مصادر معتقداتنا وخياراتنا ..بقلم كميل فياض
2015-05-21 18:55:51
حياتنا عمومًا غارقة في تفاصل ظواهرية غير قابلة للحصر .. و(الشيطان) " يكمن بالتفاصيل " ليس فقط بالقصد التقليدي السلبي ، اي بقصد التضليل وإخفاء بعض الحقائق او تحريفها ، تنقيصها او الزيادة عليها وحسب ، بل أصلاً لأن التفاصيل تأخذنا عن أصل وجوهر وجودنا ، باعتباره واحد وراء جميع الاختلافات ، حيث الاتصال به يتخطاها جميعًا ويكشف زيفها وشكليتها ..
كيف نؤمن بشيء معين لا بغيره ، باتجاه معين ، بفكر معين ..؟
هل صفاتنا سابقة على خياراتنا ، بالتالي طبيعة هذه الصفات هي التي تحدد طبيعة المعتقدات والمسالك والمفاهيم والاخلاقيات ..؟
قد نشاهد هذه المسألة في الحيوان بوضوح ، فلا يتخطى نوع من الحيوان تصرفه وسلوكه مع تطور الزمن ، فتظل تصرفات الزرافة زرافية ، وتصرفات الأسد أسدية الخ ، ويَثبُت ان تدريب وتأليف الحيوان لا يغير من طبيعته الجوهرية .. لكن اذ نحن البشر نختار – في الظاهر تصرفاتنا – هل بإمكاننا قبل ذلك اختيار صفاتنا ، هل نستطيع تغييرها ؟ ام نحن محكومون لصفاتنا ، بالتالي هي اقدار محسومة سلفاً وحاسمة لمصائرنا ؟
معروف ان هذه التساؤلات وسواها شكَّلت ولا تزال تشكل موضوع ابحاث علمية مختلفة ، لم تنفصل عن الفلسفات والاتجاهات الفكرية والايديلوجية والدينية المعروفة المختلفة ، حيث كل منها يميل الى تفسيرات تخدم نظرات وقناعات
معينة ..
من تلك الاتجاهات والمدارس ، ما يعود الى ما قبل علوم النفس الحديثة المختلفة ، والتي يحاول بعضها ان يكون علميًا بالمعنى التطبيقي التجريبي بكل ما يقول ..
ومن ذلك جاء ان سلوك الانسان – اي خياراته – حتمية مرتبطة بصفات وراثية كرمسومية جينية ، بنسبة 16 – 18 % وبعضها عَكَس النتيجة ، ليكون الانسان –مبدئيًا وجوهريًا - حراً في الاختيار .. وهذا التناقض في الاستنتاج ينفي عن الاتجاهين ، او عن احدهما – على الاقل – الادعاء العلمي ، ويخدم الانقسام الفلسفي والعقائدي القديم ، حول مسألة التخيير والتسيير .. حيث منها ما ابقى على (التسيير) خدمة للأنظة الثيقراطية الدينية ، والديكتاتورية .. واما انصار (التخيير) عمومًا ، لتبرير حرية التصرف والتمرد على القواعد السلفية والمحافِظَة ..
اما ما اسميته بعلم حقيقة الوجود ، وهو العرفان التجاوزي يفصل بين نوعين مختلفين من العلم ، واقصد بالعلم : كامل ما تهدف اليه الكلمة ، اي العلم بمعناه التجريبي الخالص .. حيث لا كهانة ولا تحليل ولا تفسير ، اذ الكهانة والتحليل والتفسير عناصر ترتبط بما ليس واضحًا بالبداهة ، او بما هو متحول من حال الى حال ، حسب معطيات مستجدة متغيرة جوهريًا ، كما هو حاصل مع أدوات العيش والاتصال وطرائق العمل والتنظيم والانتاج الخ ، وتباعًا القيم والمسالك الاجتماعية
.. فعلم حقيقة الوجود اذن يتعامل مع الوضوح مع البداهة والاطلاق ، استنادا الى اختبار داخلي حي مباشر ، ولذلك هو لا يحتاج الى تفسير وتحليل ، إلا كطريقة مرحلية ، وكمحاولة تعبير وتوصيل رمزي لمن لم يتصلوا بجوهر وجودهم ، وهم الاغلبية من العلماء والمفكرين ، عوض سائر الناس ..
ما هو هذا العلم ؟
علم حقيقة الوجود يحصل عند توقف التفكير في حالة من الوعي اليقظ ، فالتفكير
هو تحديد للوعي ، وهو تشكيل له ، وهو صطلحة ، اي جعله اصطلاحي ، وهو حَجب للوعي ، وفصل وفصم وتجزيئ .. فالوجود هو ذاته الوعي بالوجود ، كما ان الشمس هي نفسها الاضاءة والإشعاع ، ولا فصل الا بالتعبير والكلام ..
واختلاف الناس فيما بينهم حول شتى المواضيع ، نابع من سيطرة الفكر عليهم ، وهو الحامل والمنتِج الأول للانا الفردي والشخصي ، الذي تتشكل من وحداته المختلفة ، الطوائف والشعوب والأمم والأجناس الخ .. وهو مصدر الانقسامات والعقائد الدينية والتصورات والمفاهيم المرتبطة بالغيوب المختلفة ..
واذ يبدأ فهمنا لأنفسنا ، واتصالنا بالوجود غير المحدود في ذاته ، لحظة توقف التفكير ، لا بد لذلك من تبني تقنية التأمل العرفاني التجاوزي طريقاً للمعرفة ، بصورة رسمية في دور العلم والجامعات والمدارس ..
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير