الاستوحاد والتعطش الى العطف والحنين .. كميل فياض
2016-09-26 16:27:46
الاستوحاد والتعطش الى العطف والحنين ..
رغم توفر وسائل الاتصال والتواصل بطرق مختلفة وفعالة توجد معاناة من الوحدة ومن العزلة، وهي عزلة قسرية ليس اختيارية عند قسم من رجال ونساء ومن كل المستويات الاجتماعية والثقافية.. هي معاناة قاسية تظهر في بوح صريح صارخ ومؤلم لدى النساء اكثر .. الانقطاع غير الاختياري عن الآخرين - الذين هم في كثير من الاحيان الزوج الاهل الاقارب وحتى الاصدقاء - وفي هذه الحالة فان الشعور بالوحدة يكون مخيفًا قاتلاً ، وهو شعور بالافتقاد وبالضياع يصاحبه خوف فقدان أمن ،تبرم وكره لكل شيء .. واسباب الانقطاع غير الاختياري اما ذاتية نفسية غير توافقية بين الازواج وسواهم ، واما ظرفية نابعة من نظام العيش الحديث وضغوطاته وطول امده .. غير ان مشكلة الناس عمومًا ليس المستوحدين منهم فقط - كما يظهر – هي مشكلة "ايجو" حساس في جوع دائم لمشاعر العطف والحنين ومتطلب الاقرار به والاستحقاق بوجوده ..
وبما ان تناول هذا الموضوع لدي ليس من وجهة نظر مختص نفسي او اجتماعي ، وانما من منطلق تجربة عرفانية روحية تجاوزية أقول : اذا كان هناك مشكلة فعلية في بعض العلاقات الزوجية وسواها، فان المشكلة عموماً ، مشكلة (الاستوحاد) والحاجة الى انتباه الآخرين وعطفهم ، قائمة في حياة الناس ايضًا بغض النظر عن مشاكلهم الخاصة..
ليس حل مشكلة الحاجة الى الحنين والعطف من الآخرين ، هو الاستصراخ والتذمر والعتب والذم في حال عدم الحصول عليه ، فهذا غالبا ما يؤدي يا اما الى الكراهية للآخرين، او السخرية منهم والتعالي عليهم..
ضروري ان نعرف ان ما يحتاج فينا الى عطف الآخرين هو ذاته ما يحتاج الى الاقرار به والاعتراف به كشيء مميز ، وما هذا الشيء سوى "الايجو" ولذلك فان مشكلة الشعور الساحق بالفقر الى الحنين والعطف ، تكمن في العمل على الكشف عن جوهر الذات غير المشروط .. فمشكلة الايجو في انه وهم لا يشبع من الوجود ومن الظهور والبروز، ومن مشاعر الاخذ (والعطاء) .. هو كالثقب الاسود الذي يتحدث عنه علماء الفضاء، يبتلع كل ما حوله من كواكب ونجوم ويظل فارغاً .. وحتى نكون واقعيين ان مسألة الكشف عن جوهر الذات كوعي غير مشروط ليس أمراً سهلاً ويسيراً وفي متناول كل باحث وكل دارس ،ولا يتأتى بمجرد التناول العقلي وبمجرد التحليل النظري والتعلم العادي ..
هي عملية تقتضي من الوعي (غوصًا كليًا في ذاته حتى اختفاء كل ما عداه ).. والقصة تبدأ برغبة لا تعرف المهادنة للكشف عن حقيقة الذات التي يتبين انها هي حقيقة الوجود ، الحقيقة الأخيرة للوجود.. ويظهر في هذه التجربة ان الوعي هو ذاته الوجود ولا يوجد اثنان ( وعي – ووجود) حيث كل مطالب الشعور من جمال وكمال وحرية تكمن فيه كجزء من ذاتيته.. وفي حكمة الأوبانيشاد الهندوسية هو " سيت شيت انندا " الوعي الوجود السعادة .. وليس حصول التجربة هو نهاية المعاناة تماماً ، حيث يظل أثر الماضي ومضاعفاته يعمل في الحاضر ويبرز من داخل اللاوعي ، لكن مع اعادة التحقيق وبذل جهد للغوص في الذات - في كل مرة تبرز المعاناة - يختفي كل اثر سلبي ..
كميل فياض
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير