كرامات ..." في المزاد العلني " بقلم: د.نجيب صعب – ابو سنان
2016-10-05 08:18:47
كرامات ..." في المزاد العلني " بقلم: د.نجيب صعب – ابو سنان
قد يستغرب البعض لهذا العنوان الذي اخترته بكل صدق وأمانه , وحقيقة ان الكرامات في معظمها لا تجلس في مكانها الصحيح , وإنما " حقاً في المزاد العلني " هذا ما يدرك الكثيرون في خضم حياتنا اليومية وفي مختلف الاطر العمليه والنظرية خلال تفاعلنا في المجتمع والأمر بدون شك واضح للعيان .
من يعرف معنى الكرامه وقيمه الكرامه لا يغيب عنه جوهر هذه الكرامة لأن الكرامه , لا يمكن لصاحبها ان يعزّ عليه شئ غيرها او على الاقل قبلها, إلا اننا نرقب وبدون ريب وبكل صراحة أن الكثيرين دون قصد ايٍ كان , بعيدين كل البعد عن الكرامات , ليس فقط انهم بعيدين وإنما لا يفقهون معناها , وحتى لا يعرفون قيمتها, ويظنون أن كل شئ في هذه الدنيا لا يهمهم طالما يربحون شيئاً ما, أما في الناحية الماديه أو في تنفيذ مآرب خسيسة , مآرب دنيئة , مأرب يتبرأ منها كل صاحب ضمير حي, لأنها تستند على نوايا غير مقبولة, وتستند على خلط الحابل بالنابل , وكذلك تستند في الاساس ايضاً على تفضيل فلان على علان ليس من نابع الموضوعيه , وإنما من نابع الألاعيب الرخيصة اما سياسياً أو اجتماعياً, ضارباً عرض الحائط كل القيم والأصوليات التي ينبغي على الأهل والأصدقاء ورفاق الدرب على مدى سنوات مديدة صيانتها , كل هذا من منطلق اساس المثل الشعبي الذي لم يُقَل صدفه وهو " بوس الأيادي ضحك على اللحى " علماً بأن الأمور مهما كانت صغيرة أو كبيرة فصاحب الكرامه لا يمكنه ان ينزل لمستوى من هذا النوع في التعامل , وإنما يتعالى عن مثل هذه الصغائر , وفي جوهره يحتقر مثل هذه السلوكيات ليس لأنه ضعيف النفس أو الشخصيه وإنما العكس هو الصحيح .
فالكرامة لا تقاس بكثرة المال , والكرامة لا تقاس بالمناصب , وكذلك الكرامة لا تقاس بألاعيب متعمّدة ولا بخطىً دنيئة , وإنما تقاس بأخلاقيات هذا المرء أو ذاك ولمدى ادراكه لكرامته وللحفاظ عليها في كل حين وليس حسب الظروف , لأن الكرامة لا مساومة فيها إلا عند فاقديها , وترى هنا وهناك من يبرز في موضوع ما , أو يميز في نشاط معين , ويصول ويجول في مجالات عدة , ويعرف حقاً أن كرامته متدنية في التصرفات , مدنية في السلوكيات , متدنية في التعامل ومتدنية في حياته العائلية ايضاً , وتصل في كثير من الاحيان الى الحضيض , وفي المقابل يخيل له ان احداً لا يدري ,وانه واعٍ وصاحٍ بين غافلين , لا يا أخي هذا الاعتقاد خاطئ ثم خاطئ , فاليوم الامور تختلف عن ذي قبل , فالمعظم في المجتمع يدرك ما يدور حوله ولو جزئياً , يقوم برد فعل وبتسرع ,فهؤلاء تعز عليهم كرامتهم إلا إنهم بحاجه الى تروي والى ادراك اكثر على قول المثل " اجا يكحلها عماها " !!! .
ونفر أخر يدرك معنى الكرامه ويقولها صراحة , أنا متزّن , أنا مدرك , أنا متمرّس , أنا لا افرّط بكرامتي مقابل تصرفات لا يمكنها أن تدعم المرء اخلاقياً , وتراه ينظر بسخرية وبقناعه في ذاته أن الكرامه لا تحدد من قبل الآخرين ,وإنما الانسان نفسه يحدد كرامته فلا يمكن أن يُمس هذا المرء إن كانت كرامته تعز عليه بمجرد تصرفات يقوم بها آخرون لإغاظته أو المَس به وبكرامته .
فالواقع الصحيح يفرض ايضاً كرامته على الواقع الدنيء , وقد لا يتأثر الواقع الصحيح بكل امرئٍ بمجرد اساءه الآخرين إليه , وإنما يشعر بالاعتزاز وبالكرامة الحقه التي تعرف أين هي ومع من موجودة .
فالكرامة أعزائي القراء ليست وقفاً على احد , والكرامة ليست بالصول والجول , ليست بالتصريحات الرنانة , الادعاءات ,وإنما بالجوهر المبطّن في الاباءه والمعنوية الصلبه والأخلاقيات.
فماذا تفيد الصولات والجولات والتصريحات والادعاءات اذا كان الجوهر تعباناً وبعيداً كل البعد عن المنطق ألأمانة الصدق والسلوكيات الحسنه , عندها لا رصيد اجتماعي في الحقيقة , ولا حصن داخلي في الأخلاق.
وعليه بل يترتب على اصحاب الكرامات تقييم انفسهم من جديد وعدم الانجرار وراء أنيات أولها معروف وأخرها معروف ومن يرتكبونها معروفين , فطوبى لأصحاب الكرامة الذين حقاً تليق بهم ويذودون عنها بشتى المواقف , و يحافظون عليها من الذوبان والانصهار ,لأن هذا التصرف قد يفقدها مصداقيتها وربما يعّريها ويعّري اصحابها من كل جوهر اجتماعي صادق وموضوعي .
وحقاً يطرح نفسه في نهاية هذا السياق رأي صريح,هو بأن الكرامات لا تليق إلا بأصحابها وذويها وتقاس بجوهر اصحابها وليس بالمظاهر الخارجية أو بما يسمع هنا وهناك, وعليه ينبغي مراجعه الاوراق الشخصيه لكل منا وكل حسب ما يراه مناسباً وبالطبع اذا تمكن من ذلك , كي لا تكون الكرامات " في المزاد العلني " .
وقد ورد على لسان المغفور له المرحوم عطوفة سلطان باشا الاطرش قبيل وفاته حين سُئل لمن تورث عباءتك ؟؟؟ وكاد ورده : لقد نسجت عبائتي بيدي ولا استطيع ان اورثها لأحد , من يريد لنفسه المقام العالي عليه أن ينسج عباءته بنفسه .
وفي النهاية أود أن أنوّه الى الكرامة والاحترام الذاتي لا يمكن أن ينقل من إلى , وإنما كل مسؤول عن ذاته ويحدد بموجب تصرفاته مدى كرامته أو عدم وجودها .
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير