بين التحقق العرفاني والاعتقاد الديني .. بقلم كميل فياض
2015-07-05 11:21:38
بين التحقق العرفاني والاعتقاد الديني ..
كثيراً ما أقرأ محاولات واشاهد مناظرات لإثبات وجود الله من قبل مؤمنين تجاه ملحدين ، كذلك محاولات نافية من قبل ملحدين تجاه مؤمنين .. وكثيراً ما أقرأ تسفيهًا وإسقاطًا لدين معين من قبل مؤمنين بدين آخر وبالعكس ..
واقول في ذلك : كانت العلة دائمًا ولا زالت في ان كلا المؤمنين والملحدين ،وفي حالتي الاثبات والنفي ، يعتمدون قياسات سطحية مستمدة مما يلتقطوه من ظواهر الوجود ، او يعتمدون مراجع يولونها ثقتهم .. في حين ان شرط اليقين تجاه اي موضوع وجودي يراد اثباته او نفيه ان يكون الادراك مباشر وبدون وسائط ومرجعيات كتابية او شفوية ، اذ انه اذا كان المرجع الذي تعتمده صاحب يقين ، لا يكفي الاستناد عليه ليصبح ادراكك انت يقيني ، وكيف يمكنك ان تميز بين العارف والجاهل ان لم تكن انت عارف بنفسك .. (فلان اكل اكلة من عالم آخر ، وربما حصل ذلك قبل الف او الفي او قبل مليون عام ، وانت تروج لهذه الاكلة اليوم ، تشرح مكوناتها وتفاصيلها بمنطق الذائق المستوعب) .. وكم من ضالين على هذا النحو يهدون الى الحق ويرشدون الى الحقيقة ، لأنهم يظنون ان مرجعهم صاحب يقين .. انها البلوى التي ابتلي بها اكثر الناس ..
ثم اذا اعتقدتُ أن ديني هو الحق وهو الصح ، ألا يعني هذا ان سائر الاديان باطلة وخاطئة في نظري ، وإلا اذا كانت الاديان جميعًا حقة صادقة سليمة ، لماذا اعتنق هذا الدين بالذات ، ولماذا اتقيد بتعاليمه ..؟ لا بد ان يكون ديني اذن هو الحق ، وهو الحق في نظري لا لأنه بالضرورة الأصح ،فاذا كان هو الأصح في نظري ، لا لأني درستُ جميع الاديان قديمها وجديدها وقارنتُ بينها ثم اخترت ، بل لأني ورثتُ حقانية ديني وصحته أبًا عن جد بالإيمان المجرد ، ولأني اراه على نحو ما اراه حقاً اصبح حقاً ، ليس بالضرورة لأنه الأحق ..
من هنا لا بد اذن من نشوء الصراع والقتال او كمون امكانية الصراع والقتال في اية لحظة ، ضد الاديان (الباطلة) أليس كذلك ؟ انه الواقع على اي حال ..
لكن عندما اكون عارفًا حقاً بحقيقة الوجود ، ادرك ان جميع الظواهر الوجودية إن هي الا تجليات لحقيقة واحدة ، تختلف فقط في اشكالها الظاهرة بينما جوهرها واحد .. ومعنى هذا ان حل الصراع بين اتباع جميع الاديان في ان تتحول علاقتهم بأربابهم واديانهم ، من علاقة اعتقاد وتسليم ، الى علاقة تحقق ويقين ، وهو مقام يقتضي تحرير العقل والوجدان من كل تقديس لكل مرجعية خارج الوعي بالذات ، وهذا يتطلب شجاعة كافية لمواجهة الذات في سبيل الحقيقة ، يتطلب تفضيلاً للحقيقة وحبًا لها وتفانيًا في سبيلها ، والا انت لا تصلح ان تكون طالب حقيقة ، فقد اكتفيت في ان تكون عضو في جماعة طلبًا للحماية البدائية لنفسك .. والجماعة هي التي تحفظ للأنا الشخصي الفردي خاصتك ، حاجاته من الأمن الاجتماعي والاخلاقي والسيكلوجي والبيلوجي ، وهو يبادلها مقابلاً لذلك ولاءً وتعصبًا .. وكل ذلك على حساب الانسانية جمعاء وعلى حساب الحقيقة ..
الطرح هنا يُعنى بالمبدأ السائد عند اتباع الاديان المختلفة ، وليس بماهم عليه في الحاضر اليوم ، حيث ابتعدوا عن حرفية معتقداتهم ، اذ من المعروف ان اتباع الاديان - عمومًا - ملعوب فيهم سياسيًا ومصلحيًا من قبل الجالسين في السلطات الحاكمة ، وقد جُيِّروا بهذا الهوى او ذاك للصراع والقتال ، فضلاً عن الامكانية الكامنة في مكونات معتقداتهم لهذا الصراع ، بل بسبب استغلال هذه المكونات الحاملة لبذور الخلاف والصراع اصلاً .. وليس المشكلة (الاختلاف) بل الاختلاف الذي يطوي التكفير والعداء والإقصاء للمغايرين ، وهو السائد في الواقع ..
من المُلاحظ عند جميع اتباع الاديان انهم يملكون حجج ( منطقية) كافية لإثبات ان ما يؤمنون به هو (الحق المطلق) فهناك في كل عقل مؤمن نظام متكامل من المنطق ، قد القاه على الكون وعلى الطبيعة والحياة ، وغدا ينظر الى كل شيء من خلاله ، ويقيس كل شيء بمقياسه ، متجاهلاً المنظومات المنطقية (المطلقة) التي لدى الآخرين من ديانات مغايرة .. وعند التمحيص والتدقيق والمقارنة الموضوعية ، ترى ان جميعهم استخدموا المنطق ذاته وهو "عنزة ولو طارت " فلا يرى احدهم اي عيب في معتقده ، ويرى كل العيوب عند الآخرين .. واذا ما واجهتَ احدهم من اي معتقد كان ، في نفس العيب الذي يراه عند الآخرين ولا يراه عنده ، يأتي لك بتفسير او تأويل او تبرير صاعق .. (وعنزة ولو طارت) ..
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير