خراب الأديان .. بقلم كميل فياض
2015-07-18 10:36:18
الحاجة الى الدين في جوهرها هي الحاجة الى الطمأنينة تجاه الغيب ، هي الحاجة النفسية والوجدانية لتأمين رضى الخالق، في سبيل الخلود في الجنة ، او في سبيل صور معينة من السعادة والهدوء الأخروي .. الطلب طبيعي وحق ، لكن التصور المسبق له باطل ، والسعي له عبر مختلف العقائد هو تغييب للوعي عن ذاته وهو ينطوي على حضور ما يُرجى من الغيب ، ذلك يظهر عندما نجعل هدفنا معرفة انفسنا التي بها تتم معرفة الله ، حيث لا فاصل بينهما الا الفكر .. اما ونحن نستخدم اسم الله ونستخدم الدعاء والصلاة والخطاب لأغراض شخصية دنيوية وأخروية ، فان الفشل والاحباط هو الحليف ، وكل ما نقوم به دون الكشف عن حقيقة ما نؤمن به ،هو ضلال وعبث ..
الأديان كما هي قائمة وسائدة ، ان لم تكن سبب دمار العالم فهي عوامل مستخدمة في تدميره ، ورغم ما تنطوي عليه من (هدى وخير ) .. الاديان بأزيائها الخاصة ، بتعاليمها المغلقة ، بمفاهيمها الاحتكارية المطلقة ، بتحديداتها المسبقة والنهائية للوجود .. هي سجون (ابدية مقدسة) وهي اقبية وكهوف تخبئ في ظلماتها مواد متفجرة وسامة ، من الحقد والكراهية والكذب والنفاق والتلون ، اين منها القنابل الذرية والكيماوية ، واين من جماعاتها عصابات المافية ..
ان زعماء وشيوخ وكهنة وربابنة الاديان ، وجميع الاتباع من المؤمنين المخلصين ، يجلسون فوق تلك الاقبية الى حين الحساب .. والمحاسبة تظهر مع كل الخبيء فجأة ، ويتحول الدعاء في اماكن العبادة المختلفة ، من شكله العامودي الى شكله الافقي ، فيُجَيَّش الغيب وملائكته وابالسته وشياطينه وجنه وانسه لتدمير " الكفار" من الاديان الاخرى ، وكل ذلك باسم اله عادل رحيم حق فوق كل فوق ..
وانا بهذا التوصيف لا افتري على الاديان ولا اقصد ابداً النكاية او الشماتة او الهزء بأتباع الاديان ، ولست بدلوي هذا حكواتي اقص على القراء قصة خيالية طريفة .. انظروا الى التاريخ والى الواقع هو يتحدث ؟
اقول يجب ان نتخلى جميعًا عن الماضي الذي يسحق الحاضر بكل ثقله .. يجب ان نتخلى جميعًا عن ادياننا بطقوسها واحقادها وبهارجها ، يجب ان نخلع مظاهرنا الدينية ، فهي عناصر تفرقة وتمييز ورفض وتعالٍ .. يجب ان نهدم اصنامنا التي بنيناها بأيدينا ونحتناها بأفكارنا وبشهواتنا ومخاوفنا العبثية ، وعلينا ان نحول اماكن العبادة لاستخدامات مفيدة ..
عندما اقول هذا لا اقول بصفة "علماني " او " ملحد " او مجرد متفلسف او متجرئ ، واعرف ان كلامي لا يدخل عقل الواقع في المئة سنة الجارية على الاقل .. ان كلامي هذا لا يقتصر على الاديان المتحكمة والسائدة التي تجمع بصورة شيطانية في اسمح حالاتها ، بين القبول والرفض للمختلفين ،على اساس تكفيري عقابي وبصورة زئبقية ضمنية .. اقول ان كلامي لا ينحصر فيها ، بل ينسحب على كل الايديلوجيات القومية والطبقية والعرقية والاقليمية .. فهي تطوي جميعًا عنصريات وتقفيلات ورفض وتكفير وتعالٍ .. وطبعًا كلامي غير واقعي هنا ايضًا لأني اتحدث من خارج المفاهيم والمصطلحات التي تؤسس في وعي من ينشط بها للاستمرار في ( صيانة ) هذا الواقع القائم ، او ( لتطويره وتقدمه) لكن في العجينة او في الهيولى نفسها .. واذ اشير من خارج المفاهيم والمصطلحات والافكار ، يعني بعين التنزيه عن التحديد ، ومن هنا قال احدهم : يجب ان ننظر الى الاديان بعين الله لا ان ننظر الى الله بعين الاديان - لكن هذا الكلام يصح للعارفين لا للعقائديين - ..
قد يرى بعض (الواقعيين) ان جوهر هذا الكلام سليم وجميل ،غير انه غير قابل للتطبيق ، فهو من قبيل اليوتوبيات والمثاليات السالفة .. او ان تحقيقه يقتضي المرور في مراحل تاريخية واجتماعية معينة ، وشروط ذلك غير متوفرة ولو بحدها الادنى ..
واتساءل : ما هي شروط الوعي بالوجود ، وما هي شروط الشعور بالانسانية ، ما هي المراحل التي يجب تجاوزها لرؤية الواقع على حقيقته ..هل عليَّ ان امر من الانا الفردي الى الحزبي الى الطائفي الى الاقليمي الى القومي ، الى ما لا ادري حتى اكون (هنا والآن) انسان ؟ لا ان تحقيق الانسان لإنسانيته لا يحتاج الى مراحل ولا الى زمن ، انه يحتاج الى يقظة والى رؤية صافية ،
يحتاج الى بساطة لا اكثر ..
لكن المؤمن المعقد بعقائده هو اعمى العينين قاسي القلب ، روحه مستترة عنه بكثافة نفسية وعقلية رهيبة ، ولا ضير لديه في ان يدخل اهل الارض من غير ملته او دينه النار والى الأبد ، بل يرى من واجبه المقدس ان يساهم في ادخالهم النار ، مساندة لزبانية الجحيم ( السماويين)..
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير