المِحْراثُ العَرَبِيُّ من أَرشيف البروفيسور علي صغيَّر
2016-10-28 10:08:00
بقلم: ﭽوتْلِيب شُوماخِر (1889)
أَلتَّرجمة عن الأَلمانِيَّة: علي صغيَّر
من أَرشيف البروفيسور علي صغيَّر
نَشَرَت "مجلة الجمعيَّة الأَلمانيَّة – الفلسطينيَّة"
(Zeitschrift des Deutschen – Palästina Vereins) في سنتها الثانية عشرة عام 1889 (الصفحات 157- 166) مقالًا للمهندس والباحث الأَميركي الأَلماني الأَصل الدُّكتور ﭽوتْلِيب شُوماخِر تحت اسم "أَلمحراث العربي" (Der arabische Pflug)، يصف فيه المحراث العربي التَّقليدي وصفًا دقيقًا، ويصف أَيضا أَهم الأَدوات الزراعيَّة التي كان يستخدمها الفلَّاحون العرب في الزَّرع والحصاد والدَّرس على البيدر، كما ويصف بشكل قصير ورائع بعض المصاعب التي كان يواجِهُها هؤلاء الفلَّاحون خلال العقود الثلاثة الأَخيرة من القرن التاسع عشر. وكُنَّا قد ترجمنا هذا المقال من الأَلمانيَّة إِلى العربيَّة منذ عدد من السِّنين، ونشرناه عام 2004 في مجلة "دارُنا"، التي تصدر عن الكليَّة الأَكاديميَّة العربيَّة بحيفا، ونحن نقدِّمه فيما يلي لقرَّاء "المدار"، ونقدِّم معه نبذة عن حياة كاتبه، ﭽوتْلِيب شُوماخِر.
ﭽوتليب شُوماخِر، مسَّاح ومهندس وباحث كبير
ولد ﭽوتليب شُوماخِر في بلدة زاﻨِﺴﭭﻴيل (Zanesville) بولاية أُوْهَايُو بالولايات المتَّحدة الأَميركيَّة بتاريخ 21 تشرين الثَّاني عام 1857 لِأَبَوَيْنِ من أَصل أَلماني، وكان أَبوه، يعقوب شُوماخِر، عضوًا في جمعيَّة فرسان الهيكل (Tempelgesllschaft) بأَميركا الشِّماليَّة، وتلك الجمعيَّة كانت جمعيَّة أَلمانيَّة هاجر بعض أَعضائها إِلى البلاد في الرُّبع الأَخير من القرن التَّاسع عشر ومطلع القرن العشرين، وبَنَوْا عددًا من المستوطنات الزِّراعيَّة، وهي ﭭﺎلْدْهايْم (Waldheim) وسَارُوْنا (Sarona ، اليوم: הקריה)، وَوِلْهِلْمَا(Wilhelma) ، ونُوْيْهارْدْتوف (Neuhardthof)، وبيت لَحْم الجديدة، وعددًا من الأَحياء المدنيَّة في بعض مدن البلاد (في حيفا وأُورشليم ويافا). وكان حافزُهم للسُّكنى في البلاد هو أَملهم وإِيمانهم بتحقُّق نبوءات أَنبياء التَّوراة والإِنجيل، واشتهروا بالنَّشاط والاجتهاد والنَّظافة، ولكنَّهم أُبْعْدوا عن البلاد خلال معارك الحرب العالميَّة الثَّانية علي اعتبار أَنهم مواطنون أَلمان انضمَّ كثيرون منهم لِلحزب النَّازي الأَلماني، وبذلك انتهى استيطانهم في البلاد، ولكن قسمًا كبيرًا من آثارهم لا يزال باقيًا حتى الآن في الأَماكن المذكورة.
وفي عام 1869 هاجر شُوماخِر الى البلاد مع عائلته التي استوطنت في المستعمرة الأَلمانيَّة بحيفا، على بُعد مسافة قصيرة الى الغرب من تلك المدينة (Deutsche Kolonie bei Haifa)، وكان موقع بيت العائلة قرب الطَّرف الشِّمالي للشَّارع الرئيسي أَو شارع الكرمل
(Haupt oder Carmel Strasse)، بين بيت ف. رَايْنْهارْت (Ph. Reinhardt)، الذي كان عضوًا في جمعيَّة فرسان الهيكل، وكان يعمل خيَّاطًا، في الجهة الشِّماليَّة، وبيت ك. أُوْلْدُورْف (K. Oldorf)، الذي كان هو الآخر عضوًا في نفس الجمعيَّة، وكان يعمل نجَّارًا، في الجهة الجنوبيَّة.
في حيفا درس شُوماخِر لمدة ثلاث سنين بمدرسة المُبشِّرين الفرنسيِّين، التي بها كان يتعلَّم الطُّلاب العرب، وبها تعلم الُّلغتينِ العربيَّة والفرنسيَّة، وبعد أَن أُقيمت مدرسة خاصة بالأَلمان في حيفا، درس بها لمدَّة سنة واحدة، توجَّه بعدها الى أَلمانيا، وهناك درس في مدرسة البِناء (Baugewerkschule) بمدينة شْتُوتْجارْت (Stuttgart)، ثم في الكليَّة التَّكنولوجيَّة الملكيَّة (Köngliches Polytechnikum)، ثم في مدرسة الهندسة العُليا (Ingenieurfachschule)، وبها اختصَّ بالهندسة المعماريَّة وبالفنِّ المعماري، وفي عام 1883 رجع الى حيفا وتعيَّن من قِبَل ملك ﭭيرْتِمْبِرچ مُستشارا للبناء في البلاد
(Köngliche Wuerttembergischer Baurat)، وفي نفس العام تزوَّج مَارِيَّا لانْچِة (Maria Lange)، إِبنة رئيس جمعيَّة فرسان الهيكل.
أَجرى شُوماخِر في البلاد أَعمالًا هندسيَّة عديدة للدَّولة العثمانيَّة وللمُبشِّرين المسيحيَّين وللمُهاجرين اليهود وللعرب، بالإِضافة إِلى أَعمال مسح وحفر اثري وجغرافي في شمال البلاد، وفي الجُولان وحوران بسوريا، وفي عَجْلُون بشرق الاردن، ونشر قسما كبيرًا من أَبحاثة ومكتشفاته العديدة في "مجلة الجمعيَّة الأَلمانيَّة – الفلسطينيَّة"
(Zeitschrift des Deutschen-Palaestina Vereins)، وكذلك في مجلَّة استكشاف فلسطين (Palestine Exploration Quarterly Statement, PEQS)، وفي عام 1896 منحته جامعة هَالِه (Halle Universität) شهادة الدُّكتوراة الفخريَّة.
في المراحل الأُولى من تخطيط ومدِّ سكَّة الحديد من عكَّا عبر حيفا إِلى دمشق، في إِطار التَّخطيط لخطِّ سكَّة حديد الحجاز المشهورة، خلال العِقدين الأَخيرين من القرن التَّاسع عشر، تعيَّن شُوماخِر مهندسًا مسؤولًا عن تعيين موقع خط السِّكَّة على الأَرض وعن مراقبة سير العمل، ولكنَّه استقال من عمله عام 1893 بعد أَن توقَّفت الشَّركة البريطانيَّة التي كانت مسؤولة عن مدِّ السكة عن العمل، وتلك الشَّركة كانت تُعرف بالاسم "الشَّركة السُّوريَّة لخطِّ القطار العثماني"
(The Syrian Ottoman Railway Company).
خلال معارك الحرب العالميَّة الأُولى في البلاد تجنَّد شُوماخِر للجيش الأَلماني وتعيَّن مهندسًا رئيسيًّا للفيلق العثماني الرَّابع (دُورْدُونْجِي أُورْدُوي)، وكانت وظيفته الرَّئيسيَّة تأمين المياه لهذا الفيلق. ومع انتهاء معارك الحرب العالميَّة الأُولى في البلاد، رجع إِلى أَلمانيا مع القوَّات الالمانيَّة المهزومة، وهناك سكن في مدينة ﺷْﭬيبش ﭼمِنْد (Schwäbisch Gmünd)، وبسبب لاشتراكه في الحرب منعته سلطات الانتداب البريطاني من الرُّجوع الى البلاد بالرَّغم من محاولاته المتكرِّرة للعودة، ولم يُسمح له بالرُّجوع الا بعد جُهد جهيد، وكان ذلك عام 1924، وبعد أَن رجع بمدة قصيرة أُصيب بالشَّلل وتُوُفِّيَ في حيفا بتاريخ 26 تشرين الثاني عام 1925، ودُفِنَ في مقبرة فرسان الهيكل (Templerfriedhof) بمدينة حيفا السُّفلى، على بعد مسافة قصيرة إِلى الجهة الجنوبيَّة الشَّرقيَّة من مستشفى رَمْبَام الحالي.
ترك شُوماخِر وراءه زوجة وتسعة بنين وبنات وأَحد عشر حفيدًا. وآخر من بقي في حيفا من خَلَفِهِ كانت ابنته نِلِي مارْتْشِينْكُوﭬسكي – شُوماخِر، التي تُوُفِّيَت بحيفا عام 1991.
بيت شُوماخِر لا يزال قائمًا حتى الآن بحيفا، وهو البيت ذو الرَّقم 12 في جادَّة داﭬيد بن غُوريون.
فيما يلي ترجمة لمقال شُوماخِر، وقد وضعنا بداخل أَقواس مربَّعة [ ] ما رأيناه مناسبًا لتوضيح بعض فقرات المقال، أَمَّا ما هو موجود بداخل أَقواس هلاليَّة ( )، فموجود في النصِّ الأَلماني الأَصلي.
♣ ♣ ♣ ♣ ♣ ♣
يُظهر الرَّسم التَّالي محراث الفلَّاحين كما يستخدمونه هم انفسُهم في محيط حيفا والنَّاصرة وطبريَّا. الفلَّاحون يدعون المحراث بمفهومه العامِّ وبشكله الكامل باسم "عُود حراث"، والمحراث، كما هو الوضع عند كل الشُّعوب المتحضِّرة، هو أَهمُّ أَدوات الفلَّاحة الضَّرورية، فكلّ الأَدوات الأُخرى المُستعملة في الزَّرع وفي الحصاد وغيرها، تُصْنَعُ بِتَرَوٍّ أَقلّ، وهي تكون أَقلَّ إِتقانًا.
يُصْنَعُ المحراث من خشب السِّنديان، وهو يتكوَّن من الأَقسام الآتية (الرسم رقم 1):
١. أَلكابُوْسَة: وهي قطعة الخشب العرضيَّة المثبَّتة في رأس الطَّرف الأَيسر للمحراث، وهي مُعدَّة للاتِّكاء عليها ولتوجيه المحراث، وهي تُغطَّى عادة بقطعة قماش للمحافظة على اليد.
٢. أَلذَّكَر: وهو قطعة الخشب التي تُثَّبِّتُ الكابُوْسَةُ في طرفها الأَعلى، وهو يُعرف بهذا الاسم لأَنَّه يخترق البُرْك، وقسمه الأَعلى ذُو مقطع مربَّع الشَّكل ، أَمَّا مقطع قسمه الأَسفل فمستدير، وفي طرفه الأَسفل تُرَكَّبُ السِّكَّة.
٣. أَلبُرْك: وهو قنطرة المحراث، ويكوِّنُ زاوية قدرها حوالي 80 درجة مع الذَّكَر، الذي يخترقه كما ذُكِرَ أَعلاه [يخترقه قرب طرفه الأَسفل كما ويخترقه النَّاطِح، وهو القسم الرَّابع من المحراث، على بُعد قصير من مكان اختراق الذَّكَر له].
٤. أَلنَّاطِح: وهو قطعة خشب على شكل زاوية، الذَّكَرُ يخترقُ طَرَفَها الأَيسر، أَمَّا طرفُها الأَيمن فيخترق البُرْك، ويُثَبَّت النَّاطِح بالذَّكَر بواسطة وتد خشبي يُوضَعُ بينهما.
٥. أَلسَّوايِر: وهي أَدوات وصل البُرْك مع الوَصْلَة، وهي عبارة عن أَربعة أَوتاد [إِثنان في الأَمام واثنان في الخلف وبينهما طوق حديدي].
٦. أَلوَصْلة: وهي قطعة من خشب السِّنديان، طرفها الأَمامي مرتفع، ووظيفتها إِطالة البُرْك، وطولها حوالي متر ونصف، ويوجد في طرفها الأَمامي المرتفع ثقب عرضي صغير تُثبَّت به قطعة خشب قصيرة، أَو يُثَبَّتُ به مسمار بُغية تثبيت النِّير بالمحراث.
٧. أَلسِّكَّة: وهي تُرَكَّب على الطَّرف السُّفلي للذَّكَر وتُصْنَع من الحديد المطروق مع رأس مُقَوًّى قليلا بالفولاذ.
ويتكون جناحا السِّكَّة (رسم رقم 8)، أَوِ الأُذُنَان، من الحديد المُسَطَّح وهُما تصنعانِ مع رأس السِّكَّة زاوية تتراوح بين 40 و 43 درجة، وطول كل واحد منهما يتراوح بين 40 و 47 سنتيمترًا، وعرضه خمسة سنتمترات، أَمَّا الأُذن الوسطى (رسم رقم 9)، أَو الطَّوق، التي يدخل بها رأس الذَّكَر، فسطحها الأَعلى محدَّب، أَمَّا سطحها الأسفل فيشبه التُّرس (رسم رقم 2). ويُعرف الرَّأس الرَّقيق للسِّكَّة، والذي يتراوح طوله بين 20 و 23 سنتيمترًاً، باسم "الحسمة" (رسم رقم 10).
يتراوح طول السِّكَّة بكاملها بين 60 و 70 سنتمترًا، أَمَّا عرضها عند أُذُنَيْها فيبلغ 30 سنتمترًا، ويبلغ طول المحراث من نهاية البُرْك حتى رأس الوَصْلَة حوالي مترين ونصف، وخلال الحراثة يبلغ ارتفاع مقبض المحراث، أَي الكابُوْسَة، عن سطح الأَرض حوالي 80 سنتمترًا.
يُرْبَط المحراث عند الطَّرف الأَمامي للوَصْلَة مع النِّير بواسطة حبل أَو جديلة من سعف النَّخيل يُطْلَق عليها اسم "الشَّرعة" (رسم رقم 3)، ويتمُّ تثبيتها بالنِّير وبالوَصْلَة بواسطة مسمار.
يتكوَّن النِّير من قطعة مستقيمة من خشب الصَّنوبر، وبالقرب من دمشق، وكذلك لدى الفلَاحين الأَغنياء في محيط النَّاصرة وحيفا، يتكوَّن من خشب الحَوْر، ولكنَّ استخدام هذا النَّوع من الخشب هو أَمر نادر لأَنَّ القطعة الواحدة منه تكلِّف حوالي ثلاثين قرشًا (أَي أَربعة ماركات ونصف). ويبلغ طول النِّير مترًا وثلاثين سنتمترًا وله مقطع دائري. وتوجد في طَرَفَيِ النِّير العُقَّافِيَّات أَو "الزَّغَالِيل" [أَو الزَّغَالِي]، التي تُرْبَطُ مع رقاب الثِّيران بواسطة حبال (الرسم رقم 4)، والعُقَّافِيَّات تتكوَّن [تُصْنَع] من خشب السِّنديان القوي.
من أَجل تنظيف السِّكَّة وحثِّ الثِّيران على العمل تُستخدم قطعة من خشب السِّنديان طولها متران ونصف مُثَبَّت في طرفها الأَعلى مسمار حادٌّ، ويُعْرَفُ هذا الطَّرف باسم المِنْسَاس [المَسَّاس]، أمَّا على طرفها الأَسفل فمُرَكَّبَة قطعة حديديَّة مُسطَّحة على شكل المجراف، يتراوح طولها بين 18 و 20 سنتمترًا وتُعْرَفُ باسم العَبْوَة (رسم رقم 5).
أَمَّا فيما يخصُّ باقي أَدوات العمل الزِّراعي فنحن نستطيع أَن نذكرها بشكل سريع لأَنَّها اقلُّ أَهميَّة. بعد أَن يتمَّ تفكيك التُّربة بواسطة المحراث، يبذر الفلَّاح السُّوري بُذور الشِّعير أَو الحنطة على سطحها، وهو يضع كمية من هذه البُذور في معطفه او في قميصه إِذا لم يكن لديه معطف، وهكذا فهو يستطيع أَن ينثر البُذور بشكل هادئ خلال مشيه. من أَجل بَذْر الذُّرَة، الذي يجب أَن يكون متناسقًا وأَقلَّ كثافةً بالمقارنة مع الحنطة، يَستخدم الفلَّاح البُوْق، وهو أُنبوب من الصَّفيح له شكل القمع وطوله 80 سنتمترًا وقطر فتحته العُليا حوالي 15 سنتمترًا، أَمَّا قطر فتحته السُّفلى فيبلغ ثلاثة سنتمترات، وعبره تسقط بُذور الذُّرَة ببطء خلال الزَّرع (رسم رقم 6).
وعندما يأتي وقت الحصاد يستخدم الفلَّاح المِنْجَل الذي يُصْنَع من الفولاذ، وله شفرة مسنَّنة وعُقَّافِيَّة صغيرة في طرفه العُلوي بواسطتها يُجْمَعُ القشُّ، ومِقبض، إِمَّا من الحديد أَو من الخشب (رسم رقم 7).
ولأَجل درس الحبوب على البيدر يستخدم الفلَّاح "لوح الدّراس" [اي النَّوْرَج]، وهو لوح من الخشب سطحه السُّفلي مملوءٌ بحجارة البازلت الصَّغيرة، ولِقَلْب القشِّ يُسْتَخْدَم "الشَّاعُوب"، وهو قطعة خشبية تُحَضَّر من غصن سنديان ذِي شعبتين، ولاحقًا بعد أَن لا يبقى إِلَّا التِّبن والقَصَل والحبوب، فهو يَسْتَخِدم "المِذراة" (الرَّسمانِ 8 و 9)، وهي قطعة من خشب السِّنديان لها خمس أَسنان، ويبلغ عرضها حوالي 30 سنتمترًا وارتفاعها حوالي 35 سنتمترًا، وطولها حوالي متر ونصف. ولغرض نقل القشِّ على الجِمال أَو الحمير يَسْتَخِدم الفلَّاح شباكًا مجدولة من سعف النَّخيل لها عُقَّافيَّات خشبيَّة تُعْرَف باسم "الشّباك".
بالإِضافة لأَدوات الزَّرع والحصاد هذه، فإِن الفلَّاحين يملكون أَيضا أَدوات للغربلة، وأوَّلها الكَرَابِيل المصنوعةُ شَبَاكَتُها من الأَوتار الجلديَّة المحبوكة معًا، بحيث يكون طول ضلع الفتحة الواحدة منها حوالي سنتمتر ونصف، وهي تشبه شباك الفئران الأُوروبية. وهناك أَداة أُخرى للغربلة تُسْتَخْدَم على البيدر بعد الكُرْبال، وهي الغِرْبال العادي ذو العيون الضَّيِّقة، الذي يستخدمه فقط الأَغنياء في المنازل لتنظيف الحبوب [لا ندري لماذا لم يذكر شُوماخِر الحَوَالِيل].
في حوران وعَجْلُون يُسْتَبْدَل الحديد والصَّفيح والحبال بالخشب وسعف النَّخيل والجلد. وهكذا فإِنَّ البُوْق مثلا، المستخدم في بذر بُذور الذُّرَة، يتكوَّن [يُصْنَع] من غصن متين من نبات القصب، يُشَقُّ طرفُه الأَعلى [في عدَّة مواضع، بحيث تتكوَّن بعد الشَّقِّ عدة قطع] يتمُّ إِبعاد رؤوسها الواحد عن الآخر ولفِّها بالجلد أَو بسعف النَّخيل [بحيث يتكَّون من جرَّاء ذلك ما يشبه المخروط في القسم العُلوي من غصن القصب] وبه يُوضع القمع المطلوب، الذي اكتشفنا انه يُصْنَع في الجليل من الصَّفيح (رسم رقم 10).
من أَجل الفلَّاحة تُستخدم الثِّيران في الجليل، زوجٌ منها لكلِّ محراث (رسم رقم 11)، وبالقرب من المدن يُسْتَخْدَم ايضا الكديش (وهو بغل عادي عديم الأَصل)، ونادرًا ما يُسْتَخْدَم الحمار، أمَّا الجمل فلا يُسْتَخْدَم مطلقا كحيوان للحراثة.
في الجليل يُقْصَدُ دائِما بالمصطلح "فَدَّان"، العملُ الذي يقوم به زوج من الثِّيران، عادة خلال شهر واحد خلال موسم الحراثة كلَّ عام.
وبالقرب من حيفا والنَّاصرة، أَي في المحيط المجاور [لِحيفا]، يفلح الفلَّاح بالاستعانة بزوج من الثِّيران بالمعدل 30 فدَّانًا ﭭيرتِمْبِرﭼيًّا [نسبة لمملكة ﭭيرتِمْبِرچ بجنوب غرب أَلمانيا] كلَّ عام أَو 9.45 هكتارًا. وحسب هذا فإِنَّ الدَّولة [العثمانيَّة] تحاسب [الفلَّاح]، إِذ أَنَّ الفدَّان القانوني يعادل 100 دونم أَي 9 هكتارات. وفي حوران والغَوْر، يُسْتَخْدَم غالبًا زوجٌ من الثِّيران في الحراثة، والعمل المُنجز هنا في الحراثة هو الضِّعف [أَي ضعف ما يُنجز في الجليل وبالقرب من حيفا والنَّاصرة]، والدَّولة تحاسب [الفلَّاح] على عمل كهذا على اعتبار أَنَّه يساوي 200 دونم أَو 18 هكتارا للفدَّان الواحد.
هذا المبلغ المتكوِّن من 322 ماركًا يُمَكَّنُ الفلَّاح من أَن يُدير فدَّانًا واحدًا. والمبلغ هذا يمكنُ دفعُهُ أَيضا من قِبَل مالك الأَرض المحلي، إِذ يجب على مالك الأَرض العربي أَن يزوِّد به كلَّ حرَّاث جديد، وهو يُسجِّله عليه بالفائض وفائض الفائض حتى المحصول، بحيث يُخْصَم على البيدر من نصيب الفلَّاح بالمنتوج، وهو الخُمْس. وإِذا كان الفلَّاح رديئًا في حساب الفائض، وإِذا كان صاحب الأَرض في نفس الوقت طمُوعًا لا يفرِّق بين الحلال والحرام، فلا يكون من العجب أَن يجد الفلَّاح نفسه، بالرَّغم من العمل المُضني [الذي قام به]، مُدانًا لصاحب الأَرض، أَلأَمر الذي يرغمُهُ كلَّ سنة على ترك القرية [قريته]، وبناء خُصِّه الطيني في قرية أُخرى، وإِذا ارتفعت ديون الفلَّاح بشكل ملحوظ فإِنَّه يرزم لحافه وطناجره وقربته معا، وفي أَقصى الحالات، إِبريقه ومداسه أَيضا، على حماره الوحيد، هذا إِذا بقي الحمار مُلكًا له، ويغادر مع زوجته بصحبة هذه الأَدوات في الليل وفي الضَّباب عبر غَوْر الأُردنِّ باتجاه حوران أَو عَجْلُون، حيث يكون آمنًا من الظُّلم.
أَمَّا بشأن صنع هذه الأَداة الزِّراعية [أَي المحراث]، فهي من اختصاص الصِّناعة المحليَّة لبعض القرى بالإِضافة للنَّاصرة، أَمَّا في حيفا وعكَّا وصفد وطبريَّا، فهي لا تُصْنَع.
قُبيلَ موسم الزَّرع يتجوَّل "مُعَلِّم"، أَي شخص متمكِّن من صُنع هذه الأَداة، في القرى المأْهولة بالسُّكَّان، مُزَوَّدًا بِمِنشارٍ مقبولٍ نسبيًا من بين أَسوإِ المناشير، وبِقدُّوم، وفي حالات نادرة أَيضًا بفأْرةِ نجَّارٍ ايضًا، ويجلس بقرب ساحة شيخ إِحدى القرى القريبة، وسُرعان ما ينتشر نبأ وصوله في المحيط القريب، وعندها يلتقط كل فلَّاح محراثه المُحتاج للإِصلاح، إِمَّا من خُصِّه، أَو غالبًا من مزار وليّ القرية المقدَّس، حيث يكون قد أَودعه خلال فصل الصَّيف، ثم يرفعه على كتفه ويسير به مُغَنِيًا عبر الجبال والأَودية باتجاه "المُعَلِّم"، وخلال مسيره يقطعُ فرعَ شجرةٍ ملائمًا ويجلبه "للمُعَلِّم"، الذي يُلقيه جانبًا بعد أَن تُشير ملامح وجهه باستعلاءٍ أَنَّه غير ملائم للاستعمال. ويتجمَّع الفلَّاحون حول "المُعَلِّم" بإِعجاب واجلال مراقبين عمله، عندما يُعْمِل القدُّوم في المحراث الجديد، وعندما يُديره ويقلبه، وعندما ينظر اليه بِعينٍ واحدة [مُغْمِضًا الاخرى، لفحص مدى استقامته]. وبعد ان يضربه ضربة أُخرى، يبدأ بالعمل والتَّمليس بالفأْرة. وهو يقيس أَطوال أَقسامه المختلفة [أَقسام المحراث] بالإِصبع والشِّبر.
وعندما يصبح المحراث جاهزًا، تبدأ المُساومةُ على ثمنِ محراثٍ آخر، ويستمرُّ الجدل حتى يتمَّ التَّوصُّل إِلى سعرٍ مقبول. بعد ذلك يرجع كل فلَّاح في طريقه مُحَمَّلًا بمحراثه، وفي الطريق يتحدَّثون بالَّلهجة العربيَّة الفلَّاحيَّة مع مَنْ يصادفونهم عن مهارة "المُعَلِّم"، قائلين:
"والله مْعَلِّم، مَا فِي مِثْلُه، وحَقّ الله يعرف بِالشِّبر"!.
حيفا، شهر آذار سنة 1889
***********************
بقيت أَقسام أُخرى للمحراث ولأَدوات الحراثة التَّابعة له لم يذكرها شُوماخِر في مقاله، وهذه الأَقسام، كما يدعوها سكَّان يِرْكا، وسكَّان بعض القرى الأُخرى في الجليل الاعلى الغربي، هي كما يلي:
1- أَلقرَاع: وهو مسمار خشبي يُثَبِّت الكابُوْسَة بالطَّرف الأَعلى للذَّكَر.
2- أَلفِجْلة: وهي الطَّرف السُّفلي للذَّكَر، وعليها تُرَكَّبُ السِّكَّة.
3- أَلبَيُّور: وهو مِسمار خشبي أَو حديدي قصير قطره يتراوح بين سنتمتر واحد وسنتمترين اثنين، وطوله يتراوح بين 10 و 12 سنتمترًا، يدخل في ثقب بالذَّكَر تمامًا فوق الطَّرف العلوي للنَّاطِح في موضع دخول الذَّكَر به، ووظيفة البَيُّور هي تثبيت النَّاطِح في موضعه ومنع انزلاق طرفه العُلوي على الذَّكَر.
4- أَلكَفّ: وهو قطعة خشبية من السِّنديان تُستخدم كوصلة لرأس البُرْك في حالة تلف هذا الرَّأس.
5- أَلرَّغْلة: وهي وتد خشبي يدخل بين رأس البُرْك والوَصْلَة، أَو بين رأس الكفِّ والوَصْلَة، لغرض رفع رأس الوَصْلَة عن سطح الأَرض، إِذا دعت الحاجة لذلك.
6- أَلثَّعْلبة: وهي قطعة خشبيَّة من السِّنديان تُسْتَخْدَم كوصلة لرأس الوَصْلَة في حالة تَلَف الرأس.
7- أَلمنْتَعة: وهي قطعة خشبيَّة متينة أَو قطعة معدنيَّة تُثَبَّتُ في رأس الوَصْلَة، وبها تُعَلَّقُ عين الشَّرعة. هذه القطعة ذكرها شُوماخِر في مقاله إِلَّا أَنَّه لم يذكر اسمها.
8- أَلشّباق: وهو حبل قصير يُلَفُّ حول رقبة حيوان الحراثة ويُرْبَطُ في ثقبين موجودين بالطَّرفين الأَسفلين للزَّغْلُولَيْنِ المُتَدَلِيَّيْنِ من الطَّرف الأَسفل للنِّير حول رقبة الحيوان، ووظيفته تثبيت النِّير بالرقبة.
9- الإِكْلِيل: وهو قطعة دائريَّةٌ مفتوحة في وسطها، من الجلد أَو من القماش المتين يتراوح عرضها عادة بين 10 و 12 سنتمترًا، وقطر فتحتها بين 30 و 50 سنتمترًا، تُلَفُّ حول رأس الحيون ويُرْبَطُ طَرَفاها بحبل قصير تحت رأسه. إِستخدام الأَكاليل مقصور عادة على الحالات التي تُسْتَخْدَم فيها الحمير للحراثة وذلك من أَجل ضمان عدم الحاق الضَّرر برقابها، بالمقارنة مع رقاب الثيران الغليظة والقوية، التي لا تحتاج، عادًة، إِلى أَكاليل كهذه.
10- الشَّرعة: وهي حلقة تُصنَعُ إِمَّا من الجلد الحيواني المتين، أَو من الحِبال المتينة، وتوضعُ في وسط النِّير، وتُربط في أَسفلها "عَيْن الشَّرعة".
11- عَيْن الشَّرعة: وهي طوق حديدي قطره حوالي عشرة سنتمترات يُعَلَّقَ في أَسفل الشَّرعة، وبه يتم ادخال المنتعة، اي القطعة الخشبيَّة او المَعْدِنيَّة القصيرة المُثبَّته في رأس الوَصْلَة عندما يُرادُ تعليق الوَصْلَة بالنِّير.
12- أَلرّياح: وهو حبل طويل يُرْبَط أَحد طرفيه برأس الحيوان من الخارج، أَمَّا طرفه الآخر فَيُربط إِمَّا في الذَّكَر تحت الكابُوْسَة، أَو يمسكه الحرَّاث بإِحدى يديه ويجذبه وقت الحاجة من أَجل توجيه الحيوان وقت الحراثة. إِستخدام الرِّياح مقصور عادة على الحالات التي لا يكون بها الحيوان معتادًا على الحراثة، أَو إِذا كان شرسًا أَو غير راغب في العمل ويحاول الهرب.
13- أَلمَصَّة: وهي الوتد الخشبي الذي يوضع بين النَّاطِح والذَّكَر، أَو بين الذَّكَر والبُرْك.
هذا الأَوتاد تُسْتَخْدَم في حالتين:
أ. خفض زاوية ميل الذَّكَر مع السِّكَّة المُركَّبة على طرفه الأَسفل بالِّنسبة لسطح الأَرض وذلك من أَجل الحرث الضَّحل. في هذه الحالة تُوضع "المَصَّة" بين النَّاطِح والذَّكَر، و"مَصَّة" أُخرى بين الذَّكَر والبُرْك في الجهة الخلفيَّة للذَّكر.
ب. رفع زاوية ميل الذَّكَر بالنِّسبة لسطح الأَرض من أَجل الحرث العميق. في هذه الحالة تُوضع "مَصَّة" بين الذَّكَر والبُرْك، في الجهة الأَماميَّة للذَّكَر.
14- الكدَّانة: وهي قطعة خشبيَّة متينة، تُصْنَعُ عادةً من خشب السِّنديان، شكلها كشكل الرَّقم ۸، وقطرُها يتراوح عادةً بين خمسة وثمانية سنتمترات، وطولُها حوالي نصف المتر، تُوضَعُ على رقبة الحيوان وقت الحراثة وبها يُرْبَطُ المحراث، وهي تُسْتَخْدَمُ خصوصًا عندما تتمُّ الحراثة على حيوان واحد، بدل حيوانين اثنين.
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير