أكابر منصور، كبرياء سيدةٍ من هوشي بقلم: زايد خنيفس
2016-07-04 06:38:49
أكابر منصور، كبرياء سيدةٍ من هوشي
إلى روح عمّتي أكابر منصور (كمال، خنيفس)
بقلم: زايد خنيفس
أن يعيش الانسان مئة عام هي في الواقع أكبر امتحان بل أعظم اختبار من الله لخلقه، ومحطات ملونة من السعادة والشقاء، والانسان أضعف من أن يحدد البداية والنهاية والمهم أن يبقى واعيًا لما يدور حوله، هي النعمة بحد ذاتها.
مساء يوم السبت الموافق 17.6.2016 حوالي الساعة العاشرة ليلا توقف قلب عمتي "اكابر" منصور كمال عن الخفقان، وهي ابنه ثلاثة عائلات وابنه ثلاثة بلدات دالية الكرمل عسفيا وشفاعمرو وان تشرد مئة عام في طول وعرض حياتك فإنها حكمة عميقة لكن البداية لها نهاية. ولا يبقى الا وجه الله ولا يبقى من الانسان الا الذكريات والذكر الطيب والمواقف، والواقع عمتي اكابر بتسميتها الثلاثة وبلداتها الثلاثة لم تكن ككل نساء مجتمعنا، بل شخصيتها التي ميّزتها عن الاخريات، فأخذت من المقربين منها الكثير، واضافت لشخصيتها ومنذ نعومة اظافرها اختارت تجاوز حدود ما "سيج" للمرأةِ وكانت المحطة البارزة بحياة هذه السيدة وان شاء القدر ان تكون اخت والدي من ام فاضلة جدتي المرحومة سريا كمال، كان بحضور جيش شكيب وهاب الى هذه البقعة بتاريخ 28.3.1948 حيث شهدت المنطقة معاركا طاحنة على مشارفها وجهاتها وخاصة من الجنوب الغربي وبالتحديد قرية "هوشي" استبسل فيها ابطال جيش شكيب امام القوات اليهودية وكان ما كان في هذه الموقعة وهنا في التلال سقط شباب الجبل الاشم من سوريا ولبنان، وصل عددهم مئة مقاتل دفاعا عن كرامة العرب "وحمية" عمتي اكابر اتجاه ابناء طائفتها دفعتها الوصول الى مشارف المعركة وتضميد جراح المقاتلين وسحبهم من نصفها فسطرت اروع ملحمة لامرأةٍ تجاوزت حدود وظيفتها في تلك الايام السوداء وعندما سال الدم على نصل السيوف والحقيقة التي نقولها هكذا كانت وهكذا بقيت بعد هذا التاريخ هذه السيدة وان اطلقنا عليها اخت رجال فلا نبالغ في ذلك، امام فرسان جاءوا من جبال الوطن الكبير لنجدة الاهل وغابت عنهم تفاصيل دقيقة على من خان الوطن وباعه في نوادي حيفا وبيروت والشام.
عمتي اكابر حضرت الى شفاعمرو في نهاية سنوات الاربعين مع زوجها المرحوم حسن سليم منصور من عسفيا وسكنت بيت الشيخ محمد سلمان شوفانية في سفح قلعة كان وجهها وقبلتها جهات الارض وكرامتها وعادت مع زوجها لبلدهم عسفيا فكانوا نعم الزوجين واذكر في عطلاتنا الصيفية عندما نزور عمتي ونذهب نحو حاكورة في اسفل القرية ذهبنا اليها ونحن صغارا، بقيت عالقة في ذهننا حتى اليوم حاكورة الخوخ والمشمش، شهيّة المذاق، استمدّت طعمها من عمق الارض الطيبة ومن السلاسل والصخيرات.
في نهاية الليل كان المرحوم العم ابو يوسف حسن يأخذ محصوله بسيارة نقِل قديمة نحو "حسبة" حيفا واجمل ما في هذه المحطة حين تحوّل بيت عمتي وزوجها الى بيت الجيران والقرية ومن كل الطوائف. عرفت عمتي كيف تنسج خيوط علاقتها الطيبة من بيتها العامر المفتوح الى كل البيوت تنطق الكلمة الطيبة ومن عقل متزن يغلب عليه الوعظ والارشاد والكلمة الجريئة وان جرحت هكذا هي الشجرة الطيبة الوارفة التي لم ينس اصحابها العناية بها وهكذا هو الجدول الاتي من النبع الذي لا يتوقف عن التدفق نحو سهول الخير وهكذا هن السيدات الفاضلات يعرفن دورهن الحقيقي في بناء المجتمعات وهكذا هي الحمية وحرارة البشر وتضميد جراح الاخرين وتسمية اخت الرجال تبدأ من محطة معركة "هوشي" والسيف الشاهد ما زال في موضعه علامة فارقة والبحث عن سترة عائلة صغيرة وكبيرة ومشاركة الناس وقول الكلمة المضيئة هي الامتحان الكبير ان تصل لرضى الله ومئة عام بطولها وعرضها الامتحان الصعب في حياة البشر.
بعد دفن المرحومة ذهبت اتجول نحو ازقة بيتها القريب من بيت الشعب في سفح الكرمل حاولت استعادة الذكريات على مشارف العطلة المدرسية واستعادة حقبة من عمرنا وتسألت هل سيصل عمرنا مئة عام ام ستكون النهاية غدا والعبرة بان لا احد باق والباقي هو الله والصور والمحطات تبقي الانسان في الذاكرة الطيبة واكابر منصور وتسمياتها الثلاثة عائلات وبلد هي اسماء عابرة وما تبقى ايادي خضراء تنبت في كل حين ولا تعرف الفصول.
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير