حليمة الفنلندية بقلم حسيب شحادة
2016-04-15 02:09:57
حليمة الفنلندية (١٨٩٠-١٩٧٢)
(Hilma-Natalia Granqvist)
حسيب شحادة
جامعة هلسنكي
 
أُفتتح في الحادي عشر من أيلول ٢٠٠١ (ويُعرف هذا اليوم بالاسم "الثلاثاء الأسود" إثر عمليات التفجير الانتحارية التخريبية في نيويورك وواشنطن) معرضٌ يضمّ ثلاثًا وأربعين صورةً فوتوغرافية خاصّة بقرية أرْطاس الفلسطينية في متحف الثقافات، تِنِّسپَلَتْسي (Tennispalatsi, Eteläinen Rautatienkatu 8) في هلسنكي. هذه الصور لبعض الأشخاص، كبارًا وصغارًا، ذكورًا وإناثًا، من الفلسطينيين مشفوعة بشرح كاف بلغات ثلاث، الفنلندية والسويدية، لغتي فنلندا الرسميتين، وبالإنجليزية. وهذا المعرض كان مفتوحًا للزوار أيام الثلاثاء–الأحد من الساعة العاشرة صباحا وحتى الثامنة مساء وذلك لغاية التاسع من كانون الأول -ديسمبر ٢٠٠١.
 
قام بتنظيم هذا المعرض كلٌّ من المصوّرة والصحفية السويدية ميا غروندال (Mia Grondahl)، التي زارت أرطاس للمرة الأولى عام ١٩٩٧، والمعهد الفنلندي في الشرق الأوسط (FIME)، الذي أُسِّس عام ١٩٩٤، بمساعدة بعض المؤسّسات مثل المؤسّسة الثقافية الفنلندية والمعهد السويدي. وضمّ المعرضُ صورًا التقطتها حليمة في العشرينات والثلاثينات من القرن العشرين وأخرى، وفي بعض الحالات لنفس الأشخاص، التقطتها السيدة غروندال قبل أربع سنوات. من تلك الصور اللافتة للنظر، صورة للسيد إبراهيم عودة العجوز، ابن التسعين عاما. 
 
الجدير بالذكر، أن مثل هذا المعرض تحت الاسم "صور من الأراضي المقدسة"، كان قد أُقيم في ابنة البلطيق عام ١٩٣٥ في متجر ستوكْمان الشهير وفي عام ١٩٩٠. ولا بدّ من مقارنة هذه الصور بتلك التي نُشرت في كتاب السيد وليد خالد "قبل شتاتهم. تاريخ مصوّر للفلسطينيين، ١٨٧٦-١٩٤٨ والصادر عام ١٩٨٤ (Before their Diaspora. A Photographic History of the Palestinians). وللصور النادرة والصادقة حول حياة الفلاحين في أرطاس وجيرانهم، التعامرة البدو، في العشرينات من القرن العشرين، كما وثّقتها كاميرة حليمة، أهمية لا تنتطح فيها عنزان. 
 
تقع قرية أرْطاس على مسافة ثلاثة كيلومترات إلى الجنوب الغربي من بيتَ لحم، وعلى مقرُبة من بِرَك الملك سُليمان (أو برك المرجيع، كما عُرفت في العهود الإسلامية)، ويبلُغ عدد سكانها ستّة آلاف نسمة، وهم بأغلبيتهم الساحقة من المسلمين. تتحدّر لفظة ”أرْطاس“ من أصل لاتيني يوناني Artasium ومعناها الجنّة أو البستان، والقرية ذات الستّة ينابيع، كانت مأهولة بالسكّان منذ ستة آلاف سنة. ويُروى أنّ أول مسجد في أرطاس، كان قد أقيم عام ٦٣٦ في أعقاب وصول الخليفة عمر بن الخطاب إلى القدس، وحمل المسجد اسمه. ويبدو أن ما جاء في سفر نشيد الأنشاد ٤: ١٢ "عروستي يا لها من جنّة مقفلة، جنةٌ مقفلةٌ هي وينبوع مختوم" هو وصف لهذه القرية. وفي القرية ديْر يُدعى Hostus Conclusus، أقامه الطليان سنة ١٨٩٤ واستخدم ميْتمًا للبنات، وعمِل في الدير كاهن عُرف بالكنية "أبو عيسى". وبهذا الاسم اللاتيني عرفت القرية في حقبة الصليبيين. وعرفت القرية أيضًا بالاسم ” رأس العرقوب“ حتى منتصف القرن الثامن عشر. صودرت بعض أراضي القرية بموجب قانون سنّته حكومة مناحيم بيچن في الثلاثين من تموز–يوليو عام ١٩٨٠، ورمى إلى تهويد القدس، وقد وصلت مِساحة الأراضي الواقعة في لواء بيت لحم التي صادرتها إسرائيل حتى العام ١٩٩٥، إلى مائة وعشرين ألف دونم. 
 
كانت نساء فنلندا قد تمتّعن بحقّ الالتحاق في الجامعات منذ السبعينات من القرن التاسع عشر، إلا أنّ أبواب الجامعات، بقيت موصدةً في وجوههن حتى العام ١٩١٦. ومنذ عام ١٩٨٧ فاق عدد الخرّيجات الجامعيات عدد الخرّيجين، ولكن نسبة الأساتذة من الجنس اللطيف ما زالت متدنية، ١٨٪ فقط. 
 
مَن هي الستّ حليمة يا تُرى؟ يبدو لنا أن قلّة قليلة من العرب تعرف شيئًا ما عن هذه الباحثة، إذ أن بعض الذين يكتبون عن الفولكلور الفلسطيني يظنّون أنّها "اسكندنافية ومن بولندا" في نفس الوقت! (التراث الشعبي، مجلة شهرية يصدرها المركز الفولكلوري في وزارة الإعلام، بغداد، ع. ٥، س. ٨، ١٩٧٧، عدد خاص بالتراث الفلسطيني، ص. ١٥٣) إنّ  اسمها وأرطاس صِنوان لا ينفصمان، إنّها بشجاعتها ورباطة جأشها قد وثّقت حياة أرْطاس بعاداتها وتقاليدها من المهد إلى اللحد، وبفضل أبحاثها تبوّأت أرطاس بخاصّة وفلسطين بعامّة مكانة على خارطة علم الانسان في العالم. 
 
ولدت الباحثة الانثروبولوجية الفنلندية الناطقة بالسويدية كلغة أمّ، هِلْما غرانكڤيست (Hilma Granqvist) في بلدة سِپّو (Sipoo) بالقرب من هلسنكي عام ١٨٩٠، وهي من طلائع الباحثين في علمَي الإنسان والاجتماع في فنلندا. التحقت بجامعة هلسنكي سنة ١٩١٨ حيث درست الفلسفة الاجتماعية والأخلاقية وأساليب التربية وفِقه اللغتين السويدية والألمانية. حصلت على شهادة الماجستير بعد ثلاث سنوات، وتناولت رسالتُها موضوعَ العلاقة المتوتّرة ما بين الدين والعِلم. إنّ موضوع دوْر الدين في العالم الحديث كان قد استحوذ على جلّ اهتمام الباحثة في بداية مشوارها العلمي. وكان موضوع رسالتها لدرجة الليسانس "النساء في العهد القديم" إلا أنّها توقّفت عن متابعة البحث. لقد تحولّت هِلْما غرانكڤيست من باحثة في اللاهوت التوراتي إلى خبيرة في علم الإنسان. كانت "الستّ حليمة"، كما عُرفت بين العرب في فلسطين، ذات ميول تحررية (ليبرالية) دينيًا واجتماعيا. ففي عام ١٩٣٩، على سبيل المثال، نادت بحق المرأة وبقدرتها على أن تشغَل مناصبَ في الكهنوت والقضاء وحتى رئاسة الجمهورية. هذا الطلب أو الحُلم الأخير قد تحقّق عام ٢٠٠٠ في فنلندا إذ أصبحت السيدة تارْيا هَلُونِن (Tarja Halonen) الرئيسة الجديدة لجمهورية فنلندا. 
 
يبدو أن السيدة هِلْما غرانكڤيست كانت أوّلَ امرأة فنلندية غادرت فنلندا بغية إعداد أطروحة الدكتوراة، إذ إنّها سافرت أوّلاً إلى برلين للاطّلاع على ما في مكتباتها وأراشيفها من مصادرَ، ثمّ توجّهت في بعثة أثرية إلى فلسطين في خريف العام ١٩٢٥ للتعرّف عن كثب على أرض التوراة وسكّانها. بعد وصولها للأراضي المقدّسة، إلى قرية أَرْطاس حيث مكثت هناك حتى عام ١٩٣١، غيّرت هِلْما برنامجَها الدراسي بالكامل قائلة إنّ البحثَ ينبغي أن ينصبّ على الناس الأحياء لا على الأموات، نساء العهد القديم. بعبارة أخرى، بدلا ًمن متابعة البحث في موضوعها الأوّّل، أي ضرورة تعلّم اللغة العبرية والماضي القديم لليهود، شرعت في تعلّم اللغة العربية والتعرّف على الحاضر الراهن. 
 
عاشت هِلْما غرانكڤيست حوالي ستّ سنواتٍ في أرْطاس الصغيرة، التي بلغ عدد سكّانها آونتها حوالي خمسمائة نسمة، وتعلّمت لهجةَ سكّانها وتعرّفت على عاداتِهم وتقاليدهم وأنماط حياتهم، وعُرفت باسم "الستّ حليمة" بالعربية. سكنت حليمة في بيت لويز بالدنسپيرچر (Louise Baldensperger) التي كانت قد عاشت في أرطاس ثلاثين سنة وقد أطلق أهل القرية عليها الاسم "الستّ لويزا" وكانت مقدسية المولد ووالدها من الألزاس وعمل في التبشير، وكان قد بنى منزلا للعائلة في أرطاس. اختارت حليمة راويتين صديقتين لها، هما عليا(ء) إبراهيم التي كانت صمّاء وحمدية سَنَد التي كانت كفيفة البصر.
 
حصلت حليمة على شَهادة الدكتوراة بامتياز عام ١٩٣٢ على بحثها المُعنْون "ظروف الزواج في قرية فلسطينية" وقد صدر في جزئين عامي ١٩٣٢ و ١٩٣٥. كما وكتبت في مقدّمتها للجزء الأول ما معناه: "كنتُ بحاجة للعيش بين الناس لأسمعهم يتحدّثون عن أنفسهم في أرْطاس وأسجِّل ذلك عند تطرّقهم لحياتهم وعاداتهم، وكيف يتطلّعون إلى الأمور، لذلك قررتُ البقاء في فلسطين". وصادق على الأطروحة مرشدها، أستاذ الفلسفة إدوارد وسترمارك (Edvard Westermarck)، رئيس أكاديمية أوپو في مدينة توركو في غرب فنلندا، بتقدير ممتاز، وذاع صيت الباحثة ليس في بلادها بل في الخارج. وبالرغم من ذلك فلم تُقبل حليمة لسلك التدريس في جامعة هلسنكي. كما ولم توفّق في الحصول على درجة الأستاذية المشاركة في الجامعة ذاتها. أضف إلى ذلك أن أطروحتَها لم يُصادِق عليها عامَ ١٩٣٢ الاستاذُ Gunnar Landtman في جامعة هلسنكي. 
 
قد تُعلّمنا هذه الحادثة الفذّة بأنّه ينبغي على الباحث، وبالأحرى الباحثة ألا تسبق عصرَها كثيرًا، أو أكثر ممّا فيه كفاية. والحقّ يقال إنّ أمنية حليمة الأولى، كانت أن تصبح معلمةَ مدرسة. يُضاف إلى ذلك أن الاستشراق الفنلندي القديم، عمَد إلى عدم إدراج الدراسات الاجتماعية والانسانية في نطاقه. إذ كان، على ما يبدو، باحثان اثنان قد سيطرا وهيْمنا على هذا الاستشراق والتعريف به شعبيًا هما Knut Tallqvist (١٨٦٥-١٩٤٩) و Harri Holma (١٨٨٦-١٩٥٤) وقد اعتبرا دراساتِ كلّ من وسترمارك وحليمةَ بأنّها غير استشراقية، وقد يبدو للقارىء أن المستشرق في غنىً عن السيطرة على اللغة، العربية في هذه الحال، علمًا وعملا، نظريةً وتطبيقا، بل يكفي فهم المقروء بالعين وترجمته إلى لغة المستشرق. حالة مثل هذا المستشرق، في تقدير الرأي العام، لا يُحسد عليها، وقد يقوم بأبحاث معيّنة لا تتطلّب معرفة كاملة وشاملة وعميقة باللغة، قديمها وحديثها، مكتوبها ومنطوقها، ولكنّه لا يُعقل أن يغدو أستاذًا للغة العربية، بل وفي أحسن الحالات، قد يُقال عنه إنّه أستاذ عن / حول / بخصوص / بشأن نُتفة / نُطفة من العربية، أو مترجم لبعض نصوصها قد يوفّق في بعضها ويخفِق في البعض الآخر، إذ أن العُمق والشمولية نظرية وتطبيقًا من سمات الأستاذية الأساسية. ومن لم يملك ناصية العربية في مهاراتها الثلاث، القراءة والكتابة والتكلّم، في أنماطها المختلفة، العربية الأدبية المعاصرة (MSA) وإحدى العاميات ولغة بيْنَ بيْنَ (لغة المثقّفين)، يكون بعيدا عن العمق والشمولية بقدر مدى قصور معرفته تلك. والحقّ يقال، إن للاستشراق الفنلندي أياديَ بيضاء ناصعة في مجالي النظرية والتطبيق، وما أسماء الباحثين، آوغست ڤلين ويوسي أرو، رحمهما الربّ، والعزيز هيكّي پالْڤا، حفظه الباري وأطال طيلته، إلا خير دليل إلى ما نرمي إليه. لكن منذ مستهلّ القرن الحالي والدراسات العربية في هلسنكي، لغة وأدبًا، تعاني كثيرًا إذ أن أستاذ هذا المساق حتى الآن، لا يتكلّم العربية المعيارية الحديثة ولا لغة بين بين ولا أية لهجة عربية حديثة، وقل الأمر ذاته بخصوص الكتابة. باختصار شديد: ترجمة من العربية إلى الفنلندية، لا غير!!
 
يُذكر أن وسترمارك كان قد بحث الشعائر الدينية والاعتقادات في مراكش عام ١٩٢٦. وممّا يجدر ذكرُه أيضا أنّه قد أورد في سياق محاضرة ألقاها في لندن سنة ١٩٠٧ ما معناه: إنّي مقتنع أنّه عند التعامل مع شعوب غير أوروبية فإنّ لتطبيق المعرفة على ظروفهم سيكون أكثرَ نفعًا من البارود وسيكون الأمر أكثر إنسانيةً وأقلّ كلفةً. كما أنّه ارتأى بأنّه لا يجوز للباحث أن يُطلقَ آراء بشأن العقلية والأخلاق، لدى ثقافة معيّنة على أُسس لغوية. 
 
في الثمانينات من القرن العشرين نبشت الأبحاث النسائيةُ ملّفَ حليمةَ من جديد وأظهرت مستوى دراساتها الرفيع حول جوانبَ عديدة لحياة قرية أرطاس الفلسطينية. وتندرج أبحاثُها المتمثّلة في المؤلّفات المذكورة أدناه في نطاق ما يسمّى بمدرسة الانترپولوجيا الحديثة، التي ظهرت في انچلترا في العشرينات والثلاثينات من القرن العشرين. شدّدت تلك المدرسة على البحث الميداني والملاحظة المباشرة وفهم ثقافات أجنبية من منظور شعوبها. وهذه نقطة في غاية الخطورة والأهمية، إذ لا يجوز تقييم ملامحَ ثقافية أو حضارية لشعب ما على ضوء مبادىء ومعايير أجنبية. فما قد يكون أمرًا عاديًا في مجتمع ما كعدم تقديم فنجان من القهوة مثلا لضيف لم يُدع (ويعرف بالفنلندية باللفظة المركبة kuokkavieras ومعناها الحرفي "ضيف المجرفة/المعزقة/الطورية) لذلك هو تصرّف غير أخلاقي بل ومُشين بالنسبة لشعب آخرَ واللبيب بالتلويح قانع. 
 
كما لا بدّ من الإشارة إلى أنّ حليمةَ كانت مصوّرةً بارعة وخلّفت للأجيال بعدها ما يقارب الألف صورة فوتوغرافية. هذه المجموعة القيّمة من الصور محفوظة في "متحف البشرية" في لندن. كما وأن مكتبتها بالمطبوعات الإنجليزية والعربية والألمانية محفوظة هناك أيضًا، في حين أن ما كان بحوزتها من مصادرَ بالسويدية، لغة أمّها، موجود في مكتبة الجامعة، أوبو أكاديمي في توركو. 
إعتادت حليمة أن تنشر مقالاتٍ عن فلسطين وعن أديان مختلفة في الصحف كما وكانت تُلقي المحاضراتِ في الكليات المسائية في فنلندا (työvainopistot) وعبر الأثير أيضا. كما وأنّها درّست علم النفس في مدرسة للبنات. 
 
تضمّ مؤلفاتُها ستة مجلّدات وكان أوّلها أطروحتها للدكتوراة:
 
١) ظروف الزواج في قرية فلسطينية، ج. ١ سنة ١٩٣١، ج. ٢ سنة ١٩٣٥- Marriage Conditions in a Palestinian Village, New York 1975 
٢) الولادة والطفولة بين العرب، دراسات في قرية مسلمة في فلسطين، ١٩٤٧- Birth and  Childhood among the Arabs: Studies in a Muhammadan Village in Palestine, Helsinki 1947, 1975
٣) مشاكل الطفل لدى العرب، ١٩٥٠- Child Problems among the Arabs.
٤) الوفاة والدفن لدى المسلمين: دراسة عادات وتقاليد عربية في قرية في الأردن ١٩٦٣-١٩٦٥- Muslim Death and Burial: Arab Customs and Traditions Studied in a Village in Jordan. Helsinki 1963-1965.
٥) صورة قرية فلسطينية: الصور الفوتوغرافية لهلما غرانكڤيست. لندن ١٩٨١.
.Portrait of a Palestinian Village: The Photographs of Hilma Granqvist- London 1981 يُعتبر هذا الكتاب تاريخا حيًّا مصوّرًا لأهل أرْطاس قبل سبعين عامًا تقريبا. 
 
وأخيرًا هناك كتاب بالسويدية للستّ حليمة بعنوان "المشكلة الدينية في العصر الحاضر وقد صدر في هلسنكي عام ١٩٣٥- Det religiösa problemet i nutiden.
يظهر، كما أسلفنا، أنّ قيمةَ هذه الأبحاث (التي تضمّ ١٤٧٧ صفحة) علميًا لم تتأكّد إلا في الثمانينات من القرن العشرين، إثر الاهتمام الواضح في الثقافة النسائية في العالم. أستاذ جامعي معروف مثل آپِلي ساريسَلو (Aapeli Saarisalo 1896-1986) الذي اهتمّ باليهودية والتبشير وزار الأراضي المقدسة مرارًا وتكرارًا لم يقتنع بمستوى أبحاث حليمة الميدانية آنفة الذكر، وقد يكون لتوجّهه الصهيوني، كما يرى البعض، ضلع في ذلك الموقف. عادت "حليمة" (وكنت على وشك الانزلاق والقول "عادت حليمة لعادتها القديمة") إلى أرطاس للزيارة بعد جَهد مادّي جاهد في العام ١٩٥٩، ولم تعثر على أيّة من أحبّائها، لويزا وعليا(ء) وحمدية. هناك أهمية جليّة ثقافيًا ولغويًا لمؤلفات حليمة. من حيث الجانب اللغويُّ تتمثّل الأهمية في الأمثال واللهجات كما كانت الحال عليه في أوائل القرن العشرين. قد يكون من المجدي مقارنة ما جاء في مؤلّفاتها مع ما جمعه الباحث الفلسطيني، الدكتور مصطفى البرغوثي، بعد ذلك بنصف قرن من الزمان في كتابه "القصص العربية الشعبية من أرْطاس، عربي-انجليزي، ١٩٨٧".
 
ومن الأمور اللافتة للانتباه في أبحاث الدكتورة حليمة، ما ورد حول العوامل الفاعلة في اختيار شريكة الحياة. لقد وجدت حليمة في الثلاثينات من القرن العشرين أن العرب في أرطاس يعطون العامليْن الطبقي والسياسي وزنًا أكبر من العامل الديني عند الزواج. كما وتُضيف أن الزواج المختلط بين المسلمين والمسيحيين كان شائعا آنذاك. 
سبقت حليمةَ باحثتتان، هما چريس كروفوت ولويزا بالدنسبرغ، بكتاب عن أرطاس عنوانه "من شجرة الأرز إلى حشيشة الزوفا". وممّا يذكر هنا أن الدكتورة نبيلة إبراهيم، أستاذة الأدب الشعبي في جامعة القاهرة، كانت قد خصّصت الفصل الثاني (ص. ٢٠٠-٢١٦) من كتابها -الدراسات الشعبية بين النظرية والتطبيق- القاهرة  د.ت، للتحدّث عن الدراسات الشعبية في فنلندا وتتطرّقت إلى زيارتها للدكتورة هِلْما غرانكڤيست في فنلندا في شهر آب من عام ١٩٦٧.
ولا بد من الإشارة إلى أن سكّان قرية أرطاس كانوا قد أقاموا قبل عقد من الزمان ونيّف مُتحفًا إثنوغرافيا في القرية على هدي أبحاث حليمة طيّبة السمعة والصيت. وهناك مشاريع تُعنى بوضع المرأة والعائلة في فلسطين. ويقول المعلم موسى سَنَد، ابن فاطمة حمدة خلوي التي تظهر في إحدى الصور الأولى لحليمة "هناك ثلاث نساء في حياتي، والدتي فاطمة، زوجتي منى والست حليمة". وقد أقام السيد سند "مركز الفولكلور في أرطاس" في بيت قديم وهناك مشروع آخرُ يسعى لتحقيقه وهو جعْل البيت الذي سكنت فيه حليمة متحفا. في ثنايا خمسة مجلّدات حاولت الباحثة الفنلندية حليمة أن تصف بدقّة وأمانة، حياة الفلاحين في أرطاس قبل ثمانية عقود ونيّف.
 
غنيّ عن البيان، أنّه لا بدّ من نقل هذه المؤلّفات من الإنجليزية إلى العربية، لتحتلّ مكانها ومكانتها في المكتبة العربية عامّة، والفلسطينية على وجه الخصوص. 
 
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير
الاسم الكامل :
مكان الاقامة :
التعليق :
هام جدا : أدارة الموقع لا تنشر اي تعقيب فيه تجاوز لقانون القذف والتشهير, وتقع المسؤلية على كاتب التعقيب
Copyright © almadar.co.il 2010-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع المدار الاول في الشمال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت
X أغلق
X أغلق