حول الاستقلال والتأثر في كتاباتنا .. بقلم كميل فياض
2016-07-05 09:05:04
في زيارة من زياراتي  للجوهرة الكبيرة سميح القاسم ، وفي حديث عابر حول الشعر اذكر قلت له .. (لا اقرأ اليوم لأحد من الشعراء وانت من ضمنهم ) فقال لائماً ( هذا غلط ) وقلت (اريد ان ادخل دهاليز لم يدخلها احد ) وقصدت ألا أتأثر بما كتبه الشعراء، وكنت قبل هذا التصريح ببضعة اعوام ،قد قرأت وحفظت  لسميح ولسواه من قدماء ومحدثين .. طبعاً اتحدث في المبدأ هنا ولا اقصد ان ازج بنفسي بين الشعراء وسواهم .. 
 
والآن ما هو التأثر ، كيف يحدث وكيف يأخذنا في كتاباتنا وفي آرائنا ومواقفنا – ليس فقط الأدبية – انما عموماً السياسية والاجتماعية والفكرية .. التأثر هو انطباع شديد يدخل بقوة في الوعي ، او يتسلل مع ما يحمل الى الوعي، والتأثر غالباً يحدث في فترة الاقبال والتعبئة وفي بدايات التثقف والأخذ ، حيث لا يكن المرء قد اخذ بعد يميز ملامح الفرق بين الابتكار والمحاكاة ، بين (الاستقلال والاحتلال) بين ما هو ذاتي خاص يعبر عن ذاتيتنا وشخصيتنا ، وبين صورة الآخرين فينا .. 
 
ولا يوجد تأثر اختياري او عقلي ، رغم ان التأثر قد يكون بفكريات وفلسفات تحمل السمة العقلية  والعلمية، لكن التأثر ذاته شيء عاطفي انفعال وجداني .. واذكر اصدقاء في الثمانينات وقبل ذلك ، تأثروا بالفكر الماركسي ثم انخرطوا في الحزب الشيوعي وحملوا بطاقة الانتساب ، ومنهم من عب بشغف من الطروحات والنظريات الماركسية ، وأخذ  ينظِّر ويدعو ويحاضر في ذلك ، لكن عندما انهار النظام السوفييتي ، صُدم واستيقظ وأخذ يعود الى (تراثه التعتيد) يتأمل ويفحص ينتقد ويحاسب .. وقد وصل ببعض هؤلاء ان قرر ان النظرية الماركسية حافلة بالثغرات والاخطاء في اساسياتها ، وليس فقط في التطبيق ، كما كان يقول البعض .. لكن ليس معنى هذا ان التأثر بكل احواله ودائماً يحمل عيوبًا وأخطاء (موضوعية) الا ان التأثر هو دائمًا اشكالية تحمل عيوبها فيها ، اذ هي سلوك لا واعٍ استلابي ..
 
ومن اسباب التأثر الطغياني عدم التنويع في القراءات ، وعدم إعمال المقارنة الناقدة بين مصادرنا ، وإعلاء موروثنا العقائدي والثقافي بصورة ارتجالية فوق سائر الثقافات .. وأعرف أشخاصاً كتبوا في القرن العشرين ولا زالوا يكتبون، بنفس الاسلوب الذي استخدمه أعلام القرون الوسطى مستعملين نفس مصطلحاتهم ، وهم مدرجين في عداد المثقفين (الكبار) ولا اقصد فقط الدينيين منهم ، بل ايضاً سواهم .. وكما تأثر البعض بالشيوعية وبالناصرية ، وبالأدب العباسي الخ ، تأثرت بدوري بفكر وبشخص كمال جنبلاط ، والى ما بعد التسعينات حمل كثيراً مما كتبته منه ، حتى ان البعض دعاني "جنبلاطي" وقد تنبهت الى ذلك .. ويجب عدم الخلط بين المرور بتجارب مشابهة ، وبين التقليد والتبعية .. ولا شك ان هناك قواعد مشتركة موضوعية بين الكل لا بد منها ، كالطبيعة والمعلومات التاريخية وأساسيات التواصل والفهم ، لا يمكن لأحد تجاوزها او خلق بديل عنها ، والا سيكون ذلك من قبيل الانسلاخ الكلي عن الواقع ، وهذا لا يعبِّر في العالم الثقافي والانساني عن اي معنى ..  
 
كميل فياض 
     
 
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير
الاسم الكامل :
مكان الاقامة :
التعليق :
هام جدا : أدارة الموقع لا تنشر اي تعقيب فيه تجاوز لقانون القذف والتشهير, وتقع المسؤلية على كاتب التعقيب
Copyright © almadar.co.il 2010-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع المدار الاول في الشمال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت
X أغلق
X أغلق