لو كان "منديلا " رحمه الله عربيًّا ... أو يهوديًّا... بقلم : شريف صعب- أبوسنان
2013-12-12 15:10:19

لو كان "منديلا " رحمه الله عربيًّا ... أو يهوديًّا... بقلم : شريف صعب- أبوسنان
في هذه الأيام تجري مراسم تشييع الراحل "نلسون منديلا " الرجل الأفريقي العظيم ، الذي هزّ العالم برحيله ... كما هز العالم بحياته ... من أقصاه إلى أقصاه ! وها هي الملوك ورؤساء الدول والأمراء والشيوخ والوفود تهرع للمشاركة بهذه المناسبة التاريخيّة ! حقّاً إن هذا الرجل العبقري يستحق كل ذلك ويستحق أن تحزن أمم الأرض عليه وأن تضاء الشموع بالملايين لروحه الطاهرة وأن تطلق الصلوات ...
جدير بنا ، نحن أبناء الشعب العربي ، في هذا المشرق العزيز أن نقف لحظة ونفكر ونتذكر مسيرة حياة الرجل ، وأن نعلّم أبناءنا في البيوت وفي المدارس عن الراحل وعن تاريخ الشعوب والنضال ، فنحن في أمسّ الحاجة لذلك .
فطفل أسود يولد في قرية صغيرة في جنوب غرب أفريقيا ... يصبح رئيس جمهورية بلاده التي رزح شعبها الأسود تحت نير الانتداب البريطاني الذي حكم البلاد بقبضة حديدية ، هذا الرجل يترأس جبهة النضال من أجل التحرّر وكرامة الأنسان الأسود ، صاحب البلاد ، وينجح بعد أن ضحّى شعبه تضحيات جسام في نيل الأرب ! حقًّاً إنه تراث انسانيّ بطولي جدير بأن تتعلمه الأجيال الصاعدة في كل مكان وزمان !
 لقد حكم البيض (الأنجليز) السود (الأفارقة) واستعبدوهم خلال مئات السنين حتى جاء منديلا وأبناء جيله وفكّوا الطوق وعبروا حاجز الخوف من المستعمرين الحاكمين المدجّجين بالسّلاح وأعلنوها ثورة سلميّة ضد العنصريّة ومن أجل كرامة الأنسان مهما كان وأزاحوا نير الفصل العنصريّ " الأبارطهايد" عن صدر شعبهم الذي عانى وقاسى الأمرين !!
منديلا هو أول محامٍ أسود يفتح مكتب محامين في بلاده وبسبب ترأسه للنّضال على رأس حزب المؤتمر الأفريقي حُكم بالسجن المؤبّد في عام 1964حتى عام 1994 حيث فاز برئاسة الدولة ،لأول مرة ، في التاريخ ، في أعقاب انتخابات حّرة فازت بها الغالبية السوداء على الأقليّة البيضاء المستعمِرة . وكان الفضل الكبير للرئيس الأبيض الذي حكم " ديكلرك " ولسياسته المستمدة من روح العالم الحرّ الذي تيقّن أنه لا مجال لوقف سيل ـ الحرية العرم الذي هبّ في قلوب ورؤوس الشعب الجنوب أفريقي . ان هذا الفهم للأمور أوجد حسن النوايا عند الشعبين ومن ثم التصالح التاريخي وانتقال السلطة للسّود !!
لقد تحرّر منديلا من سجنه وأصبح رئيسًا وأعطى الكرامة والاحترام لجميع أبناء الشعب ، بيضًا وسوداً على حدّ سواء وأرسى دعائم الديمقراطيّة والمساواة والاحترام المتبادل . هكذا نرى أن العقل سيطر على العاطفة وتناسى كل ذي حقّ حقّه وانطمست الأحقاد والضّغائن حتى أن منديلا دعا لحفل استلامه رئاسة الدولة رجال الشرطة الذين حرسوا عليه في سجنه ليكونوا معه لحضور هذا الحفل ، ثم أصبح سجنه متحفًا وطنيًا يؤمّه السيّاح من جميع أنحاء العالم .
 بعد رئاسته دُعي لقصر بكينغهام في لندن حيث استقبلته الملكة إليزابيث استقبال الملوك ثم حصل مع ديكليرك ، رئيس الجمهوريّة الأبيض سابقًا ، على جائزة نوبل للسّلام .
حكم منديلا البلاد لبضع سنوات ثم تنازل عن الحكم  لرؤساء سود انتُخبوا من بعده وهكذا حتى يومنا هذا . بعدها تفرغ لرفع شأن بلاده على السّاحة العالميّة فرفع من مكانتها ثم تفرغ للأعمال الخيريّة حيث ترأس جمعية مكافحة الأيدز وخصوصًا في القارّة الأفريقية وقام بنشاطات أخرى أوصلت إلى أن تجرى الألعاب الأولومبية لكأس العالم في كرة القدم في بلاده ، لأول مرة بتاريخ أفريقيا عام 2010 وقد أعتُبر ذلك من أكبر الانجازات العالمية على المستوى الرياضيّ .
إن هذه الشخصية الفذّة لرجل عملاق كمنديلا تستحق بجدارة الوقوف عندها ... كغاندي أو كابراهم لنكولن وكآخرين من العمالقة وحبّذا لو تعلّم العرب واليهود من هؤلاء ... روح التسامح والاحترام المتبادل ونبذ العنصرية ، عندها ربّما تعمّ الحرية وتُؤخذ الحقوق ويعمّ السّلام المنشود !! فزعماء الشعبين تحدّثوا خلال عشرات السنين عن السلام دون أن يكونوا صادقين حتى مع أنفسهم !!
لقد تعبت عقولنا من التغنّي بهذا السلام ولكن ... إلى متى !؟
ثم انظروا أيّها الناس إلى حياة ونهاية منديلا ثم إلى المشاهد التي تحزّ بنفس كل بشريّ عاقل فيما يتعلق بنهاية زعماء العرب من زين العابدين وحتى مبارك وكيف انتهوا هم وتماثيلهم المزيّفة التي حُطِّمت بالنّعال وبالعصيّ !! أهذه قيادة وزعامة ، وقيادة وزعامة منديلا زعامة ؟؟! ثم تعالوا لنرى إلى ما آلت إليه الأمور في جميع بلاد "الربيع العربي " ، كيف سادت الفوضى وانحلّ الحكم وأصبح الموت والدّمار سيّدا الموقف !! ثم انظروا إلى مآسي الشعب السوري المُشتّت في البراري والقفار ودول الجوار " وإلى جرائم الدمار !!
أعلى كرسيّ أم على مبدأ عقائديّ أم على ماذا ؟؟!
أهكذا تُحكم الشعوب ... بالوراثة أو بـِ ..."إما أنا أو لا أحد !!" ماذا يبقى للتاريخ من القادة العرب إذًا ؟
 أراهن أنه رُبّما لم تُذرف دمعة واحدة على هؤلاء ...!
تعالوا لننظر إلى ما صنعهُ الشعب الأسود في جنوب أفريقيا بقيادة الرجل الأسود منديلا ، وما فعله القادة العرب أصحاب الذهب الأسود لشعوبهم فستجدونا نقول :" ابكي يا عين !"
والسؤال المطروح هو ما هي كميّة الاعتبار الذّاتي عند العربي يا ترى !؟ فإذا أجرينا مقارنة بين حياة منديلا ومماته وبين حياة وممات الزّعماء العرب ، حتمًا سنجد الجواب دون عناء . فليكن مثواك الجنّه يا نلسون منديلا. 

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير
الاسم الكامل :
مكان الاقامة :
التعليق :
هام جدا : أدارة الموقع لا تنشر اي تعقيب فيه تجاوز لقانون القذف والتشهير, وتقع المسؤلية على كاتب التعقيب
Copyright © almadar.co.il 2010-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع المدار الاول في الشمال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت
X أغلق
X أغلق