في البحر والمجتمع بقلم: الدكتور نجيب صعب – أبو سنان
2015-04-08 17:31:23
لقد خلق الله سبحانه وتعالى هذه الدنيا بحكمة غريبة, حيث تشمل الكثير الكثير من الابداعات السماوية والالهية في مجالات شتى ولا حصر لها , ففيها المتناقضات , وفيها المتجانسات وفيها كثير من التوافق والتشابه والتكامل .
فمن يكرس بعض الوقت ويمعن النظر بنظرة ثاقبة وموضوعية في هذه الامور , يمكنه ان يتعلم الكثير , ويمكنه ان يستخلص العبر من قدرة القادر سبحانه وتعالى . فأذا اتقن المرء هذه النظرة يمكنها ان تكون له بمثابة درس يستفيد منه في حياته اليومية .
فاذا توقفنا هنيهة من الوقت والقينا نظرة امعان وتفرس حقيقية الى البحر بمحتوياته وبكبره وبلجاته وباللون الذي يعكس زرقة السماء , لوجدنا عبرا لا تحصى هي عبارة عن موجه لنا في تسيير مسارات تفكيرنا , تأملاتنا وتطلعاتنا .
وكذلك اذا تفرغنا بعض الوقت والقينا نظرة خاطفة وسريعة على المجتمع الانساني نتيقن ان الله سبحانه وتعالى كون هذا المجتمع وادخل فيه متناقضات كثيرة يصعب سردها , ففيه العديد والكثير من النوعيات الانسانية والانماط العائلية والاجتماعية والنظم والعادات التي ينتهجها الناس في حياتهم اليومية .
فعلى سبيل المثال نلاحظ ونرقب في البحر الخضم الدرر والكنوز الثمينة التي تكمن في اعماقه , والتي يستخرج منها الكثير الكثير من المواد الثمينة والنفيسة , وفي نفس الوقت نجد في المجتمع وفي طياته واعماقه كثيرين من الناس من النوعية الانسانية الحقة , والذين هم بمثابة كنوز طبيعبة يعتبرون عماد المجتمع وذخره في تعاملاتهم , في درايتهم وفي تسيير الامور كما يجب , فهم اقوى من كنوز البحر وبامكانهم تعزيز روح الاحترام والتعاون والبناء المشترك لمصلحة الانسانية .
واذا اتيحت لنا الفرصة وجلسنا لفترة ما على شاطئ البحر نرى الامواج المتعالية عن بعد وبسرعة فائقة تقترب لتنصب على الشاطئ وكأنها بذلك تعبر عما ينم به البحر بلون ضحكتها ناصعة البياض , وربما تكون ناشئة عن تضارب وتفاعل داخل هذا اليم , فاحيانا تكون لطيفة خفيفة مهضومة واحيانا تكون قاسية كالريح العاتية وربما تسبب اخطارا واضرارا معينة .
وفي المجتمع ايضا ترى ايها الانسان من خلال صحوة من التفكير تراه يحتضن في داخله امواجا واضطرابات غير بارزة للعيان , وانما تتمثل بتوترات داخلية بين بني البشر من افراد ومن مجموعات , قد تتمخض عن نتائج يمكن ان تكون في الاتجاهين اما ايجابية واما سلبية .
ولا يغيب عن احد ان البحر يحوي انواعا متنوعة من الحيوانات المائية , منها الحيتان الضخمة والاسماك المعروفة بشراستها وكبرها او صغرها , ففي البحر ذاته تسيطر الحيتان وكذلك الاسماك المشهورة في حجمها ونوعيتها , فكبيرها يتسلط على صغيرها , وربما يقضي عليه او يلتهمه في بعض الاحيان , هذا الامر , لمن يدركه , لا يختلف كثيرا عما يحويه المجتمع الانساني من بني البشر , فالاقوياء منهم الاثرياء وارباب المناصب العليا , وربما اصحاب المصالح من من تعجبهم انفسم كثيرا كثيرا , تراهم يسيطرون هم على المواقف دون الاكتراث بهؤلاء الضعفاء والبسطاء والمساكين , وربما يظلمونهم وبقوة جارحة تفوق ما يفعله كبار المسيطرين في البحر .
والامثلة على التشابه والتوافق في الصفات وفي النهج بين البحر والمجتمع لا تعداد لها , وتعطي في كثير من الاحيان الجواب الشافي والصحيح لاسئلة كثيرة قد يطرحها المرء في حياته اليومية , ويمكنه ان يستفيد منها اذا اعطاها حقها كاملا في التفكير وفي النظرة الموضوعية , ولا مجال لذكر هذه الامثلة والادلة لكثرتها .
الا انه لا بد من التنويه هنا اليك ايها الانسان , ايها المخلوق المفضل في هذا الكون الصاخب , عليك ان تأخذ العبرة من البحر والمجتمع , عليك ان تدرك جيدا مدى اهميتهما في حياتنا على طريق التعلم والاستفادة , والنظرة الثاقبة نظرة التفاؤل والايجابية , عليك ان تعي انهما يحتضنان كثيرا من الامور برحابة صدر , وبتروي , وتعيش فيهما متناقضات كثيرة ومتباعدات في الشكل وفي الحجم وفي التفكير وفي النوعية , ومع كل هذا ترى التفاعل والاستمرارية تسير في طريقها رغم القساوة والضراوة واللين والسهولة .
فعليه يمكننا نحن بني البشر تعلم الكثير من هذين العملاقين , خاصة في الصبر والتسامح ورحابة الصدر لتصبح طرق ودروب التعامل بيننا افضل بكثير ونعيش حياتنا بانماط حيوية ومستقيمة .
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير