خُطبةُ عيدِ الأَضحى، صفحاتٌ مِن مخطوطةٍ نادرة لِلشَّيخ علي الفارس
2016-09-01 10:30:00
خُطبةُ عيدِ الأَضحى، صفحاتٌ مِن مخطوطةٍ نادرة لِلشَّيخ علي الفارس
من أرشيف البروفيسور علي صغيَّر
حينما كان المرحوم الشَّيخ يوسف سلمان حبيش مِن يركِا يهدم السَّطح الطِّيني لبيته الحجري، في مطلع سنوات السِّتِّين مِن القرن الماضي، مِن أَجل إِبداله بسطح مِن الإِسمنت المُسلَّح بِالحديد، سقطت مِن أَخشاب السَّقف مخطوطةٌ وأَوراقٌ قديمة نادرة، تبيَّن فيما بعد أَنَّها مِن خطِّ سيِّدنا الشَّيخ علي الفارس. هذا البيت كان فيما مضى بيت أَهل سيِّدنا الشَّيخ، به وُلِد، وبه قضى فترة صِباه، وكان أجداد الشَّيخ يوسف حبيش قد اشتروا ذلك البيت، الذي يقع على بُعد مسافةٍ قصيرة إِلى الشِّمال مِن ساحة القرية، مِن أَقرباء سيِّدنا الشَّيخ علي الفارس مُنذ مدَّةٍ طويلة.
عدا عن عمليَّة ابدال السَّطح لم يُغَيِّر ولم يُبَدِّل المرحوم الشَّيخ يوسف حبيش شيئًا في البيت، وإِنَّما أَبقاه كما كان عليه في القرن الثَّامن عشر، احترامًا لحضرة سيِّدنا الشَّيخ، الذي هو مِن كِبار الذين دعَوا لدين الله على مرِّ العُصُور والدُّهُور، وسيِّدنا الشَّيخ علي، مَعَ الدَّاعِي سيِّدنا الشَّيخ أَبي السَّرايَا غَنَايِم بِن مُحَمَّد، ابن القرن الحادي عشر الميلادي، أَعظمُ وأَجلُّ مَن أَنجبتهم يركِا خلال تاريخها.
المرحوم الشَّيخ يوسف حبيش كان يدعو رجال الدِّين مِن أَبناء الطَّائفة، ومِن جميع القُرى الدُّرزيَّة بِالبلاد، في موعدٍ غيرِ مُحَدَّد، بِآخر الصَّيف أَو في بداية الخريف كلَّ عام، لزيارة بيتِهِ، بيتِ سيِّدنا الشَّيخ علي، مِن أَجل الاحتفال بذكرى سيِّدنا الشَّيخ الخالدة، وكان يُضيِّفُ الضُّيُوف والزُّوَّار على نفقته الخاصَّة، ولا يزال أَنجالُهُ سائرين على هذا النَّهج المُشرِّف.
سيِّدنا الشَّيخ علي كان ينتمي إِلى عائلة "أَلمَعَايْصَة" أَو "أَلمَعَايْضَة، التي انقسمت فيما بعد إِلى العائلات "عويْضَة" و "أَبو دولة" و "جَمَّال" و "كَحْلُوْل"، ونحن لا نعلم بالضَّبط تاريخ ولادته، ولكنَّ ذلك كان إِمَّا عام 1703 م، أو عام 1704 م. تُوُفِّيِت والدته وهو صغير، وكانت له شقيقة تُوُفِّيَت وهي صغيرة السِّنِّ، ورثاها الشَّيخ ورَثَا والدته أيضًا بِمَرَاثٍ شِعريَّة رائعةٍ وبليغةٍ ومُؤثِّرة، وبعد وفاة والدته تزوَّج والده، وزوجة والده كانت قاسية في مُعاملتها معه ومع شقيقته، فترك بيت والده وتوجَّه نحو كهف صغير وضيَّق، يُعْرَف باسم "نَقَّاطَة الشَّيخ عليٍّ الفارس"، وباختصار باسم "النَّقَّاطَة"، وهذا الكهف يقع في موضع صخري في أَعلى المُنحدر الجنوبي لوادي "سْمَاك"، الواقع إِلى الجنوب مِن يركِا. في ذلك الكهف قضى سيِّدنا الشَّيخ مدَّة أَربعين يومًا مع لياليها، انقطع خلالها إِلى التَّنَسُّك والعبادة، مُكتفيًا باليسير مِن الطَّعام والماء، ثمَّ انتقل بعدها إِلى قرية جُولِس، وهناك حلَّ ضيفًا على عائلة طريف، وكان يتنقَّل دائمًا بين جُولس ويركِا وخلوات البيَّاضة ببلدة حاصبيَّا. وفي جُولِس وافته المنيَّة بعد أَن سقط، وهو يُناجِي ربَّه، مِن سطح غرفته على الأَرض، ودُفِن بتلك القرية، وقبره هناك هو مزارٌ معروفٌ ومشهور، والغرفة التي عاش بها بِجُولِس، مثل بيت أَهله بيركِا، لا تزال موجودة كما كانت عليه في عصره، حتَّى هذه الأَيَّام الحاضرة.
وصل ليدنا مِن المخطوطة صورٌ بالأَلوان لِخَمسٍ مِن صفحاتها فقط، ولم يصلنا مِن باقي الأَوراق شيء، ونحن لا ندري أَين توجد المخطوطة والأَوراق، وقد حاولنا أَن نستقصي هذا الأَمر، وسألنا عددًا مِن الأَشخاص الذين لهم علاقة بالموضوع، لكننا لم نفلح في العُثُور عليها. وقد قارَنَّا هذه الصَّفحاتِ الخمسَ بمخطوطاتٍ أُخرى محفوظةٍ لدينا مِن خطِّ سيِّدنا الشَّيخ، وتأَكَّدنا أَنَّها مِن خطِّ يده الشَّريفة. ونحن نعتقد أَنَّ الشَّيخ دوَّن هذه المخطوطة والأَوراق قبل أَن يغادر بيت أَهله مُتَّجهًا إِلى "النَّقَّاطَة" بِوادي "سْمَاك"، وبعدها إِلى جُولِس، ورُبَّما يكون هو نفسُه، قد خبَّأَها في أَخشاب السَّقف.
الصَّفحات الأُولى والثَّانية والثَّالثة هي صفحات مُتتالية، وكذلك الصَّفحتانِ الرَّابعة والخامسة، ولكن تفصل بين هاتين المجموعتين مِن الصَّفحاتِ صفحاتٌ أُخرى لم تصل ليدنا ولا نعرف عددها.
سيِّنا الشَّيخ يدعو مخطوطته، أَو على الأَقلِّ الجزء الذي وصل ليدنا مِن تلك المخطوطة، بالاسم "خُطبة عيد النَّحْر"، أَي "خُطبة عيد الأَضحى"، وهو يستهلُّ هذه الخُطبة بتكبير وتمجيد الله تعالى، ثم يتحدَّث عن نيَّة سيِّدنا ابراهيم الخليل تقديم ابنه اسمعيل قُربانًا لله، ويتحدَّث أَيضًا عن معنى التَّضحية، كما يرد ذكر ذلك في القرآن الكريم، ومُستشهدًا بِعددٍ مِن الآيات القرآنيَّة الكريمة، وهو يتحدَّث أَيضًا عن الليالي العَشر، أَو "ليالي العُشْر"، التي تسبق عيد الأَضحى، أَي الليالي التي تبدأ بتاريخ الأَوَّل مِن ذي الحِجَّة كلَّ عام. والمخطوطة مكتوبة بخطٍّ واضحٍ وأَنيق وبضبطِ الحركات، وبلغةٍ عربيَّةٍ بليغة.
وفيما يلي نُصُوص هذه الصَّفحات الخمس:
الصَّفْحَةُ الأُوْلَى:
خُطْبَةُ عِيْدِ النَّحْرِ
اللَّهُ أَكْبَرُ ● اللَّهُ أَكْبَرُ ● اللَّهُ أَكْبَرُ ● اللَّهُ أَكْبَرُ ● اللَّهُ أَكْبَرُ ● اللَّهُ أَكْبَرُ ● اللَّهُ أَكْبَرُ ● اللَّهُ أَكْبَرُ ● اللَّهُ أَكْبَرُ ● اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيْرًا ● الحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيْرًا ● وَسُبْحَانَ الَّلهِ وَبِحَمْدِهِ بُكْرَةً وَأَصِيْلًا ● اللَّهُ أَكْبَرُ كًلَّمَا دَجَا ظَلَامٌ ● وَهَطَلَ غَمَامٌ ● واتَّسَقَ نِظَامٌ ● وَنَطَقَ لِسَانٌ بِكَلَامٍ ● وَمَا تَعَاقَبَتِ الأَيَّامُ ● وَتَكَرَّرَتِ الشُّهُورُ والأَعْوَامُ ● وَسَجَدَتِ المَلَائِكَةُ الكِرَامُ ● اللَّهُ أَكْبَرُ رَبُّ البَيْتِ الحَرَامِ ● وَزَمْزَمَ وَالمَقَامِ ●
الصَّفْحَةُ الثَّانِيَة:
وَالرُّكْنُ وَالمُسْتَلَمِ ● وَالحِلُّ وَالْحَرَمِ ● رَازِقُ الأُمَمِ ● فَالِقُ النُّوْرِ وَالظُّلَمِ ● أَلصَّمَدُ الذِّي يُطْعِمُ ● اللَّهُ أَكْبَرُ ● اللَّهُ أَكْبَرُ رَبُّ الحَطِيْمِ وَالمَجْمَرِ ● وَالنَّحْرِ والأَضحا (والأَضحى) وَالفِطْرِ والضُّحى وَلَيَالٍ عَشْرٍ ● وَالشَّفْعِ وَالوَتْرِ ● وَالَّلَيْلِ إِذا يَسْرِي ● اللَّهُ أَكْبَرُ كُلَّمَا طَلَعَ نَجْمٌ وَعَلَا ● وَأَسْفَرَ صُبْحٌ ● وَأَخْلَصَ قَلْبٌ وَوَعَا (وَوَعَى) ● وَاحرم مُحْرِمٌ وَلَبَّا (وَلَبَّى) ● وَكَبَّرَ في مَشْعَرٍ وَسَمَّا (وَسَمَّى) ● وَرَمَا (وَرَمَى) عَبْدٌ وَضَحَّا (وَضَحَّى) ● وَاعْتَمَرَ مُعْتَمِرٌ وَسَعَا(وَسَعَى) ● وَطَافَ بِالبَيْتِ العَتِيْقِ عَبْدٌ وَدَعَا (وَدَعَا) ● اللَّهُ أَكْبَرُ سُبْحَانَ مُشَرِّفِ الأَيَّامِ بَعْضَهَا
الصَّفْحَةُ الثَّالثة:
عَلَى بَعْضٍ ● سُبْحَانَ مَنْ اعَادَ بَرَكَةَ الأَعْيَادِ بِتَفْرِيْقِ الثَّوَابِ على أَعْيَادِهِ ● سُبْحَانَ مَنْ (كلمة مَمْحُوَّة) هذا الْيَوْمَ وَنَشَرَ رَحْمَتَهُ فِيْهِ عَلَى عِبَادِهِ ● سُبْحَانَ مَنْ قَدَّرَ بِطَوْلِهِ سُبْحَانَ مَنْ قَهَرَ بِحَوْلِهِ سُبْحَانَ مَنْ قَهَرَ العِبَادَ بِحُكْمِهِ سُبْحَانَ مَنْ يُسَبِّحُ كُلُّ شَيءٍ باسْمِهِ ● ● اللَّهُ أَكْبَرُ أَلحَمْدُ لِلَّهِ القَرِيْبِ بِالرَّحْمَةِ أُنْسًا بِعَبْدِهِ ● الَّذِي سَبَّحَ كُلُّ نَاطِقٍ وَصَامِتٍ بِحَمْدِهِ ● أَوَّلٌ لَيْسَ لِوُجُوْدِهِ أَوَّلٌ ● آخِرٌ لَهُ مُنْتَهَا (مُنْتَهَى) فَعَلَيْهِ المُعَوَّلُ ● احْمَدُهُ سِرًّا وَعَلَنًا ● وأَشْكُرُهُ عَلَى جَزِيْلِ إِحْسَانِهِ وَلَمْ يَزَلْ
♣ ♣ ♣ ♣ ♣
الصَّفْحَةُ الرَّابعة:
عَمِيْق ● في رِضَايَ كُلَّ (كلمة مَمْحُوَّة) وَضِيْقٍ ● قَدْ هَجَرُوا الأَوْطَانَ وَرَفَضُوا النِّسْوَانَ ● واوْحَشُوا الوِلْدَانَ ● (كلمة مَمْحُوَّة) يَا مَلَائِكَتِي إِنِّي قَدْ وَهَبْتُ لَهُمُ الثَّوَابَ وَالنَّعِيمَ ● وأَصْرَفْتُ عَنْهُمُ العَذَابَ الأَلِيْمَ ● وَتَقَبَّلْتُ فِي هذا البَيْتِ الكَرِيْمِ ● اللَّهُ أَكْبَرُ وَفِي مِثْلِ هَذا اليَوْمِ الجَلِيْل ● ابْتَلَى ابْرَاهِيْمُ الخَلِيْل ● بِذَبْحِ اسْمَعِيْل ● إِذْ رَأَى فِي المَنَامِ أَنْ قَرِّبْ وَلَدَكَ إِلَى رَبِّكَ واجْعَلْهُ وَسِيْلَةً لَكَ إِلَى يَوْمِ حَشْرِكَ فَبَادَرَ بِطَاعَةِ رَبِّهِ عَجَلَا ● وامْتَثَلَ أَمْرَ رَبِّهِ أَجَلَا ● وَقَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي المَنَامِ إِنِّي أَذْبَحُك فَانْظُرْ مَا تَرَا (تَرَى) ●
الصَّفْحَةُ الخامسة:
فَأَجَابَهُ زَيْنُ البَنِيْنِ يَا أَبَتِي افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ بِهِ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ الَّلهُ مِنَ الصَّابِرِيْن ● اللَّهُ أَكْبَرُ فَلَمَّا اسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجِبِيْن ● وَأَضْجَعَهُ عَلَى الْيَمِيْن ● دَمَعَتْ عَيْنَا الخَلِيْل (كلمة مَمْحُوَّة) وَرَمَقَ بِطَرْفِهِ إِلى السَّمَاءِ وَنَادَى بِرَفِيْعِ صَوْتَهِ (كلمة قسمها الأَوَّل مَمْحُوّ، وهي تنتهي بالحرفين --- في) أَنْ اَنْزِلِ الصَّبْرَ عَلَى المُبْتَلِي ● أَنْ يَذْبَحَ الآبَاءُ لِلأَبْنَاءِ ● فَضَمَّهُ إِلَيْهِ واعْتَنَقَهُ وَلَثَمَ فَاهُ واسْتَنْشَقَهُ وَهْوَ يُوَصِّيْهِ بِأُمِّهِ ● وَيُصَبِّرُهُ عَلَى أَلَمِه ● وَقَالَ يَا أَبَتِي شِدَّ وِثَاقِي ● وَمَكِّنْ خِنَاقِي ● وَلَا يُؤْلِمُكَ فِرَاقِي ● واقْبِضْ عَلَى غَلْصَمِي ● وَشَمِّرْ ثِيَابَكَ عَنِّي ● لِئَلَّا يُصِيْبَهَا شَيٌ مِنْ دَمِيْ فَتَرَاهُ عَيْنُ المِسْكِيْنَةِ أُمِّيْ فَيَتَغَصَّصَ (فَيَتَنَغَّصَ) عَيْشُها بَعْدِي ● وَافْرُشِ التُّرَابَ
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير