بين البشري والالهي .. كميل فياض
2016-06-07 08:02:11
قام ويقوم نقاش وجدال وسجال وعراك على مر التاريخ ، بين شطر من اهل الفكر وشطر من اهل الايمان حول الكتب الدينية ، هل هي من الله او من البشر؟ في حين ان استخدام بسيط للعقل يحسم المسألة ، شرط الانطلاق من نية طلب الحقيقة ..
فكل ما ينتجه البشر هو بشري ، وما عدا ذلك فلا .. والكتب الدينية ليس انتاجاً طبيعياً كالنبات والحيوان، بل بشرياً بمواد طبيعية، كصناعة الورق والحبر الذي تؤلف منه وبه الكتب ،وما في الكتب كلاماً مكتوباً بأيد بشرية ، يمكن ان يُزاد عليه ويُنقَص منه ،يُحذف بعضه، او يُغيَّر ، او يُحرَّف الخ ..
فاذا عاند اتباع الاديان بان كتبهم من عند الله والكلام الذي فيها كلامه ، نسألهم : كيف للانسان ان يميز بين ما هو الهي وما هو بشري ، الا يحتاج الى العقل الذي يميز به بين الافعال وماهياتها ؟
اذا كان الامر كذلك ، كيف نميز بين كلام الله وكلام البشر ؟ الا نحتاج الى ان نشاهد عمل الله بنفس القدر الذي نشاهد به عمل الانسان، كي نميز بينهما فننسب كل عمل لأصله وماهيته ؟ ..
لكن بما ان ذلك متعذر ، إلا في الجانب البشري، اذ لا نستطيع ان نرى عمل الله اثناء قيامه بالخلق او الصنع ، ليس فقط لأن الخلق حدث في وقت لم يكن فيه شاهد بشري - افتراضاً - واذ ان الشاهد البشري نفسه جزء لا يتجزأ من ذلك الخلق – افتراضًا - يصح اذن ان نعتمد الفكرة التي تقول: مادام الخالق مطلق الكمال – كما هو الاعتقاد - لا يجوز ان يصدر عنه اي خطأ فيما لو كان وراء بعض الاعمال الواصلة منه الى الناس – كالكتب المقدسة – افتراضًا - غير ان العقل يشهد من دراسة الكتب الدينية ، وبشهادات كثيرة موضوعة ، ان هناك كثير من الاخطاء فيها ، إن على المستوى الانشائي اللغوي الخالص، وإن على المستوى العلمي والمنطقي .. ولعل هذا ما جعل – مثلاً - فريق من الاسرائيليين يرون ان الله يخطئ ايضاً ويجب تصحيح خطأه ، تطويعاً لإرادة السماء في خدمة الشريعة والمصلحة .. وهكذا فعلت البابوية المسيحية بعد الفصل التاريخي بين الكنيسة والدولة ، ولا نزال نشهد تصريحات ( محلقة) لبابا الفاتيكان حيال قضايا في قمة اللبرالية ..
فاذا لم نجد منطق الكمال الالهي في الكتب (المقدسة) فهل نجده في الطبيعة والكون ؟ لا شك ان العقل يستبعد ان يكون العالم من عدم ، او نتيجة مصادفات ، لكن واقع العالم في تفاصيله الحياتية والتاريخية ، يتعارض مع وجود خالق من النوع الذي تتحدث عنه الكتب الدينية السماوية ، بوصفه شخصية عليا تقبع خارج العالم وخارج قوانينه ، حكيم رحيم كريم الخ ، حيث حرم الظلم والقتل .. فالسلسة الغذائية – المفترض انها من خلقه وتصميمه – تعيش على الظلم والقتل .. وبالمرة نشاهد في العالم خليط من تناقضات ،عقل وغرائز ، خير وشر ، حق وباطل ، جمال وقبح ، نظام وفوضى ، حكمة وعبث الخ .. ما يجعل العقل يشك في وجود ذلك الاله الذي تتحدث عنه الديانات ، خصوصًا مع حدوث مجاعات وامراض وكوارث تفتك بملايين الأطفال سنوياً ..
وانا هنا لا احاول نفي وجود الله طبعاً ، بل الكشف عن تهافت الادعاءات الدينية الخاطئة المختلفة حول وجوده .. وأرى ان قضية وجود الله او عدم وجوده قضية بشرية لا الهية .. لكن لماذا اطرح هذا الموضوع اصلاً ، ورُب قائل اننا في زمن تجاوز النقاش والحديث فيه ، واقول: اولاً هذا الموضوع لم يفارق الحياة الاجتماعية ولم يفارق الاعلام ولا عالم الثقافة والفكر والسياسة ، ومن يظن اننا تجاوزناه ، هو لا يستمع الى نشرات الاخبار ولا يتنبه الى العلاقة التي بين ما يحدث من صراعات وحروب مذهبية ، وبين طرح الموضوع .. معظمنا يشارك في الصراع ، ان بصورة مباشرة او غير مباشرة ، لكن المعظم لا يرى الاسباب الكامنة في عقليته وفي معتقداته وفي افكاره لما يجري، ومن لا يواجه تلك الاسباب بوعي موضوعي يقظ في نفسه ، سيستمر في السقوط في نفس الاخطاء .. فلا بد من اخراج ما نؤمن ونسلم به الى الضوء ،لنفككه ونرى ما فيه بصفة حيادية تامة ..
وسيتفاجأ البعض من القول ، ان الاديان ( السماوية) التي يُفترَض فيها ان تكون طرقاً للوصول الى الله ، فضلاً عن ان تكون طرقاً لإثبات وجوده ، هي عوائق انانية غرائزية بسكلوجية ، تعكس ذهنية من يؤمن بها ، وهي تحول دون معرفته لحقيقة وجوده ، وما لم نخلعها من الوعي ، سيظل الوعي منقسمًا على نفسه ، بين غيب لا يطال، وواقع محجوبٌ ومسحوقٌ به ..
كميل فياض
**
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير