الإعجاز الوجودي يتحدى التعبير القرآني وكل تعبير بقلم كميل فياض
2016-06-14 05:46:13
الإعجاز الوجودي يتحدى التعبير القرآني وكل تعبير :
محاولة التدليل من القرآن نفسه على انه اعجاز ، لا يستطيع البشر الإتيان بمثله، اولاً هو ليس بدليل عقلي ولا علمي ، بل هو اعتقادي ايماني محض ، وعلى ذلك كل من يؤمن بشيء هو في نظره معجز .. ثانياً ان الحجة المعتمدة في فكرة الاعجاز القرآني هو كونه خاص بلغته ولا مثيل له.. لكن عملياً كل شيء هو كذلك ، لكل شيء ولكل مظهر في الطبيعة بصمة خاصة لا تتكرر، ولكل حركة هوية خاصة لا تتكرر ، لا يوجد ولن يوجد عاصفة تشبه الثانية تماماً ولا موجة تتطابق مع الأخرى .. لا يوجد ولن يوجد اكثر من شكسبير ، ومتنبي ، وآينشتين ، وسقراط ، والحلاج ، ولا يوجد ولن يوجد مثل اشعار هوميروس ، والف ليلة وليلة ، ونشيد المولى لكرشنا الخ .. لما لا نقول اذن ان كل هذه وسواها بمثابة إعجاز الهي ..
وفي مقارنة قام بها المفكر العارف احمد القبانجي ، يكشف عن ان لغة القرآن لا ترقى الى مستوى البلاغة كما ظهرت عند بعض البلغاء العرب ، سواء في منطق ترابط الجمل والمعاني وفي المرادفات ، وفي الاسلوب والسبك الجمالي .. وقد عرض القبانجي امثلة مقارنة من كتب البلغاء العرب ومن نهج البلاغة مع بعض آيات قرآ نية.. وكما قال ان القرآن جاء بلغة عربية ، ولا يصح ان يكون التحدي للاتيان بمثله إلا للعرب وحدهم ، وبما انه جاء لسائر الامم والشعوب ، كيف يصح تحديها عربياً وهي تستخدم لغات اجنبية .. طبعًا يبقى الهدف من الكشف عن العيوب والنواقص المختلفة الموجودة في الكتابات الدينية عموماً ، وليس حصراً في كتابات دينية خاصة ،هو اثبات بشريتها بما لا يقبل الشك ، وانها خاضعة لعوامل وظروف خاصة بها ، كما تخضع اية ظاهرة اجتماعية وثقافية لعواملها وظروفها الخاصة .. وانا هنا لا اتحدث عن خرافات (علماء وشيوخ واباطرة ) كل دين وكل مذهب ، تعج بها اقوالهم وخطبهم وكتاباتهم ، بل اتحدث اصلاً عن نصوصهم المقدسة التي يستخرج منها اؤلئك تأويلاتهم وتفسيراتهم اللاهوتية الخيالية ..
العجز عن التعبير عن عالم المطلق صفة بشرية :
ما نقوم به حين نكتب عموماً، نحاول اخراج الهلامي والمجرد من الرؤية ومن الشعور ، الى حيز التجسيد والتحديد في لغة وفي كلام ورموز وصور من التعبير ، فحين تكون النقلة من تجربة شعرية تتعلق بالواقع الحسي والاجتماعي ومستمدة من العلاقة بذلكم ، فان حظ الفهم والاستيعاب المشترك من النظارة او المستمعين او القراء تكون ممكنة معقولة ،من حيث ان الجميع يشتركون في ادراك الواقع الحسي الطبيعي .. لكن ليس الأمر كذلك عندما تكون التجربة "صوفية" تتجاوز العالم الحسي والطبيعي ، او "علمية" بعيدة عن متناول الادراك الحسي المباشر ، هذا رغم انتماء الجميع لذات المصدر الوجودي .. فعندما يحاول المستنير التعبير عما يرى يتغير المعنى ولا يُلتقط كما هو عليه في الاصل ، بل قد يُفهم بصورة مشوهة ومعيبة ، ويكون الحديث فيه ، كما لو ان الحديث عن الذهب بلغة معادن اخرى .. فمحاولة اخراج الرؤية من العلاقة مع اللامحدود الى الشكل والى الرمز يفقدها روحها التجربوية لتُختَزل في إشارات ايحائية ..
ما يذكِّر بالكشف الفيزيائي داخل الذرة – مع فارق الموضوع - حيث عجز العلماء عن تحديد حركة جزيء الطاقة داخل الذرة ، من حيث تَغَيُّر موقعه بصورة مختلفة في كل مرة يحثونه على الحركة ، مما جعلهم يقفون عاجزين عن تحديد ما لاتجاه الطاقة في الكون .. وهكذا تظل المسألة حول اذا ما كانت حركة التاريخ والتطور حتمية وفق سببية منطقية واضحة، ام تلعب بها المصادفات مسألة مفتوحة ، حتى يضع العلماء معادلة واضحة لقانون الحركة ، خارج كل اعتبارات فلسفية ودينية مُسبقة .
كميل فياض
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير