هل الحلّ ولادة دولة؟ بقلم راضي كرينّي
2016-07-21 08:03:11
يحتاج كلّ إنسان طبيعيّ إلى انتماء، لكنّ الانتماء غير جامد، وغير مقولب، وغير ثابت، و... فهو متحرّك، ومتطوّر، ومتبدّل، و... ويتّخذ أشكالا مختلفة مع تطوّر الحياة، بكلّ مكوّناتها، الماديّة والفكريّة والنفسيّة.
يرتبط الإنسان عاطفيّا، وبشكل عميق، إلى وظيفته في الحياة، ويبذل جهدًا واعيًا وملموسًا لزيادة الاستثمار في تنفيذ واجباته الحياتيّة، ويعظّم الاستفادة مِن المجموعة التي ينتمي إليها، ويتحمّس لمشاركة أفراد المجموعة له، ويبالغ في أهمّية عمله وعملهم، ويطالب بأن يتبعه وشركاءه باقي الناس، وأن يرضخوا لقيادته وشركائه وحزبه، وأن يتعاطفوا مع قضاياه، ومع عمله الذي يعتبره تضحية ومفخرة أكثر من حاجة وواجب ليس لأجل ضمان لقمة عيشه/هم واستقراره/هم على حال مريح ومعيّن؛ بل لتعزيز قيمه/هم وتثبيتها، رغم أنّ باقي الناس ينتمون إلى مجموعات مغايرة وإلى فكر مغاير، ويؤمنون بممارسات وسيرورات مغايرة، و....
تخلط حركات الدين السياسيّ بين الانتماء للدين والحركة السياسيّة الدينيّة؛ لأنّها تعتبر الانتماء الى التيّار السياسيّ الذي يمثّلها هو حاجة وجوديّة، وتنطلق برامج هذه الحركات مِن أنّ الانتماء السياسيّ الدينيّ هو أساس الدين، وبالتالي أساس الوجود، وأنّ مشايخهم حكّام يوم الدين وقضاته، و... ويعمل أعضاء التنظيم على بناء دولة الدين/دينهم... و"دين أبوهم اسمه إيه"؟ مثلما قال الشاعر جمال بخيت في قصيدة "دين أبوهم اسمه إيه؟!": "حتى فرعون اللي صدّق إنّه من نسل الإله، واللي قال إنّه الإله، كان له كهنة فِ العلوم، يقروا ف كتاب الكواكب، يرصدوا سير النجوم، يفتحوله سكك .. بيبان، في سراديب الزمان ويقولوله إزاي يدوم، حنطوه .. خلدوه بالمعاني والمباني والرسوم".
بعد أن تشكّلت الأمم الحديثة كحاجة انتماء موضوعيّة لتطوّر الرأسماليّة، بحث ماركس وإنجلس المسألة، واستنتجا الأهميّة الطبقيّة لهذا التطوّر، ودعيا إلى تشكيل وطن البروليتاريا وفق برنامج تتمثّل مصالح الأمّة كلّها في التحرّر والتقدّم؛ كي يكون لها مفهومها الطبقيّ الخاصّ بها، فيما بعد، أكّد لينين "حقّ الأمم في تقرير مصيرها"، داعيا البروليتاريا للتحرّر من شوفينيّة البرجوازيّة، والشعوب المستعمرة للتحرّر من مستعمريها بارتباطها بالاشتراكيّة.
وعلى هذا الأساس شكّل روّاد النهضة الحركات القوميّة العربيّة للتحرّر من السيطرة العثمانيّة، تطوّرت هذه الحركات بتأثير فكر وممارسات الحركات السياسيّة الثوريّة الأوروبيّة، لذلك تدخّلت الدول الاستعماريّة لقمع تطوّر الشعوب العربيّة، مستثمرة القهر القوميّ، ومتّكئة على الانقسامات، وتقاسمت الدول المحرّرة فيما بينها، بعد الانتصار على الإمبراطوريّة العثمانيّة، وأقامت دولة إسرائيل، على أساس وعد بلفور، وطنا قوميّا لليهود على أرض فلسطين. وجعلتها حائلا دون نشوء وحدة عربيّة تقدّميّة.
فهل سنشهد بعد الانتصار على "إمبراطوريّة" داعش ردّ اعتبار للإمبراطوريّة العثمانيّة، وتدّخلا تركيّا/استعماريّا لإنشاء دولة دينيّة أخرى في الشرق الأوسط (ربّما في قطاع غزّة) على غرار إسرائيل، خصوصا وحركات الدين السياسيّ تقرّ بالولاء لقادة حزب "العدالة والتنمية"، وترى بأردوغان خليفة؟!
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير