المواجهة الدرزية ما بين النظرة الشمولية والنظرة الضيقة
2015-06-16 10:42:38
المواجهة الدرزية ما بين النظرة الشمولية والنظرة الضيقة
...ما بين "شعرة معاوية" والتعقّل و...قلب"ركاردوس"
ودقّ طبول النّفير.....! بقلم:شريف صعب-أبوسنان
تواجه الطّائفة الدّرزيّة في هذه الأيّام في سوريا واقعًا جديدًا قاسيًا، فرضته عليها مُجرياتُ الأمور في دولةٍ متقطّعةِ الأوصال ومنهكةِ الأحوال.هذه الأزمة المستعصية والّتي عانى منها الدّروز الأمرّين،كغيرهم من السّوريّون، خلال سنوات الثّورة، من خلال خدمة أبنائهم في صفوف جيش النّظام، والتّضحيةُ الجمّة الّتي دفعوها من أجل بقائه...هذه الأزمة كلّفتهم الكثير من الضغوطات النّفسيّة والفكريّة والصّراعات "الدّاخليّة" عند كلّ واحدٍ منهم...إزاء اتّخاذ المواقف!
لقد فرّقت هذه الثورة وفصَلَت بين أبناء الوطن الواحد وبين أبناء المذهب الواحد وحتّى ما بينَ الأخ...وأخيه!
واليوم فقد"وقع الجدُّ" كما يقولون،حيث وصلت المعركةُ إلى عتبات جبل الدّروز وإلى شُرُفات بيوت السّويداء العامرة،وأصبح المصيرُ الدّرزيّ على المِحكّ...مع اقتراب قوّات المعارضة إلى حسم الوضع في الجنوب السّوري وحوران، في حين يحافظ الدّروز حتّى الآن على عدمِ زجّ أنفسهم في قلب هذا الصّراع المقيت.
وعليك،أيّها القارئ الكريم، أن تعلم أنّ الصّراع في سوريا هو صراع كونيّ، تحشرُ نفسها فيه العديد من الدّول في المنطقة ومن خارجها خصوصًا الدول العظمى،صاحبة المصالح والّتي"تتسلّى" على دماء الشّعب السّوري.هذا الوضع المحيّر والّذي لا بدّ أنّ لإسرائيل قول الفصل فيه، والّتي كفاها تورّط "حزب الّله في متاهاتهِ، يُلقي الكثير بظلاله وبتبعاته غلى الأقليّات في سوريا وخصوصًا، أبناء الطّائفة المعروفيّة العريقة.فبالنّسبة لإسرائيل،على الأقل،"الأسد جيّدٌ لليهود!"
إذًا المسألة السّوريّة كانت وما زالت أزمةٌ كونيّة يلعبها الكبار ويدفع تكاليفها المعذّبون ...والصّغار! من هنا تأتي النظرةُ إلى هذه الأزمة إمّا بشكلٍ شموليّ/دوليّ أو بشكلٍ ضيّقٍ ،محدوداخليّ:
داعش،نُصرة،سُنّة،شيعة،دروز،أكراد،مسيحيّون،علويّون...وغير ذلك.
وخلال كلّ هذه المعطيات الّتي تُسيّرها الأصابعُ الكونيّة والإقليميّة، تعلو المشاكل الضيّقة العسيرة ونقع نحن،الدّروز،في هذا المنزلق...إلى الهاوية الطّائفيّة والمذهبيّة /السّياسيّة وبإرادةٍ وحزم تتقدّم "النّصرة" من غرب السّويداء، و"داعش"،ربّما، من شرقها...ويحدّق الخطر الكبير بأبناء الطائفة المعروفيّة، يرتفع منسوبُ الإنفعال ويقع مصير دروز سوريا تحت المجهر، خصوصًا بعد أن حدث ما حدث لإخواننا في قرية قلب الّلوز في ضواحي "إدلب".
لقد كان جبل الدروز المكان الّذى تُوَجّهُ إليه الأنظار،خلال الثورة، من سوريا ومن خارجها،لأنّه،كما يبدو، كيف يميل...يميل النّظام وتميل الثّورة،والآن، أكثر من أيّ وقت مضى...ومع حلول العاصفة،تهُبّ الطائفة الدرزيّة العربيّة المجيدة هبّة الأسد وتُقرع أجراس "النّحاس" وتتعالى الأصوات والأنغام وتشتدّ العزائم، رغم أنّ قدراتنا قليلة أمام جحافل وأحقاد الأعداء إلا أنّ عزيمتنا هي من عزيمة خالق الكون ومن أنبيائه وأوليائه الصالحين، فلا يجوز أن يُستَهان بنا والكلّ يعلم أنّ قوّتنا بوحدتنا وبإيماننا بأنفسنا وبالتّعاضد فيما بيننا، كما كان يحصل على مدى التّاريخ،منذ العهد العثماني وحتّى المستعمر الفرنسيّ- فكم من فئةٍ قليلة غلبت فئةً كثيرة، بإذن الّله!
فلم يكن الدّروز يومًا قبيلَ شرٍّ...وإنّما أُباةٌ وقراةُ ضيفٍ، كينبوعِ الصّفا..!
هذه الطّائفة الّتي سجلت صَفَحات من المجد في تاريخ بلاد المشرقِ العربيّ، من عهد صلاح الدّين الّذي دحر الصّليبيين في حطّين واستمرارًا بفخر الدّين ووصولًا إلى قمع المستعمرين الفؤنسيين.هذه الطّائفة الّتى يميّزُها عُقّالها و"جهّالها" سارت على مدى الأيّام بخُطًى ثابتة تشقّ طريقها بحكمة وبرعايةٍ إلاهيّة نحو الأفضل دون أن تعتدي على أحد وهي إذا جاء وقت الإمتحان
فستتقدم له بعزّةٍ وبكرامة،كما أورثها الأجداد، وأبناؤها يعرفون جيّدًا متى يُشغّلون قلوبهم،الّتى هي كقلوب الأسود،في صدور شبابها وشيوخها الأشاوس المتمثّلين بشخص "وئام وهاب"،قلب الأسد الشّامخ، وهي أيضًا قادرة على استعمال"شعرة مُعاوية" الّتي تُفعّلُ العقل الّذي لا غِنًى عنه عند الشّدائد وذلك يتجلّى في المواقف المشرّفة المتمثّلة بشخص الرّجل الفذّ ،القائد الملهم، وليد جنبلاط، سليل المعلم الكبير رحمه الّله وبالمشورة مع مشايخ العقل الأجلاء. فبالموافقة بين هذين الخطين الّلذين يُكمل أحدهما الآخر ترسو هذه الطائفة المرعيّة على شواطئ الأمان ودائمًايحسبُ لها ألف حساب لأنّها عند المصاعب تقف كالسّدّ المنيع!
إنّ ما يلفت النّظر هو كيف انشغل الإعلام بشكلٍ عام بالقضيّة الدّرزيّة وخصوصًا الإعلام الإسرائيليّ، والملفت أكثر هو هبّة دروز بلادنا، على اختلاف طبقاتهم وفي جميع القرى الدّرزيّة ودون استثناء وبشكلٍ لا يوصف بالكلمات، يتبرّعون وينتخون ويقيمون التظاهرات الحماسيّة..ملوحين بأعلامهم برباضة جأشٍ قلّ ما نجد لها شبيهًا عند الآخرين، وعلى ذلك، بالفعل، نُحسَد!
إنّ ىالدّروز ليسوا دُعاة حروبٍ وقتال وإنّما شعبٌ يجنح،عادةً، للسّلم...ومعلومٌ للجميع بأنّهم أبطالٌ عند المحنِ،حتّى أنّ الوالي العثماني"جمال باشا" الّذي تولّى سوريا وجبل لبنان وبلاد الحجاز خلال الحرب العالميّة الأولى،والملقب بالسّفاح من كثرة ما أعدم من شخصيّاتٍ عربيّة بارزة في العام الف وتسع مائة وستّة عشر، هذا الوالي الظالم امتنع عن المساس بأمير البيان العظيم"شكيب أرسلان"...خوفًا من "هبّة الدّروز ضدّهُ"،إذا ما فعل ذلك، على حدّ تعبيره....رغم كراهيّته الكبيرة للأمير الأرسلانيّ!! هذا هو التّاريخ وهذه هي الحقائق الّتي لا تخفى على أحد،ونحن نتمنّى أن يتخطّى أهلنا في سوريا وجميع أبناء الشّعب السّوري هذه الأزمة بأقلّ ما يمكن من الخسائر وأن يعود السّلام والوئام ليغمرا الوطن السّوريّ العزيز!
وفي النّهاية لا بدّ لنا إلا أن ننوّه بما صدر من تصريحاتٍ واعتذاراتٍ لما حدث في قلب لوزة من جميع فصائل المعارضة السّوريّة آملين أنّ ذلك إنّما صدر عن حُسنِ نيّةٍ أكيدة وعن نوايا صادقة...فالدّين للّه والوطن للجميع ،كما قالها القائد الرّمز المغفور له سلطان باشا الأطرش.
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير