دراسة في قصة "البستان السحريّ" للكاتبة:"شهربان معدي/أبو نمر" بقلم:شريف صعب-أبوسنان
2016-05-04 07:39:36
في نطاق قراءتي ودراستي لقصّة "البستان السّحريّ" للكاتبة "شهربان مُعدّي/أبو نمر" من قرية "يركا"، تجاوبت أحاسيسي ومشاعري مع مضامين هذه القصّة الظريفة ومع أحاسيس الكاتبة الّتي أشعرتنا بأنّها تنبع من قلبها ومن وجدانها، وتخيّلتها تكتبها وهي تُردّدها على لسانها...ومجموعة من الأطفال يجلسون حولها، لتنقل إليهم سحرها ومعانيها. إنّها بالفعل كاتبة ذوّافةٌ، صاحبة حِسٍّ مُرهفٍ وتعابيرَ لغويّةٍ وصورٍ شعريّةٍ نابعةٍ من خيالٍ واسعٍ، قلّما نجده عند غيرها من الأُدباء. فشهرباُنُ تكتب من صميم فؤادها، وأخالها...تذرف دموعها، وهي تكتب، حيثُ لا تدري إن كانت تلك دموع الفرح أم دموع الألم، لكنّها دموعٌ تشبه، إلى حدٍّ كبيرٍ، دموعَ من تجثمُ لتلدَ وليدها،فهي تبكي وتبتسمُ لقدومه إلى حيّزِ النّور...وهنا المولود بمثابة قصّةٍ أو قصيدةٍ أو مقالةٍ تُفرحُ وتبعث الأشجانَ في قلب المُبدعِ وعند المُتلقّي، فالولادة هي إبداعٌ ربانيّ أمّا الإنتاج الأدبيُّ فهو إبداعٌ إنسانيّ، مصدرهُ الموهبة والخيال!
لقد أتحفتنا الكاتبةُ بقصّةٍ قصيرةٍ أوصلت من خلالها، بأُسلوبٍ رشيقٍ جيّاشٍ، الأفكارَ والمعاني الّتي قصدتها من فوائد الخضارِ والفواكه وقلّة الفوائد الكامنة في كلّ ما هو مُصَنّعٌ من النقارش والسّكاكر وغيرها. استعملت الكاتبةُ ضعف قدرة وأساليب الأمّهات، في عصرنا، أمامَ أطفالهنّ، مُقابلَ قوّة النوايا والإصرار والأسلوب الحَسَنِ للجنّيّةِ "الطّيّبةِ"، الّتي نجحت في أن تقلبَ أفكارَ الطّفلةِ "نور"، من كارهةٍ للفواكه والخضارِ إلى مُحبّةٍ لها وكارهةٍ لهواياتها القديمة. إنّ رشاقة أسلوب الكاتبة وسعة خيالها سخّرا لها جنيّةً "طيّبةً"، تقوم بصحبةِ الطّفلةَ، نور، بجولةٍ إلى ذلك البستان السّحريِّ...فالرّحلاتُ معشوقةُ الأطفال في أيّامنا وهم لا يكتفون ولا يقنعون ولا يشبعون مهما أغدقنا عليهم من نِعَمٍ...من رفوف المتاجرِ المُثقلةِ بأكداسها،حتّى لو كان ذلك...فوق طاقة الأهلِ!!
لقد وسمت الكاتبة الفواكه والخضارَ بصفاتٍ تبعث الإعجابَ في قلوب القرّاء، صغارًا كانوا أم كبارًا، ذلك بهدف التّشجيع واالتّحفيز، كأن تقول:"تسلّقِ العنب بعزيمةٍ وبإصرارٍ، أو الشّمّام المُتغنّجِ المُدلّل، أو أكواز الرّمّانِ المُتمسّكةِ بأُمّها بثباتٍ...شقّت قشرتها الفضّيّةِ الصّلبةَ، أو لتسحرَ الألباب بجمالها الخلّاب"، ولم تنسَ الكاتبةُ بثَّ دعايةً، بخفّةِ ظِلٍّ مُتناهيةٍ لِ..."برتقالِ يـــــــــافــــــــــا، الّلذيذ!" كذلك أكّدت أنّه، ما عدا فوائد الفواكه والخضار لصحّةِ الأبدان فإنّها تُقوّي عضلات الجسمِ عند تقشيرها، فالأطفال تتباهى دائمًا بقوّتها و...بعضلاتها.
يجبُ أن لا يغيبُ عنّا أنّ الكاتبةَ قد أدخلت لقصّتها بعضَ العناصر الأسطوريّةِ، وهذا شيئ يُقرّبُ الأطفال من القصصِ، فأدخلت الجنّيّةَ الطّيّيبة...الّتي تطير وأيضًا "الديالوغ" أو الحوار بين الطّفلة والأشجار والخضارِ على اختلاها،و...ريشة الأحلامِ وغيرها. كلّ ذلك له أثرهُ على الكبار والصّغار، على حدٍّ سواء!
لا أدري لأيّ فئةٍ عُمريّةٍ تلائم هذه القصّة ولا أعلم إذا قصدتِ الكاتبةُ فئةً مُعيّنة: الطّفولةُ المُبكّرةُ أم الطّفولةُ المُتأخّرةُ أو...حتّى الكبار. في الحقيقة كان عليها أن تحدّدَ ذلك، ففي نظري، شخصيًّا، إنّها تُلائمُ كلّ الفئات...في كلّ زمانٍ ومكان شرط أن نستوعبَ كلّ أهدافها ومغازيها. إنّها تتناغمُ مع جميع الأجيالِ: ألطفولة المُبكّرة، ألطفولة المُتأخرةِ وحتّى ألكبارِ، ذلك لأنّ فيها معانٍ ساميةٍ تؤثّر على أهمّ أمرٍ في حياة البشرِ ألا وهو موضوعُ التّغذيةِ الصّحيحةِ. أمّا بالنّسبةِ لأبناء الطّفولة المُبكّرةِ فقد استعملت الكاتبةُ مُصطلحاتٍ يصعبُ عليهم فهمُها وعلى المُعلّم أن يبذلَ جُهدًا أكبر لشرحها، لطلّابه، كما يجب، خصوصًا المفردات الصّعبةِ،مثل "عصائد، فانيليا، مارشميلو، باربكيو، استقلّت سريرها (بدل اعتلت)، الجمّة (بدل الكثيرة)، رائحة نفّاذة، مُضادات حيويّة، الخفر، الأسقربوط، أخاديد (بدل تجاعيد)، الفلورايد، خيلاء، مرض الكساح، جنوح الشّمس للمغيب، زمرة الخضار، الهندباء وغيرها.
إنّ هذه المصطلحات الآنفة الذكر تُصعّب على أبناء الطفولة المبكّرة وتجعل القصّة ملائمة أكثر لأبناء الطّفولة المُتأخّرة من حيث مستواها النّصّي. هناك، أيضًا، كثافة الأسطر في الصّفحة الواحدة، ممّا يُثقل على فهم الطّفلِ، وحبّذا لو كان بها الكثير من السّجعِ أو شيئٌ من الكلمات الموسيقيّة الّتى يهواها الصّغار والكبار...تكرير جُمَلٍ أو كلماتٍ رنّانةٍ، وغير ذلك.
خُلاصة القول، إنّها قِصّةٌ راقيةٌ تعرض علينا موهبة كتابيّةً وخيالًا واسعًا. حبّذا لو أخذت الكاتبة بعين الإعتبار بعض ما ورد من ملاحظات.
خاتمة القصّة تُعيدنا إلى بدايتها وهي تُقفل حَلَقةً هامّةً، وبهذه النهاية الطّيّبة اكتسبت القصّة جمالًا وقِيَمًا معنويّة. فبعد أن وعدت نور الجنّيّة الطّيّبة بأن تعشق الخضار والفواكه وأن...توصل الأمانةَ لأصدقائها، عادت مع أمِّها إلى المتجر وتوجّهتا، رأسًا، إلى سوق الخضار والفواكه وليس إلى...بسطة السّكاكر والنّقارش والشّوكالاه! هكذا يكون قد أُنجز الهدف ونُقلت الرّسالة...من خلال "نور"، إلى جميع قُرّاءِ القصّة، كبارًا وصغارًا. لقد وعدت "نور" وأنجزت وعدها!
وفي النّهاية أريد أن أختمَ وأقول:
بُستـانُك السِّحريُّ ريشَـةُ مُبـدِعٍ يَـزهـو بطِـيــبِ الـذّوقِ والألـوانِ
سيظــــــلُّ للأزمانِ أكـبَرَ مَرجِعٍ رمـزَ الغِــذاءِ لـِــصِحّـةِ الإنسانِ
مع تمنّياتي للأديبة بالسّعادة والصّحة وكثرةِ العطاء.
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير