شيء حقيقي بقلم كميل فياض
2015-05-18 09:47:21
شيء حقيقي
ماذا يعني حقيقي ..؟
هل يوجد شيء حقيقي ؟
كل يجيب من داخل النموذج الذهني ، الفكري ، النفسي الخاص الذي يراه ، يؤمن به ، ويطمح اليه ..
قد يكون الشيء الحقيقي عند كثرة من الناس هو الجنة بسبعين حورية في الحياة الأخرى .. وعند كثرة من الناس يتجلى على الارض في " فيلة " فاخرة فوق رابية خضراء غناء ..
وقد يكون هو المال والانغماس في الملذات .. قد يكون فكرة فلسفية أخاذة ، ثقافة ، عقيدة ، رياضة ، لعبة الخ الخ ..
ويغدو الانترنت والفيسبك لدى كثرة من الناس هو الشيء الحقيقي ، وكل إدمان على شيء يتحول الى مخدر حقيقي وشيء حقيقي .. فهل الشيء الحقيقي هو الذي تتعلق به نفوسنا وعقولنا ، بغض النظر عن قيمته الوجودية ، ومدى واقعيته ؟
فكم شيء حقيقي يوجد اذن ؟
في الواقع حين لا نملك انفسنا لا يحق لنا التحدث عن شيء حقيقي ، او حتى عن غير حقيقي ، فالمعرفة بالغير حقيقي تمثل الوجه الآخر للمعرفة بالحقيقي ..
حين لا نملك نمو اجسادنا ، بنائها وتفككها ، لا نملك افعال اجسادنا اللاارادية ، كالتنفس ودوران الدم وتحويل الغذاء ، وعمل القلب والكلى ،والغدد ، وانتاج الطاقة الخ ، وهي مليارات الافعال في كل لحظة ..
حين لا نعرف كيف تبرز افكارنا وتتكون ، وكيف تبرز مشاعرنا وتتكون ، وكيف نختار ولماذا ..
حين لا نملك سيطرة على عقولنا وهي تنتقل من غرض الى غرض ، ومن هم الى هم ، ومن وهم الى وهم .. حين لا ندري متى وكيف سيأخذنا عزرائيل .. كيف يمكننا بالتالي ان نعرف ، ونعرِّف الشيء الحقيقي من غير الحقيقي ؟
وهنا لعلنا نقدم عرض صغير حول حقيقة موضوعية ، نعيش عمومًا في غفلة عنها ، وهو امر (طبيعي) اذ لو كنا سننتبه لكل حركة وسكنة فينا لما تيسر لنا العيش العادي المعروف ، وكان لا بد ان يكون لنا اكثر من مخ وأكثر من جهاز اعصاب واكثر من عقل ..
التواضع قد يفيد ، واذا تقدمنا خطوة مع التواضع باتجاه السكون والهدوء الداخلي ، ثم بدأنا نتأمل فينا وفيما حولنا ، واخذنا نحقق ونتساءل ، نفكك ، نحلل ، ونقارن ، ندرس افكارنا ونراقبها ، وننتبه لمشاعرنا ونراقبها .. سندرك ان لا شيء في عالمنا الحسي يمكن ان نسميه حقيقي ، بالمقارنة مع ما نصبو اليه تلقائيًا وعفويًا في الجوهر ، وذلك بدءاً من اجسادنا .. فبدون كثير جهد يمكن ان نفهم ان نفوسنا تحب الحياة لأنها من بعض الحياة ، وتحب الحياة الأبدية ، لأنها من بعض الحياة الأبدية ، وتحب الخير والجمال والفرح والسعادة ، لأنها ببساطة من بعض كل ذلك ..
ان الطبيعة الجوهرية لنفوسنا تأبى الموت ، فهي موجودة قبل الوجود الجسدي ، وباقية بعد فناء الجسد – بغض النظر عن المعرفة والجهل كما نتصورهما - ..
اما اختبار ذلك يتم (كحال ) و (هنا والآن) في الحاضر ، وليس في المستقبل ، او في الآخرة .. من يريد معرفة نفسه قبل الحياة الجسدية وبعدها زمنيًا، لا يمكنه ذلك ، اذ لا يستطيع ان يعود الى الخلف زمنيًا ، او يسافر للمستقبل ..
هو لا يستطيع ان ينتظر ولا معنى للانتظار ، لأن كل خلية فيه وكل ذرة في محيطه في تبدل دائم ، بين كل لمحة واخرى ، ولذلك لا يبقى الشخص الذي يريد ان يعرف نفسه هو نفسه – والقصد على المستوى الحسي والذهني – مثلاً : بعد كل اغتسال نبدل هوية ، اذ ملايين الخلايا الميتة التي هي نحن قبل الاغتسال ، تتساقط عن اجسامنا لتظهر غيرها ..
الشيء الحقيقي هو ثابت لا يتغير ، واعٍ بذاته ، لا يستمد وجوده من سواه ، وهو فينا ، في اعماقنا ، وهو الذي يمكننا من الانتباه الى المتغير والمتفكك ، وهو الذي يدفع بنا للبحث عنه في الاشياء التي لا تحمله ، الا كانعكاس عَرَضي ظِلالي .. من هنا يجب التفتيش عنه فينا لا في الاشياء ، " فبالتوحيد تُعرف الأشياء وليس بالأشياء يُعرف التوحيد " اي بالكشف عن الواحد غير المتحول وغير المتجزئ فينا ..
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير