المثقف ، المفكر ، الفيلسوف ، المستنير العرفاني . بقلم كميل فياض
2016-06-19 09:18:25
بكلمات : المثقف : هو من يقرأ في كل شيء دون تخصص ، وللمثقف صفة اجتماعية اخلاقية تقليدية ، هو الانسان المستقيم ، حيث ان تثقيف الشيء لغوياً هو تقويمه ، تهذيبه ، تصحيحه .. والمثقفون هم العمدة في النهوض الاجتماعي وفي الثورات السياسية والاجتماعية.
المفكر : هو الذي لا يكتفي بقراءة الظاهرة وبالفهم المنسجم معها ،بل يحللها ويحاول فهمها في العمق ليدرك اسبابها وعللها الداخلية .. ولا تعني المفكر النواحي الجمالية والادبية عند تناوله قضايا فكرية خالصة .. الا ان ليس كل مفكر هو علمي عقلاني موضوعي بالضرورة ، فهناك مفكرين تقوم اجتهاداتهم تحت تأثير الميل الديني ،او من ضمن المفاهيم الدينية او الايديلوجية والسياسية ،وهو الامر الغالب .. وقد تكون الظاهرة التي يدرسها المفكر ويحللها ، اجتماعية ، او سياسية ، او دينية ، او اقتصادية ، او فنية ادبية ، او مشتركة.. فاذا كان المثقف هو من يصف شجرة وصفاً دقيقاً ، فان المفكر هو من يشرّحها من الداخل ايضاً ، واما الفيلسوف الى كل ما سبق يصنع من خشب الشجرة عملاً مفيداً او فنياً ..
الفيلسوف اذن : هو الذي يقدم رؤية بديلة ، نظامًا مفهوميًا او فكراً جديداً، بعد ان يكون السائد من تفكير قد اصبح مخالفاً للواقع ، مليء بالمفارقات والاخطاء ،لا ينسجم مع الواقع ولا يفيد المجتمع بل يؤخر تقدمه .. ولذلك لا بد ان يكون الفيلسوف مبتكراً او مبدعاً في مجال المفاهيم العقلية والفكرية ..غير ان اي عمل تغييري من الجذر، مرتبط ارتباطاً وثيقاً بطبيعة البيئة الاجتماعية المحيطة ،بإمكانيات القبول والتجاوب ، ونجاح اي مبادرة او اخفاقها رهن الوضع الثقافي السائد ..
المستنير العرفاني : قد يكون العرفاني مثقفاً ، او مفكراً ، او فيلسوفاً ، او لا يكون اي من ذلك ، قد يكون امياً ،او انساناً عاديًا ، اذ هذا المقام لا يستند الى العقل بل يتخطاه الى رؤية خالصة والى تجربة ذاتية بصورة كلية ، ولذلك قد يبدو العارف خارج التطور والتاريخ ، لا تراكميًا ولا واقعياً .. وفي بعض حضارات عريقة كالهندوكية البرهمية الفيدنتية وسواها، عندما يكون المستنير المتحقق مفكراً او فيلسوفاً كشنكرا شاريا مثلاً في القرن 13، يُعطى التخويل ليأخذ دور المصوب والمصحح لمعتقدات الناس المنحرفة ، او التي لا تعد تنسجم مع مصلحتهم ومع مبادئ الحياة السليمة ومع ضرورات التطور ،باعتبار المستنير هنا حكيماً متصلاً بالمصدر الذي تقصده المعتقدات والأفكار .. ولو كنا نحن في مجتمعاتنا العربية والاسلامية نقيم ذلك الوزن للمستنير المتحقق ، كأحمد القبانجي اليوم في العراق ، والشهيد كمال جنبلاط سابقاً في لبنان ، وسواهما من السابقين واللاحقين ، لاجتثت ظاهرة الارهاب من الفكر الديني ، ومن السلوك العقائدي والسياسي .. لكن الاشكالية الدينية والثقافية في مجتمعاتنا اعقد مما نتصور ، وهذا يكمن في صلب العقائد الدينية ، حيث فهم الوجود من جاء او بشر بها : سماء وارض ،ومن طبيعتين مختلفتين منفصلتين كلياً، والعلاقة بينهما رهن وسائط غيبية كالوحي والملائكة ، ثم رسل اخصاء وانبياء تابعين، حيث هكذا تكون تمت الصفقة الى الأبد، بين موكلين عن عقولنا ومفاهيمنا لأنفسنا وللوجود، وعن علاقاتنا ومصائرنا ، وهكذا يكون تم سلبنا لحرية التفكير والخلق والتجديد والابداع .. وبمقارنة سريعة بين مجتمعاتنا والمجتمعات الاخرى، ندرك الفرق واسباب الفرق بوضوح ، هو الفرق بين القمع وبين احترام الرأي الآخر ، وهو الفرق بين الاكراه ، وبين التخيير، هو الفرق بين اخذ المسؤولية والمبادرة الشخصية ، وبين الاتكال على الآخرين والثقة بالغيب ، هو الفرق بين التفكير الحر ، وبين الخوف من الافصاح عن الذات ..
ويطيب لي في الختام تخيل ابن عربي مُخوَّلاً من قبل المسلمين ،تنقية القرآن مما ادخله كتبته في خدمة مآربهم ورغباتهم ، تحت دعوات البطش المختلفة ، وقد وضع قصيدته التي يقول فيها : ادين بدين الحب ، مكان الفاتحة .
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير