طُغــاة الشــوارع بقلم: مارون سامي عزّام
2014-02-01 11:58:11

"اللي عمينقتلوا عالطرقات أكثر من اللي عميستشهدوا بالحرب" جملة في محلها، ما زالت عالقة بذهني، تذكرتها الآن، قالها الفنان دريد لحام في مسرحيته الشّهيرة، "كاسك يا وطن"، ما زالت هذه الجملة، سارية المفعول، إزاء ما يجري اليوم في شوارع المدن من حوادث سير وطُرُق بشعة. حقًا لقد غدت ظاهرة حوادث الطرُق كابوسًا مقلقًا يراودنا ليس في منامنا، بل يطاردنا خلال سفرنا اليومي.
لقد انتقل صراع البقاء من عالم الحيوان، إلى عالم الإنسان، إذ نجد بعض السّائقين المنحرفين اجتماعيًا، يصارعون أهواءهم، سياراتهم باتت رهينة أمزجتهم، زمامير السيّارات القادمة، تُنذرهم بقُرب حدوث الأسوأ، ولكن سائقيها عديمي الإحساس.
حوادث الطرق تحدث في بعض الأحيان، نتيجة تصادم سلسلة من الضغوطات اليومية بعضها ببعض في رأس السّائق، فتتوتّر أعصابه، إذ تجعله يسابق ليس فقط الزمن، بل يسابق أيضا طرُق الحياة التي أمسكته بقبضتها قائلة له: "اصحَ، فِق واخرج من بحر يأسك هذا، وواجه الأمور بعقلانيّة واتزان فكري"، ولكن نرى أن بعض السّائقين قد تحوّلوا في لحظات إلى أحد طغاة الشّوارع عن غير عمد، ويتصرّف عليها بوحشية، دون أن ينتبه لما يدور حوله، لا يُذعن إلى شارات المرور، يداهم مجال الرؤية المحدود عن غير وعي، فتُباغته سيّارة ما قادمة قبالته، ولا يُحسن التَّصرّف أمامها، فينزل هذا الطّاغية عن عرش سيارته، إمّا جريحًا أو قتيلاً، هكذا تحولت السيّارة من وسيلة نقل مريحة، إلى آلة حيوانيّة.
باتت أخبار حوادث الطرُق تلاحقنا عبر الإذاعات والصحف الأسبوعية والمواقع الإلكترونية المحليّة، التي تنشر وتذيع يوميًا عن مصابين بجروح متوسّطة أو بالغة، تنشر الصحافة الإلكترونيّة بل كل لحظة، خبرًا عن قتلى مسحتهم الشوارع خلال ثوانٍ، بدون عناء، لم تستوعبهم المستشفيات، بل استوعبتهم ديار الآخرة!! رغم أنّي أعتبر السّائقين المتهوّرين جَرحى نفسيًا وعقليًا، ينزفون آراءً مُسبقة فاسدة عن أصول قيادة السيّارات.
"شوارع الموت الرهيبة آخذة بالطول والأعمار آخذة بالقصر"، هذه هي معادلة العصر، فسيفساء الحياة، رصفت على جدران العُمر، صورًا رهيبة تحكي عن ضحايا الحوادث، سواء من الأطفال أو الشباب أو كبار السن، الذين ما زالوا يعانون إلى هذا اليوم أو ربّما مدى الحياة من إعاقة جسديّة، نتيجة الحوادث، وهُم يصرخون: "كفى أيها الطغاة، أوقفوا بطشكم الأخلاقي على الشوارع".
موضة شُرب قسم من الشّبّان الصّغار المشروبات الروحية في الحفلات والأعراس، تُفقدهُم الإحساس بالواقع، وتجعل من عقلهم مسرحًا مترنحًا، فيركبون السيّارات، وغشاوة الخمرة تحجب عنهم معالم الطريق، ويبدأ الخطر يتربّص بهم، وهُم يرفعون شعار "תן גז"، شيفرة تدهور السيّارات، وتدهوّر أرواح هؤلاء الشّبان نحو جحيم الموت، مقابل متعة التحرّر النفسي من "الترسّبات الإرشاديّة" لمُعلّم السياقة!! فيُطيحون بها، مقابل التضحية المجّانية بآلة حديديّة صمّاء اسمها السيارة!!
لقد نَكّل بعض الأبناء بتوصيات أهاليهم التربويّة، فبعد أن علّموهم السّياقة في جيل مبكّر، وسلّموهم مفاتيح سيّاراتهم التي كلّفتهم مبالغًا طائلة، تجاهل بعض ملوك الشّوارع العُراة أخلاقيًا، أنّ تعليم السّياقة كلّفت أهاليهم مبلغًا كبيرًا، رغم الظّروف الماديّة الصّعبة لبعضهم، من أجل أن يتباهى ابنهم أو ابنتهم بين أبناء جيلهم، ويصوّرون يافطة "נהג חדש"، ليضعوها على موقع الفيس بوك.
إن لهفة بعض الشبّان الصّغار المراهقين، المتشوقين لرؤية الرخصة بين يديهم، جعلتهم ينالون ليس فقط مفاتيح سيارة والدهم، بل نالوا مفتاح "الأنا الأجوف"، الذي حرّر أقدامهم من متعة رياضة السير ولو لبضعة أمتار!! يجب ألاّ ننسى حرقة بعض الطلاب على دراسة السياقة نظريًا في سن مُبكّر جدًا، أحد ابتكارات وزارة المواصلات، التي تسمح لطلاّب المدارس بدراسة قوانين السير نظريًا، كم أحَب على قلبي لو أن بعض هؤلاء الشغوفين بقيادة السيّارات، أن يهتموا بقيادة فكرهم نحو دروب الثقافة، وأن يتوقّفوا لحظةً عند شارة القراءة.
وزارة المواصلات ما زالت تسن تشريعات قانونيّة غير مقبولة بنظري، تحت رعاية الكنيست، للأسف الإحصاءات الأخيرة تُشير أن ثلث حوادث الطُرُق سببها الجيل المراهق، وهذه "الشرعيّة الرّسمية"، تعني أن وزارة المواصلات هي الطّاغية الأكبر، وليس فقط البنى التحتية السيئة للشوارع في إسرائيل عامّة وفي الوسط العربي خاصّةً، المتّهم دائمًا أن أغلب حوادث الطرق تحدث عند العرب!!
بعض سائقي السيارات العموميّة، والأجرة، ينغل بداخلهم حب المبارزة والمباهاة بسياراتهم الضخمة، وهُم حلفاء الشاحنات بالقيادة الجنونيّة، ويشكلون طرفًا بتسببهم لحوادث الطرق، إذ تدحر وحشيّتهم سائقي السيارات الصغيرة إلى الهاوية، رغم خبرتهم الطويلة بالقيادة... يجب ألا ننسى البيلفون أحد المسببات للحوادث، وذلك عندما يتحدّث به السّائق، وهو يقود السيارة بيدٍ واحدة... أحد توصيات وزارة المواصلات، لجميع وكالات السيارات، أن تستورد السيارات وبها تقنية البلوتوث، التي توصل الهواتف الخليوية تلقائيًا.
طرق المكافحة التي تتبعها الشرطة، بإنزال أقصى العقوبات الغرامات المالية، لم تردع هؤلاء السائقين، وسائل الحذر والتحذير، المجهّزة بقسم من السيّارات الجديدة، لم تعُد مجدية بشكل كاف. وزارة المواصلات توقّفت عن بث التوعية في وسائل الإعلام!! لم يعُد لنشاطات المؤسسات والهيئات أي تأثير على السائقين، لأنه يوميًا نرى فاجعة جديدة، فنسمع صفير سيارات الإسعاف، تجمع أشلاء الجثث، وذلك السائق الطّاغية "داعس بسيارتو" نحو منحدر الموت السريع، كي يسير أهله في طريق الآلام الفظيعة.


 

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير
الاسم الكامل :
مكان الاقامة :
التعليق :
هام جدا : أدارة الموقع لا تنشر اي تعقيب فيه تجاوز لقانون القذف والتشهير, وتقع المسؤلية على كاتب التعقيب
Copyright © almadar.co.il 2010-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع المدار الاول في الشمال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت
X أغلق
X أغلق