عَلَمٌ من أعلام الدّين في أبوسنان: "الشّيخ أبو حسن عبداللّه سلمان سعيد/ صعب رحمه الّله
2016-01-08 13:47:17
عَلَمٌ من أعلام الدّين في أبوسنان: "الشّيخ أبو حسن عبداللّه سلمان سعيد/ صعب رحمه الّله" بقلم:- شريف صعب- أبوسنان
من عام ألف وثماني مئة وسبعة وخمسين،تقريبًا،وحتّى عام ألف وتسع مئة وتسعة وخمسين
كان الشّيخ أبو حسن عبدالّله ورعًا، ديّانًا، تقيًّا، يُقيم الصّلاة على أصولها مُؤمنًا بالواحد الأحد مُتمشّيًا مع القوانين الدّينيّة يصوم في مواعيد الصّيام، علمًا من أعلام أبوسنان الدّينيّة الّتي ولد وتربّى في أحضانها. لذلك ارتأيت أن أوجز بعضًا من صفاته أمام القارئ الكريم، حتّى أُطلعه على بعضٍ من صفات أعلامنا السّالفين وكي نوفّيَ المرحوم حقّه، تمشّيًا مع شهادات من عرفوه ومن عاصروه في قريتنا ومن خارجها.
ولد المرحوم في عائلة مستورة الحال لوالدين مُؤمنين، أنجباه هو وأخيه المرحوم،أبو سليمان،أحمد سلمان سعيد، وقد تميّز المرحوم، منذ صغره بصفات الورع والتّقوى والإيمان فنمى وترعرع ديّانًا مؤمنًا،لم يحلق ذقنه أبدًا وأنّما أرسلها أُسوةً برجال الدّين الكبار. لقد "تكمّل" منذ نشأته وراح يتعبّد ويحفظ دينه، عن ظهر قلب،حتّى بلغ منزلة رفيعة في الحفظ والتّقى فحفظ الحكمة ومعانيها، ممّا جعله مرجعًا دينيًّا،على مستوى القرية وخارجها.
بعد بلوغه سنّ الرّشد تزوّج من فتاةٍ في القرية، خلّفت له بنتًا واحدةً، تُوفيت هي وأمّها فيما بعد فترمّل شيخُنا لمدّة ثماني سنواتٍ كاملة وانغمس في تعبّده وتقواه حتّى تجاوز سنّ الأربعين، وقد عزم على إمضاء حياته لوحده أعزبًا، دون أن يتزوّج،عازِفًا عن الدّنيا ومُغرياتها، إلّا أنّ إلحاح مشايخ أبوسنان الأتقياء عليه مِمّن كان يهُمُّهم أمرُهُ، بأن يبني عائلةً حال دون ذلك ونجحوا في إقناعه على الزّواج ثانيةً من فتاة من بلده،تقيّةٍ،مؤمنةٍ هي المرحومة أنيسة يوسف قشقوش(أُمّ-حسن)، حيث كانت تُلائمه دينًا وورعًا،فتزوّج منها وقد أرزقه الّله أربعة أبناءٍ وبنتًا واحدة.
من مُنطلق مُحافظته على أوامر الدّين فقد علم وحافظ على أن يكون فارق العمر بين الأبناء ثلاث سنواتٍ،على الأقل، وذلك حتّى تستطيع المرأة إرضاعَ ابنها ستّةً وعشرين شهرًا، وهذا حقّ المولود على أُمّه حسب الشّرع، وهكذا فعل لأنّه آمن، قَولًا وفعلًا بذلك واعتقد أنّ الزّواج، بحدّ ذاته ليس للمتعة وإنّما لاستمراريّة الوجود والبقاء على هذه الأرض.
كان شيخنا، بموجب شهادة إخوانه، قائمًا- نائمًا في الخلوة خلال العشرة أيّامٍ الّتي تسبق عيد الأضحى المبارك "العُشُرْ"، مُقيمًا الصلاة على الدّوام وقد أصبح من كبار مشايخ بلادنا في أيّامه خصوصًا أنّه كان يزور خلوات البيّاضة في بلدة"حاصبيا" اللبنانيّة، بشكلٍ متواصل، حتّى كسب ثقة مشايخها الأجلّاء الّذين قرّروا بالإجماع على إلباسهِ العباءَةَ البيضاء المُضلّعة وذلك لعُلوّ منزلتهِ، فأصبح من أصحاب المشورةِ والرّأي للقيادة الدّينيّة وعلى رأسها الشّيخ الجليل المرحوم أبو يوسف أمين طريف، طيّبَ الّله ثراه فيتشاورون ويتحاورون ويبتّون في القضايا المُلِحّةِ.
في شبابه كان المرحوم يعلّم أبناء القرية القراءة والكتابة ويستعمل من أجل ذلك الفحم وألواحًا من الطّين، فأفاد الكثيرين.
لقد اشتهر ببعض أقاويله... وتنبُّؤاته حيث عُرف عنه أنّه كان يقول:"سوف تأتي أيّامٌ ستشاهدون فيها العالمَ معروضٌ عليكم في صناديق من الخشب توضعُ في البيوت" والمقصود اجهزة التّلفاز وأدوات التّواصل الإجتماعيّ الّتي تملأ حياتنا اليوم!
وكان يقول دائمًا:"علمت أنّ رزقي لن يأكلهُ أحد، فأطمأنّت نفسي!" أو:"لو تركض ركض الوحوش، غير رزقك ما بتحوش!"
كان تواصُلُه مع ربّهِ دائمًا وفي كلّ مكان حيث كان يُكثِرُ من التّمتمة والعبادة مُصَلِّيًا بين سِرّهِ وخالقهِ حتّى أصبح الكثيرون ومن جميع الطّوائف يُؤمنون ويثقون بسرّهِ، فمثلًا كانت النّساء "الولدات" عندما تتعسّر ولادتهُنّ (عند الولادة) يطلُبنَ من ذويهنّ أن يُحضروا شملة (زُنّار) الشّيخ أبو حسن عبدالّله لِيوضَعَ على بطونِهِنّ، كي تتيسّرَ الولادةُ، وهذا ما كان يحصلُ، بفضل العليّ الكريم.
عندما كان يثور خلافٌ بين إثنين من أهالي القرية، كان المرحوم من أوائل المُستدعين لفضّ الخلاف بين المُتَخاصمين.
ففي إحدى المرّاتِ استُدعِيَ المرحومُ ليضعَ الحدّ بين إثنين من سكّان القرية حيث أرادوا فتح طريقٍ بين أرضيهما. كان أحدُ المُتنازعين غنيًّا ثريًّا.. طمّاعًا والآخرُ فقيرَ الحال بسيطُ الأحوال ..لا يملك إلّا هذه الأرض. جاء الشّيخ أبو حسن ليحكمَ بينهما فوجد أنّ "الغنيَّ" قد تبلطج على المسكينِ، وقد أراد جعل الشّارع، بكامله، يمرُّ في أرضهِ!
وضع شيخُنا الحدَّ في المكان الّذي يجبُ أن يكونَ فيه مُتجاهلًا صيحاتِ الغنيّ، ثورتَه وعربدتَه وعدمَ احترامه للحاضرين وادّعاءَه أنّ "أبا حسن غيرُ مُنصِفٍ وأنّه... لا يُجيدُ القسمة". نظر إليه المرحوم وقال له، قبل أن يُغادر المكان، دون وجلٍ أو خجل:"هذه قِسمتي وهي قسمةُ الحقِّ... والآن افعل ما تشاء!"خجلَ المُعتدي من نفسه أمام الحاضرين وقبِلَ أن يوضعَ الحدُّ كما قال الشّيخُ الجليل، فانتشَرَ العدْلُ!
استُدعِيَ المرحومُ للخدمةِ في الجيش التّركيّ فاستجاب للطّلب، وقد أمضى أربع سنوات يخدُم في بيروت.
في شيخوخته أراد مشايخُ البلاد أن يُمنطقوه بالعمامة المُستديرة- المكوّرة ،إلا أنّه رفض ذلك قائلًا: إنّ المظاهرَ لا تعني بالنّسنة له أيّ شيء!
حدّثني الشّيخان، أبو علي مهنّا فرج من قرية يانوح، والشّيخ أبو علي، مهنّا الزّينة(حسين)من يركا أنّه لم يكن في بلادنا أقرب منه إلى الدّين والورع والقناعة والتّواضع ولين العريكة أكثر من شيخنا المرحوم، أبي حسن عبدالّله. وكان الشّيخان في معرفةٍ وصداقةٍ معه، ورثاها عن آبائهما.
في عام الفٍ وتسع مئةٍ وأثنتين وثمانين،عندما زار مشايخ بلادنا بلدة حاصبيّا ومشايخها، كان سؤالهم الأوّل عن شيخين جليلَين هُما الشّيخ أمين طريف والشّيخ أبي حسن عبدالّله، لِما كان لهما من مكانةٍ مرموقةٍ في حاصبيّا، حيث تتلمذا في خلواتها.
أعزّائي القرّاء، الدّين للّه والعملُ الصّالح لا يعود إلّا على صاحبه وفاعله. ومن مُنطلق نشرِ الفضيلة فقد ألهمني الّله أن أكتب هذه السّطور وذلك كي نتعرّفَ على بعض أسلافنا من رجال الدّين المُعتبرين، وهم والحمد للّه كثيرون ولكي نعلم أنّ العالَمَ ما زال في خَيرٍ فمن لا ماضٍ له،فلا حاضرَ ولا مُستقبلَ له، فليرحم الّله أسلافنا الصّالحين وليُلهمنا جميعًا الإقتداء بهم!
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير