تناخ رام “ للعوام بالعبرية الحديثة للمدارس اليهودية ”
2016-01-19 11:20:57
تناخ رام “ للعوام بالعبرية الحديثة للمدارس اليهودية  ”
عرض ومراجعة أ. د. حسيب شحادة
جامعة هلسنكي
 
صدر قُبيل افتتاح العام الدراسي ٢٠٠٨، عن دار النشر “رام” في هرتسليا هذا المؤلَّف في أربعة عشر جزءً  تضمّ المادة الواجب تدريسُها في المدارس اليهودية الإسرائيلية، الابتدائية والإعدادية والثانوية، وفق برنامج  وزارة التربية والتعليم في موضوع العهد القديم (المقرا، التناخ- التوراة، خمسة أسفار ونفيئيم  ثمانية وكتوبيم  أحد عشر، المجموع ٢٤ سفرا)، وتشكّل هذه المادة المقررة أقل من ثلث إصحاحات العهد القديم البالغة ١١٨٨ إصحاحا بقليل. تضم هذه المادة ٣٥٩ إصحاحا موزعة على النحو التالي: في المرحلة الابتدائية ١٨٣ إصحاحا من النثر، منها مثلا ٣٩ إصحاحا من سفر التكوين، و٢٦ إصحاحا من سفر الخروج  و١٩  إصحاحا من سفر صموئيل الأول و ١٦ إصحاحا من صموئيل الثاني؛ في المرحلة الإعدادية ١٣٦ إصحاحا من النثر أيضا، منها على سبيل المثال: ٣٠ إصحاحا من سفر التكوين (إصحاحات كثيرة مكررة إذ أن عدد إصحاحات هذا السفر هو خمسون) و٢٨ إصحاحا من سفري صموئيل و ١٤ إصحاحا من سفر الخروج؛ وفي المرحلة الثانوية ٤٠ إصحاحا من النثر والشعر منها ١٢ إصحاحا من سفر الملوك الأول وعشرة إصحاحات من الملوك الثاني وتسعة من سفر إرمياء : 
 
قد يكون من المناسب في هذا السياق التنويه بأن المادة المقررة في المدرسة العربية الثانوية قرابة السبعة إصحاحات فقط:  سفر التكوين ٣٧ و ٤٥ وسفر راعوت الإصحاحات الأربعة الأولى و٣٨ آية/عددا منتقاة من سفر نشيد الإنشاد (أشكر الصديق الدكتور على خالد وتد على تكرمه بتزويدي بهذه المعلومة). 
 كل صفحة في هذا المؤلف مقسّمة لنصفين، وُضع النص التوراتي في الجهة اليمنى ومقابله في النصف الأيسر أثبتتِ الترجمة في العبرية العصرية وبتشكيل كامل أيضا ولا وجود للحواشي. أضف إلى ذلك حذف علامات التجويد (طعمي همقرا) الواردة في كل نسخة عادية للعهد القديم، هذا النظام المرشد لتلاوة النص بنغم معين والشبيه بالسلم الموسيقي كان قد وصل مرحلة التبلور النهائية في القرن التاسع للميلاد وبموجبه تقسّم كل آية إلى قسمين وكل واحد إلى قسمين آخرين وهكذا دواليك ولليهود الشرقيين (السفرديم) نمطهم في التلاوة يختلف عما لدى اليهود الغربيين (الإشكناز).  قام بهذا العمل المميّز حقّاً السيد أبراهام أهوڤيه ابن الـ ٨٧ سنة، الذي عمل في سلك التربية والتعليم مدرسا ومديرا ومفتشا وله عشرات المقالات حول العهد القديم ولغته وهي منشورة في دوريات ومنابر معتبرة. وهنا لا بد من الإشارة إلى تفسيره لـ”سِفر الأسفار” الذي وُزّع على جنود جيش الدفاع الإسرائيلي.
 
 إثر عمل استغرق أربع سنوات ونصف السنة تسنّى صدو هذه السلسلة من الكتيبات، وقد أحدث هذا النشر ضجة كبيرة ومعارضة شديدة من قبل القائمين على وزارة التربية والتعليم ومن أساتذة جامعيين مختصين كثيرين. بإيجاز، حظرت الوزارة المذكورة استخدام هذا الكتاب في مؤسساتها، مدعية إنه بمثابة تحقيق فكرة مخزية ومفتربة. وذوو الشأن في الوزارة يقولون إن هذا النقل للغة حديثة وغير فصيحة سيسبّب ضررا فادحا بالنسبة لمعرفة لغة الكتاب المقدس ومكانته فهو أساس التراث اليهودي والهوية اليهودية. بعبارة أخرى،  قد يؤدي هذا العمل إلى ابتعاد/إبعاد الطالب عن المصدر والينبوع  واستغنائه بالفرع والجدول وهذا يعنىي على المدى البعيد انفراط عقد التواصل مع التراث القديم. والحق يقال إن السيد أهوڤية لا يدعو إلى هجر لغة التناخ البتّة بل كل ما يتوق إليه، كما يصرح هو في المقدمة القصيرة، تقريب فحوى هذا الكتاب المقدس لليهود، لطلاب المدارس عبر عرضه كما نوهّنا محاذاة  للنص العبري الحديث، عادة لا مندوحة من الفهم أولا لكي تحب نصا معينا كهذا 
يقسّم تاريخ اللغة العبرية عادة إلى أربع حِقب أساسية:  لغة العهد القديم، حتى ٣٠٠ق. م.؛ لغة حزا”ل / رزا”ل (حخمينو / ربّانينو زخرونام لڤراخه) أي لغة حاخاماتنا رحمهم الله، لغة المشناه، التوراة الشفوية وملحقاتها؛ عبرية المهجر والعصور الوسطى منذ القرن الثالث الميلادي وحتى أواخر القرن التاسع عشر؛ اللغة العبرية الحديثة، منذ أواخر القرن التاسع عشر وحتى اليوم. 
 إن فكرة نقل لغة العهد القديم وأسلوبه إلى العبرية الحديثة ليست بوليدةَ أيامنا هذه بل إن الأستاذ الجامعي والمؤرخ 
 وأبا الإيديولوجيا اليمينية في الحركة الصهيونية والباحث في مضمار أدب اللغة العبرية، يوسف چدليه كلاوزنر (١٨٧٤-١٩٥٨) كان قد ترجم سِفر عاموس إلى العبرية الحديثة عام ١٩٤٣ وعمل آنذاك رئيسا لمجمع اللغة العبرية في القدس. كان كلاوزنر من مؤسسي كل من هذا المجمع والجامعة العبرية في عام ١٩٢٥ وله باع طولى في “إحياء” العبرية الحديثة، ومن الألفاظ الحديثة التى أوجدها يمكن التنويه إلى ما يقابله في العربية: “قلم رصاص، مجلة شهرية، قميص، أحادي/متعدد الألوان، دفيئة، رافعة، شهواني”
لغة العهد القديم موغلة في القدم، تعود إلى أكثر من ثلاثة آلاف عام وهي تختلف كثيرا لا سيما في المجال المعجمي عن اللغة العبرية الحديثة التي بزغت للوجود قبل زهاء القرن من الزمان، وإليك بعض الأمثلة:  كلمة “حشمال’ ترد بهذا الشكل مرة واحدة في العهد القديم، سفر عزرا ١: ٢٧ والمعنى “شيء براق” واليوم معناها “كهرباء” في أعقاب الترجمة اليونانية، السبعينية، والترجمة اللاتينية، الڤولچاتا؛إقداح في عبرية العهد القديم معناه “حجر كريم أحمر للزينة” واليوم معناه “مسدّس” (مجدّد هاتين اللفظتين بالمعنى المعاصر هو أبو العبرية المحكية الحديثة، إليعزر بن يهودا ١٨٥٨-١٩٢٢)؛ إشّير ورد بمعنى “قاد، دلّ” وفي العبرية الحديثة معناه “صادق”؛ إيفس جاء بمعنى “العدم، لا شيء” وفي أيامنا المعنى “صفر”، قوماه كان معناها في العبرية الكلاسيكية ”قامة” كمقابلها التأثيلي والدلالي العربي أما في العبرية المعاصرة فهناك مدلول آخر شائع وهو ”طابق”.  وهوة الاختلافات اللغوية العميقة بين عبرية العهد القديم والعبرية الحديثة حدت ببعض الباحثين المعاصرين إلى التشكيك بالطابع السامي لهذه العبرية المعاصرة نتيجة التأثير الكاسح من الخارج، الإنجليزية الأمريكية والإيدش والروسية
(أنظر مثلا: Paul Wexler, The Schizoid Nature of Modern Hebrew: A Slavic Language in Search 
of a Semitic Past. Wiesbaden: Otto Harrassowitz, 1990). 
والجدير بالذكر أن اللغوي حاييم روزين كان من الأوائل الذين أشاروا إلى أن هذه العبرية والتي أسماها “العبرية الإسرائيلية” تختلف عن الأنماط العبرية السالفة، بل قال أمامنا لغة جديدة وفيها التأثير الأوروبي عميق، من الروسية والبولندية والألمانية والإيدش. 
من الممكن مقارنة البون بين لغة العهد القديم واللغة العبرية الحديثة بلغة شكسبير من جهة واللغة الإنجليزية المعاصرة من
 الناحية الثانية أو لغة القرآن إزاء اللغة العربية المعاصرة  المكتوبة ناهيك عن الكم الكبير من اللهجات العربية الحديثة. 
ويواجه اليهودي المعاصر حتى المثقّف صعوباتٍ واضحةً في فهم كامل ودقيق لعبرية العهد القديم وأساليبها التعبيرية المختلفة لا سيما في النصوص الشعرية مثل نبوءة إشعياء وسفر المزامير ونشيد الأنشاد (يمكن قول الأمر ذاته بالنسبة للعربي والقرآن وللناطق بالإنجليزية وترجمة الملك جيمس للكتاب المقدس). وقد أضاف المترجم عناوين قصيرة لكل فقرة مثلا في بداية الإصحاح الأول  لسفر التكوين يجد الطالب “خلق العالم”. 
من الاختلافات بين النمطين اللغويين يمكن الإشارة إلى ما يلي
في النمط القديم يشار إلى أرقام الآيات (الأعداد) بالأحرف العبرية أما في النص الحديث فالأرقام العربية أصلاً مستخدمة 
واو القلب (تحوّل معنى المضارع إلى الماضي والماضي إلى المضارع) واردة في لغة العهد القديم وتعتبر من ميزاته اللغوية،   الأساسية ولا وجود لها في النص الحديث، وهناك فرق في الأزمنة وتصريف الفعل والاسم (مثلا في سفر الخروج ٣: ١٤، يفسّر اليوم “أكون ما سأكون “ والصواب “ إني على الدوام”)، المبنى النحوي العادي في لغة التوراة هو فعل فاسم أما في العبرية المعاصرة فالترتيب اسم ففعل (يتجلى نفس التطور بالنسبة للعربية الكلاسيكية والعربية المعاصرة)، وغالبا ما يضيف المترجم كلمة هنا وعبارة هناك للتفسير والإيضاح وهذه من طبيعة كل ترجمة، مثلا في سفر التكوين٥: ٤ جاء في التوراة “على جبال أرراط” وفي الترجمة كتب “على جبل من جبال أراراط   
صيغة الفعل المضارع المجزوم تتحول إلى المضارع المرفوع إذا جاز التعبير ، 
هاء الاتجاه” (الهاء المكانية) في آخر الكلمة غير شائعة في العبرية الحديثة ولذلك يعبر عنها بالحرف “إلى” والمكان 
هنمچبه > إل هنيچڤ وصيغة المضارع الطويلة (المضارع المرفوع، إن صحّ التعبير) مثل يشكڤون تحذف منها اللاحقة، النون، في النص الحديث
عدم التناسق النحوي بين ركني الجملة في النص القديم عدّل كالمطلوب وفق النظام المعياري في العبرية الحديثة في النص المترجم مثلا:يهي مئوروت أصبح يهيو مئوروت أي  لتكن الأنوار
حرف الصلة التوراتي أشير يتحول إلى شِ المشنائي والحديث ونمط قراءة نهاية الآية قد اندثر في العبرية الحديثة مثل 
 يافت غدت يفت، 
 أي أن المبنى التركيبي في لغة العهد القديم يحوّل إلى المبنى التحليلي (synthetic > analytic)
المألوف في العبرية الحديثة مثل:  لئيشاه تصبح : لئيش شلاه,  هـَ > هَئم، صيغة أمر المخاطبات المنتهية بالنون أو بالنون والهاء مثل  شماعن, شماعنا تتحول إلى صيغة أمر المخاطبين شمْعو، كما هي الحال في العبرية الحديثة  أي لا فرق بين صيغة الأمر للمخاطبين وللمخاطبات كما هي الحال مثلا في العديد من اللهجات العربية الحديثة، كما أن الإضافة السامية المتصلة، أي التي تضم المضاف والمضاف إليه فقط مع إمكانية إضافة أداة التعريف فقط على بداية المضاف إليه تتحول في العبرية الحديثة إلى إضافة منفصلة أي فصل عنصرَي الإضافة بالكليمة شِل مثل شلال تسڤعيم > شلال شل تسڤعيم وهناك ميل لتحويل صيغة المجهول للمعلوم مثلا  سفر التكوين ٤: ٢٦ 
وهناك بعض الكلمات الواردة في العهد القديم تارة مذكرة وطورا مؤنثة مثل شيمش، ديرخ وهي في العبرية الحديثة مؤنثة في الغالب الأعم (أنظر: مناحيم زهري, أسماء مذكرة ومؤنثة في العبرية. القدس 
1994
 
من الواضح أن العهد القديم في أيامنا هذه لا يتصدر اهتمام الأكثرية الساحقة من أتباعه، من علمانيين وحرديم (اليهود المتزمتون، وجهتهم التلمود) بعكس ما كانت عليه الحال مثلا في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي كما ينعكس ذلك من خلال سلسلة “عالم العهد القديم للفتى” بقلم الأديب شراچا چفني. من جهة أخرى نرى أن اليهودي المفدالي (اليهودي القومي المتدين) يقبل على تعلم العهد القديم بكل إجلال وتفان. والعهد القديم كان محط جدال دائم عبر الأجيال لأسباب عديدة، منها الاكتشافات الأثرية التي تلقي بظلالها على مصداقية نواح كثيرة وردت فيه وقل النفس ذاته بالنسبة للأبحاث التاريخية.  
من الصعب التكهن عمّا سيؤول إليه مصير هذه الكتيبات في المستقبل القريب والبعيد، أميل إلى الاعتقاد أن قسما كبيرا من الطلاب اليهود العلمانيين وغير المفداليين سيتهافتون عليه بغية فهم النص القديم والاستعداد لامتحانات الثانوية العامة البچروت- والنجاح فيها. من المحتمل القريب جدا أن تكون قاعدة كل ممنوع مرغوبٌ  فيه سيدة الموقف. هناك ترجمات حديثة لا حصر لها للعهد القديم وهي كلها مفهومة لناطقي تلك اللغات، فمن المعروف أن العهد القديم والعهد الجديد قد تُرجما لأكبر عدد من اللغات في العالم مقارنة بكتب أخرى، وعملية التحديث والعصرنة في هذه الترجمات في شتى اللغات سائرة على قدم وساق على الدوام. نشير إلى أنه في أواخر القرن التاسع عشر، مستهل العشرين كان هناك نزاع بصدد ترجمة يونانية حديثة للعهد الجديد وقد نشبت أعمال شغب واستنكار في أثينا في عام ١٩٠١ للتنديد بهذه الترجمة، ولكن بعد عقدين من الزمان تقريبا نجمت الحاجة لمثل هذه الترجمات الحديثة والميسرة حتى من قبل المؤسسات الدينية، إذ أن الهدف الأساسي هو فهم البشر لكلمة ابن الإنسان، يسوع المسيح والوضع بالنسبة للمسيحية وقضية اللغة المقدسة مختلف مقارنة باليهودية حيث “عبرية العهد القديم” مقدسة لليهود ومقارنة بالإسلام حيث عربية القرآن مقدسة في اعتقاد العرب المسلمين.
أما بالنسبة للطالب العربي في البلاد فإني على قناعة تامة بأهمية ترجمة أهوڤية وتفسيره وضرورته رغم كثرة الإضبارات وتبعثر المادة وربما عامل التكلفة المالية. وهناك رأي يقضي بأن درس التناخ في المدارس غير الدينية من أكثر المواضيع كرها من قبل التلاميذ وقال من قال “إن العهد القديم مرادف للتثاؤب”
والسؤال الطبيعي الذي يطرح نفسه في هذا السياق هو: أمن المحتمل القريب أم البعيد ظهور القرآن بلغة عربية حديثة ميسّرة  في أية دولة عربية؟
 
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير
الاسم الكامل :
مكان الاقامة :
التعليق :
هام جدا : أدارة الموقع لا تنشر اي تعقيب فيه تجاوز لقانون القذف والتشهير, وتقع المسؤلية على كاتب التعقيب
Copyright © almadar.co.il 2010-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع المدار الاول في الشمال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت
X أغلق
X أغلق