واقعية ولا واقعية احداث العالم الذي نعيش فيه ؟ كميل فياض
2016-09-23 09:57:39
من الأدلة العرضية على ان احداث العالم غير حقيقية رغم المنطق العقلي الظاهر فيها ..
تخيل انك تشاهد مسرحية تتحدث عن جريمة قتل ، وتجري الاحداث على المسرح وكل ما له علاقة في جريمة قتل ،كاعتقال مشبوهين وتحقيق وتمثيل قانون وعرض ادلة وادلة مضادة الخ .. ان ما تراه وتسمعه هو منطقي جدا ويبدو اقعي جدا ، لكن اساس ما تشاهده غير واقعي فهو مجرد مسرحية .. ولو افترضنا انك نسيت نفسك وانسجمت مع ما تتابع على المسرح الى درجة انك لم تعد ترى ان الذي تتعامل معه هو خيال ،بسبب قوة المنطق المتجلية فيه ،ثم أخذت تجادل من حولك حول تفاصيل القضية المعروضة ، حتى يبلغ بك ان تتشاجر معهم ، فانك في هذه الحالة تحتاج الى من يوقظك الى الواقع الحقيقي ..
هكذا نحن ازاء العالم اننا منسجمون مع احداثه ومع اغراضه الى درجة اننا لم نعد ننتبه الى الخلفية التي يقوم عليها العالم ،بسبب ما يظهر فيه من قوة منطق وعلاقات طبيعية، فنحتاج الى من يوقظنا الى وجودنا الحقيقي ..
ان الذي يعطي قوة الدليل على الشيء في الحلم وفي الواقع هو وعي الوجود ذاته فينا ، وهو ذاته فوق الحلم والواقع المحسوس ..
ان علاقتك مع اغراضك الحسية ، مع الأشياء والأشخاص والأحداث ، تسبقها علاقتك بفكرك ومصطلحاتك عنها ، دون ان تحسب وتقيِّم تبلورها عبر الحواس والأعضاء والأعصاب، وتحولها الى مفاهيم ومشاعر أخيراً ، فانت تقيم علاقاتك مع عالم مُبلوَر ومُختَزل عبر مسار انتاج ، يبدأ بأحاسيس وينتهي بمفاهيم ثم قرارات وتصرفات .. الحواس تتوسط بينك وبين الأشياء، والفكر يتوسط بينك وبين الحواس ، ان انعدام الفكر - فرضاً – هو انعدام للعلاقة مع جميع الاشياء ويصبح وعي لا مركزي ، يصبح لا مركز ولا محيط له ، وهذه الحالة لا تتجاوز اللحظات، والا ينقطع عن التنفس عند المجرِّب المستنير ويفارق الحياة الحسية ،من حيث العلاقة السببية بين الفكر والتنفس .. اما الحالة شبه الدائمة لوعي المستنير فهي حالة ذهنية شفافة لطيفة يكون الوعي واع بذاته فيها وبالعالم على ان الأخير صورة تتحرك فيه ..
مع كل ما سبق من قول ،لا يمكن اعتبار الخطأ والصواب ، والخير والشر او الجيد والسيء مجرد احكام عقلية ، او حالات اخلاقية نحن ننتجها ولا وجود لها في الواقع الموضوعي - كما يقول شطر من المفكرين والادباء والفلاسفة والمرشدين الروحيين – اقول ليس الشر مجرد امر نفسي او مجرد مفهوم عقلي اخلاقي الخ .. بل هناك ما هو موضوعي من الشر وما هو ذاتي .. احوال الطبيعة التي لا توافق صحتنا كالحر والبرد الزائدين مثلاً ، وكالفيضانات والانهيارات الارضية ، الزلازل والبراكين والأعاصير ، الأمراض ، كل ذلك شر خارجي لا ارادي ، بل كل ما يجيء بدون ارادة واختيار من قبلنا – سلبي وايجابي على حد سواء جميل وقبيح جيد ورديء الخ، لا يمكن اعتباره احكام عقلية ومحض حالات نفسية ومواقف اخلاقية ،ومن ذلك الجوع والعطش واللذة والألم ، هي حالات تنتجها الطبيعة في الأساس وهي موضوعية ، لكن ما يمكن اعتباره خير ذاتي وشر ذاتي ومفاهيمي واخلاقي ،هو ردود افعالنا ، وهو قوة التمييز بين جوهر الذات وبين العالم حيث يكون الرد مختلفاً بصورة جوهرية ايضاً ..
كميل فياض
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير