فضيلة العطاء وأعمال الخير بقلم : الدكتور منير توما كفرياسيف
2016-03-23 09:33:43
فضيلة العطاء وأعمال الخير بقلم : الدكتور منير توما كفرياسيف
بادئ ذي بدء أقول : ما أحب العطاء المجرَّد عن كلَّ نفعٍ وغاية ! العطاء لأشخاص نعرفهم أولا نعرفهم ممن نجهل كل شيء عن جنسياتهم ومعتقداتهم , وكلُّ ما نعرفه عنهم أنهم إخوة لنا في الإنسانية , إنهم بشرٌ مثلنا قسا عليهم الدهر وجعلهم فريسة الحرمان , فريسة المرض والجوع , أو أيّ نوعٍ آخر من أنواع العذاب .
وكم هو جميل أن نتبنّى مقولة : " إرحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء " , فلا نضن بالأموال في سبيل الخير ... بل نعطي ولو قليلاً , فإن العطاء قد يدفع البلاء الكبير ... تلك هي الصيحات التي ينادي بها أعضاء الجمعيّات الخيرية , والمؤسسات الإنسانية , وأعضاء هذه الجمعيات والمؤسسات هم رسل خير , هؤلاء يضحُّون بأوقاتهم وراحتهم ليمدّوا الى الإنسانية أياديهم البيضاء الطاهرة ... إنهم يرفضون حتى المديح أجراً لهم على أعمالهم العظيمة .
إنَّ أعمال البر والإحسان , سواء أكانت مباشرة أم بواسطة الجمعيات الخاصة بها , هي أسمى ما يقوم به الإنسان من خير . هذا ما تنادي به الأخلاق الكريمة , وتدعو اليهِ الديانات السماوية جميعاً . فعلينا ’ إذن مرّة بعد أخرى , أن نروِّض أنفسنا على الأعمال الحسنة , أن نتعوَّد العطاء القليل في البدء , حتى نذوق لذة العطاء الأكبر الذي من أجله ِ وُجدَ الإنسان في هذه الحياة .
ومما لفت انتباهي وأثار اهتمامي ما ورد في كتاب " حقق الخير في ذاتك "
(Activate Your Goodness ) لمؤلفته شيري أريسون , تلك السيدة التي درّجتها مجلة " فوربس " في عامي 2011 و 2012 كإحدى أقوى نساء العالم وأكثرهن تأثيراً , معتبرةً إيّاها قوة رائدة لعمل الخير في المصالح التجارية والأعمال الخيرية .
وقد جاء في أحد فصول كتابها هذا أنّه "من أجل ضمان مستقبل أفضل لأنفسنا وللبشرية جمعاء , نحن بحاجة لكثيرين يمارسون الخير . وجميعنا بحاجة للشعور بالاكتفاء والانتماء حيث أنَّ كثيرين ساعدوا الآخرين عن طريق الأعمال الخيرية , وفي أعقاب ذلك شعروا باكتفاء وعلاقة إنسانية عميقة " .
ومن المهم أن نشير الى أنَّ أعمال الخير هي واجبات يفرضها المجتمع على الإنسان وعلى أساسها يقيم الناس له وزناً واحتراماً . ولكن , هناك نوع آخر من الأعمال الخيرية الخاصة التي يفرضها الإنسان على نفسه , ولا يرغمه أحد على القيام بها : فهو يندفع اليها من نضوج القيم والأخلاق المثلى في داخلهِ . ونقصد بهذه الأعمال : التضحية في سبيل الآخرين عن طريق البر والإحسان. فالتضحية أقوى من الواجب وأسمى منه مقاماً . لا بل إنّها واجب يفرضه كريم الأخلاق على نفسهِ , ويُلزِم نفسَه به بالتنازل عن قسم من مالهِ وساعات من وقته ِ .
وإذا عُدنا الى كتاب شيري أريسون نرى هناك أنها تقول بأنَّ " صلتنا بالجنس البشري هي حقيقة قائمة , لكن هناك حاجة لفعالية واعية تشعرنا بهذه الصلة أحياناً لفهم قوتها الكبيرة , حين نركّز طاقتنا على تحسين عالمنا عبر عمل الخير , ففي ذلك فائدة جمّة " .
إنَّ الإحسان والعطاء وعمل الخير , هي أعمال إنسانية تنبع من محبة يحسها الإنسان في أعماقه ِ , ويندفع اليها تلقائياً دون أن يجبره عليه أحد , ودون أن يعلم الآخرون متى أو كيف حصل هذا الإحسان . فالمُحسن آدمي كبير النفس , يحمل قلباً شفوقاً يشعر بمصائب الغير , ويحسّ بمسؤولية تجاه أولئك المعذبين في الأرض , وهم بشر ٌ مثله وإخوان له في الإنسانية . إنَّ المحسن الصحيح لا يهتم أبداً لهوية الأشخاص الذين يحسن اليهم , لا يسأل عن دينهم , ولا عن جنسيتهم , ولا عن مبادئهم السياسية . إنه يعطي من غير مقابل , ولا ينظر الى الأشخاص الذين يعطيهم بقدر ما ينظر الى التبرع لِردّ مجاعة حصلت في بلدِ ما مثلاً , أو لمساعدة منكوبين شردتهم الزلازل في بلاد أخرى لا نعرفها إلّا على خريطة الكون .
وتقترح شيري أريسون علينا في كتابها المذكور " التفكير بأربعة أشياء نربحها بشكل شخصي حين نختار التفكير الإيجابي بوعي , التحدث الإيجابي وعمل الخير " وهذه الأشياء الأربعة : " أولاً , عمل الخير يبني تقديراً ذاتياً وثقة بالنفس . ثانياً , عمل الخير يجعلنا قياديين ومصدر إلهام لأشخاص آخرين . ثالثاً , عمل الخير يساهم في إعطائكم القدرة على التعبير عن صفاتكم الإيجابية للغاية . رابعاً , عمل الخير يشحن حياتكم بفرح وسعادة كبيرين " .
وهكذا , فإنَّ الإنسان ملزم بعدد من الأعمال والتصرفات الخيّرة التي تعود عليهِ بالنفع , وينتفع بها أهل مجتمعه كذلك , وأحياناً تعمّ بخيرها الإنسانية جمعاء , وكل ذلك لأنَّ العمل الخيري والعطاء هو التعبير عن الإنسان في ماله من قوى ومواهب , لا بل إنّه تفجير هذه القوى والمواهب لما فيهِ الخير والحق والجمال .
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير