الحرب في سوريا، بالعين المجرّدة ترجمة: أمين خير الدين
2016-10-03 19:50:39
الحرب في سوريا، بالعين المجرّدة 
جدعون ليفي
هآرتس 2016/10/2

ترجمة: أمين خير الدين
هنا  على بُعْد 300 متر، دروز في الجولان، تنصبّ أنظارهم إلى قرية  فيها أبناء عائلاتهم المُحاصَرين  الذين  يقصفهم المتمرّدون، زهيرة تبعث رسالة  وتتلقى  تقريرا: لا طعام لدينا، في الليل نسمع صراخ الجرحى.
     
 دروز يشاهدون  المعارك وراء الحدود بالقرب منهم هيكل دبابة سورية من حرب 73 – تصوير اليكس ليبك.
 
إليكم صورة للحرب،  شيء خيالي: قطيع من الغنم  ينحدر على سفوح التلّة، يتقدّم للشمال، يرافقه راعيان، أحدهما من أمامه والآخر من خلفه، تبدو الأغنام كنقط بيضاء على تربة بازلتيّة سوداء. تلتهم بقايا المراعي اليابسة آخر الصيف، الراعيان هادئان – ماذا يمكن أن يُزْعج راعي الأغنام، حتّى لو كان سوريّا؟  يتقدمان ببطء، فجأة يُسْمَع انفجار يصمّ الآذان، مكتوم لكنه شديد،  بعد ثوان يرتفع الغبار كالفطرٍ، على بُعْد  عشرات الأمتار من قطيع الأغنام، تطير العصافير  مذعورة، ونحن نرتعد مثلها، لكن الراعيين وأغنامهما لا يباليان، كأنه لم يحدث شيء، ولم تسقط قذيفة ، وكأنه لا حرب هنا.
      ثمة مكان يقع بين  بقعاثا  ومجدل شمس، شرقي الشارع الرئيسي، بمحاذاة  الشريط الحدودي، يمكن منه رؤية الحرب في سوريا بالعين المجرّدة، يشرف المكان على قطاع  الحدود بين سوريّا وإسرائيل،. مُدّ يدَك والْمَسْ هذه الحرب الملعونة، هذا هو أقرب مكان من الحرب،  طريق من الكركار، تلتفّ بين كروم  التفاح والأرض البور، في نهاية الطريق لافتتان مرعبتان ومتشابهتان: "خطر على الحياة، منطقة عسكريّة، مَنْ يعبر يُعرّض نفسه للخطر" .ومَوْقِعان مُحصّنان بحجارة بازلتيّة. ينتهي الطريق بجدار حدودي  فيه بوّابة مُغْلَقة، والحرب خلف الجدار. 
     على تلتين متقاربتين يجلس مصوِّرو الصحافة العالميّة، كعاطف صفدي مصوّر وكالة أنباء أوروبية، ينتظرون أُطُرُهم، كالصيادين الذين تعوّدوا الانتظار. استطاع أحدهم، كما يقول أن يصوّر الطائرة السورية التي أسْقَطتها إسرائيل قبل حوالي سنتين. حين قصفت الطائرة مواقع المتمرّدين، واقتربت من الحدود، لكنها لم تجتزها. ويأتي إلى هنا أيضا بعض سكان القرى القلقين على مصير أقاربهم في القرية التي تُقْصَف أمام أعيننا.
    أحيانا يتصلون هاتفيا  بالقرية التي تُقْصَف، إمّا أنهم يبعثون رسائلهم ليطمئنّوا عما يجري أو عن الأحوال، تخيّلات.في أواخر الأسابيع يأتي إلى هنا دروز من إسرائيل، شخص ما ، من بقعاثا، احضر إلى هنا أريكة مسْتّعمَلة زرقاء، كما كان على التلال المحيطة بسديروت، حيث أحضر السكان أرائك مُسْتعمَلة ليروِّحوا عن أنفسهم ، وهم يشاهدون من على المائدة الرمليّة قطاع غزّة  حين تقصفه إسرائيل، وكانوا في سديروت بشهوة  الانتقام، وهتافات  الشرّ يصفِقون لكل قصف على غزّة، بينما هنا يرتعدون من كل قذيفة: هنا تُقْصَف العمّة والعمّ والخوف على سلامتهم شديد.  
    أصْداء القصف لا تتوقف، من كل ناحية، القذيفة تلو الأخرى، أعمدة الدخان ترتفع بعدها. حرب. ليست حلبُ  بفظاعتها، لكنها حرب استنزاف لها قواعدها الواضحة، يقولون في الجولان إن إسرائيل تمنع جبهة النصرة من احتلال القرية المُقابِلة، القصف فقط لاستنزافها ولإرهاقها: لقد سيطر المتمردون على كلّ المنطقة الحدوديّة المحاذية لإسرائيل، بدعم وبصمت من إسرائيل، باستثناء هذا المكان، مقابل قرية حضر، القرية الدرزية التي يقطنها 11 نسمة، بيوتها متفرقة على سفح التلة المقابلة. 
  حَضَرْ عن يسارنا، تدافع عنها ميليشيات محليّة، والجيش السوري، وعن اليمين، أشجار يختبئ  بينها محاربو جبهة النصرة. هناك ماسورة راجمة لهم، مخبّأة تحت شجرة، أحيانا  تطلّ رؤوسهم. أصحاب الخبرة من المحليين يلتقطون، بكاميراتهم المتطوّرة من بين الأشجار "الدوشكا" – وهي تندر عليه مدفع رشاش يُطْلِق النار على قرية حَضَرْ. وتردّ القرية بقذائفها، أليس هناك احتمال بأن يصوِّب المتمردون قذائفهم على التّلّة حيث يقف عليها دروز، بالخطأ أو عن قصد؟  يقول السكان هنا "هذا خطّ أحمر" ، لكن مَنْ يعْرِف؟" .
     تقترب سيارة جيب وهي تثير الغبار من التلّة، الزوجان زهيرة وسمير خاطر من مجدل شمس، عمّة زهيرة، نجيبه، تعيش في حَضَرْ وابنة أخيها قلقة على سلامتها وعلى سلامة أولادها وعلى سلامة أحفاد زهيرة لم تذهب اليوم إلى العمل –  وهي تعمل في التمريض في مسعده، اقترح عليها زوجها أن يأتيا إلى هنا لمشاهدة الحرب، عمّتها  70 سنة وهي تسكن على بُعْد مئات الأمتار عن بيتها، التقت معها قبل تسع سنوات في لقاء أقارب في عمّان.
 كلّمَتْها اليوم، في الصباح، وقالت لها عمّتُها إن الوضع  في القرية  صعب جدا، لا طعام لديهم، أكلوا في الأيام العشرة الماضية فقط خبزا وزيتا وزعترا، تجلس العائلة كلّها في المطبخ الداخلي، أكثر الأماكن أمْنا في البيت. في الليل نسمع صراخ الجرحى في القرية. ليست هناك طريق لنقلهم إلى دمشق، الطريق الرئيسي مُغْلق، والطريق الجانبي مكشوف أمام القنّاصة، وكما تقول زهيرة لا يوجد في القرية طبيب ولا مستشفى، النساء يُعالجن الجرحى. تنقل إسرائيل لداخلها فقط جرحى جبهة النصرة. ويقول زوج زهيرة، سمير، إنهم يساعدون الإرهابيين فقط"، ويُسْمَع في الجولان، بغضب شديد عن دعم إسرائيل للمتمردين. 
   هناك من يُقْسِم أن إسرائيل تقصف حَضَرْ مساعدة للإرهابيين،  مع أن الإرهابيين توقفوا، ولم يحتلّوا حضر، من اجل إسرائيل، تجنيد الدروز  في إسرائيل ضمانة جيدة لسلامة القرية، يمكن للعرب أن يتعلّموا، من الدروز في إسرائيل، درسا بالتجنيد من اجل مساعدة إخوانهم، يقولون في الجولان إن الجنود الدروز في ج.د.ا. لن يقفوا مكتوفي الأيدي إذا ما احْتُلَّت حَضَرْ، ويقول سمير الذي عمل بتشغيل أجهزة ميكانيكية ثقيلة،  ببناء الجدار الذي أمامنا، والذي أُقيم قبل اندلاع الحرب الأهليّة،  إن الطير لا يمكنه اجتيازها.
   قبل مدّة، خضعت زهيرة لعمليّة جراحيّة في مستشفى رمبام، وفي الغرفة المجاورة  رقد جريح من المتمرّدين، ذُهِلت زهيره وزوجها من العلاج الجيد الذي تلقّاه: عندما استيقظ فجأة ورأى بجانبه  ممرّضة يهوديّة، ظنّ أنه في جنّة عدن. كيف دلّلته – مع نه إرهابي. يقولون لكم إن إسرائيل تساعد مواطنين سوريين – هذا كذب، هؤلاء ليسوا مواطنين، وليسوا آدميين.   
  أحفاد العمّة نجيبه، كباقي أطفال حَضَرْ، يخضعون لظروف نفسية صعبة يعيشون بخوف مستمر، لا ينامون الليالي، يزداد الآن عندنا القصف،  تبعث لها زهيرة رسالة بواسطة الواتس أب . فتجيبها عمّتها خلال دقائق:" الوضع صعب جدا، نأمل أن يتراجع المتمردون باتجاه حَمْرايا". حَسَنْ ابن نجيبه. يحارب مع الميليشيات المحليّة. الآن هو على الهضبة المُقابلة لنا، ربما يقصف هو أيضا، الحرب في سوريا مأساة عائليّة.
ورديّة قَصْف
    خليّة نحل في السهل، بيننا وبين الحرب. يقترب جيب ل- ج.د.ا. من الجدار، ويغادر بسرعة، "لدى الكلاب دوشكا".  يقول أحدهم، إثر سقوط قذيفة أخرى على حضر. في الصباح قصفوا المدرسة في آخر القرية، والآن المقبرة هي الهدف، لأن بها موقعا للجيش السوري.إنها حرب تدريجيّة. في الليالي قصف مُثير جدّا، القذيفة تترك ذيلا أحمر. قال موقع الأخبار "حَضَرْ – الحَدَث" (حَضَرْ-- الأخبار)الذي يسمعه الجميع بواسطة المحمول، إنه قُتِل في الصباح شخصان من القرية جرّاء القصف. تقع جنوب حَضَرْ قريةُ جبّاثة الخشب، التي يسيطر عليها المتمردون، وفيها يتمركزون.  
  عندما يمرّ تندر للمتمردين مسرعة، يقول المحللون من مجدل شمس، إن ورديّتهم انتهت، وإنهم عائدين إلى قريتهم، وراء الحُرْش. ويعرفون أن مُعْظَم القصف يتمّ بعد 11 صباحا، عندما تُزغْلِل الشمس عيون المحاربين في حَضَرْ وشمالي حضر  هناك قرية تخضع لسيطرة المتمردين هي قرية بيت جن. يُحاصرها الجيش السوري، ويترك منفذا  للهروب إلى لبنان،  يسعى المتمرّدون لفتح ممر بين قريتهم  وبيت جن، وقرية حَضَرْ تقع في الوسط، وعلى ما يبدو إسرائيل تمنعهم من احتلالها."إذا سقطت حضر لم يعُد لسوريا وجود على الحدود"يقول أحد السكان، ويقصد بقوله جيش بشار الأسد الذي لا زال يحظى بدعم الكثير من الدروز: أن هناك قرية درزية صغيرة هي حرفا، تقع خلف الهضاب، هجرها سكانها ولجئوا إلى حَضَرْ.
   انفجار، يليه انفجار. قبل أسابيع ألقى الجيش السوري براميل متفجرة من طائرة هيلوكبتر على موقع للمتمرّدين مقابلنا، بالقرب من قريتهم جباثه هناك البوابة التي ينقلون عبرها الجرحى،  فقط جرحاهم إلى إسرائيل، .تبعد دمشق ساعة سفر، وتبعد حلب خمس ساعات سفر عن دمشق. كلها قريبة. مِرْعي غالا مصوِّر وكالة الأنباء الفرنسيّة  في الجولان، درس أربع سنوات طب أسنان في دمشق، وزار حلب أكثر من مرّة، يقول إنها كانت مدينة جميلة ونشيطة، لم ينه دراسته، ملّ العيش في سوريا قبل اندلاع الحرب التي لا أحد يرى لها نهاية، وحتّى في القطاع القريب أمامنا.
2016/10/2 
     
 
 
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير
الاسم الكامل :
مكان الاقامة :
التعليق :
هام جدا : أدارة الموقع لا تنشر اي تعقيب فيه تجاوز لقانون القذف والتشهير, وتقع المسؤلية على كاتب التعقيب
Copyright © almadar.co.il 2010-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع المدار الاول في الشمال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت
X أغلق
X أغلق