ثمرات تحت الشجرة بقلم كميل فياض
2015-08-17 12:45:37
مسائل عديدة طرحت تحت تلك الشجرة بالقرب من دارنا ، حين اجتمعنا دون تخطيط لذلك، وكان من بين المتحلقين ثلاثة شبان في العشرين من العمر يتدربون على المسرح بقيادة صديق مخرج مسرحي، ومن الحضور جار وصديق يعمل في التدريس .. بعد فترة وجيزة من السكون قال الصديق المخرج : فلان – واشار - الى احد الشبان : يعتبر نفسه باحث عن الحقيقة ، وهو مسلم سني قرر ترك الاسلام ..
وسألت الشاب لماذا تريد ترك الاسلام ؟ قال : "وجدت ان الدعوة الى العنف فيه لا تعتمد تفسيراً خاطئاً من بعض شيوخ التفسير ، بل راعني في الامر ان الدعوة للعنف هي من الله نفسه - حسب آيات معينة - وهذا اشعل ضوء احمر في عقلي ، واستنتجت ان شيئاً ما ليس طبيعيًا في هذا الدين ، وقد كتبت "ستاتوس" في هذه المسألة ونشرته على الفيسبك ، مما جَرَّ علي سخط اهلي واستنكارهم الشديد ، غير اني لا ازال عند رأيي وموقفي ".. وأخذ شاب آخر صديق له مبادرة الرد بسلسة نصائح ، ثم أخذ كل من الحضور يدلي برأيه في شبه تداخل وعدم انتظام ..
ودخلتُ من ثغرة سكوت لأقول التالي للشاب : اولآً ( سأقول لك رأيي صريحًا – ليس في الاسلام حصراً – بل في الاديان عمومًا .. الاديان ليست من عند الله بل صنع بشري خالص ، والدليل كثرة الاخطاء والتناقضات فيها ، فأنا اومن باله الاكوان لا باله الاديان ، حيث ان الاكوان خاضعة لقوانين وضوابط معجزة كليًا لعقل الانسان، بينما الكتابات الدينية قابلة للزيادة والنقصان من قبل صاحب اي عقل عادي ، وقد جرى ويجري مثل ذلك في معظم الكتابات الدينية ، لكن بما ان الارض غير منفصلة عن السماء ، ارى ان " الوحي " - اولاً – لم ينقطع يومًا من حياة البشر وهو جزء لا يتجزأ منها ، ثانيًا هو لا ينحصر في اشخاص ومرجعيات تاريخية وميتافيزيقية مقدسة ومعصومة معينة ، بل هو صوت يهدهد بين اضلعنا جميعًا ، لكننا خنقناه بكثرة الاصوات الاخرى ، وهو رؤيا غمرناها بكثرة الرؤى الاخرى .. والسؤال : لماذا يرتبط - لا شعوريًا - اي دين لأية جماعة بشرفها القومي وبوجودها البيلوجي ، حتى لو كان دين هذه الجماعة او تلك مجموعة ترهات وطوطميات ..؟
اقول : من هنا تنتظرنا نحن العرب والمسلمين على وجه التحديد بكل فرقنا ومذاهبنا ، مهمة تاريخية حتمية ، تبدأ بالعمل على التحرر من مرجعياتنا العقائدية التقليدية ، لتطهير ما تراكم بين السماء والارض تمهيدا لوحدتنا الحقيقية بيننا وبين حقيقة الوجود من جهة ، وبيننا وبين بعضنا البعض من جهة اخرى ..
ثم قلت ( للشاب الباحث عن الحقيقة ) ان تكن باحثاً عن الحقيقة – مبدئيًا - ليس بالضرورة ان تنطلق من الرفض لهذا الدين او ذاك ، بل من حبك للحقيقة نفسها وهي ستحررك ..
ثم تناول مبادرة الحديث احد الشبان حول مسألة اخرى تتعلق بالفن وعلاقته بالاخلاق مستحضرا مثالاً مركبًا هو سلفدور دالي ، فقد جمع الاخير في سلوكه بين نقائض واضحة .. وسرعان ما انتقل الحديث عن ما يسمى "الاسقاط النجمي" على لسان احدهم وقد اشار اليّ قائلاً : ماذا تقول في الاسقاط النجمي .. وهل جربته ؟ قلتُ لا اعلم شيء عن الموضوع ، ثم اسرع جاري في الدخول للانترنت باحثاً في ( الاسقاط النجمي) .. وادركت ان الشاب اعتقد ان الموضوع ربما هو الارقى والاعمق والابعد شأواً في الروحانيات .. فالاسقاط النجمي هو اعتقاد خاطئ حول خروج "الجسد الاثيري" ابان النوم من حيث هو مربوط بخيط اثيري بالجسد العادي ، ليذهب بعيداً بين النجوم والمجرات ثم يعود دون ان ينقطع الخيط ..
فاختصرت عليه : انت لا تزال مع الموضوع في مجال النشاط الفكري ، بينما الحقيقة تتخطى الفكر
، ان علاقة الفكر بالحواس هي ما يولد مفهوم الجهات والاضداد المختلفة ، وفي اللحظة التي يتوقف فيها التفكير خلال تأمل هادئ ، يتوقف فيها وجود الذاتي والموضوعي ، ويصبح الوعي والكون شيء واحد لا يتجزأ ، وهي حالة قصوى من الاستنارة والتحقق .. بينما ما يسمى الاسقاط النجمي ، هو فضول خيالي للتحليق بين النجوم ..
ولا زال الكثيرون ممن يعتقدون انهم طلاب حقيقة وجود ، يتعاملون مع ظواهر الوعي ولا ينفذون اليه ، ولا زال الكثيرون يحتاجون الى من يقودهم ويرشدهم الى ما في انفسهم ، والى من يشكل لهم مرجعًا فيما ليس خارجهم ..
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير