" خيبة العم هاني "قصة قصيرةـ بقلم: شريف صعب ـ أبو سنان
2013-12-07 23:31:23
" خيبة العم هاني "قصة قصيرةـ بقلم: شريف صعب ـ أبو سنان
لم أُشاهد في حياتي أسعد منه في هذه اللّحظات الّتي صادفته فيها ، دون قصدٍ ، وقد اعتلت الإبتسامات مُحيّاهُ وغمرت السّعادة قلبَه وتعالت ضحكاته وهو يقهقه بصوتٍ عالٍ دونما حساب لمن حوله . كان يضحك مطوّلًا وهو يردّ على أحد النّقالَيْن عندما ضرب جرسُهُ ... وأحيانًا كان يردّ على الإثنين معًا ، حيث كثيرون هم الّذين اتّصلوا به في هذه اللّحظات التّاريخيةِ من حياته ، فكان يطلب من المتّصلين، أحيانًا "لحظة" ! حتى يردّ على النّقال الآخر ، ثمّ يعود للأول فيردّ عليه ، هكذا خلال عشرات الدّقائق  !! لقد كان سابحًا غارقًا في فرحةٍ عارمةٍ دون أن يُعير ما يدور حوله أيَّ اهتمام ... وكأنّه حاز على جائزةٍ عالميّة، أو كنسرٍ اقتنص صيدًا دسِمًا لأفراخه، أو كمن نزلت عليه بركة السّماء ... مرّةً واحدةً !!!
  فهمت من كلامه وحركاته أن زوجته قد ولدت- للتوِّ- مولودًا ذكرًا ولم تلد بنتًا ، كما تنبّأت جميع فحوص "الأولتراساوند " التي أُجريت لها خلال فترة حملها ! حقًّا إنّها لمفاجأة عظيمة حيث ليس هيّنًا أن ينتظر الأب ابنة ثم يولد له ابنًا ذكرًا ...خصوصًا أنّه كان قد راهن كلَّ أقربائه أنّ زوجته حاملٌ بولدٍ ذكر وليس ببنت !!!!
وها هو قد ربح الرّهان ! كنّا نجلس خارج غرفة عمليّات النّساء الحوامل وقد أُجريت لزوجته عمليّة قيصريّة وقد أنجبت ولدًا . أمّا أنا فقد رافقت ابنتي أيضًا لتُجري عمليّة جراحيّة لولادة ابنتها الثّانية ، ولم يكن الوضع يسمح لي إلّا للصّلاة لهؤلاء الحوامل .... ولسلامتهنَّ! أمّا هو وقد بُشّر بولد فقد سمح لنفسه بخوض كلّ مساحات السّعادة الكونيّة ! لم أعرف من أين أتى هذا الرّجل أو ما هي بلدته أم لأيّ طائفة ينتمي ولم يهمني كل ذلك، بل أدهشني كونه رجلًا خفيف الظّل ، ضحوكًا  ، فرحًا في لحظة سعادةٍ قصوى  ومع أنّ شكله لم يكن جميلًا إلّا أنّ روحه كانت طيّبة إلى حدٍّ بعيدٍ .
    لم أدر لماذا لقّبته لمن كانوا حولي " هاني" حيث وجدته يشبه " هاني " من المسلسل السوري " عائلة ستّة نجوم"  مع قليل من عبدو فقد كان يشبههما إلى حدٍّ بعيدٍ في طوله وسمنته وشكل وحهه ... ربّما كان أقلّ سُمنةً من هاني إلّا أنّ باقي الأمور تطابقت تمامًا ... غَنْجةُ الصّوت وملامح الوجه والقدّ!
لقد كان أسلوبه متشابهًا في ردّه على المتّصلين ، هكذا : "ألو ، أهلًا ، الحمدلله ، كلّه تمام ، المرأة ؟ في ال התאוששות ، نعم ، صبي حضّروا أكياس الحلوى ، حضّروا ، حضّروا ومصاري الرّهان.... شكرًا ، الله يسلمِك / يسلمَك ، مع السّلامة باي !" هكذا كان الحالُ مع  عشرات المتّصلين!!
من شدّة خفّة دمّه ساورني حبُّ الفضول بأن أتحرّش به ... لأُضحكه أكثر، حيث أنّ ضحكتهُ كانت تضحكنا جميعًا ! قمت من مكاني سرت نحوه وقلتُ له : " مبروك ! ساعدك الله على سيل المتصّلين !" فضحك وقال على الفور !" تسعة أخوة وخمس أخوات ، غير أخواتها وأخوتها .... الكلّ يتّصل ويهنئ ....فبدل بنت جاء ولد والمفاجأة كبيرة والحمدلله وقد ربحت الرّهان ... والآن أصبح عندي ولدان وبنت !" فقلت له : " طيّب ، أعطني رقمك لأتصل بك من نقّالي وأباركك !" فضحك كل من كان جالسًا بالقاعة ... أمّا هو فقهقه أكثر من المتوقّع ... كما يقهقه عبدو صاحب أبي صياح !!
فهمت من كلامه أيضًا أنّه قد عطّل يوم عمله من أجل الزّوجة واعتقدت أنّه ذو منصبٍ عظيم فسألته عن عمله فأجابني "שומר" ثمَّ علَت بسمة رضا على وجهه .أجبته " حلو " ثمّ عدت إلى الكرسيّ الذي كنت جالسًا عليه.
خلال دقائق بشرّتنا الممرضة أنّ عمليّة ابنتي قد انتهت وأنّها أنجبت بنتًا ، كالمتوقّع ، وأنّها في ال " התאוששות "وأنّ كلّ شيء على ما يرام ؛ عندها فقط تركت زوجتي وزوج ابنتي ، بعد أن باركت له بالمولودة الجديدة ، وعدت إلى البيت ، حيث اطمأنّت نفسي وارتاح فكري !
لم أخبّئ عنكم أنه كان يلائمني أن تلد أبنتي أيضًا ولدًا ، ذكرًا ، وأنه قد أساءني ، شيئًا ما ، كثرة الضّحك عند هاني / عبدو  ولم يكن ذلك ليضرّني فابنتي قد ولدت ابنتها الثّانية وكالمرّة الأولى بعمليّة جراحيّة ولكن من أين لنا أن نتحكّم بأمورٍ ... لا نقدر عليها ؟!
لقد ترك بي "هاني " أثرًا كبيرًا حيث أضحكني وأفرحني بحركاته الجميلة وبردوده على " جمهور " المتّصلين به !
في اليوم التّالي توجّهنا ، أنا وزوجتي ، لزيارة البنت والحفيدة الجديدة وكم كانت فرحتي عظيمة عندما وجدتهما في صحّة جيّدة ولقد كان منظرًا ساحرًا بالنّسبة لي حينما شاهدت الطّفلة ترضع بطمأنينة كبيرة من أمّها ...وهي مطبقة عينيها كالملاك ؛ قبّلتهما معبّرًا عن شعوري الأبوي الصّادق ثم قلت :" يا لها من طفلة جميلة ، أعتقد أنّها ستصبح من أجمل الصّبايا .... عندما ستكبر !" فأفرحت بكلماتي قلب ابنتي ... وخفّفت من آلامها !
 بعد دقائق ، خرجتُ من الغرفة ونظرتُ إلى الممرّ المحاذي لغرف النّساء المُنْجبات ورأيت صديقي من الأمس القريب ، هاني ، واقفًا إلى جانب الحائط أمام غرفة زوجته ، متّكئًا عليه فتوجَّهت إليه مباشرةً لأحييه .
لقد ارتسمت صورته في مُخّيلتي باسمًا ضاحكًا سعيدًا جميلًا ،أمّا الآن فقد رأيته ... وقد اختلفت عنده الأمورُ : فوجدته عبوسًا مهمومًا ، حزينًا شاحب الوجه .. غارقًا في عالم آخر يختلف عن عالم الأمس ، فلم أهضم ما أنا فيه . حييّته فردّ التّحية ببرودة كبيرة وشعرت أنّ الدّموع تقف في عينيه ، لقد تصّرف كطفلٍ خائفٍ وكأنّه لم يرَ صورة وجهي من قبل . قلت له :" كيف الحال ، الحمدلله على السّلامة ، كيف "العريس ؟! " فردّ بفتورٍ بارزٍ وشعرت كأنّ الدّنيا تجثم على صدره واعتقدت أنني ربما أسأت له في البارحة ! فقلتُ :" ما لَك يا راجل ، إنشاالله خيرًا !" فنطق بصعوبة قائلًا :" الولد عنده مشكلة في قلبه !"
أحسست أنّ قلبي يتقطّع لسماع الخبر وأدركت أنّ الموقف لا يحتمل أكثر من ذلك فقلت :" سلامتكم أعانكم الله على الصّمود !" لقد انقلب هاني رأسًا على عقب وتغيّرت أحواله تمامًا . عدت إلى غرفة ابنتي وحفيدتي ، قبّلتهما بشغف وحمدت ربّي على" الخلاص والخلقة مثل النّاس " وفي ضميري كنت أصلّي لهاني وابنه أن يشفى سريعًا وأيقنتُ أنّ "السّلامةَ  غنيمةٌ "وتحقّقت من المقولة التي تقول :" أنت تشاء وأنا أشاء ... والله يفعل ما يشاء !!
 لم تغبْ قصّة "هاني" هذا عن مُخيّلتي طيلة الوقت ، مع أنّني أعلم أنّه ربّما سوف لن أشاهد صورة وجهه بعد إلى الأبد !! .    
  

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير
الاسم الكامل :
مكان الاقامة :
التعليق :
هام جدا : أدارة الموقع لا تنشر اي تعقيب فيه تجاوز لقانون القذف والتشهير, وتقع المسؤلية على كاتب التعقيب
Copyright © almadar.co.il 2010-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع المدار الاول في الشمال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت
X أغلق
X أغلق