روحانيّات،بمناسبةِ شهر رمضان الفضيل...من مُفكّرةِ شريف صعب-أبوسنان
2016-06-13 14:09:08
في خِضمِّ الحياةِ الحديثةِ لا يسعُني إلّا أن أقولَ لكِ أيُّتُها الفتاةُ المصون:احتشمي في لباسكِ ولا تضربي بآدابِ الدّين والأخلاقِ وبالشّرفِ البرّاقِ عرضَ الحائطِ،فالإحتشامُ يزيدُكِ هيبةً ووقارًا وقِلّتُهُ تزيدكِ خِزيًا وعارًا،واعلمي أنّ الذئابَ الجائعةَ لا تُوفِّرُ لقمةً سائغةً تعترضُ سبيلها...وحياتنا مليئَةٌ بذِّئابِ جائعه وبنّساءٍ "بارعه!"
وأستطيعُ أن أقولَ أيضًا،أنّ وسائلُ الاتِّصالِ الجديدةِ كالحواسيبِ والآيفوناتِ قد أوصلتنا إلى الحضيضِ وجعلتنا أُمَّةً خائبةً فأنستنا قيَمَنا وأبعدتنا عن بعضنا،روحًا،رغمَ تلاحُمِ أجسادنا فتقطّعت أوصالنا،وهكذا وصلنا إلى الدّركِ الأسفل بشكلٍ لا يُعقل،فنحنُ لا نأخُذُ الفوائدَ الكامنةَ بها بل نأخذُ عاهاتها وأقذارها...ونسبحُ في أبحارها وأضرارها.وهكذا فقد أصبحنا عاجزين عن الوصولِ،أو حتّى التّفكيرِ في طريقِ النّجاةِ...فغرقنا في المتاهاتِ!
واعلمْ يا أخي أنّ كرمَ الأخلاقِ وكرمُ النّفْسِ والسّخاءِ هي من ركائزِ المُجتمعِ الصّالحِ،فالكريمُ هو حبيبُ الّلهِ،فعُمرُهُ"السّخاءُ" ما أفقِرَ إنسانًا وإنّما يزيدُ الخيرَ والوفرةَ في حياتنا ويطرحُ البَرَكَةَ في جُيوبنا ويُضاعِفُ من إمكانيّاتنا...فلا تجعلنَّ البخلَ يقودُكَ ولا تدعْهُ يقطعُ أنفاسَكَ وجُدْ من الموجودِ حتّى يزيدَنَّكَ الرّبُّ المعبودُ من نِعَمِهِ،فما الرّجوعُ إلّا إليهِ وما الخَيرُ إلّا لدَيهِ!
إنّ الطّمعَ والجشَعَ هما أخوانِ مُتلازمان مُتقاربانِ ولا غِنَىً لأحدُهما عن الآخرِ.فالطّماعُ لا يُسيءُ إلّا لنفسهِ،كما أنَّ المُحسنَ إنْ أحسنَ فهو أولّ ما يُحسنُ لنفسِهِ.فالطّمَعُ هو أوَّلُ الشُّرورِ وهو مَدعاةٌ للغُرورِ ويُبعِدُ السّعادةَ والسُّرورَ عن صاحبهِ،والرّجُلُ الجَشِعُ لا يشبعُ من خيراتِ هذهِ الدُّنيا...حتّى لو ملكَ مالَ"قارون"،وهو يتغافلُ عن آخرتِهِ ويتناسا أنّ كلّ ما "يُلملمُهُ"ليسَ إلّا للورثَةِ من بعدِهِ وكُلّما زادَ مالُ الجَشِعِ،كُلّما زادَ بُخلُهُ...بحقِّ نفسِهِ أولًا،وهو ،في كثيرٍ من الأحيان،ينتهكُ المُمنوعاتِاتِ ويستسيغُ المُحرّمات،شعارُهُ النَّهَمُ وعدوّهُ الكَرمُ،ولو أعطيناهُ مياهَ البحرِ لشَرِبها غيرَ آبهٍ بملوحتها،والأرضَ لابتلعها...مُتجاهِلًا أقذارها وأوزارها،فهو كالأرضِ "المُنخَفِضَةِ"...تبتلعُ مياهها ومياهَ غيرها،حتّى لو كانَ غيرُها من أقربِ المُقرّبينَ لها!
إضافةً لذلكَ علينا أنْ ننتبهَ ؟إلى أنّ أكلَ المالَ الحرام يتمتّعُ بمغامراتهِ ويُفسّرُها"حلالًا"،في نظرهِ وفي نظرِ أمثالهِ...فشَيخُهُمُ الجَشَعُ وشعارُهم الغِشُّ والطَّمَعُ،ومن تعوّدَ على الاختلاسِ لا تردَعُهُ حتّى صواعِقُ السّماء، فهُم أذلّاءٌ،وفي هؤلاءِ قالَ إسماعيلُ بنُ قُطرِيِّ القراطيسي:
حســـــبي بعـــــــلمي إنْ نــــــــــفَعْ مــــــا الـــــذّلُّ إلّا فـــــــــي الــــطَمَعْ
مـــــنْ راقــــــبَ النـــــاسَ نَــــزَعْ عـــــنْ ســـــــــوءِ مــا كــــانَ صَـــنَعْ
مــــــا طـــــارَ طَــــــيْرٌ وارتـــــفَعْ إلّا كــــــما طـــــــــارَ وَقَــــــــــــــــعْ
حَتّى يَقول: العبدُ حُـــــرٌّ مـــــــا قَــــــنَعْ والحُـــــــــــرُّ عَــــــبدٌ ما طَـــــــــمَعْ
واعلم،يا أخي،أنّهُ لا يوجدُ أبلغُ مِمّنْ قالَ إنَّ الأُمُّ مدرسةٌ،فإذا علّمتْ أبناءَها على سُبُلِ الخيرِ والصّلاحِ فتكونُ،بذلكَ،قد قادتهمْ للمجدِ وللكبرياء،وإذا فعلتِ العكْسَ،فتكونُ،عندها،قد أوصلتهم إلى حياةِ البُؤسِ والشَّقاء...! واعلمْ أنَّ كثيرَ الصُّراخِ والكبرياءِ يكونُ،عادةً،مَيّالًا للعُنفِ، فيهِ كثيرٌ منَ الجُبْنِ واليأسِ وقليلٌ منَ الثِّقةِ بالنّفسِ وهو لا ينصاعُ إلى الحقِّ والحقيقةِ، وما أشبهَهُ بالقاقِ الوقواقِ أو الصّرصارِ الصّرصارِ...يظهرُ في الّليلِ ويختفي مع ظهورِ الضّوءِ،وهو كالمُتشبِّثِ بقشّةٍ...فوقَ بحرٍ هائجٍ،وعيونُهُ لا تعرِفُ النّومَ... يختبِئُ خلفَ زُجاجٍ شفّافٍ،فقلّةُ عقلانيّتِهِ تقودهُ إلى غُرورٍ عنيف لذلكَ هو يصرُخُ ويُقهقهُ على الدّوامِ كفاقدِ دليلهِ دلالةً على ضعفهِ...وقد قالَ في هؤلاءِ "ابنُ مِرداسٍ":
ضِعــــــافُ الأُســــــــــدِ أكــــــثَرُهــــا زئـــــــيرًا وأشـــــــــــرَسُـــــــها الّلـــــــواتي لا تَـــــــزيرُ
ففي هذا الشّهرِ العظيمِ،شهرِ نزولِ القرآنِ الكريمِ،ما علينا إلّا أنْ نُسَبّحَ الرحمانَ وأن نُسديهِ الكثيرَ منَ الإمتنانِ وأن نطلُبَ منهُ وفرةَ الإحسانِ والرّضوانِ!
ومن أجلِ أن نُعيدَ الابتسامةَ إلى وجوهنا أقولُ:ما أعظمَ الابتسامةُ الطيِّبةَ الصّادقةَ لو اعتلتْ وجوهَنا،فهي أعظمُ الكلامِ،دونَ أنْ يفتحَ صاحبُها فمَهُ لأنّ كلَّ ما يُقالُ بعد إطلاقِها إنّما ينبعُ عن عقلٍ رشيدٍ وعن فِكرٍ سديدٍ،وفاقِدُها تكونُ طبائعُهُ السيِّئَةُ قد طغتْ عليهِ وسيطرتْ على عقلهِ وعلى مَنطِقِهِ،فقلبُهُ مُظلِمٌ ونفسُهُ مريضَةٌ...بعيدةٌ عن المنطِقِ السّليمِ وعنِ السّراطِ المُستقيمِ، فالنّفْسَ،لو تهذّبتْ، لتحكّمت بطبائعِ بني البشَر...فواجبُنا أن نقوّي روحَ التّسامحِ والمحبّةِ وأن نُهذّبَ نفوسَنا،على الدّوامِ،تمَشِّيًا مع قولِ الشّاعرِ:
عـــــليـــــكَ نَـفســــكَ هــــذِّبــها فــــمَنْ مَلَـــكـــــتْ قِـــــيادهُ النـفْــــــسُ عــــــاشَ الـــــدَّهر مَــــذمومــا
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير