى اليمانية، أي الشِّعْرَى الجنوبية، أو الشِّعْرَى العَبُور، وذلك لأنها عبرت النهر، أي المجرة، أما أُختها الشِّعْرَى الأخرى فلم تستطع أن تعبر المجرة وبقيت في موضعها، فبكيت حتى عَشِيَت عيناها، فصغرت وخفت ضوؤها، ولذا أُطلق عليها اسم "الغُمَيْصَاء"، أي ذات العين الصغيرة العشواء، واطلق عليه أيضا اسم الشِّعْرَى الشاميَّة، لأنها بقيت في الطرف الشمالي من المجرة.
والشِّعْرَى اليمانية والقيظ الشديد المرافق لها يذكرهما بعض شعراء العرب، ومن بين هؤلاء نذكر الشاعر الجاهلي الشَّنْفَرَى الأزدِي (المتوفي في حدود عام 525 للميلاد)، الذي يصف يوم صيف شديد القيظ وكثير الأفاعي في لاميَّته المشهورة المعروفة ﺒ "لاميَّة العرب"، وهو ينسب قيظ ذلك اليوم إلى نجم الشِّعْرَى اليمانية. هكذا يقول الشَّنفرَى:
وأصْبَـحَ عَنّـي بالغُمَيْصَـاءِ جَالسـاً فَرِيقَـانِ مَسْـؤُولٌ وَآخَرُ يَسْـألُ
فَقَالُـوا لَقَدْ هَـرَّتْ بِلَيْـلٍ كِلَابُنَـا فَقُلْنَـا: أذِئْبٌ عَسَّ أمْ عَسَّ فُرْعُـلُ
فَلَمْ تَكُ إلاَّ نَبْـأةٌ ثُـمَّ هَوَّمَـتْ فَقُلْنَا: قَطَـاةٌ رِيـعَ أمْ رِيعَ أجْـدَلُ
فَإِنْ يَـكُ مِنْ جِـنٍّ لأبْـرَحُ طارِقـاً وإنْ يَكُ إنْسَـاً ما كَها الإنسُ تَفْعَلُ
وَيومٍ مِنَ الشِّعْـرَى يَـذُوبُ لُوابُـهُ أفاعِيـهِ فـي رَمْضائِـهِ تَتَمَلْمَـلُ
نَصَبْـتُ له وَجْهي ولا كِـنَّ دُونَـهُ ولا سِتْـرَ إلاَّ الأتْحَمِـيُّ المُرَعْبَـل
وَضَافٍ إذا طَارَتْ له الرِّيحُ طَيَّـرَتْ لَبائِـدَ عنْ أعْطَافِـهِ ما تُرَجَّـلُ
ويقول الفَرَزْدَق (658 – 728 للميلاد):
وَأَوْقَدَتِ الشِّعْرَى مَعَ اللَّيْلِ نارَها وَأَضْحْتْ مُحُوْلاً جِلْدُها يَتَوَسَّفُ
ويقول ذُو الرُّمَّة (696 - 735 للميلاد) في طلوع نجم الشِّعْرَى اليمانية في مطلع الليل في أول الشتاء:
إِذا أَمْسَتِ الشِعْرَى العَبُورُ كَأَنَّها مَهَاةٌ عَلَتْ مِن رَمْلِ يَبْرِينَ رَابِيا
ويقول فيها ابن المُعتز (861 - 909 للميلاد):
ولاَحَتِ الشِّعْرَى وَجَوْزَاؤُها كَمِثْلِ زُجٍ جَـرَّهُ رامِـحُ
ويقول المَعَرِّي (973 -1057 للميلاد):
إذا الشِّعْرَى اليَمَانِيةُ اسْتَنارَتْ فَجَدِّدْ لِلشَّامِيَّةِ الوِدَادَا
ويقول فيها الحُسين بن عبدالرحمن الرَّازي، ابن الفلكي الشهير عبدالرحمن بن عمر الرَّازي المعروف بالصُّوفي (903 – 986 للميلاد):
وَيَتْبَعُ الشِّعْرَى نُجُومٌ مُشْرِقَةْ زَوُاهرٌ خبَّرْنا عنْهُ الثِّقَةْ
وبلغ الأمر ببعض عرب الجاهلية أن قدَّسوا الشِّعْرَى وعَبَدُوها، وفي تحريم ذلك نزلت الآية القرآنية الكريمة التالية من سورة النَّجم:
"وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى" (سورة النَّجم، وهي السورة الثالثة والخمسون من سور القرآن الكريم، ألآية 49).
والقصد من ذلك أن ربُّ الشِّعْرَى وخالقها هو الله تعالى.
ونقول بهذه المناسبة أن الشِّعْرَى هي النجم الوحيد الوارد ذكره في القرآن الكريم، باستثناء الشمس.
عرب بلاد الشام كانوا يقولون أن الصيف يحل بعد أن تسقط جمراتُه
عرب فلسطين ولبنان وسوريا وشرق الأردن بشكل خاص كانوا يقولون أن للصيف جمرات ثلاث، تسقط الواحدة تلو الأخرى، وبعد سقوطهن كلهن يحل الصيف بكل هيبته وحره وقيظه. الجمرة الأولى، طبقا لهذا التراث الشعبي الأصيل، تسقط بتاريخ 20 شباط كل عام، والجمرة الثانية تسقط بتاريخ 27 شباط، أي أن كلا الجمرتين تسقطان في "عِزِّ الشتاء"، وتجدر الإشارة هُنا إلى أن شهر شباط، بالرغم من برده وقَرِّه ومطره، لا يخلو عادة من بعض أيام حارَّة، ومن هُنا أتى المثل الشعبي "شباط إن خَبَط وإن لَبَط رِيحة الصيف فيه"، والجمرة الثالثة تسقط بتاريخ 6 آذار من كل عام. ولا تزال مواعيد سقوط هذه الجمرات الثلاث، مع أربعينية الشتاء وخمسينيته بِسُعُودَاتِها الأربعة، وهي سعد ذابح وسعد بَلَع وسعد السُّعُود وسعد الخبايا، وأيام الحُسُوم، والمُسْتَقْرَضات، وأربعينية الصيف وخمسينيته، تُكتب في المفكَّرات العربية التي تُعد في هذه البلدان.
كلمة أخيرة
يبقى مناخ البحر الأبيض المتوسط، من أفضل المناخات على سطح الأرض، فهو من أكثر المناخات اعتدالا، ويخلو من الظواهر الجوية المتطرفة، كالأعاصير المدمرة، وعواصف الثلج القاسية، والجفاف الخانق، فتوجد على سطح الأرض مناخات أكثر حرا وقيظا منه، ومناخات أخرى أكثر بردا وقَرًّا منه، وتحت ظروفه نشأ جانب كبير من الحضارة البشرية، عندنا في هذه البلاد، وفي شواطئ البحر الأبيض المتوسط، خصوصا في حوضه الشرقي، وكذلك في اليونان الإغريقية والهيلينية، وفي إيطاليا الرومانية، وتحت ظروفه أيضا عاش ودعا الأنبياء والرُّسُل، ومن الناحية الزراعية تنمو به النباتات المعروفة الخاصة به، وأولها الزيتون الذي لا غنى عنه، والتين والتوت والرُّمان والحمضيات، وكثير غير ذلك، إلى جانب نباتات تربوية أصلها من البلدان الاستوائية الحارة، كالموز والماﻧﭽو، وإلى جانب نباتات أصلها من البلدان الباردة، كالتفاح والكرز، وكذلك إلى جانب نباتات أصلها من واحات الصحاري الحارة كنخيل البلح. هذه الصفات لا تتواجد على سطح الأرض إلا في هذا المناخ الذي نشكو من قيظه وجفافه في الصيف، وأحيانا من برده وصقيعه في الشتاء.
ونقول بهذه المناسبة أن الشِّعْرَى هي النجم الوحيد الوارد ذكره في القرآن الكريم، باستثناء الشمس.
عرب بلاد الشام كانوا يقولون أن الصيف يحل بعد أن تسقط جمراتُه
عرب فلسطين ولبنان وسوريا وشرق الأردن بشكل خاص كانوا يقولون أن للصيف جمرات ثلاث، تسقط الواحدة تلو الأخرى، وبعد سقوطهن كلهن يحل الصيف بكل هيبته وحره وقيظه. الجمرة الأولى، طبقا لهذا التراث الشعبي الأصيل، تسقط بتاريخ 20 شباط كل عام، والجمرة الثانية تسقط بتاريخ 27 شباط، أي أن كلا الجمرتين تسقطان في "عِزِّ الشتاء"، وتجدر الإشارة هُنا إلى أن شهر شباط، بالرغم من برده وقَرِّه ومطره، لا يخلو عادة من بعض أيام حارَّة، ومن هُنا أتى المثل الشعبي "شباط إن خَبَط وإن لَبَط رِيحة الصيف فيه"، والجمرة الثالثة تسقط بتاريخ 6 آذار من كل عام. ولا تزال مواعيد سقوط هذه الجمرات الثلاث، مع أربعينية الشتاء وخمسينيته بِسُعُودَاتِها الأربعة، وهي سعد ذابح وسعد بَلَع وسعد السُّعُود وسعد الخبايا، وأيام الحُسُوم، والمُسْتَقْرَضات، وأربعينية الصيف وخمسينيته، تُكتب في المفكَّرات العربية التي تُعد في هذه البلدان.
كلمة أخيرة
يبقى مناخ البحر الأبيض المتوسط، من أفضل المناخات على سطح الأرض، فهو من أكثر المناخات اعتدالا، ويخلو من الظواهر الجوية المتطرفة، كالأعاصير المدمرة، وعواصف الثلج القاسية، والجفاف الخانق، فتوجد على سطح الأرض مناخات أكثر حرا وقيظا منه، ومناخات أخرى أكثر بردا وقَرًّا منه، وتحت ظروفه نشأ جانب كبير من الحضارة البشرية، عندنا في هذه البلاد، وفي شواطئ البحر الأبيض المتوسط، خصوصا في حوضه الشرقي، وكذلك في اليونان الإغريقية والهيلينية، وفي إيطاليا الرومانية، وتحت ظروفه أيضا عاش ودعا الأنبياء والرُّسُل، ومن الناحية الزراعية تنمو به النباتات المعروفة الخاصة به، وأولها الزيتون الذي لا غنى عنه، والتين والتوت والرُّمان والحمضيات، وكثير غير ذلك، إلى جانب نباتات تربوية أصلها من البلدان الاستوائية الحارة، كالموز والماﻧﭽو، وإلى جانب نباتات أصلها من البلدان الباردة، كالتفاح والكرز، وكذلك إلى جانب نباتات أصلها من واحات الصحاري الحارة كنخيل البلح. هذه الصفات لا تتواجد على سطح الأرض إلا في هذا المناخ الذي نشكو من قيظه وجفافه في الصيف، وأحيانا من برده وصقيعه في الشتاء.
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير