طِباعُ – الأنا -بقلم كميل فياض
2015-10-08 11:16:35
طِباعُ – الأنا -
يعتقد الأنا فينا انه شيئاً ويمسك من نفسه جوهراً ذا اهمية قصوى .. وهو خلق من عدم ، وهو عطش كاذب للتحقق بصورة كاملة ، وهو شعور دائم بالنقص ..الأنا هو هوية ظاهرية ، تتشكل على الدوام من حركة الفكر ، وتتخذ من صورة الجسد ماهيتها داخل وعينا الاساس وتحجه ، ولذلك لا يتوقف الطلب عن تحقيق ما يجعل الأنا يشعر بانه موجود .. الأشياء التي تجعله قائمًا ومستمراً : الافكار من جهة والاغراض من جهة اخرى ، فهو دائما بين افكار واغراض وهو مصنوع من افكار واغراض .. يتصور الأنا سعادته بالتميز اكثر عن طريق امتلاك اشياء اكثر من الغير او اثمن مما لدى الغير ..
يعيش الأنا على التميز إزاء الغير من امثاله ، فنلاحظ ذلك بين اصحاب التجارة والمهن والوظائف الذين يعملون في قطاع مشترك وفي سوق مشتركة ، نلاحظ الانتقاص والتنافس فيما بين الشعراء ، وفيما بين رجال الدين ، وفيما بين السياسيين ، وفيما بين الفنانين ، وفي كل مرافق النشاط التي تجمع بين فئات معينة .. يمكننا ملاحظة التحاسد والصراع بين افراد كل قطاع ومجال .. هذا الشاعر ينتقص من ذاك ، وهذا التاجر يحط من قيمة ذاك ، وهذا الشيخ يغمز من قناة ذاك ، وهذا السياسي يسفه ذاك الخ الخ .. انه الأنا الذي هو شكل فكري يلبس صورة حسية مجردة ..
انه وهم يشعر بأنه حقيقة .. ولا ينتبه الى وهميته الا اذا توقف عن الحركة ، او حين يتم التنبه لجوهر الوجود القائم وراء الفكر ، حين يشرق من بين الافكار والكلمات ، ذلك يشبه في الظاهر الانتباه للفراغ الذي يمكِّننا من التحرك في المساحة التي بين الأشياء .. لكن ذلك شبه مستحيل الا لدى العارف المستنير .. فالأنا يتكوَّن من ماضٍ ومن مستقبل ، فهو حركة تسعى للاكتمال في حلقة فارغة .. وشعوره الدائم بالنقص يجعله يمسك شيء ويترك شيء ، معتقدا انه يتطور ويتكامل وهو ساعٍ من بقاء الى فناء ، كعيدان الثقاب تشتعل وتنطفئ الواحدة تلو الاخرى .. هكذا يتنقل الأنا من طعام الى طعام ومن ثوب الى ثوب ومن قصيدة الى قصيدة ومن قصة الى قصة ومن دراما الى دراما ومن تملك الى تملك .. ويبقى فارغاً من كل شيء ..
"الابسورد" او غير المعقول في السعي الأناوي ، هو في انه يترك الوجود الكامل الذي يقف على الدوام وراءه في حضور مطلق ، من اجل تحقيق ما يتصور انه الأكثر كمالاً في المستقبل ، استنادا الى تصورات ونماذج سالفة ..
في الواقع من اصعب المهمات العرفانية التجاوزية الكشف عن الأنا- الإيغو – حيث نتبين انه هو الذي يبحث عن نفسه ليؤكدها من حيث الاعتقاد اننا في غاية التجرد والنزاهة .. وكما ان الحقيقة تشرق بصورة لا ارادية هكذا يختفي الانا بصورة لا ارادية ، اثناء التأمل والتحقيق ، فالتأمل والتحقيق يجريا بصورة ارادية ، لكن في نقطة من السكون والتوقف عن اية حركة ذهنية ، يختفي الأنا ويتم التحقق بالمطلق في عملية مشتركة من الارادي واللاارادي ..
من اسماء الأنا ونعوته في بعض المعتقدات الدينية : ظلمة – إبليس – ضد روحاني – مايا – اي الوهم الشامل ..
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير