تعقيب على تعقيب بقلم: الدكتور منير توما / كفرياسيف
2016-05-17 20:20:55
تعقيب على تعقيب أ. د حسيب شحادة بشأن مداخلتي بتاريخ 15/5/2016 بقلم : الدكتور منير توما / كفرياسيف
طالما ترددتُ في قراري الرد على تعقيب الأستاذ الدكتور حسيب شحادة بشأن مداخلتي الأخيرة في موقع المدار بتاريخ 15/5/2016 والتي حملت عنوان " تلاقي العديد من العبارات الاصطلاحية العربية مع مثيلاتها في الإنجليزية " , ويعود سبب ترددي في الرد عليه لِما أكنّهُ من ودّ واحترام لهذا الإنسان الذي فاجأني بتعقيبه الذي لم يخلُ من النقد المبطَّن الذي استخدم فيهِ مصطلحات باللغة الانجليزية , وكأني به يستعرض العضلات للإيحاء بالفوقية بغية الانتقاص من روح ومضمون ما جاء في مداخلتي , ممّا حفَّزَني بالرد على حضرتهِ بأسلوب مفعم بالروح العلمية الأدبية الصرفة دون استعمال وتقديم الإشارات والتلميحات والإرشادات كما فعل هو في نهاية تعقيبه لا سيما وأنني أمتلك آلاف المصادر والكتب الأكاديمية الأدبية واللغوية والعلمية والاجتماعية والتي من ضمنها مصادر شاملة واسعة تفوق في أهميتها ومادتها المصدرين اللذين أوردهما كإحالة، مع إعلامي له بأني لا أجهل بل أعلم تماماً ومنذ نعومة أظفاري أنَّ عبارة " لا جديد تحت الشمس " مأخوذة من سفر الجامعة لسليمان الحكيم في العهد القديم من الكتاب المقدّس .
وهذه المقولة يعرفها معظم الناس حتى الأميّون منهم لكونها كليشيه (Cliché) من الكليشهات المعروفة , فكيف بإنسانٍ مثلي يدرك الأستاذ المحترم مدى موسوعيّتي الثقافية وسعة مداركي وأفاقي , أن يجهل ذلك ؟
أما بصدد قولك أيها الأستاذ العزيز بأنَّ النتيجة التي خلُصت اليها في نهاية عيّنة مداخلتي " فيها بعض التسرّع في هذا الموضوع السوسيلغوي الشائك والشيّق " على حد تعبيرك , فأودّ قبل الخوض في صميم الموضوع أن أُشير أنّه كان الأولى بكَ ومن الفصاحة بمكان أن تصف الموضوع بكلمة " شائق " بدلاً من كلمة " شيِّق " لأنَّ الغالب على معنى كلمة " شيِّق " هو
" مشتاق " أو " داعٍ الى الشوق " مع أنَّ بعض المعاجم الحديثة ومجمع اللغة العربية بالقاهرة قد أجازَ استعمال هذا الخطأ الشائع الذي أصبح مقبولاً في هذا السياق حيث أنّه حين تُقال عبارة
" حديث شيِّق " فإنّها مرفوضة عند الأكثرين لأنها لم ترد في المعاجم بهذا المعنى كما يخبرنا كتاب " معجم الصواب اللغوي " للدكتور أحمد مختار عمر الذي ورد فيه ِ أنَّ عبارة " حديث شائق " فصيحة وكذلك " حديث مُشَوِّق " عبارة فصيحة أيضاً , أما " حديث شيِّق " فهي صحيحة ( لا أكثر من ذلك ) حيث الشيِّق هو المشتاق ولا يمكن أن يكون الحديث مشتاقاً , وإنما يكون شائقاً أو مُشَوِّقاً , أي يشُوقُ الإنسانُ بجمالهِ وحُسنِهِ . وهذا ما اقتضى التنويه إليهِ في التعقيب المذكور .
وبالإتيان الى صُلب الموضوع في تعقيبك , أيها الأستاذ العزيز المحترم , فإنَّ قولكَ بأنَّ " ثمة عبارات عديدة في هذه العيّنة هي بمثابة اقتراض لغوي Calque / loan translation ) )
من لغة أخرى , عادةً ما يُسَمّى بِ
( Standard Average European – SAE )
فإنني أعتقد بأنَّكَ لم تصب الهدف بدقّة ولم تكن صائباً أو موفقاً في استعارتك َ لهذه المصطلحات الانجليزية , فهي ليست في محلها ولا تعكس روح ما ورد في مداخلتي لهذه العبارات أو التعابير , لأن التعابير الإصطلاحية الواردة في عينة مداخلتي هي ليست اقتراضاً لغوياً Calque / loan) translation ) لأنّك إذا عُدتَ الى المراجع المختصَّة تجد أن الإقتراض اللغوي هو كلمة أو عبارة استُعيرت من لغة أخرى بترجمة حرفية , كلمة بكلمة أو جذر بجذر
( word - for – word translation ) وهذا الأمر لم يكن وارداً في التعابير الإصطلاحية في عينة مداخلتي لأنّ الترجمة لم تكن متعمّدة هناك بهدف الترجمة من لغة الى أخرى , وإنما بفعل الانتماء الثقافي للشعوب ( culture ) .
كذلك فإن مصطلح ( Standard Average European – SAE ) الذي أشَرت اليه في تعقيبك في السياق نفسه والذي قدّمه وأدخله ( 1939 ) Benjamin Whorf كان بخصوص مجموعة اللغات الهندو أوروبية في أوروبا التي امتازت بعدد من التشابهات النحوية القواعدية
grammatical similarities ) ) والتي جَعَلَتْها تختلف عن لغات العالم الأخرى . ولكن مصطلح
SAE هذا قد بقي مثار جدل دائم ( controversial ) فيما يتعلق بالتشابهات مع لغات أخرى في العالم . ومن هنا فإنَّ ما جاء في عينة مداخلتي هو عبارة عن شبه دراسة مقارنة متواضعة جداً لبعض التعابير الاصطلاحية ( Comparative study of selected idioms ) وهذا ما كان يتوجب عليك أن تتداركه وتنتبه اليهِ في توصيفك لهذا الموضوع السوسيلغوي socio – lingual ) ) الذي ينبثق أساساً من ثقافة الشعوب ( culture ) على اختلاف انتماءاتها وبيئاتها , فالعبارات أو التعابير الاصطلاحية idioms ) ) تصوِّر حياة الشعوب وحضارتها , فهي بمثابة خلاصة تجارب المجتمعات الإنسانية خلال تطورها عبر العصور المختلفة . وبذلك فإنَّ العبارات الاصطلاحية التي نحن بصدد عيّنة منها ( بالإضافة الى الأمثال أيضاً ) هي صوت الشعب وحصيلة تجاربه ِ ووسيلتهِ التي يعبِّر فيها عن إحساس أحسَّ به أو تجربة عايشها أو خبرة اكتسبها أو رؤية فكرية ابتدعها أو صورة من معالم الحياة الاجتماعية رسمها – كل ذلك بعبارات أدبية , عامية أو شعبية يجتمع فيها ما لا يجتمع في غيرها من الكلام : إيجاز اللفظ , وإصابة المعنى , وحُسن التشبيه وتنوّع الكتابة .
وتزداد أهمية هذه التعابير الاصطلاحية والأمثال وضوحاً عند دراسة التعابير والأمثال المقارنة للشعوب المختلفة حيث يستطيع القارئ أو الباحث التَّمَعُّن في عادات ومأثورات الشعوب وطرق تفكيرها .
ومن هنا نلمس أنَّ هناك تشابهاً قريباً لدرجة التطابق بين العبارات أو التعابير والأمثال والحكم العربية وبين التعابير والأمثال الانجليزية كما أوضحنا بالأمثلة في عينة مداخلتي محور التعقيب هنا . وهذا الأمر يؤكّد عالمية الفكر الإنساني (Universality of the human thought ) , وأنَّ شعوب الأرض جميعها قد عانت أحداثاً متشابهة ومرَّت بأطوار متماثلة في تقدمها وتأخرها وفي كفاحها وتحرّرها , انعكس ذلك كله على تعابيرها وأمثالها وحكمها , فجاء الكثير منها متشابهاً متطابقاً دون تعمّد الترجمة الحرفية , فما رأيك أيها الأخ الأستاذ في هذا الطرح , أو لا ينفي هذا إتهامك إيايّ بالتسرّع في خلاصة عينة مداخلتي المذكورة .
وختاماً , لا بدَّ من كلمة أخيرة للأخ الكريم الأستاذ الدكتور حسيب شحادة , أقولها بكل محبة وصراحة بأنّه قد حَمَّل تعقيبه ُ أكثر مما يحتمل من المعاني الموحية غير الصائبة وإن كان ذلك بألفاظٍ موجزة في غير محلها حيث يحضرني في هذا المقام مجازا قول ابن المعتز "وآفة التّبْر ضعفُ منتقدِهْ " .
فللاستاذ حسيب أصدق التحيات وأطيب التمنيات بموفور الصحة والتوفيق .
والله من وراء القصد ...
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير