البسيط بقلم كميل فياض
2016-08-19 10:11:00
البسيط :
البساطة في العمق العرفاني : ليست هي فقط شكل من العيش والتواضع في كل شيء ، كما بالمفهوم الدارج الشائع ..
البساطة من البسيط الذي هو جوهر الوجود ، ومعنى بسيط غير منقسم وغير قابل للتجزئة ، وهو مقابل المُرَكَّب ..
ان تكون بسيطاً هنا يعني ان تكون خارج التركيب ، يعني ان تكون واعٍ بذاتك خارج التفكير ، او خلف التفكير ،اذ التفكير هو فكرة + فكرة + فكرة الخ ، ولا بد لكل فكرة في سلسلة التفكير ان تختلف عن الأخرى ، من حيث ان التفكير تداعٍ وانعكاس للتنوع والاختلاف في العالم الحسي والشعوري ، بينما البساطة امتداد حضوري شفاف صافٍ للروح ، هو مساحة ورحابة خلف كل نشاط ..
في الواقع النشاط التركيبي الارادي وغير الارادي يشكل عائقاً وحاجبًا دون التحقق بالبساطة ، ولا تجدي التقنيات والصلوات والابتهالات في سبيل كشف البسيط ، اذ هي جميعًا من عالم التركيب – سواء نشاط ذهني شعوري ، ام حسي – فكشف بسيطك الذي يتجاوز وجودك الذهني الشعوري والحسي ، يقتضي السكون الداخلي والمشاهدة الروحية الخالصة .. ومن هذا البسيط نكتشف ان لا علاقة له كيميائية عضوية تفاعلية مع العقل ومع نشاط العقل ، فهي كالعلاقة بين الصور والمرآة في بعدين مختلفين رغم الاتحاد الظاهر بين الصور والمرآة ، هي علاقة انعكاسية فقط لا تفاعلية ، والتفاعل بين نشاط الفكر وبين الوعي هو فقط سيكلوجي بسكلوجي خداعي اعتقادي ، وظهور النشاط الذهني كحقيقة كظهور الأفعى في الحبل دون ان يكون للأفعى اي وجود – كما عبر شنكراشاريا من تريفندروم.
واما التعامل مع الآخرين مع العالم يوجب في كل الاحوال استخدام الرمز التركيبي ، فاذا عالجنا او واجهنا قضية اجتماعية او سياسية او ادبية فنية الخ ، نستخدم الرمز التركيبي لقضايا تركيبية ، والتحليل مرتبط بالتركيب ايضاً، اذ هو علاج وتفكيك لما هو مركب ..
كل ذلك يجري بمعزل عن البسيط ، رغم ان البسيط هو اساس وجود كل شيء ، وهو المانح الافكار والاشياء معانيها وامكانياتها وعلاقاتها ووجودها ، كما تمنح الشمس الالوان صفاتها وظهورها واختلافاتها الخ ..
وكما ان العين لا تنتبه للنور كخلفية سببية لظهور الالوان ، بل تنجذب بصورة عفوية الى الالوان والأشياء الحسية ، كذلك الوعي لا ينتبه للخلفية السببية لظهور الافكار والمشاعر والحواس ، التي عليها يقوم ظهور العالم الحسي ، طالما هو متطابق والمدارك الذهنية الشعورية والحسية ..
ومن هنا فان العملية العرفانية هي فصل بين الوعي وأغراضه خلال تأمل وتحقيق في الذات، حتى يتم الكشف عنه فيتحقق بأنه البسيط الذي هو جوهر الوجود لذاته وللعالم ..
العرفانية التجاوزية خروج من كل نشاط حسي وذهني ،حيث في لحظات التوقف الكلي لكل نشاط ، تشرق الحقيقة بكليتها وبمجدها الازلي ..
وهكذا تتحول حياة الانسان من العيش في ظلال واشكال عرضية مجردة ، الى عيش في الحقيقة .. تتبدل قيمه مقاييسه اعتباراته ، يصبح كل شيء مجلى للحقيقة وللتمتع بجمالها عبر مختلف ظهوراتها .. تصبح حقيقة الوجود دينه وفنه وفلسفته وعشقه واخلاقه ..
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير