د. نجيب صعب و "تجاربه في مدرسة الحياة" بقلم: الدكتور منير توما
2016-08-19 10:14:35
د. نجيب صعب و "تجاربه في مدرسة الحياة"
بقلم: الدكتور منير توما
كفرياسيف
أصدر الدكتور نجيب سلمان صعب مؤخرًا كتابًا جديدًا تحت عنوان "من تجاربي في مدرسة الحياة" حيث أهداني مشكورًا نسخةً منه، وفي هذا الكتاب يستعرض الكاتب الكثير من الآراء والأمثلة والأنماط الاجتماعية التي نصادفها في حياتنا عامةَ ومجتمعنا خاصةً، وينطلق الدكتور صعب من المبادىء الانسانية والأخلاقية التي على المرء أي يمارسها في تعامله مع الآخرين، ويتعرض بالنقد البنّاء لبعض النواحي السلبية والمثالب الاجتماعية التي يتوجب الابتعاد عنها وتجنبّها لا سيما وأنَّ التمسّك بالقيم والمثل العليا يشكلّ عاملًا مهمًا في بناء الانسان وصلاح المجتمع، وهذا ما نلمسه صراحةً في مقالات الكاتب ونشتفه ضمنًا من توجيهاته الرشيدة الى القرّاء خصوصًا الأجيال الناشئة الصاعدة التي تبعت الأمل في مستقبلٍ زاهرٍ مشرق قائم على الصدق والاستقامة والأخلاقيات والتواضع ولو كان ذلك بالحد الأدنى المقبول إنسانيًا وإجتماعيًا على الأقل.
يتناول الدكتور نجيب صعب في كتابهِ العديد من المواضيع التي تلامس علاقاتنا الاجتماعية وآداب المعاملة السليمة وما يعتري ذلك من خروج عن المألوف واللياقة مؤكدًا ومشيرًا إلى أهمية ونجاعة التربية السليمة للصغار والكبار على حدٍ سواء في اتبّاع الأسس الصحيحة لادارة شؤون الحياة على شتى الصُعُد وفي مختَلف الميادين، فهو يتطرّق مثلاً الى موضوع الفشل والنجاح في أحد مقالات الكتاب مُشدِّدًا على أن الانسان يجب أن يتعلم من فشلهِ في سبيل انطلاقة جديدة نحو النجاح، فهو يرى "أنّ الفشل الذريع في نظره هو عدم تعلّم المرء من فشلهِ".
وهنا لا بُّد لنا من استحضار قول شكسبير في أنّ "معاودة الكفاح بعد الفشل تثبت من أي معدنٍ صُنع الرجال"، كذلك مقولة السياسي البريطاني الشهير دزرائيلي في أنَّ "أعظم مُعَلم هو الفشل".
وهكذا يكون الكاتب قد أصاب الهدف في رأيه القويم بهذا الشأن ليوحي لنا أنّ سقوط الإنسان ليس فشلاً، إنمّا الفشل أن يبقى حيث سقط.
ومن اللمسات الرقيقة التي يأتي بها الكاتب حديثه عن البسمات البريئة الصادقة في هذه الحياة، "والصادرة من أعماق المرء بكل أمانة، وبكل صدق لتعبّر عن شيء ما"، فهو بهذا يريد أن يؤكد صفاء ونقاء قلب الإنسان من خلال إبتسامتهِ البعيدة عن المُكر والخداع والتلّون والزيف، تلك البسمة الخالية من التصنُّع والرياء.
ويتضح من مقال الكاتب بشأن الإبتسامة أنّه يدعونا أن نجعل من الابتسامة واجبًا إجتماعيًا نعبّر فيهِ عن حقيقة نفوسنا الهادفة إلى الخير والحق والجمال، فبالابتسام تُذلّل الصعاب لأنَّ البسمة أقرب طريق إلى القلب، فحين يبتسم المرء للشر يذهب عنه، فمن أجمل ما وهب الله للأرض البسمة المشرقة المليئة بالتوهج والتفاؤل والبهجة.
ويناقش الكاتب الحال المتدهورة التي تعاني منه اللغة العربية في أوساط المتعلمين والمسؤولين والمتنفذين من حيث سوء استعمالها وعدم اتقانها تعبيرًا ونحوًا وغير ذلك من ارتكاب الأخطاء اللغوية الشنيعة التي لا تُغتَفر أدبيًا في كثير من الأحيان، وبالتالي فإنَّ الكاتب يدعو إلى تدارك هذا الوضع المؤلم بالعمل على اصلاح هذه النقائص لننصف لغتنا الجميلة لأنَّ في تجاهل هذا الأمر خيانة للضمير. وقد صدق الشاعر وديع عقل حين قال في هذا الصدد:
أيُها العُرْبُ إذا ضاقت بكُم
مُدُنُ الشرقِ لهولِ العادياتْ
فاحذروا أن تخسروا الضادَ ولو
دَحْرَجوكمْ معها في الفَلَواتْ
 
ومن أجمل ما قيلَ في هذا المعنى ما ورد في شعر حليم دموس:
صونوا حمى اللغة الفصحى فليس
لكم من دونها وطن يعلو له شانُ
فإنْ غفلتم ولم تحيوا معالمها
لا القومُ قومٌ ولا السُكَّانُ سُكّانُ
وفي مقالة الكاتب "ما بين الأدب والغضب" نشعر بمدى اهتمام الدكتور صعب بالتزام المرء بالآداب العامة في التواصل مع الناس لأنَّ من يتبّع طريق السلوك الحسن والكلام اللطيف والمعاملة الانسانية التي تتسم بالتواضع والتسامح ينال ويكسب احترام وتقدير الآخرين له، لكنَّ الكاتب يُشدِّد على الحقيقة بأنَّ هذه الصفات والخصال الحميدة تفقد رونقها إذا سلك الانسان طريق الغضب، لأنّ الكاتب يرى أن الغضب هو آفة الآداب، فمن لا يتمالك أعصابه وينتابه الغضب فإنّه يضيع أدبه ويخسر الكثير من التقدير والاحترام. لذا فإنّه على المرء أن يتفادى الغضب بكل ما يملك من سيطرة على ذاتهِ كي يضمن الحفاظ على أدبهِ واتزانهِ. وهنا يتبادر الى أذهاننا قول الشاعر حول هذا المعنى:
ولم أرَ في الأعداءِ حينَ أختبرتُهُمْ
عَدوَّاً لعقلِ المرءِ أعدى من الغضبْ
كما أنَّ المثل العربي يقول: "مَنْ أطاعَ غضبهُ، أضاعَ أدَبَهُ".
وقد قيل أيضًا "أنَّ الغضب ريحُ قوية تطفىء مصباحَ العقل".
ويتابع الدكتور صعب في مقالاته الحديث عن أمور متنوعة منها مقالة بعنوان "ما بين الاستماع والتحدث" يشير فيها إلى أهمية وفائدة الاستماع الجيد وحُسن الإصغاء في الأحاديث والجلسات الاجتماعية، العائلية والسياسية وغيرها، وفي ذلك مراعاة لأصول الكلام وآداب الحديث بين الناس مما يعكس شخصية الإنسان من حيث اللباقة والهدوء واحترام الغير. ويمكن أن نضيف إلى ذلك أنَّ روح ما ورد في مقالة الكاتب تتلخص في أنّ الإصغاء فن يجمع الخلق الكريم إلى الذوق إلى المحبة إلى الصبر الجميل، وبذلك فإنَّ المرء لن يكون مُحَدِّثًا جيدًا حتى يتعوَّد الإصغاء الجيّد. وقد صدق الشاعر ايليا أبو ماضي حين قال:
إنّ بعـضَ القــولِ فــنٌّ   فإجعــل الإصـغــاءَ فـــنّا
تـــكُ كالــحقــلِ يـــردُّ الكــــيـلَ للـــزارعِ طُــنَّا
وينتقد الكاتب في مقالٍ آخر ظاهرة "الطعن" في الناس حيث يقصد بذلك ذّم الآخرين باغتيابهم مثلأً أو الطعن في أعراضهم وكفاءاتهم وثقافتهم وما شابه ذلك، ويعزو هذا الأمر الى الغيرة والحسد والحقد الدفين، وكل ذلك يتمثّل ويتجسَّد في الطعن السياسي أو الاقتصادي، أو الاجتماعي. ويبيّن الكاتب أنّ الانسان الذي يتمتع بالثقة بنفسهِ والاتزان والامانة والاخلاص لا يلجأ أبداً إلى أسلوب الطعن في الآخرين بأي شكل من الأشكال لأنّه يحيا حياةً مستقيمة قويمة أخلاقيًا ويمتاز بضميرٍ حيٍّ نقي. وفي هذا المقام نستذكر قول مروان بن أبي حفصة في الحُسّاد الذين يحترفون الطعن في الاخيار والطيبين من الناس:
ما ضَرّني حَسَــدُ اللئامِ ولم يَــزَلْ
ذو الفـضلِ يحسُــدُهُ ذوو النُقـصـانِ
ولا يفوت الكاتب أن يعالج موضوعًا جديرًا بالتطرّق إليهِ ألا وهو الجدل أو الحوار وأصوله خاصةً إذا كان هناك بعض الحمقى من الناس المشاركين في الجدل الذين يتمادون بالكلام الشرس غير المُهذَّب، والذين لا يقيمون للأخلاق وزنًا حيث ينصح الكاتب الذين يتعرضون لأذى هؤلاء الحمقى بأن يتجاهلوا ويهملوا مثل هذهِ السفاهة لأن ذلك خير جواب وخير حلٍّ للتخلص من عقم هذا الجدل المشوب بالوقاحة والحماقة أحيانًا كثيرة، والذي يُظهر عقلانية وتسامح وحسن أخلاق مَنْ لا يرد الإساءة بالإساءة، وبهذه الروح نَوّد هنا أن نورد بيتين من الشعر للإمام الشافعي في مثل هذه الأحوال:
يخاطِبُني السفيهُ بكُلِّ قُبْحٍ
فأكرهُ أنْ أكونَ لهُ مٌجيبا
يزيدُ سفاهةً وأزيدُ حِلْمًا
كعودٍ زادهُ الإحراقُ طيبا
وهكذا نكتفي ببعض ما اخترناه من مقالات الدكتور نجيب صعب التي وردت في كتابهِ الجديد "من تجاربي في مدرسة الحياة"، والتي تناولناها بالتعليق والتعقيب نظرًا لفائدتها الأدبية والأخلاقية، ولما فيها من اشاراتٍ واضحة إلى أمور مثيرة للإهتمام في مجتمعنا فكريًا وإجتماعيًا وإنسانيًا حيث يتطلب من المتلقي أن يعير انتباهه لها، ليس من منطلق النقد والانتقاد فحسب، بل العمل جديًّا للاستفادة والاستنارة بتجارب الكاتب وإرشاداته الناجعة التي وردت في مقالات الكتاب، ومحاولة تَبَنّيها، والسير قُدمًا في النهج الخيّر المفيد على الصعيدين الشخصي والعام دون المساس بكرامة أو مشاعر أحد.
فللكاتب الكريم الدكتور نجيب صعب أجمل التهاني بصدور هذا الكتاب، وأصدق التحيات مقرونة بأطيب التمنيات بدوام التوفيق والعطاء.
 
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير
الاسم الكامل :
مكان الاقامة :
التعليق :
هام جدا : أدارة الموقع لا تنشر اي تعقيب فيه تجاوز لقانون القذف والتشهير, وتقع المسؤلية على كاتب التعقيب
Copyright © almadar.co.il 2010-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع المدار الاول في الشمال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت
X أغلق
X أغلق