ان نكتشف انفسنا في الوجود وفي إشكالاته .. كميل فياض
2016-08-31 11:03:23
ان نكتشف انفسنا في الوجود وفي إشكالاته ..
هناك دائما مدارك تحجب وتعيق مدارك اخرى في صميم وجودنا ، وعندما ننطلق من مستوى معين في التفكير والفهم والتقدير ، يكون حتما على حساب ما خفي علينا وانحجب .. ولذلك علينا ان نكشف عن وجودنا الحقيقي قبل اي كشف وقبل تكوين اي رأي واي مبدأ واي طريق الخ .. ولكي نكشف عن وجودنا قبل تكون اي ادراك من اي نوع في مختلف المستويات العقلية والذهنية ، يجب ان نتخلى عن التفكير نفسه ولو لحظات صافية تماما من اي تفكير ، اذ في هذا المقام نكون نحن وجودنا في ذاته دون اي اضافة حاجبه او صفة غير اصيلة غير ذاتية .. وصفاتنا الذاتية هي عين وجودنا نفسه، كالخير والجمال والحرية ، قبل ان تتنزل وتتدانى وتتكثف في صفات ظاهرية غيرية جزئية..
وعموما نحن ننسب الى الذات الحقيقي فينا ما هو ظاهري وجزئي باعتباره الكل ، بسبب انطلاقنا في الفهم من مستوى الحجاب ، او من احد مستوياته ، ومن داخل القناع السيكلوجي لوجودنا ، وفي اطاره عموما نحن نتثقف، نتعلم ، نتحصل، ننجز، نبدع، نبني، نهدم، نتعصب ،نحقد ،نتصارع ونسفك الدم..
وجودنا اذن يتخطى مفاهيم الحداثة والتخلف على حد سواء ، العلمانية والدينية ، القومية والأممية ،الفردية والجماعية .. وجودنا في ذاته يتخطى العرق والجنس والنوع ، اذ كل ذلك يتكون في مستوى التفكير وفي مستوى تماهي الوعي وتشافهه مع الظاهر الحسي والنفسي ، وفي مستوى تجليات الظاهر المختلفة ..
لكن ان نعود الى وجودنا – الحاضر الجوهري والحقيقي – لا تكفي لحظة من الصفاء في الحقيقة ، فهناك احتقابات ومخلفات تراثية وتربوية وثقافية ، هناك عادات قديمة فردية وجماعية ضاربة في العمق من اللاوعي الفردي والجمعي على حد سواء ، لكن لا بد من الحصول على تلك اللحظة وتلك اللمحة الكاشفة المعرية حتى العظم من وجودنا ، كبداية للتحرر والتطهر من مختلف الصنميات المقدسة ، الصنميات التي من ضمنها نحاول عبثا ان نجد حلولا لإشكالياتنا ، كمن يحاول ان يشق طريقه للنجاة من الغرق ضمن الشبكة التي يعلق فيها..
هذا الطرح في الواقع صالح لا ليخدم فقط مجتمعنا الذي يعاني التمزق والحروب الطائفية هنا وهناك على مدار تاريخه ، بل ليخدم الانسان والانسانية في كل مكان وزمان ..
فالشعوب والامم ( المتحضرة والمتقدمة) التي تتفرج علينا ، كما لو كنا نقدم لها مسرحية للترفيه ،هي ايضا تعاني من قلة الخير ومن ضعف في انسانيتها ومن جهل ازاء وجودها الحقيقي ..
واذا كان بالإمكان اعادة تفكيك المواد في المختبرات واعادة كل منها الى مصدره او الى بسيطه تحت المجهر، فان مثل ذلك لا يمكن ان يجري للانسان في اي مختبر نفسي تربوي اجتماعي ديني فلسفي وضعي ..
اذ كل ذلك مركبات وعناصر معيقة ايضاً وحاجبة ... على الانسان ان يتعرى تماماً من كل شيء، من كل نشاط ، من كل صفة ، من كل فكرة ، وان يجد ذاته وحده تماماً .. وحده تماماً لا يعني فرداً منعزلاً عن الآخرين ، بل يكشف بكل كيانه عن كونه الكل ،والكل فيه لا خارجه وهو بلا حدود .
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير