ما بين البسمة والبسمة بقلم د. نجيب صعب – ابو سنان
2016-05-05 16:12:09
ما بين البسمة والبسمة بقلم د. نجيب صعب – ابو سنان
ترددتُ كثيراً قبل طرق الحديث عن البسمة , واحترت اية بسمة اقصد في حديثي هذا , الا انني جَزَمْت ان اتطرق الى العديد من البسمات اللاتي تملأن الكثير الكثير من الوجوه النيّرة والبريئة من اناس في سن الطفولة مروراً باليافعين , والشباب والكبار والطاعنين في السن ايضاً وبالطبع المقصود الجنسين من بني البشر .
فالبسمة بحد ذاتها هي ضحكه من غير صوت وهي بالأحرى الضحك قليلاً وهذه تختلف في شكلها , وفي معناها ومضمونها من انسان لآخر اياً كان هذا الانسان , وأحياناً تكون هذه البسمة معبرة , رسالة, رمزاً , طلباً , ضجراً , الماً , سخرية , انشراحاً رغم انها قليلاً من الضحك , وربما تكون بعيدة كل البعد عن الموضوعية .
فإذا تفرّسنا قليلاً في جمهور الأطفال وقررنا مداعبة البعض , فإنك بدون عناء ترقب تلك البسمة البريئة الصادرة عن الطفل وتملأ محياه فرحاً وتعبيراً عما اثاره للبسمة والضحك , فهذه بدون ريب بسمه حقيقية اكيدة كلها براءة وكلها حنان ولا تحمل اي شيء من التصنع في البسمات وبطبيعة الحال هذه البسمة الطبيعية كالوردة الحقيقية لا كغيرها في الحقيقة .
وكذلك نرقب ايضاً لدى بني البشر بسمات كثيرة وعديدة منها بريئة مع وقف التنفيذ , ومنها تصدر عن تعبير صادق , وعن ارتياح ما بأمر معين , وكذلك بسمة اخرى قد تنطوي حقاً على الفرحة وعن رمز صادق لا يقصد صانعها اي شيء سلبي , فهذه ايضاً بسمة حقيقية كالوردة الحقيقية التي تفوح رائحتها الأصلية بكل عبق ورائحة طيبة تعكس على صاحبها نفس الرائحة .
وممكن ان نرقب من خلال حياتنا اليومية , انّ هناك بسمات تدعو الى الشفقة , بسمات تدعو الى العطف وهذه ايضاً بسمات حقيقية كالوردة الحقيقية لا كالوردة المصطنعة .
مقابل هذه البسمات ومثيلاتها يرقب المرء بدون عناء وبين ظهرانينا بسمات عديدة وكثيرة ومتنوعة ومنها بسمة سخرية , وبسمة صادرة عن لؤم وقد تكون صفراوية يَكِنُ صاحبها من خلالها حقداً, لؤماً, حسداً اشمئزازاً , الا انّ خبثه يظهر بدون شك فوراً حيث تُكتشف هذه الأنواع من البسمات بالسرعة الفائقة انها مصطنعة ليس الا , مصطنعة لغرض قد يود صاحبها التعبير عنه , وقد يكون هذا الأمر او ذاك ناتج عن الغيرة ,ناتج عن حب الذات , ناتج عن الأنانية , ناتج عن احتقان امور في داخله ولا يتمكن هذا المرء الافصاح عنها لأنه يميل الى جيش النّمامين او المنافقين , وربما الحسودين ,الغيورين وبالتالي الجبناء اذا صحّ التعبير.
فحياة المرء بصدق لا تحتاج الى مثل هذه البسمات وإنما الحياة بأمس الحاجة الى البسمات البريئة , الى البسمات الصادقة , والصادرة من اعماق المرء بكل امانة, وبكل صدق لتعبر عن شيء ما , ولا تقل اهمية عن الوردة التي تعبق رائحتها حقيقية , تنعش الروح وتردها كما يقولون , هذا وارد في حياتنا اليومية تقريباً في كل آن .
اما البسمة الاخرى والمغايرة لهذه البسمة التي سبق وذكرتها , فمهما كانت عريضة وبدون صوت , ومهما حاول اصحابها التعبير فيها عن امر عكس ما يفكرون , فبدون عناء تبرز وتظهر على حقيقتها , وحقيقتها مصطنعة بعيدة كل البعد عن الحقيقة تماماً وتُكشف بسرعة فائقة , انها بسمة مصطنعة لغرض معين ولا تختلف مطلقاً عن الوردة المصطنعة العارية من الأوراق الحقيقية مهما كان لونها ,خالية من كل رائحة, وفاقدة لكل مصداقية الاّ انّها تملأ فراغاً على قدّها , فلونها مصطنع وشكلها مصطنع وأزهارها كذلك , ولا يمكن للمرء ان يستنشق اية رائحة منها وقد تؤذيه اذا مسّها في بعض الأحيان تماماً كالبسمة المصطنعة التي تحوي في طياتها كثيراً من الامور والخبايا الخبيثة في النوايا والمقاصد التي يكتنزها البعض في داخلهم.
فلماذا ايها الانسان المُتَصَنِّع , لماذا هذا التظاهر؟ لماذا هذه النقمة , والغيرة التي قد تقضي نهائياً على صاحبها , ولماذا ايها المرء لا تصدر بسمتك عن قلب طيب , وعن امان وعن صدق ؟ والابتعاد عن الصلف والتفنن الكاذب والتلاعب بهذه البسمات ؟ وأنت تعرف وتعلم علم اليقين انّك تلعب دوراً لئيماً في هذه البسمات .
فمن باب الهداية اودّ ان اهمس في آذان البعض مشيراً الى انّ البسمة الحقيقية تدل على نفسها وتدل على صاحبها وتدخل مكانها المناسب , وهي بسمة ووردة حقيقية تستنشق بارتياح ورغبة واطمئنان , والبسمة الاخرى تدل ايضاً هي على صاحبها وتنم عن النوايا السيئة والنوايا الخبيثة التي لا يمكنها تحقيق شيء ما في مخطط اصحابها وستبقى وردة مصطنعة بدون رائحة وبدون طبيعة لا في الزهر ولا في الورد.
فمن الأفضل لهذا المجتمع ان يعمل على طرد هذه المصطنعات من صفوفه اولاً بأول , كي
لا يستفحل الاستخفاف واللاموضوعية والسخرية والبقاء على الموضوعية والجدّية والبسمة الحقيقية الطاهرة البريئة تماماً كالوردة الطبيعية , لأنّ في ذلك خير للمرء نفسه وخير لذويه , وخير للناس وربما لكل المجتمع .
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير